الجمعة، مارس 30، 2007

شعب الله المنهار

سعيد علم الدين

وإذا كان اليهود قد وصفوا أنفسهم بأنهم شعب الله المختار، فصدقوا ذلك، صفقوا وهللوا في سرهم ابتهاجا لهذا الانتصار الإلهي، الذي ما أراحهم يوما وما ارتاحوا وأراحوا لحظة واحدة في حياتهم ومنذ سنوات التيه في سيناء. وها هي الحروب والفتن ومؤامرات أو بروتوكولات حكماء صهيون وأسرارها وتداعياتها ما زالت تلاحقهم عداءً للساميةِ ويلاحقونها في كل مكان. وقد تسببوا بسبب ذلك بمأساة رهيبة لا تُغتفر للشعب الفلسطيني المنكوب بشعب الله المختار.
وكيف يَعِدُ الله شعبَهُ المختار بأرض الميعاد على حساب حقوق الفلسطينيين المعمرين لأرض فلسطين قبل اليهود بآلاف السنين؟
لقد جلب اليهود لأنفسهم بهذا التوصيف كراهية وحقدا وحسدا وبغضاء وغيتوات عنصرية في معظم الدول التي استضافتهم أو أضافوا أنفسهم إليها وظلوا جسما غريبا في داخلها، لأنهم اعتقدوا بأنهم شعب الله المختار، أي الأعْلَون . حتى أن هتلر بسبب ذلك ولأسباب أخرى قرر إبادتهم عن بكرة أمهم وأبيهم. ولو قدر له وانتصرت النازية في الحرب العالمية الثانية لانقرضت اليهودية نهائيا من العالم ومعها شعب الله المختار.
وإذا كان اليهود قد وصفوا أنفسهم هكذا رغم أننا نرفض ذلك، لأن الله عادلٌ ولا يمكن أن يميز شعبا عن شعب آخر، وإلا فإن الله الذي يقوم بهذا التمييز هو إله لليهود فقط أو إله يهودي. وإذا أخذنا بهذه النظرية نكون كمن يؤمن بإله عنصري ليس له علاقة بباقي البشر.
فالله الحق يفقد ألوهيته ويتحول إلى أداة بيد البعض عندما يميز عشوائياً بين البشر.
رغم مؤتمر القمة العربي الأخير في الرياض وكل الضوضاء الإعلامي والكلامي الذي رافقه لا نعتقد بأنه سيستطيع انتشال الواقع العربي والإسلامي المرير من البئر.
ففي الصومال هناك انهيار كامل منذ عشرات السنوات للمجتمع والدولة والشرعية، حيث تحولت المحاكم الإسلامية الأصولية إلى مجموعات إرهابية لتوزيع الجهل والفقر والبؤس على الناس.
وفي العراق المنكوب بأقزام النظام الدموي الصدامي الذي قدم بحماقاته المتكررة دون ان يرعوي العراق لقمة سائغة في فم الغول الأمريكي، والمذبوح حتى الوريد من جماعات الإرهاب الهمجي السني والشيعي، والمستباح بخبث من الشقيق العربي السوري الذي يرسل السيارات المفخخة والإرهابيين لقتل المدنيين العراقيين، وأيضا بحقد دفين من الشقيق العجمي الإسلامي الذي يرسل مخابراته الإلهية تعيث في العراق تخريبا وتقسيما وتفجيرا.
الهدف المنشود في نظر الحلف الإيراني السوري هو ان تنهار الدولة العراقية الديمقراطية الجديدة ولا تقوم لها قائمة. إنه أعظم انتصار لهذا الحلف الإلهي أن تفشل التجربة العراقية حتى ولو اختفى العراق كوطن عريق وعظيم وحضاري نهائيا من الخارطة. مع ان نجاد تحدث عن محو إسرائيل عن الخارطة إلا أن هدفه الأسمى محو العراق ولبنان وعند الوصول الى إسرائيل ستنتهي الممحاة.
ولهذا ففي لبنان تحول الحلف الإلهي إلى وحشا ضاريا من خلال أنيابه الصاروخية يريد أن يفترس الحكومة اللبنانية المنتخبة شرعيا ويحول المجتمع إلى غابة من الوحوش بعد أن اخترقته المخابرات السورية بأفاعيها التي تنفث سموم الفتنة علنا بين اللبنانيين وفي كل مكان.
في الماضي كانوا يرتكبون الجريمة ويتهمون ببساطة إسرائيل أما اليوم فقد انكشفوا على حقيقتهم الخبيثة وصاروا يرتجفون خوفا وهلعا من كلمة محكمة دولية. تهاوت ورقة التوت عنهم وكشفت المحكمة حقيقتهم قبل أن تتشكل. تم القبض على العديد من السوريين في عمليات التفجير والقتل آخرها عملية عين علق.
"فتح الإسلام" زرعتها المخابرات السورية في المخيمات الفلسطينية لممارسة فن الإجرام ضد اللبنانيين. أي أن هدف الحلف الإلهي أو الشيطاني لا يهم التوصيف ما دام الجوهر والهدف واحد وهو العمل على تدمير لبنان والعراق ولو استطاعت أيديهم أن تطول أكثر لما بقي لشعب فلسطين أدنى أمل. واذا نظرنا إلى كل دول العالم العربي والإسلامي الأخرى حتى المستقرة قليلا نجد أن واقعها من سيء إلى أسوء اقتصاديا وسياسيا، ثقافيا واجتماعيا، أخلاقيا وروحيا: الفساد منتشر، والجهل مسيطر، والفقر شيء طبيعي، والتخلف مطلوب، والبؤس على الوجوه، والمرض حالة عادية والشفاء يأتي من الله، والناس هائمة على غير هدى تنتظر الفرج من الغيم الأزرق. الملايين المؤمنة تذهب سنويا إلى الحج لتؤكد أننا أكثر الأمم تعبدا وإيمانا ودينا وممارسة شعائر وتقديس طقوس في هذا العالم. السودان ما زال يطبق الشريعة بقطع الأيدي والأرجل ليتكاثر المعاقين والمرضى في المجتمع، وهو بمشاكله وحروبه ليس أفضل من باكستان حيث السنة والشيعة يفجرون مساجد بعض دون خوف من ساعة حساب وآخرة وعقاب. وكأن تفجير مسجد للشيعة هو الطريق إلى الحوريات المنتظرات في الجنة. وكأن قتل المصلين في مسجد السنة هو الخط الروحي للوصول إلى الفردوس. المستقبل العربي والإسلامي مظلم ككل هذه العقول الظلامية المتحكمة بالناس والمجتمع ومؤتمر القمة لن يغير هذا الواقع بالكلام. وبعد كل ذلك بأي توصيف واقعي نستطيع نحن العرب توصيف أنفسنا دون أن نجرح شعور الكبرياء عند البعض ونتعرض لنرجسيتهم. ألسنا بحق شعب الله المنهار دون منازع؟ ودولنا وأنظمتنا وإنساننا ومجتمعاتنا في تراجع وانهيار وهزائم متتالية لا تنتهي!

الخميس، مارس 29، 2007

طرد موريتانيا من جامعة الدول العربية

فيلم مصور من موريتانيا
**
بقلم : يوسف فضل
تدرس الأوساط العربية المعنية في جامعة الدول العربية مشروع بإجماع القمة العربية الحالية بطرد دولة موريتانيا من جامعة الدول العربية لأنها:-
أولا: أجرت انتخابات (ديمقراطية) وفاز بالرئاسة فيها سيدي ولد شيخ عبد الله بحصولة على 52.85% من الأصوات مقابل 47.15% لمنافسه احمد ولد دادة
ثانيا : أن السبب في طرح هذا المشروع أن الرئيس الفائز لم يحقق نسبة النجاح الرئاسية العربية المعتادة 99.99% مما يعني أن موريتانيا (بلد المليون شاعر ) لم تستطع أن تفرز رئيس عربي ملهم لديها وهذا بالتالي يعني انخفاض في معيار ايزو الرئاسة العربية (المنتخبة وغير المنتخبة ) وتسجيل فضيحة لنا بين الأمم . يا شماتة القوى الديمقراطية والمحبة للسلام فينا .
ثالثا : لتعود دولة موريتانيا إلى رشدها وإقرارها بان الاعتراف بالخطأ فضيلة.

كتبتلك
الصحفي : إسرائيل رفضت المبادرة العربية ؟
الأمير سعود الفيصل : هذه هي عادة إسرائيل . دائما نقدم المبادرات وهي ترفض .

قطع قلبي هذا الجواب المتواضع نتف نتف لان الرد المنطقي : " إما أن تقبل إسرائيل بالمبادرة أو........." . لكن ( أو ) تعني شعار المؤتمر " التضامن قوة " المسلوب الإرادة . وجدت أن أفضل تعزية له أن يتسمع لأغنية " كتبتلك " لدينا حايك .

المشكلة في اللغة
صديقي الأول : اعتقد لو انك بدل بان كي مون لأصلحت من حال العالم العربي .
صديقي ا لثاني : يا ريت بس المشكلة لا اعرف لغة لمخاطبة العالم العربي .
صديقي الأول : إذا خلينا على مشاهدة الرسوم المتحركة بو كي مون المملة .

إجازة على موتور سايكل
ليس لدى موتر سايكل وان كنت تمنيت ذلك وأنا في العشرينات من عمري لكن أحد أصدقاء مجموعة هارلي (نوع موتر سايكل ) أردني الجنسية قرر أن يذهب إلى الأردن للتمتع بإجازته راكبا موتر سايكل وعند مدخل قريته أوقفه احد كبار السن من القرية الذي يعرف انه يعمل في السعودية ونظر إليه راميا عليه كل معاني الشفقة الإنسانية راثيا لحال هذا المغترب وقال له : " ما قدرت تصبر على العمل كمان ستة شهور وأحضرت سيارة لأهلك مش كان أحسن " . لم يحر هذا المغترب أي جواب لأنه يدرك أن هذا الرجل لو علم أن ثمن هذا الموتر سايكل 45 ألف دولار لن يصدقه ولأعتقد أن هذا المغترب قد تعرض لضربة شمس .

editor@grenc.com
فيلم عن مسيرة موريتانية من أجل مكافحة المجاعة

البيان الختامى للقمة العربية ال19




تغطية اخبارية خاصة
ناصر الحايك
فيينا النمسا

نحن الزعماء والملوك والأمراء والسلاطين وأصحاب الجلالة والسمو والمعالى والحكام العرب خرجنا بالأمنيات الوردية والقرارات المصيرية التالية:

أولا : نرجو من المولى جلت قدراته أن يمن بالشفاء العاجل على أخينا بطل السلام شارون المبتلى المقعد العاجز ونسأل الله تعالى أن يعجل فى قبض روحه ان كان فى موته خيرا لشعب الله المختار عسى أن يعوضنا سبحانه ويخلفنا بمن هو مثله مع علمنا التام بأن مصابه الجلل ماهوالا كفارة عما اقترفه مضطرا ومرغما من مجازر بحق اخواننا الفلسطينيين وصفت ظلما وجورا بأنها وحشية.

ثانيا : تقرر عقد القمة العربية المقبلة فى دولة اسرائيل الحبيبة بعد انضمامها الى عضوية جامعة الدول العربية اثر طلب كان قد تقدم به الشهيد الراحل رابين اسكنه الله فسيح جنانه حيث كان الفقيد أول من ابتكر نظرية تكسير عظام الشبان الفلسطينيين وحصوله على جائزة نوبل للسلام مثار فخر لنا كحكام ليعلم العالم المتحضر بأننا قوم نقابل الاساءة بالاحسان.

ثالثا : فى العام المقبل سنداهم أحباب الله فى عقر دارهم تحت شعار " ارفعوا الرايات البيضاء " وليكن يوم الجمعة يوم الفتح المبين ليس بالسيف ولكن بغصن الزيتون الأخضرعلى أن نصلى صلاة الجماعة فى باحة المسجد الأقصى امام وسائل الاعلام وحرصا منا لاثبات حسن النوايا المكنونة فى الصدور قررنا فخامتنا أن نبايع أولمرت الودود أو من سيخلفه اماما علينا لنثبت لسيدنا بوش و للشعب الاسرائيلى الصديق بأننا طلاب سلم ودعاة سلام عملا بالآية الكريمة "وان جنحوا للسلم فاجنح لها ".

رابعا: تنظيم انتخابات رئاسية حرة و نزيهة فى الدول العربية تكون الكلمة الفصل فيها لصناديق الاقتراع على أن لاتتجاوز مدة الولاية للرئيس المنتخب الخمسين عاما قابلة للتجديد فى حال نزلت الجماهير الى الشارع وطالبت خليفة الله فى الأرض البقاء فى السلطة وبشرط أن يكون الرئيس الاميركى الأسبق جيمى كارتر ضمن فريق المراقبين على الانتخابات.

خامسا : صمتنا عن قتل اللاجئين الفلسطينيين فى بلاد الرافدين وتغاضينا عن الردى والظلم يندرج وفق خطة استراتيجية لتضليل العدو المتربص بالأمة وقرارنا الصائب بعدم فتح الحدود لهم يصب فى مصلحتهم لاسيما رفض مؤامرة التوطين جملة وتفصيلا وتكريس حق العودة ، وانطلاقا من مسؤولياتنا التاريخية تجاه قضايانا الوطنية لا نجد حرجا من سقوط بعض القتلى الأبرياء هنا وهناك للحفاظ على التوازن الديمغرافى عند اقامة دولة " اسراطين " المستقلة.

سادسا : نتبنى بالاجماع المفهوم الوطنى لفخامة رئيس جمهورية جزر القمر الاتحادية الاسلامية " أحمد عبد الله سامبى" ونثمن عاليا المبادرة التى تقدم بها سعادته والمتمثلة بعرضه السخى استضافة أكثر من 5 ملايين لاجىء فلسطينى لايقطنون أرضا واحدة على احدى جزر الجمهورية والتى تتكون من 4 جزر أساسية ( القمر ، انجوان ، مايون وموجلى ) وترك حرية اختيار الجزيرة التى تحلو لهم مع منحهم حكم محلى محدود بالاضافة الى امكانية صيد الأسماك فى المياه الاقليمية للجمهورية.

سابعا : قضية القدس تظل معلقة الى حين ظهور المهدى المنتظر.

ذكرى يوم الأرض.. الامثولة والمعاني




سعيد الشيخ

في الثلاثين من آذار من كل عام يحتفل شعبنا الفلسطيني في الوطن المحتل وفي الشتات بذكرى يوم الارض.. حيث وفي مثل هذا اليوم وأينما كان الفلسطيني يأتيه عبق الارض مع ربيع متجدد لعهد متجدد بأن تبقى هذه الأرض بلاد الفلسطينيين مهما اوغل الاحتلال الصهيوني سكاكينه في الكينونة الفلسطينية.

الجسد سيظل عصيا على الزوال والابادة، يطلق روحه الخضراء على حرائق الاحتلال.
والتراب سيظل يحتضن شجرة الزيتون كرمز تاريخي لشعب يكافح من اجل الحق والعدالة، وفي سبيل حريته وتقرير مصيره في الاستقلال.

في عرس الأرض نمد أوصالنا المقطعة بكل الخلجات والنبضات كي يذهب نشيد الوطن عاليا فوق الاسوار والجدران العازلة وفوق الاسلاك الشائكة في التحام القرى الرافضة للمصادرة والقرى المدمرة مند ان حفر الكيان الفاشستي الاسرائيلي مجزرته الاولى في لحمنا وترابنا. ستقوم المدن العريقة من خرائبها وسيتفسخ الهيكل.سيتقدم المخيم منتفضا على آلامه خالعا قمصان البكاء، ليعانق الهواء القادم من فضاءات ما زالت تحفظ تذكارات اسلافنا.

نلملم اشلاءنا في يوم الارض ونطلق الحناجر بالنشيد ، يشاركنا أحرار العالم في هتاف انساني ضد صانعي الموت ومسببي القهر والاضطهاد، اولئك الذين يلطخون بهاء الوجود وينشرون في الكوكب كل اسباب الدمار والابادة.

هو لحمنا العاري امثولة الارادة في تحدي الطغيان، حيث اصفاد القتلة الصهاينة ذوبان امام نشيد الحياة الأقوى الطالع هدرا من اعماق التاريخ لسقوط الروايات الملفقة، ولتفسخ حديد ترسانات عسكرياتهم المتكأة على اساطير مهترأة لا تشفع لجرائمهم وافعالهم المستبدة بألق وجودنا فوق هذه الارض، تحت هذه السماء، حيت الهواء لنا. ولنا ان نعيد الهواء الى قصباتنا الهوائية كي نؤمن الحياة لأجيال فلسطين القادمة.

وهي الارض، في ثيابنا مفاتيحها
في اجسادنا تاريخها
وفي طيبتنا قدسيتها

هذا احتشادنا.. احتشاد الضحايا مند ان سحب الوطن من تحت اقدامنا على يد الحركة الصهيونية وبمساعدة القوى الامبراطورية الاستعمارية ندق جدران الكوكب كي الدنيا يعمها الامن والسلام. ندق جدران الكوكب من اجل حق العودة الى الارض، الى الوطن المغتصب.

لبنان الملعب...



النهار – جورج ناصيف
من ينظر الى التبدلات الجارية على المسرحين الدولي والاقليمي يدرك سريعا معنى السلوك التعطيلي للمعارضة اللبنانية، صعودا الى سلوك الرئيس غير الشرعي للجمهورية، ومن فوقهما سلوك دمشق.
فالادارة الاميركية تعيش إخفاقات متزايدة في العراق، وتراجعا في الوضعية الداخلية للرئيس الاميركي، وتحديات متتالية من ثلاث دول نامية هي: كوريا الشمالية التي نجحت في تحديها واشنطن، وفنزويلا التي تقود تمرداً غير مسبوق في "الفناء الخلفي" للولايات المتحدة، وايران التي باتت دولة نووية، واقعيا.
الى ذلك، تتواصل الهزائم الاميركية على غير صعيد، من سقوط "مشروع الشرق الاوسط الكبير" الى فشل الغزو الاسرائيلي للبنان، الى صعود حركة "حماس" وبقائها في السلطة، الى استمرار النظام السوري الذي يملك اوراقا ثمينة في لبنان والعراق وفلسطين.
... وتتواصل المعادلات الجديدة على المستوى الدولي: عودة روسيا بقوة الى الشرق الاوسط مع تبدّل في نبرتها حيال واشنطن، تمايز الموقف الاوروبي عن واشنطن، استمرار الصعود الصيني في آسيا.
اما الكيان الاسرائيلي فتشتد أزماته، سواء داخل المؤسسة السياسية الحاكمة (وتشمل الازمات كاديما، حزب العمل، والليكود) او داخل المؤسسة العسكرية، او في العلاقة بين المؤسستين، مما يلزم اسرائيل ببدء التعاطي المرن مع المبادرة العربية، وان بشروطها.
كل ذلك، ألزم واشنطن بتغيير مقاربتها للمنطقة، والاقلاع عن استراتيجية "محاربة الارهاب"، في سبيل العودة الى سياسة دعم الانظمة المعتدلة، والتعويل عليها في مواجهة المدّ الايراني.
هذه التطورات، فضلا عن الصعود المتنامي للتيارات الدينية الاصولية، والخوف من الفتنة السنية – الشيعية، هي التي سمحت لدول الاعتدال العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، بان تعاود التحرك وطرح المبادرات التي تتطلع الى تأكيد الوزن العربي، والمصالح العربية، في لحظة احتدام الصراع الاميركي – الايراني.
لقد باتت واشنطن اقل قدرة على ممارسة الضغوط على انظمة الاعتدال العربي، بل اكثر حاجة الى دورها في تشكيل سد شعبي وسياسي في مواجهة القرار الايراني المتحول قوة اقليمية كبرى، ونووية.
لكن هذه التطورات الدولية التي سمحت بمعاودة دور عربي متوازن، هي نفسها سمحت للمحور الايراني – السوري بابداء قدر متزايد من التشدد جرى التعبير عنه ايرانياً باحتجاز البحارة البريطانيين، وسورياً من خلال عدم ابداء دمشق اي مرونة حيال الملف اللبناني، تلتقي مع دعوة الثلاثي العربي (مصر والسعودية والاردن) والاتحاد الاوروبي، الى تسهيل امر انشاء المحكمة الدولية.
إلامَ نريد ان نصل؟
الى ان اللحظة الحاسمة التي تجتازها المنطقة المشرّعة على الصدام، والاخطار التي تواجهها، والتداعيات التي ستتسبب بها، كان يجدر بها ان تنتج توافقا لبنانيا داخليا على حماية البلد من الاعاصير المحيطة.
لكن ما حصل هو العكس.
ان التسليم الكامل من المعارضة للمحور السوري – الايراني... حتى "يلعب" احسن. ويلعب أقوى، ويلعب اكثر امتلاكا لاوراق القوة.
دول الاعتدال العربي تعمل على تشكيل قوة ضاغطة على الولايات المتحدة واسرائيل من اجل اقرار المشروع العربي للحل (دولة فلسطينية، انسحاب اسرائيلي، حق العودة) الذي يسمح وحده بسحب اوراق قوة من يد ايران التي تفيد على مستوى الشارع من استمرار الاحتلال الاسرائيلي في اطلاق موجة عاتية من الاصولية الدينية.
دول الاعتدال لا تزال تصطدم بالتردد الاميركي والرفض الاسرائيلي للاقرار بالحد الادنى من الحقوق العربية.
... وتصطدم بالجموح الايراني، اقليميا، والرفض السوري لاي انفكاك عن ايران، قبل قبض الثمن، نقداً وسلفاً من واشنطن نفسها.
اما لبنان فهو الملعب المفضّل للحلف الايراني – السوري.
مياه الخليج تعجّ اليوم بالبوارج وحاملات الطائرات.
وقطبا الصراع الاميركي والايراني يستعدان للنزال في منطقة النفط، حيث يكفي عود ثقاب لاشعال الحريق الكبير.
...اما لبنان، فيقرّر رئيسه الذهاب الى القمة الأشد مصيرية بين القمم العربية بوفدين وورقتين...

الأربعاء، مارس 28، 2007

قريباً في لبنان: رئيسان ومجلسان وحكومتان

الشرق الأوسط – هدى الحسيني
توجه لبنان الى القمة العربية التي تنعقد في الرياض، بوفدين، كل يقول انه يمثل الشرعية. لم يجرؤ أي وفد على القول إنه يمثل الشعب اللبناني، اذ درجت العادة في لبنان ان ينصرف الشعب «المُهمل» فعلياً من حماية «الشرعية» الى البحث عن رزقه ومشاريعه وتأشيرات خروج هرباً من «الشرعية» ، تاركاً لـ«ارباب الشرعية» الانصراف الى المهاترات داخلياً، ونشر غسيلها القذر جداً في الخارج. فالشعب «قرف» من الكل.
ليس ما أقدم عليه وفدا «الشرعية» هو ما يؤلم، فهو بمثابة تمرين على الخطوة التي ينوي القيام بها كل منهما مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي في لبنان. ولمن يهمه الأمر من الدول العربية، وبالذات السعودية التي ينعقد فيها مؤتمر القمة العربية، فإن لبنان يتفتت كنظام، ويتفتت كبلد. موارده العامة تضيع، 30% من شبابه يهاجر، وقريباً سيتحول الى بلد من العجائز، يستورد العمالة الرخيصة، ويسبح في الفساد، كقطاعين عام وخاص.
إن لبنان، الذي يتجلى عبر وفديه الحفاظ على «الشرعية»، سيكون هذا العام برئيسين وحكومتين وبرلمانين. والحالة الشيعية ـ السنّية فيه قد تفجر أوضاعه، وتغيّر خريطته، وسيكون فيه مطاران: مطار رفيق الحريري، ومطار رينيه معوض الذي سيُفتتح في منطقة عكار قريباً.
يتخوف البعض من الفيديرالية، نطمئن هذا البعض وخصوصاً «الشرعية»، بأن لبنان مقبل على تقسيم ويتجه الى حرب. هناك انشطار واضح ومخيف. وتنتشر الكثير من الإشاعات، ولا دخان من دون نار، عن تهريب الاسلحة براً وبحراً وجواً. والقول «التخديري» ان اللبناني لن يستخدم السلاح ليس بصحيح، هو على استعداد لاستخدامه وينتظر رفع الغطاء الاقليمي والدولي لبدء المعركة. انما، كما يبدو، فإن الارادة الاقليمية والدولية هي بعدم ايجاد حل وتأخير اشتعال الحرب، والاتفاق هو: مكانك راوح يا لبنان.
والذي يتردد في لبنان ان الانفجار سيقع اثناء انتخابات رئاسة الجمهورية: إما يتم انتخاب الرئيس باتفاق، او ينفجر الوضع، وسيبقى البلد كله معطلاً بكلفة اقتصادية ونفسية وهجرة متزايدة وهي تسود كل الطوائف، حيث تختار الطائفة الشيعية الهجرة الى اميركا.
العلمانيون في لبنان لا يعترفون بما يسمى أزمة سنّة وشيعة، يقولون: هناك قادة للسنّة وقادة للشيعة. قادة الشيعة في العراق مع اميركا، وقادة الشيعة في لبنان ضدها. اتباع هؤلاء القادة في لبنان يسيرون وراء الزعيم. هناك ولاء هائل للرموز الدينية او السياسية في لبنان.
يقول لي أحد الخبراء اللبنانيين: اننا لا نسأل الدروز في لبنان مع من يقفون. بل اين يقف زعيمهم وليد جنبلاط. اليوم هو مع اميركا، وامس كان مع سوريا ومعظم الدروز ساروا معه. الولاء هنا ليس للطائفة إنما للزعيم.
اشتهر الزعماء اللبنانيون بالاتكال على الخارج، لكن حالياً لا يستطيع الزعيم اللبناني، اياً كان، القيام بمواقف عكس الخطة الأساسية التي تعمل على ضرب الشيعة والسنّة. ويروي لي «جواد عدرا» مدير مؤسسة «الدولية للمعلومات» في بيروت ان «الماضي يشبه الحاضر، ومن يقرأ جمال باشا الحاكم العثماني للبنان يلاحظ انه اعتبر ان الملك فيصل الاول خانه، ويقول: لم اكن اعتقد بأن احداً من سلالة الرسول ينزل الى هذا الدرك من الانحطاط...»، لكن الملك فيصل الاول رأى في ذلك الوقت ان مملكة عربية ستبرز، ويكون هو زعيمها وهذا لخير المنطقة، وكانت المسألة حسابات وليس خيانة او ولاء.
ويضيف عدرا: اما لورانس العرب فيقول في مذكراته: «ان الكبار كذبوا عليّ، وانا كذبت على الآخرين. انا لم اقصد، ولم اكن اعتقد بأنه ستكون هناك معاهدة سايكس ـ بيكو». ويقول عدرا: «المهم ألا يكرر التاريخ نفسه. فاذا تقسّم العراق، او اذا حصل انشطار اعمق او تباعد اكثر ما بين السنة والشيعة، فهذا لا يعني ان اميركا مع السنّة وايران مع الشيعة. الطرفان خاسران والرابح هو المخطط».
لكن هذا لا يصدقه بعض اللبنانيين، إذ بدأت تظهر سابقة خطيرة في بيروت، فالسنّي المقيم في منطقة شيعية غادرها، والعكس يحصل ايضاً، وتتراوح نسبة التطهير العرقي الاختياري ما بين 5% و8% .
زعماء لبنان اقوياء على الشعب (حفاظاً على مصالحهم ومناصبهم)، ضعاف امام بعضهم، ويستقوون بالخارج. واليوم كما يقول جواد عدرا: «اذا غيّر الجنرال ميشال عون تحالفاته، سيغير وليد جنبلاط من تحالفاته». انها لعبة النظام اللبناني الذي يثير اعجاب العالم، يعتقدون بأنه بلد خيالي، يتقاعد السفراء فيه، يحب الصحافيون الاجانب مناطقه وتشعباتها وجمالها، لكنه بلد حقيقي، وهذا مؤلم لشعبه، حيث لا مؤسسات ولا قانون ولا نظام.
اقول: ان مشكلة لبنان بزعمائه.. ويشدد جواد عدرا على «ان ناسه جيدون والله».
ويجلس الوفدان اللبنانيان في قاعة القمة العربية في الرياض. وكل منهما يخطط كيف سيعرقل توجهات الآخر واهدافه. صارت اللعبة شخصية. يستقيل وزير الخارجية الاصيل (فوزي صلوخ) لكنه يصبح غير مستقيل عندما تدعو الحاجة الى وجوده «نكاية».
الوزير المكلف القيام بدور وزير الخارجية (طارق متري)، هو الآخر يريد ان يكون موجوداً، فالحاجة الى وجوده لم تنتف حتى لو حضر الاصيل ــ المستقيل. هذا جزء من النظام اللبناني الذي سيصبح قريباً برئيسين، وحكومتين، ومؤسسات مزدوجة.
في احدى مسرحيات الاخوين رحباني، يهاجر الشعب، ويترك مفاتيح بيوته مع «ناطورة المفاتيح»، فيروز. في لبنان الحالي، لا بيوت، ولا مفاتيح، وسيبقى النواطير حراساً لـ«الشرعية» فيحملونها في حقائبهم اذا سافروا الى المؤتمرات، ويعودون بها، انها عدة شغلهم.
لكن، ماذا اذا حصل تفاهم ايراني ـ اميركي؟ لبنان ينتظر اجتماع اسطنبول، وبعده يتجه الى انتخابات رئاسية. سمير جعجع قائد القوات اللبنانية يقول: لا نريد الثلثين لانتخاب رئيس، الدستور يقول بضرورة الثلثين.
عام 1982 كان في استطاعة الشيخ بشير الجميل ان يصبح رئيساً بتصويت الاكثرية، لكنه بذل كل جهده ليأتي بثلثي النواب، بعدما كان استشار خبيراً دستورياً فرنسياً فقال: «يجب ان تأتوا بالثلثين». الآن، وربما جعجع من المعتقدين بأنه لتجنب الفراغ الدستوري لا حاجة للثلثين. وكان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة قال لفضائية «العربية» إنه في حل من التزامه مع نبيه بري رئيس مجلس النواب المهجور، وانه سيقدم قانون المحكمة باغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري الى المجلس اياه!
اذا لم يحصل تفاهم لبناني في القمة العربية الحالية، ووصل القانون الى المجلس، ووافق عليه سبعون نائباً (دستورياً هذا غير ملزم) فهناك حاجة للثلثين اي 84 نائباً، لكن اذا إتخذ القرار بارسال الموافقة الى الامم المتحدة، سيأتي نبيه بري ويعقد جلسة اخرى، فيصبح اللبنانيون امام برلمانين: واحد برئاسة بري، وآخر برئاسة نائبه فريد مكاري.
الموالاة تجس النبض منذ فترة وتلمّح الى الامر، وهذا ما دفع الاسبوع قبل الماضي نبيه بري الى عقد مؤتمره الصحفي الشهير. وربما هو استشعر الخطر اكثر عندما توجه وفدان الى القمة، فطلب من النائب غسان تويني صاحب صحيفة «النهار» نقل رسالة الى البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير لإبلاغه بأنه يرغب في قانون انتخابي: «كما يريد غبطته».
الدكتور بول سالم مدير «معهد كارنغي للسلام ـ فرع لبنان» يرى الوضع بمنظار تفاؤلي اكثر. اذ ان «الاجواء التوافقية مكسب لتهدئة الوضع لكن للأسف لم نستطع التوصل من خلال اجتماعات نبيه بري وسعد الحريري زعيم الاكثرية النيابية الى اتفاق على الحكومة والمحكمة كي نعود الى حياتنا الطبيعية. انما قطعنا شوطاً كبيراً بفضل الجهود السعودية والتعاون الايراني».
تفاؤل سالم منطلق من ان لبنان كان على شفير حرب اهلية وصار اليوم تقريباً على مشارف استمرار اللقاءات.
لكن، ماذا اذا استمر الوضع على هذا المنوال حتى الاستحقاق الرئاسي بحيث يكون في لبنان رئيسان وحكومتان؟ يجيب سالم: «هذا يسمى انهياراً. لكن الكل واع بأنه يجب ان يتحقق كل شيء قبل موعد الاستحقاق الرئاسي، فاذا وصلنا الى ذلك الموعد، والمجلس النيابي لم يجتمع، والحكومة غير فاعلة، نكون وصلنا الى استحقاق هو في الواقع مناسبة للاختلاف والانقسام والدخول في ازدواجية المؤسسات، وفكفكة البلاد ونكون امام اسوأ النتائج».
إذن، الحالة الحاضرة قاتمة، واذا ظلت هكذا حتى الاستحقاق الرئاسي، يكون لبنان قد عاد الى اجواء زمن الحرب، بمعنى غياب المؤسسات وبالأخص مرحلة اعوام 1988 ـ 1990 عندما كانت فيه حكومتان، لكن، وكما يقول سالم: «ان لبنان استمر. هو لن يختفي، بل نكون وصلنا الى اسوأ النتائج. هذا لا يعني وقوع حرب اهلية انما يزيد الخطر ويمكن ان يترجم الى حرب اهلية».
اجواء الحرب الاهلية لا تزال مخيمة، يساعد على ذلك السلاح في يد «حزب الله» ووصوله الى اطراف اخرى. كما ان هناك المحكمة، وهذه تفاصيل اتركها للاسبوع المقبل.
ذهب لبنان بوفدين الى القمة في السعودية، في اليوم الذي جرى فيه حدث تاريخي في ايرلندا الشمالية، عندما اتفق ايان بايزلي زعيم الاتحاديين الديموقراطيين المطالبين بالبقاء مع بريطانيا وجيري آدامز زعيم «الشين فين» المطالبين بالاستقلال. جمعهما تهديد بريطانيا بأنها ستترك كل الاطراف الايرلندية لحالها، وستغلق برلمان ايرلندا الشمالية، وتقطع رواتب نوابها، وتدير ظهرها وتسمح لايرلندا الجنوبية بأن تكون لها اليد العليا هناك، اذا لم يتفق الطرفان اللذان يعتقد كل واحد منهما بأن الشيطان مجسّد في الآخر. مرة ثانية، منا لمن يهمه الامر، حتى ولو كان... بريطانيا.
**
موقع يا بيروت

مأساة الإقصاء الوظيفي


بقلم / يوسف صادق

لعلنا نجد من يستمع لما بين السطور إذا ما ألهمنا الله أن نكتب كلمات يستفيد منها الفلسطينيين في هذا المنعطف الخطير التي يمر علينا كمواطنين من الدرجة الأولى أو الثانية أو العاشرة.. لكننا نبقى دائما مخلصين لله والوطن، وتبقى أقلامنا مشرعة ضد ما هو باطل.. مساندة لما هو حق من وجة نظرنا المتواضعة.
قبل فترة ليست بالبعيدة توفى مواطن نتيجة "جلطة" بسبب الإقصاء الوظيفي الذي مورس بحقه، خاصة وأنه أستبدل بشاب لا يتجاوز السابعة والعشرين من عمره، وبينما كان المتوفى يشغل المنصب السابق بعمر هذا الشاب.. فما أن قرأ كتاب التكليف المرفق مع الشاب "العنتري" حتى خرج المتوفى على الأكتاف. إنتهت قصة الرجل وراح إلى الله بظلم الأخ لأخيه.
آخر.. كان مسؤولاً عن كافة الممرضين بمجمع مستشفيات ناصر بخان يونس، أصبح بجرة قلم، مجرد ممرض، لم يتحمل هذا الرجل أن ينهار حلمه بين قلم هذا أو فكر ذاك، بعد أن – أقلم- نفسه وهيأها، هو الآن في العناية المركزة في نفس المستشفى يعاني من "جلطة" أصابته.
صديقي.. المرحوم بإذن الله "ناصر أبو ديه".. ولي الحق أن أذكر إسمه سيما وإنني عشت معه تلك المعاناة، فقد كان وأسرته يعيشون حياة راقية، ومستوى معيشي عالي، قهرته الأيام وذلته، هو الآن في الدار الآخرة..
لقد حذرنا سابقاً من ظاهرة الإقصاء الوظيفي، وقلنا أن تلك الظاهرة السلبية ستحصد أرواح أناس، وسيقع ظلم كبير على من تحمل تلك الصدمة العنيفة، وها نحن نحصد ثمارها، فهل من مخرج لهذه التفاهات التي تحصل بيننا..؟
قد نستوعب أن نختلف سياسياً وفكرياً، وينعكس ذلك على شارعنا الفلسطيني، ويصبح ساحة حرب لا يستطيع الواحد منا أن يخرج من بيته خوفا من رصاص صديق.. وقد نصبر حتى - يعجز الصبر عن صبرنا - إذا ما تأخرت رواتبنا، لأن المشكلة تصيب كل بيت فلسطيني، بينما وأن تهان النفس الفلسطينية بأيادي فلسطينيين تحت مسمى "تغيير الوجوه رحمة"، فإلى رحمة الله أفضل من رحمة الإنسان.
ألن نكبر قليلاً عن تلك الظاهرة.. وأن الوطن للجميع.. وأن الله سيسألنا عما نفعل.. أم نعتقد أننا نتقرب إليه بأفعالنا...!

Yousefsadek2004@hotmail.com

الثلاثاء، مارس 27، 2007

جنرال "النصاص" في الرياض، مَنْ يُمثِلْ!!


الياس بجاني
الأمين العام للمنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية


في لبنان اليوم فريقان سياسيان متصارعان ومختلفان بكل شيء وعلى كل شيء، الفريق الأول هو تجمع الرابع عشر من أذار المُكوَّن من مختلف الشرائح اللبنانية المذهبية والسياسية والمناطقية. شعاره لبنان أولاً ويعمل بجهد لإعادة الوطن الجريح إلى حالة الاستقلال والأمن والسيادة التي كان صادرها وانتهكها المحتل السوري البعثي طوال ثلاثين سنة عجاف بالقوة العسكرية. بحوزة هذا الفريق الأكثري نيابياً إمكانيات محدودة جداً، وهو يواجه واقع حكم مفكك، وتعرقل تحركاته أوضاع ميدانية غريبة وشاذة في مقدمها هرطقة دويلة حزب الله وسلاح مليشيات سوريا اللبنانية والفلسطينية. يحظى بتأييد غالبية اللبنانيين في الوطن الأم كما في بلاد الانتشار ويتمتع بدعم عربي وأوروبي وأميركي علني وقوي.

ارتكب الفريق هذا أخطاءً وخطايا كثيرة أوصلت الوضع العام إلى حالته المأساوية الراهنة، بدءاً بعدم اطاحة لحود في الوقت المناسب والتحالف مع حزب الله وحركة أمل في الانتخابات النيابية الأخيرة على أساس قانون غازي كنعان، ومروراً بإعادة انتخاب بري رئيساً لمجلس النواب، ومن ثم إشراك حزب الله في الوزارة وتشريع سلاحه في بيانها، وانتهاءً بعدم القبول بتمرير القرار الدولي 1701 تحت البند السابع. إلا هذا الفريق ورغم كل شوائبه والنواقص هو المدافع بشراسة وقوة عن الوطن واستقلاله في وجه ربع التيمورلنكيين والفرس واليوضاصيين والانتهازيين والمرتزقة.

أما الفريق الثاني فهو المعارضة الانقلابية التي لا علاقة لها بلبنان الهوية والسيادة والكيان والمؤسسات والقانون. قرار هذه المعارضة الهدامة مركزه في إيران وسوريا، كما حال تمويلها وسلاحها وأصوليتها ومشاريعها. أما رأس حربتها وعمودها الفقري فهو حزب ولاية الفقيه في لبنان، حزب الله، وهي وتضم في صفوفها حركة أمل وخلطة عجيبة غريبة وهجينة من أصوليين وحيتان مال وتوابع وملحقين وأيتام بعث. هؤلاء جمعتهم سوريا وإيران وأوكلتا لهم ضرب ثورة الأرز، وإفقار الشعب، وتفريغ وتعطيل المؤسسات الدستورية، وتهجير الناس، وتغليب دولة حزب الله على الدولة اللبنانية، والعمل على عودة الجيش السوري ومعه الاحتلال من جديد بعد إظهار اللبنانيين بالعاجزين عن حكم أنفسهم وتدبير أمورهم.

من هنا فإن ذهاب لبنان إلى قمة الرياض بوفدين هو تجسيد لواقع مرير وبغيض قائم ميدانياً وعملانياً وسلطات ومراكز قوى ومربعات أمنية، إلا أن السؤال هو، مَنْ يمثل مَنْ؟ ومن هو الشرعي ومن هو فاقد الشرعية؟ الوفدان هما واحد يرأسه رئيس الوزراء فؤاد السنيوة الذي يمثل الأكثرية ومعها الشرعية، وآخر برئاسة رئيس الجمهورية الممدة ولايته بعثياً ضد إرادة الشعب اللبناني الذي عمل ولا يزال منذ سنة 1990 مساعدا مطيعاً وطيعاً لحكام دمشق الأسديين.

بالتأكيد إن الرئيس السنيورة، ورغم كل "علاته" من تردد وتدوير زوايا وحذر ودموع وأخطاء وخطايا هو الشرعي دون منازع، وهو الذي يمثل ثورة الأرز ونضال اللبنانيين الأحرار من الشرائح كافة. إن حكومته هي حكومة لبنان الدولة والناس، ومجرد دعوتها رسمياً إلى قمة الرياض هو دليل قاطع على أن المجتمعين العربي والدولي، والقمة العربية والمملكة العربية السعودية تعتبرها شرعية، ونقطة على السطر.

أما الجنرال اللحودي صاحب النصاص الثلاثة (كما سماه المرحوم العميد ريمون اده: نص كم، نص عقل، نص لسان) الشارد صوب القرداحه وقصر المهاجرين الشامي، والمتيم بدويلة الضاحية الجنوبية ومعسكر خيم ساحة رياض الصلح، والمتخصص بالسباحة والمقاومة والعروبة ووحدة المسار والمصير، فهو دون أدنى شك يمثل سوريا البعث وإيران الملالي، وطبعا يحمل كل أماني وتطلعات توابعهم وملحقاتهم عندنا، والأهم أنه يُمثل جنرال الرابية التيمورلنكي المصاب بعمى بصر وبصيرة وطني وأخلاقي، وبلوثة كرسي بعبدا الرئاسي ولو على جثث كل اللبنانيين وعلى أنقاض كل لبنان. فانعم وأكرم بهكذا تمثيل وبهكذا ممثلين!!

إن التاريخ بالتأكيد سيحاسب، ولكن من يستحق فعلاً المحاسبة، أما مَنْ هم من طينة الجنرال اللحودي قولاً وممارسات، وضميراً وحياءً ووجدان، فهؤلاء سيعفون كلياً من حساب وسجلات التاريخ، لأن حسابهم والعقاب ينالونهما وهم أحياء من خلال كره الناس لهم واحتقارهم والسخرية من كل فحيحهم ونعيقهم وكفرهم والهرطقات.

في قمة الرياض سيكون التمثيل السوري مزدوجاً، واحداً من قبل الوفد السوري الذي سيرأسه الرئيس الأسد أو من ينوب عنه، وأخراً إضافياً بواسطة اللحود ووفده. كما أن لحود والحق يقال، سيكون وبامتياز ممثلاً لدويلة حزب الله. فهنيئاً لسوريا ولدويلة حزب الله تمثيلهما اللحودي هذا.

نختم مع دعاء غبطة البطريرك صفير الذي ورد في العظة التي ألقاها الأحد الماضي: "لذلك إننا ندعوكم إلى مضاعفة الصلوات والاماتات والتضحيات، سائلين الله أن يلقي في قلوب اللبنانيين مشاعر المحبة تجاه بعضهم البعض، ليتعاونوا في سبيل إنهاض بلدهم مما يتخبط فيه من مشكلات، واستعادة أبناء لبنان الشعور بما لهم من كرامة، والعمل معا بوحي هذه الكرامة الوطنية. ولعلكم، أنتم الذين تعملون في الصمت والخفاء، أمام الله وضميركم، في استطاعتكم أن تفعلوا أكثر من سواكم، لمجانبة الخصام، ووأد الفتنة، وتوطيد الألفة، ونشر المحبة في النفوس".


عنوان الكاتب الألكتروني
Phoenicia@hotmail.com



نبيه بري حفرَ حفرةً لأخيهِ فوقعَ فيها


سعيد علم الدين

نبيه بري حفرَ حفرةً لأخيهِ فؤاد السنيورة فوقعَ فيها.

أو بالأحرى "التخم" بري على ارتفاع هتاف وتشجيع وتصفيق خامنئي ونجاد وبشار ولحود ونصر الله وطلال أرسلان، ونعيم قاسم وسليم الحص وأسعد حردان، وحسين الحاج حسن ووزير الإعلام البعثي رياض النعسان، حتى أن كاسترو من فراش الموت وتشافيز والبسدران، شاركوا في الهتاف وقوفا بصوتٍ ثوريٍّ رنان.
وزاد "التخامه" على إيقاع شتائم وصراخ وزعيق وسباب ميشال عون وعمر كرامي وسليمان فرنجية ووئام وهاب ومحمد رعد وبقية شلل المعتصمين إلى يوم الدين في وسط بيروت تحت شعار "راجع راجع يتدمر راجع لبنان!".
على هتافهم وصراخهم وشتائمهم جميعا ضد فريق الأكثرية شاط نبيه بري الكرة بشطارة زين الدين زيدان، وخفَّةِ بيليه، وفذلكات مردونا، وحيل رونالدو: من طاولة الحوار متسللا عبر الوعد الصادق إلى كارثة تموز الإلهية بنجاح في تدمير لبنان، ومن طاولة التشاور مخترقا مرمى أوليفر كان وصفوف الأكثرية ومحمِّلَهُم مسؤولية استقالة الوزراء والاعتصام والاضطراب العام وحرق الدواليب وقتل وجرح العديد من المواطنين الكرام وإغلاق البرلمان، وتابع بري شوطه للكرة "ملخوما" ليرميها هذه المرة أمام الأعناق الممطوطةِ والعيون المشدوهة والأفواه المفتوحة والعقول المغسولة والأرزاق المقطوعة في مرماه أي لمصلحة فريق الأكثرية الشرعية وحكومة السنيورة الدستورية.
وكيف حدث ذلك ؟ سننقل الخبر المثير كما جاء يوم الاثنين 26 اذار على الصفحة الأولى ل«الشرق الأوسط» بعنوان: " بري لـ«الشرق الأوسط» : السنيورة خدع الجميع"
لأن اتهامه الخطير هذا للحكومة المخادعة والقبض عليها بالجرم المشهود فضحه على حقيقته أكثر وكشفه للشعب اللبناني والعالم عاريا حتى من ورقة التين نسبة الى عين التينة ! لماذا ؟ لأن كلامه يفرض عليه بالتالي كرئيس شرعي دستوري لمجلس النواب القيام بدوره الطبيعي دون تلكؤ ودعوة المجلس للانعقاد فورا – حيث ما زلنا في الدورة العادية الأولى المعطلة دون اسباب باستثناء كلمة السر التي لم يتلقها بعد من الحلف الالهي، وهو وحده يتحمل كرئيس أمام الله والشعب والضمير والحقيقة مسؤولية تعطيلها وافراغ الحياة البرلمانية من محتواها- ومحاسبة حكومة السنيورة: التي قامت حسب رأيه بـ«خداع الشعب اللبناني ونواب الاكثرية»، ولم تكتف بذلك بل ودولت الموضوع وخدعت حتى برسالتها إلى الأمين العام بان كي مون الأمم المتحدة، متسائلاًً : «كيف يمكن تبرير هكذا رسالة لخداع الامم المتحدة؟
إذا كان كلام بري صحيحا ونحن لا نشكك بكلام "الإستاز"، فعليه دعوة مجلس النواب لمحاسبة الحكومة على هذا الخداع ؟ وإلا فإن الشعب سيعتبر كلامه فقط للاستهلاك المحلي وتسجيل نقطة أصابت مرماه. وتصبح دعوته لفتح مجلس النواب ومحاسبة الحكومة أكثر من ضرورة، عندما يقول للرئيس السنيورة: «ماذا ستقولون الآن للـ70 نائبا الذين خدعوا، هذا عدا عن خديعة الشعب اللبناني برمته».
هذا الجملة هي حفرةٌ حفرها بري للسنيورة فوقع فيها، لأنه مطالب على أساسها من الشعب بدعوة ممثليه الذي انتخبهم لمحاسبة السنيورة. وبدل أن يسائل بري الحكومة من موقعه الدستوري، في مجلس النواب يفعل ذلك عبر المؤتمرات الصحفية وصفحات الجرائد!
ألا يعد هذا نوعا من التهرب من المسؤولية والهروب أو الهرولة إلى الأمام، وشوط الكرة ليرميها ملخوما في مرماه؟
أليس أنجع للبلد وأشرف لبري وحلفائه الإلهيين أن تسقط حكومة "فيلتمان" المخادعة في البرلمان بدل الاعتصام الممل والمشل اقتصاديا لوسط بيروت ولبنان؟ حيث المحلات التجارية تغلق أبوابها وتعلن إفلاسها، والناس تسرح من أعمالها منتظرة باب الفرج بخنوع على أبواب السفارات الأجنبية؟
هل تستمتع قوى " معارضة" بإذلال المواطن اللبناني وإفقاره وتعتيره وتهجيره وجره إلى الحروب والفتن والبلاء؟

ليكن واضحا بأن الحكومات المنتخبة شرعيا كحكومة السنيورة مثلا، وفي كل الأنظمة الديمقراطية دون استثناء: لا تنتقد وتحجب الثقة عنها لإسقاطها عبر المهاترات على صفحات الجرائد، ولا عبر الاعتصامات المملة إلى ما لا نهاية، ولا الاضرابات المخلة بالنظام والاضطرابات وقطع الطرق والتهديد بالعصيان، وإنما فقط في مجلس النواب الدستوري بيت ممثلي الأمة.
وما عدا ذلك يعتبر انقلابا على الشرعية والدستور والنظام.
بري هو القائل عن حكومة السنيورة أنها حكومة "المقاومة السياسية" وهو العاجز حتى اليوم عن قول عكس ذلك! وحقا هي حكومة المقاومة السياسية في وجه كل الأحلاف والهيمنات والوصايات التي يحن لها السيد بري وأذناب الحلف الإلهي.
حتى ولو كان ما قاله السيد بري صحيحا، إلا أن الأصح يبقى أنه كرئيس للبرلمان قد أغلقه في وجه النواب مخالفا الدستور مخالفة صريحة الذي حدد بوضوح لا لبس فيه، في الماده 32 التالي " يجتمع المجلس في كل سنة في عقدين عاديَّين، فالعقد الأول يبدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر آذار". الغريب في الأمر أن السيد بري في هذا اليوم بالذات عقد مؤتمره الصحفي منتقدا الحكومة ومهاجما النواب الذين حضروا إلى المجلس للتأكيد على حقهم الشرعي والدستوري بالدورة العادية.
يظهر دون شك أن هَمَّ بري الوحيد ليس مصلحة لبنان ومستقبل شعبه وفك الاعتصام المضر والفاشل عن بيروت الذي دعا إليه مع حلفائه، وإنما البحث المضني عن أي ثغرة صغيرة لا ترى بالعين المجردة للطعن بشرعية الحكومة، والثرثرة حولها، وعملِ منَ الحبةِ قُبة .
ألم تكن وعود نصر الله على طاولة الحوار بأن ينعم لبنان بصيف هادئ وموسم سياحي آمن الخديعة الكبرى للمتحاورين والشعب والحكومة والرأي العام؟
أهل كان السيد بري يخدع الحكومة عندما قال عنها أنها حكومة المقاومة الأولى، ثم انقلب عليها دون سبب جوهري وهذا الذي حصل.
نصر الله وبري انكشفوا امام الشعب اللبناني والعالم على حقيقتهم بخداعهم وتحايلهم وجرهم لبنان لمصلحة المحور الإيراني السوري إلى الخراب والفتن!
سوف ينتصر لبنان السيد المستقل وشعبه الأبي الحر وحكومته الوطنية المميزة في حفاظها على الدستور والشرعية والقيم الديمقراطية والنظام والعمل على تحرير مزارع شبعا بكل طاقاتها.
سينتصر لبنان على المخادعين الحقيقيين مهما طال الزمن وسوف نشهد سقوطهم الواحد تلو الآخر.
وسيظهر الحقُ وسيسقط المتاجرين بدماء الشعب اللبناني الطيب .
كان الأولى برئيس "أمل" بري الذي يشغل أحد أهم المواقع الدستورية، أن يتحمل المسؤولية الكاملة التي يفرضها عليها الدستور والضمير والقسم الذي أقسمه بأن تكون مصلحة لبنان والشعب اللبناني أولاً، بدلا من الدخول في مهاترات إعلامية واتهامات لخداع الرأي العام، لن تحل مشكلة بل ستعقد المشاكل.
أشرف لبري ألف مرة أن يمارس عمله الطبيعي كرئيس للمجلس النيابي يدعو إلى انعقاده ومحاسبة الحكومة ومناقشة وحل جميع الاختلافات تحت قبته، كما هو مفترض، لا عن طريق الاعتصام والتهديد بالعصيان وضرب الاقتصاد الوطني في الصميم بإقامة المخيمات في وسط بيروت التجاري، أي قلب لبنان النابض.
وإذا كان ليس هنالك خلاف على المحكمة ذات الطابع الدولي فلماذا كل هذا الخوف من دعوة المجلس للانعقاد ومناقشة مشروعها والتصويت عليه؟
لقد أفرغ بري الدورة البرلمانية العادية من محتواها خوفا من مواجهة الحقيقة والرأي العام ويريد لمصلحة القاتل إفراغ المحكمة ذات الطابع الدولي من محتواها أيضا! إلا أن المحكمة قادمة بسبب عراقيل بري ونصر الله بالذات. لقد حفر بري بكلامه لـ«الشرق الأوسط» حفرة لأخيه فؤاد السنيورة فوقع وحلفه الإلهي فيها. ولن يصح إلا الصحيح!.

الاثنين، مارس 26، 2007

القمة العربية بين البرود والسخافة والتناحة


بقلم :يوسف فضل

لم اشأ أن اكتب عن هذه القمة العربية التي ستعقد في الرياض يوم الثلاثاء الموافق 27/3/2007 ليس ترفعا بل تواضعا ورأفة بنفسي لأنني غير مقتنع بجدوى هكذا قمة عربية لكن ما غير رأيي بأن أشارك بكلمة لعلها تكون كلمة خير فقد أرسل صديقا لي مقطعا من شريط فيدو للأستاذ الصحفي إبراهيم عيسى يصف فيه اجتماع القادة العرب بأنه عبارة عن ثلاثة قمم في قمة واحدة :فهي في قمة البرود كسماع شريط فاضي .

وهي قمة في السخافة كقلب الشريط الفاضي وسماع الوجه الآخر منه . وهي قمة في التناحة كإعادة سماع جزء من الشريط الفاضي . هذا رأي الأستاذ إبراهيم عيسى في قمة الرياض . ولأنني محبط مثله فقط أخرجت من درج ملفات مقالاتي القديمة الجديدة مقالين عن القم العربية وعند إعادة قرائتهما لم أجد شيء قد تغير إلا الزمن أي أنني أقرا خبر وصحافة الأمس بتاريخ اليوم . اللهم شمت الحكام العرب بي والأستاذ إبراهيم عيسى وامثلنا بان تخرج القمة غير ما نتوقعه . اللهم اجعلهم يفعلوها :المقال الاول بعنوان " قمة الحضيض " نشر في May 24, 2004
http://www.grenc.com/show_article_main.cfm?id=402
لقد غسل المواطن العربي يديه من قادته بكل أنواع المنظفات المحلية والأجنبية فلم تطهرا من الدرن السياسي لكنه تعود مدفوعا من واقعه الأليم على الانتظار لمشاهدة فيلم بعنوان " مؤتمر الحضيض العربي " عله يجد جديدا يسري به النفس حتى ولو من باب تمنيتها وإيهامها بأن ما سيشاهده قد يستحق المشاهدة . ومع أن التحضير لهذا الفيلم يستغرق إخراجه مدة سنة لينتقل عرضه من صالة سينما عربية إلى أخرى مثل السيرك الذي يتنقل بقصد جني الربح من مكان لآخر مع تغيير طفيف في اللاعبين الأساسيين . .

إلا أن الفيلم الحالي يبدو أنه الأسوأ أو هو أسوأ من السيرك لأنه أخذ في إعدادة مساحة من الجدل السفسطائي أكبر من المساحة التي يفاوض عليها عرفات لدولته قبيل انعقاد المؤتمر صرح السيد/ عمرو موسى أن لديه " أخبارا غير سارة للأعداء " فوقع في نفسي أن هذا المؤتمر سوف يدعو إلى التجنيد الإجباري ، من باب التعبئة والتهيئة لحماية الإنسان والأرض العربية ، لكن استبعدت هذه الفكرة "الإرهابية" لعدم توفر الإرادة القتالية. وجنحت بالتفكير إلى أن قرارات وحدوية في طريقها إلى التنفيذ لكني أسقطت هذا الاحتمال البائس أيضا لأن هذا الطرح لن يتوافق مع ما تخططه أمريكا لنا . لكن والحق يقال جاءت الأخبار غير سارة للشعوب العربية قاطبة ، فهم الأعداء !!!

طبعا ، ربما كان تخلف بعض القادة العرب عن الحضور هو لدواعي أمنية ، أو أن بعض القادة اكتشفوا أن المسافة بين أي قطر عربي هي أبعد من المسافة ما بين هذا القطر وواشنطن لأنها أكثر أمانا وأقرب إلى قلوب حكامنا وطقسها رومانسي فلم لا تشد الرحال إليها ؟ فضلا أن أي رئيس عربي لم ينس أنه حارس مقثاة ( مزرعة بطيخ أو فقوس ) عند أمريكا ولا يمون بشيء على ما اؤتمن عليه لكنه أسد جسور على أبناء شعبه حين يأمر أجهزته الأمنية باعتقالهم . أصر العقيد معمر القذافي على وضع بصماته الخاصة في إخراج هذا الفيلم الرتيب فانسحب من المؤتمر احتجاجا على أجندة أعمال المؤتمر وكأن وزير خارجيته لم يكن حاضرا في التنسيق مع وزراء الخارجية العرب .أعتقد أن العقيد تفاجأ بأجندة أعمال المؤتمر التي أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها لا ترقى إلى طموحاته . فالخير له أن يقول لا. وقد صبأ بقوله إن هذه القمة هي آخر عهده بها . أتراه يستأذننا للانتقال إلى دار الآخرة؟

ألا يحق لنا أن نتساءل عن حركات القذافي البهلوانية التي لا يقصد منه سوى تسليط الأضواء وحيازة النجومية أكثر مما يحمل على صدره من ميداليات ونياشين ؟ فعلام يوجه القذافي لومه للقادة العرب ؟ أليس هو قائد عربي عريق بل يعتبر أقدم قائد عربي حاليا ؟ فلماذا لم يفعل ما يطالب به القادة العرب ؟ أم أنها اللعبة ، لعبة الثلاث ورقات التي يمارسها في كل مرة لتعفيه من المسؤولية. أما حبكة الفيلم الذي جاء عرضه في صالة تونسية في "وثيقة العهد والوفاق والتضامن العربي" فتدور حول موضوعات لتحقيق الإصلاح والديمقراطية مع مراعاة الهوية العربية وحقوق الإنسان العربي .

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل المقصود بحقوق الإنسان العربي إيجاد مساحة أكبر له في السجن مع قدر موازي في أمد وطرق التعذيب ؟ أو ربما كان المقصود دعوة العقول العربية المهاجرة لتوطينها في الوطن العربي ؟ وحقوق الطفل ، أقول : إذا كان أبو الطفل ليست له حقوق فهل سيكون للطفل حقوق ؟ ربما لن نرى بعد المؤتمر أي طفل متسول في شوارعنا ، أم أن القمة وضعت منهاجا دراسيا موحدا لمرحلة رياض الأطفال ؟ وحقوق المرأة ، وما أدراك ما حقوق المرأة ، لا زلنا نناقش هل قيادة المرأة للسيارة حلال أم حرام؟ إنني أفهم أن حق المرأة العربية بسيط وهو لا يتعدى عدم تحويلها إلى أرملة أو مصادرة رزق زوجها بمطاردته أو حبسه أو حرمانه من أولاده بل على السلطة أن توفر لزوجها العمل الشريف .

وحق التعبير وحرية القضاء . فهل سترفع قوائم المنع عن الصحف والكتب والمجلات ، أم سيستجوب أي مسؤول عربي مذنب كما استجوب رامسفيلد في البيت الأبيض ، حتى ولو من باب المثل القائل : "على عينك يا تاجر" ؟ . ووضع سياسة اقتصادية عربية وتأهيل اقتصاديات الدول لأقل نموا. كلااااام جميييييل ( الأغنية ) . هل يعني هذا رفع الحواجز الجمركية وتنشيط التجارة العربية البينية ؟ والتفريق بين المقاومة والإرهاب .

يا سادة إن أمريكا واسرائيل تفرقان بين المقاومة والإرهاب على الأرض باستخدام الطائرة والمدفع وليس بالكلمات . والالتزام بالسلام العادل والشامل ، وهنا أتساءل لماذا لم يلقوا قصيدة شعر بمناسبة السلام العادل ؟ الاتفاق على حل عادل للاجئين الفلسطينيين حسب الشرعية الدولية ، ألا تذكرون أنه تم إنشاء إسرائيل بقرار من الشرعية الدولية ؟ والتأكيد على وحدة الصومال ووحدة السودان .

الصومال يا قادة منسي لأكثر من عشر سنوات ولا توجد فيه حكومة والسودان يقتل المسلمين في دار فور ولم تمنعوا قتلهم كما لم تردعوا شارون عن قتل الفلسطينيين .لقد فاتكم أن تقدموا طلب استرحام لإسرائيل لتقدم قائمة الموت ( مثل قائمة الطعام ) ليختار منها المواطن الفلسطيني طريقة الموت التي تريحه وبذلك تكونوا قد لبيتم آخر طلب للضحية . إنهاء احتلال العراق ، كيف ، تتبعها إشارة استفهام بحجم المقالة ؟ ولا يعلم الغيب إلا الله . والتضامن مع سوريا ، طبعا باقناعها بالانحناء مثل سنبلة القمح أمام الريح الأمريكية العاتية خوفا عليها من الكسر .

تجدر الإشارة إلى أن المشاركين أشروا ولم يوقعوا على هذه الوثيقة نظرا لاستمرار الخلافات بشأنها _ والتي حسب فهمي _ لن تنتهي لعشر قمم عربية أخرى . عجبي !!! طبعا لقد نسيتم أم تناسيتم أن تحددوا هيئة رقابية لمتابعة الإصلاحات ومراقبة التقدم على مسار هذه الإصلاحات . لم يشار بأي كلمة لحقوق السجين السياسي فهو ملعون ابن معلونة . ولم يذكر المشاركون أي بند للتفاهم مع أي معارضة داخلية . لكنهم مدوا غصن الزيتون مرة أخرى للعدو الإسرائيلي ، وليس الصلح العربي العربي ، بطرح مبادرة السلام التي طرحت في مؤتمر قمة بيروت مع أن المبادرة لم تأت بجديد وإنما جاءت في وقت سابق من دولة عربية لها ثقلها السياسي والمالي والبترولي والديني . ولو جاءت هذه المبادرة من السودان لما التفت إليها أحد ، وكأن هذا العدو لا يعرف أنه يحتل أرضا ليست أرضه أو أن واشنطن لا تقرأ التاريخ العربي الحديث بل إنها سوف تغير موقفها بعد أن يتم رفع التوصيات الحميدة لها بعيد الانتهاء من مشاهدة هذا الفيلم سيئ الإخراج ؟!

أعتقد أن المشكلة إنما تكمن في المواطن العربي الذي لم يمتلك بعد القدرة العقلية للاعتراف بأنه متخلف . فمن المعلوم أن الحاكم أنما هو نتاج التفاعلات الاجتماعية وإفراز للسلوك السياسي والدستوري المعمول به في وطنه . هل سأل المواطن العربي نفسه ما هو هدف دولته وما هي واجباته نحو مجتمعه . العالم يتنافس على إيجاد أشكال أخرى للحياة خارج الكرة الأرضية والمواطن العربي لا يعيش بانسجام مع حكومته على سطح الكرة الأرضية .

فلا يوجد تشخيص موحد لمشاكلنا . نحن لم نتجازو بعد أزمة الشعارات مثل " الإسلام هو الحل " في السودان "والناصرية هي الحل" في مصر " والبعث هو الحل" في سوريا والعراق " والماركسية هي الحل " في اليمن الجنوبي سابقا "والاشتراكية هي الحل" في الجزائر "والكتاب الأخضر هو الحل " في ليبيا وكلها لم تنجح ولم تلاقي الإجماع الوطني عليها لان أيا منها لم يؤمن كما لا يعترف بالتداول والتدوير السلمي للسلطة . أخذنا بالشكليات ولم نعي أن الاختلاف هو إثراء للرأي من أجل الوصول إلى أفضل الحلول السياسية والاجتماعية . إنه لم يتم مأسسة إتخاذ القرارات السياسية وإنما هي فوضى واندفاعات ذاتية للرئيس الملهم فإن أصابت نعتنا صاحبها بالبطل وإن أخطأت نعتناه أيضا بالبطل . لا توجد عادات سياسية في الوطن العربي تم الاتفاق عليها ليُنبذ من يخالفها لأننا لم نؤطرها ولم نقننها ولم نجد لها المؤسسات التنفيذية اللازمة لحمايتها ، وإنما يوجد عندنا ثقافة العيب وتعليق صورة الزعيم في كل مكان مثل الرقية أو الحجاب المقاوم للحسد والمرض لتعلو على كل الشعارات .

الغريب – وما غريب إلا الشيطان - في " مؤتمر الحضيض العربي " أن له رائحة قمامة نشرت شذاها على أكبر عدد من سكان العالم حتى أزكمت الأنوف . لكن التعبير عن سلام الشجعان ظهر مرة أخرى في المؤتمر مع أنني لا أعرف معنى لكلمة سلام الشجعان غير سقوط عدد متزايد من الضحايا الفلسطينيين المدنيين. ومما يزيد الطين بلة أن فارس السلام الفلسطيني وزمرته لا يرون في عقد القمة العربية - التي لا لزوم لها - إلا فرصة لإشباع نهمهم للمال باسم أيتام وشهداء فلسطين لتزداد أوزانهم بما يتسلطون عليه ويكنزون من مال باسم الشعب الفلسطيني ، وهكذا تقدموا للقمة بطلب عاجل للتبرع وتقديم المساعدة من أجل سلطتهم . إن كثيرا من المال الذي جمع سابقا عن طريق المجهودات الفردية لبعض الشرفاء الفلسطينيين ذوي النزاهة قد أفاد بإنشاء جامعات ومستشفيات وجمعيات خيرية أما الذي تطلبه السلطة فينتهي إلى جيوب عرفات وزمرته من مرتزقة . لم تبق سجونكم ومعتقلاتكم ، أيها القادة العرب، أي مسحة من الكرامة الإنسانية للمواطن العربي ، واقتصاديات الفقر سلخت جلودنا ولحومنا ، ورفاهيتكم أكلت طعام أولادنا ، وأرصدتكم المالية في البنوك الأجنبية قتلت مشاريعنا البسيطة ، وتخمتكم لم تدع مساحة لعلاجنا ، وقصوركم بنيت على أكواخنا وضيقت علينا الأرض بما رحبت .

لقد حولتم إبتساماتنا إلى دموع ودموعنا إلى ابتسامات فما أكثر إبتساماتنا أما دموعنا فجافه في مآقينا. إن نطقت اعتبرت كافرا في نظركم ، وإن أطبقت شفتاي بالصمت أُعتبرت زنديقا . ألم تقتنعوا بعد أنكم أصبحتم مثل ساعة قديمة معطلة ومعلقة على الحائط ، لكن من زيادة مصائبكم علينا أن أعماركم مديدة ؟". " ونمدهم في طغيانهم يعمهون ". لقد جعلتمونا شعوبا مهزومة بأيديكم قبل أيدي أعدائنا فأصبحنا محطمين ، مقهورين متقهقرين . ضيعتم وقتنا بالتناحر والاضطهاد والخيانة والمزايدات وتسييس النص الديني لصالحكم . إنكم سحلتم فينا كل معارضة نيرة وزرعتم فينا التعصب والجمود .

لقد هاجرت عقولنا إلى اوروبا وأمريكا بالجسد والتطلع . جعلتم الرحيل اليهما هو الرد على وضعنا المأزوم سيكون من الصعب على الشعوب العربية أن تنسى ما فعله الصهاينة بهم وما يفعله الأمريكان في عراق الشموخ فإن المواطن العربي سوف لن ينس تقصيركم تجاه شعوبكم . ولو رصدت الأموال التي أنفقت لإعداد لهذه القمة على الأيتام والمساكين وحولت الأموال إلى مشاريع اقتصادية هادفة بقصد تخفيف البطالة أو إنشاء مراكز للبحث العلمي لكان أجدى من ترهاتكم التي تتنادون إليها . إني كفرت بأمريكا التي أنتم بها مؤمنون وتمجدون .

**

المقال الثاني بعنوان " مؤتمر الصفقة " نشر في July.31, 2005

http://www.grenc.com/show_article_main.cfm?id=432
كثيرون هم الذين اتخذوا من الاوهام والمعجزات الزائفة وخداع البشر تجارة لهم الجهل يعمي أبصارنا ويضللنا أيها البشر الفانون ! افتحوا أعينكم !

ليوناردو دافنتشي ( من رواية شيفرة دافنتشي )همسة لا يطمح الكاتب أن يجعل القاريء يرى الحقائق بعيون الكاتب بل ليشجعه أن يرى الحقائق بعيونه ( القاريء ) لقد تسببت أمريكا بالألم العاري لنا فقد قتلت أحبتنا وجراحنا لا زالت مفتوحة فلا تطلب منا أن نبتسم في وجهها .ليس من العار أن يدخل العدو أرضنا العار أن يخرج منها سالما .

محطة تأمل القاسم المشترك لدورة بطولة القمم العربية التي عقدت قبل مؤتمر القمة العربي الطاريء الحالي الذي دعا إليه الرئيس حسني مبارك لينعقد يوم الأربعاء القادم بتاريخ 3/8/2005، أنها كانت تعقد بعد وقوع مصيبة على الشعب العربي فيأتي المؤتمر لِلَملَمة الحالة العربية المفكَّكة ولإمتصاص نقمة شعبية ولتهدئة الوضع بعد وقوع المصيبة . لكن إعلان الرئيس حسني مبارك ترشيحه لولاية خامسة ودعوته لعقد مؤتمر قمة عربي طاريء في آن واحد من بلده المنوفية وهو الذي رفض كافة المناشدات لعقد مؤتمر قمة عربي طاريء عندما احتلت القوات الأمريكية العراق ، إذ كـان رده :" إن ذلك مضيعة للوقت وكل رئيس عنده ارتباطاته ومشاغله وممكن التباحث بشأن الاحتلال عبر الهاتف أو بزيارات شخصية " مما يعني أن مؤتمر القمة القادم يجيء لتنفيذ مصيبة عربية بأيدي عربية ولإنقاذ أمريكا من مأزقها في العراق . كيف ؟

مبررات احتلال العراق من المعروف للجميع أن الاحتلال الأمريكي للعراق جاء تحت مبررات وجود أسلحة دمار شامل ثم عدل المبرر ليكون التخلص من الدكتاتور صدام حسين ثم طور المبرر ليصبح منح الشعب العربي بركات الديمقراطية الأمريكية على أن تكون إرهاصاتها الأولى ( فترة التجربة ) في احتلال العراق لتنتقل التجربة الأمريكية ، مستلهمة أمريكا نجاح تجربتها في اليابان، إلى باقي الدول العربية التي ملت شعوبها وأمريكا معها من نظمها السياسية غير الشعبية. وأخيراً انتهى بنا المطاف للعيش مع الإرهاب الأمريكي والإرهاب المضاد له .

مقارنة لكن ما حصل لأمريكا في العراق جاء عكس ما توقعت الإدارة الأمريكية . إن قراءة نتائج حرب أمريكا على أرض العراق لا تحتاج لخبير عسكري أو محلل سياسي نابغة ليقول أن أمريكا فشلت وأنها تبحث عن ثقافة الهروب من العراق ، فهي تجيد فن الهروب كما لا تجيدها أي دولة أخرى لأن الهروب يحتاج إلى مؤهلات خاصة مثل التكتيك وحسن التدريب ومعرفة أسرار الهروب وهو ما نقر بتفوق أمريكا به . ولأن نشر الديمقراطية من فوق الدبابة لن يلغي أن العراق سيبقى بلداً عربيا إسلاميا ونسيجه الاجتماعي شبيه بأي نسيج عربي في الدول المجاورة للعراق مما يوثق التواصل سواء عن طريق القرابة أو الامتدادات العائلية والقبلية ، أي إن العراق لم يصبح معزولا عن التفاعل والتأثير منه وبه بحكم موقع المكان والسكان والجغرافيا وهو ليس بجزيرة معزولة مثل اليابان .

أيضا إن العراق بلد مسلم وأن الدين الإسلامي وجد فيه أرضا خصبة لإقامة حضارته عليه مما جعل العراق أحد ركائز الحضارة الإسلامية ولا زال تأثير الدين الإسلامي واقعا في الحياة اليومية للشعب العراقي ولا يحتاج إلى ديمقراطية أمريكا وإنما يحتاج الدين الإسلامي الذي هو مطلب شعبي إلى تفعيل التطبيق لتحقيق العدالة الاجتماعية والرحمة للجميع فليس من السهل أن تهزم حضارة الحرب الأمريكية حضارة الدين الإسلامي فكريا كما هزمت المسيحية الفكر البوذي في اليابان . تقييم يمكن تلخيص الوضع العسكري بعد الاحتلال الأمريكي للعراق بالنقاط التالية :

- 1- بما أن سياسة أمريكا تقوم على خلق عدو لمقارعتها لأن قيمها تقوم على التحدي سواء بخلق عدو من الفضاء الخارجي أو محاربة الطبيعة فقد طلبت أمريكا في بداية احتلالها للعراق ، وهي متمتعة بنشوة النصر ، من دول الجوار للعراق بفتح حدودها لكافة المجاهدين ( الإرهابيين ) لدخول العراق ليكون العراق أرض معركة معهم للتخلص منهم لكن ما حصل هو عكس التخطيط الأمريكي .

2- لقي المجاهدون العرب التغطية والاستيعاب من الشعب العراقي مع أنهم ليسوا المقاتلين الوحيدين ضد الأمريكان في العراق فهناك أفراد المقاومة العراقية التي يتمتع أفرادها بالتدريب العسكري النظري والعملي كون العراق خاض حروب من بداية الثمانينات من القرن الماضي حتى تاريخ احتلاله من قبل أمريكا . ويقوم الإعلام الأمريكي على إظهار أن المقاومة العراقية ليست من الشعب العراقي وإنما من مخلوقات قادمة من الفضاء العربي وتُلبِسها ثوب زرقاوي وهذا يتوافق مع نهج المقاومة العراقية التي لا زالت قياداتها متخفية وترفض التفاوض مع الأمريكان .

3- المقاومة العراقية هي الحاكم الفعلي على أرض الواقع حتى أن أفرادها يقومون بزيارات تفتيشية للدوائر الحكومية لمعرفة من يكون على رأس عمله ومن المتغيب .

4- يعتكف أفراد الجيش الأمريكي في صوامع ثكناته العسكرية خوفا من المقاومة العراقية ويرفض الجندي الأمريكي الخروج للقتال لعدم اقتناعه بجدوى وأهداف الحرب في العراق .

5- على الرغم من إطلاق أمريكا لحوالي أكثر من 12 محطة فضائية عراقية لبث الخلاعة والهاء الشعب العراقي عن واجب القتال وتسطيح عمل المقاومة بحيث يكون موقف المشاهد هو اللاموقف من أجل تحييده ومن ثم سهولة توجيه المشاهد العراقي إلى الراحة وعدم التواصل والتفاعل مع قضاياه المصيرية وأهمها دعم المقاومة إلا أن واقع الحال المقروء يقول إن أعداد أفراد المقاومة في ازدياد .

6- إن ما يشاهده المواطن العراقي الذي يرى بأم عينه التناقض الفاضح بين ما يعلنه الاحتلال الأمريكي عن عدد ضحاياه وخسائره المادية وما يشاهده من أرقام حقيقية لعدد قتلى الاحتلال يشجعه على الانتماء للمقاومة .

7- إن أعضاء الحكومة العراقية المؤقتة إما خارج العراق خوفا من المقاومة العراقية أو يمكثوا في بيوتهم تحميهم أحضان نسائهم وهم يطالبون القوات الأمريكية بعدم الرحيل وتركهم في ورطتهم لوحدهم . أهي بارقة أمل ؟ الشعب العربي يعيش فترة اعتزاز لم يعشها سابقا لكثرة الهزائم التي لحقت به لكن انقلب الحال البائس بفضل ما تلحقه المقاومة العراقية من خسائر وتفوُّق على القوات الأمريكية والشاهد أن الكثير منا يتهامس سِراً بالفرح على ما يحصل لأمريكا في العراق حتى أن معظم شعوب الكرة الأرضية تشاركنا هذا السرور بخاصة شعوب العالم الثالث . وكل شعب له أسبابه الخاص لشعوره بالسرور لما يلحق بالقوات الأمريكية من خسائر في العراق .

وهذا لتفوق أمريكا بخلق أعداء لها أكثر من الأصدقاء . ببساطة متناهية إن استطاعت أمريكا البقاء في العراق فلتبقى!! نشر الديمقراطية الأمريكية أدركت أمريكا أنها مهزومة في العراق وأن العراق سيكون نقطة انكسارها فعدلت من استراتيجيتها في تطبيق ونشر ديمقراطيتها في العالم العربي . إذ كانت تدعو إلى التطبيق الراديكالي السريع وإزالة أنظمة الحكم وخلق معارضة ديمقراطية لكن وزيرة خارجية أمريكا كونداليزا رايس عدلت عن لهجتها أثناء زيارتها الأخيرة إلى مصر بقولها :" إن أمريكا إحتاجت إلى مائة عام لتستوعب وتمارس الديمقراطية " .

وهي نفسها التي قامت بمقابلة المعارضة المصرية في أول زيارة لها حتى أن الحزب الحاكم في مصر اتهم المعارضة بالعمالة لأمريكا وكأن ما يقوم به الحزب الحاكم في مصر هو لمصلحة الشعب المصري . بل إن أمريكا تطلب من الحكام العرب عدم التخلي عن إعادة ترشيحهم للرئاسة لأن أمريكا اقتنعت أنه في حالة تطبيق الديمقراطية أنها لن تضمن أن يأتي حاكم عربي على مزاجها وأنها لن تقبل بحاكم عربي تفرزه الديمقراطية الأمريكية. إعادة التجديد للرئيس حسني مبارك جددت أمريكا قبولها للرئيس حسني مبارك فترشح لفترة حكم جديدة . لكن التجديد لفترة حكم قادمة له أثمانه في السياسة الأمريكية والواجب الوفاء بها ، إحداها أن يدعو إلى مؤتمر قمة عربي طاريء لإنقاذ أمريكا من ورطتها في العراق ( حك ظهر متبادل )

وقبل أيام عاد السيد عمرو موسى من أمريكا بالبيان الختامي لمؤتمر القمة العربي الطاريء ، ووافقت كافة الدول العربية على الحضور . البيان الختامي للمؤتمر ما هي أهداف مؤتمر القمة العربي الذي سيبحث مصالح الشعب العربي تلفيقا ومصالح أمريكا فعليا . لا أضرب بالمندل ولم أتصل بالأخ معمر القذافي ليعلمني عن البيان الختامي كعادته في نشر البيان الختامي قبل إذاعته لكن يبدو أنه مطلوب منه أن يصمت في الوقت الراهن .المنطق السليم يقود إلى أن البيان الختامي سيغطي البنود التالية أو ما يدور حولها من معنى :

- 1- الحفاظ على وحدة الشعب العراقي العربي ووحدته الجغرافية مع أن تقسيم العراق هو الظاهر على الساحة السياسية العراقية . فمنطقة كردستان تعتبر دولة قائمة بذاتها لكنها تنتظر الحماية الأمريكية ضد تدخل تركيا وإيران وسوريا .أما منطقة الجنوب العراقي فهي خاضعة لسيطرة الشيعة الإيرانية . أما منطقة الوسط التي يقطنها السنة ستبقى مسرح للفوضى .

2- مساعدة الحكومة العراقية والشعب العراقي على استتباب الأمن والنهوض بالاقتصاد العراقي.

3- الدعوة لانسحاب القوات الأمريكية من العراق وإرسال قوات (ردع) عربية بديلة لضبط الأمن. علما أن هذه القوات ستكون أهدافا سهلة لتنال منها المقاومة العراقية أو أن تنضم قوات الردع العربية إلى المقاومة العراقية .

4- إرسال البعثات الدبلوماسية العربية على مستوى السفراء . 5

- عدم الرضوخ للإرهاب والدعوة لعقد مؤتمر دولي ضد الإرهاب .

6- دعوة الدول الأوروبية لإعادة المعارضين على أراضيها بخاصة ذوي التوجهات الإسلامية كل إلى بلده لمحاكمته .إذ تمارس أمريكا حاليا ديمقراطية التعذيب إذ تطلب من كافة الدول العربية أن ترسل أفراد مخابراتها للتحقيق مع السجين من تلك الدولة داخل السجون الأمريكية المنتشرة حول العالم ذلك أن المحقق العربي أقدر على السب والضرب بل والكفر بالتعرض للذات الالهية إلى أصغر عذراء في خِدرها وتصلها قرابة مع السجين .

7- أما بهار البيان الختامي فهو قرار إحالة الشؤون الاقتصادية العربية إلى لجنة متخصصة لمناقشة التجارة البينية العربية والاعفاءات الجمركية .

8- مساعدة السلطة الفلسطينية بالمساعدات العينية والمالية والسيطرة على الوضع الأمني.

9- تصنيف أي عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي في خانة الإرهاب وذلك بعد انسحاب إسرائيل من غزة وسوف يتم ملاحقة مؤيدي العمل العسكري في كافة البلاد العربية (يريد شارون الانسحاب من غزة لإدراكه أن النصر حليف المقاومة العراقية لذلك رفض طلب أمريكي بتأجيل الانسحاب من غزة لما بعد مرحلة انسحاب القوات الأمريكية من العراق لأن مصلحة شارون أهم من مصلحة أمريكا) .إنقاذ أمريكاهكذا سيتم انقاذ أمريكا .

ومن باب رد الجميل لها ستطلب أمريكا من دول الخليج ارسال بعض من جيوشها للعراق لأنها أنقذتهم من خطر صدام حسين لكن من المتوقع أن الدول العربية التي سترسل قواتها هي : مصر والاردن والمغرب وتونس والجزائر ودول الخليج . سوق المواد المستعملة ( البالة ) في الزرقاء على غرار ما فعله الفيتناميين من تصنيع الأواني المنزلية من مادة الألمنيوم التي يحصلون عليها من كثرة اسقاط طائرات الفانتوم الأمريكية أثناء الحرب الفيتنامية الأمريكية فان سوق البالة في مدينة الزرقاء في الأردن يعج بالمنتجات العسكرية الأمريكية التي تغنمها المقاومة العراقية وترسلها للبيع بدءا من البسطار (الحذاء العسكري ) والملابس الأمريكية إلى فوهات الدبابات الأمريكية فيرسلها الزرقاوي إلى مدينته الزرقاء لتكون شاهد عيان على خسائر الأمريكان وبيان شراسة المقاومة العراقية . نسبة نجاح هذا المؤتمر تتساوى مع نسبة الفشل وهذا يعتمد على رد الفعل العربي الشعبي الذي يستطيع أن يُفشل ما تفكر به أمريكا ليرسلها وما تمثل من أفكار إرهابية وما يمثل سياستها إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم .

أو أن تنجح أمريكا بالهروب من مأزقها وتبدأ حروب إرهابية عربية عربية وهذه هي المصيبة المخفية التي نحن بانتظارها . إن هروب أمريكا من العراق وبفضل هذا المؤتمر سيكون بلا اعتذار أو دفع تعويضات أو محاكمة أمريكا لكن حرب العراق ستؤثر على العقيدة العسكرية الأمريكية وستنكفيء أمريكا على ذاتها تجتر ثقافة العداء والتحيز لأن قيمها الأخلاقية قد فشلت لأنها حاولت تسويقها من قناة الإرهاب الذي هو التجارة الأمريكية النامية والرابحة لبيع صفقات الأسلحة الأمريكية . وجهة نظر شخصية .

أثناء إحدى خطب الجمعة ومن مسجد في إحدى الدول العربية وقف الخطيب قائلا :" اللهم لا شماته واننا ضد قتل الأبرياء لكن بريطانيا تستحق ما يحصل لها على أراضيها جراء جرائمها في العراق " . وقد أكمل بإرسال رسالة إلى الرئيس بوش قال فيها :" إلى الأخ العزيز بوش .إننا ضد الإرهاب وعلى استعداد أن نقاتل في صفوف الجيش الأمريكي إذا :- 1- خروج الأمريكان من العراق . 2- تنفيذ إتفاق السلام الفلسطيني الإسرائيلي . 3- خرج الأمريكان من أفغانستان . البداية هل ينهي هذا المؤتمر مشاكل أمريكا في العراق ويرمي بكرة الحل في ملعب الساحة العربية ؟ أم يكون هذا المؤتمر بداية العتمة التي تسبق بزوغ الفجر للشعب العربي ؟

إن ما يجدد الثقة بهذه الأمة هو حجم ما تتعرض له من مؤامرات داخلية ودولية . وليس أمامنا من سبيل إلا بتحمل مسؤولياتنا في مقاومة الإرهاب الأمريكي الذي نعيشه دون رضانا وعلى أراضينا . كيف أمكن لجرثومة الإرهاب الخبيثة أن تغزونا فكريا وسياسيا وعسكريا ؟ أين المناعة الدينية والتربوية والإعلامية والتثقيفية في تحصين شبابنا ضد هذه الجرثومة ؟ فلا نلوم الجرثومة الدخيلة بل نلوم نظامنا المناعي الفاشل.


الأحد، مارس 25، 2007

زيارة خاطفة لـ «أسير» برتبة رئيس وزراء



بيروت – غسان شربل
الحياة
ما أصعب أن تكون سيد السراي الحكومية في لبنان. وان تجلس على كرسي رفيق الحريري وعلى بعد مئات الأمتار من ضريحه. وتحت ابتسامة صورة «الرئيس الممدد له قسراً» إميل لحود. وان تدير حكومة طلقها كل الوزراء الشيعة. وان تمضي 115 يوماً محاصراً بخيام المعارضة المعتصمة في ساحة رياض الصلح. وان تنام في السراي المحاطة بالخيام ومكبرات الصوت والأسلاك الشائكة والأطواق الأمنية.
في أصعب موقف يواجهه رئيس للوزراء، فاجأ فؤاد السنيورة أصدقاءه وخصومه. اعتقدوا بأن الضغط الهائل سيذهب سريعاً بأعصابه وحكومته، وانه سيجمع أوراقه ويرحل خصوصاً انه «ليس عاشق سلطة» و»لا يرف لي جفن ان غادرتها». وسرعان ما تبين ان الرجل الناعم الذي لا يحرجه انكشاف دموعه هو نفسه الرجل الحازم الذي لا يتزحزح، مهما استهدفت الحملات صورته وتكاثرت المخاوف على سلامته.
سألناه، زميلي محمد شقير وأنا، ان كان يعتبر نفسه أسيراً؟ فرد: «أنا أسير قناعاتي». وهل هو أسير دم الحريري الى حد العجز عن المشاركة في تسوية أو حل؟ قال: «هناك المحكمة ذات الطابع الدولي والحقيقة. وهناك حرية اللبنانيين وسلامتهم وديموقراطيتهم ووقف القتل والتخويف وعدم العودة الى وضع سابق يرفضونه والمسألة الثانية بأهمية الأولى». وهل يعتبر نفسه أسير التركيبة اللبنانية التي لا تجيز الحكم في غياب طائفة؟ قال: «أنا لم أقل ان وضع الحكومة طبيعي»، لافتاً الى ان اشتراط الدستور استقالة ثلث أعضاء الحكومة لاعتبارها مستقيلة كان له هدف محدد. وكان يشير الى استحالة ان يكون الثلث من طائفة واحدة.
سألناه ان كان كتب وصيته غداة توليه رئاسة الحكومة فأجاب: «لم أكتب وصيتي... أنا رجل مؤمن». وذكَّرنا بالحديث الشريف: «واعلم ان ما أصابك ما كان ليخطئك وما أخطأك ما كان ليصيبك».
هل لديه هاجس التاريخ؟ يجيب: «لدي هاجس وحيد، ان أظل أحظى باحترام الناس واحترامي لنفسي (...) عندما أكون رئيساً للوزراء أريد ممارسة دوري كاملاً وبنسبة مئة في المئة، وعندما أغادر لن يرف لي جفن».
وعن مشاريعه لما بعد رئاسة الوزراء، قال: «سأعمل في الشأن العام وليس في السياسة بالمعنى الضيق. الموضوع الثقافي يعنيني جداً (...)». وماذا لو طلبنا منه ان يوجه كلمة الى السيد حسن نصر الله الأمين العام لـ «حزب الله»، قال: «لنتقِ الله في لبنان وفي المسلمين». والى رئيس مجلس النواب نبيه بري: «يجب أن نفرق ما بين موقعنا في رئاسة مجلس النواب وموقعنا في المعارضة. يجب أن نعلي شأن المؤسسات».
وعن صعوبة الإقامة بين ظل رفيق الحريري وصعود نجله سعد، قال: «أنا وسعد على أحسن ما يرام. أقول بقوة ووضوح سعد يحقق قفزات كبيرة ومهمة، يحقق تقدماً كبيراً وأنا أدعمه جملة وتفصيلاً».
هل كان يتوقع تولي رئاسة الحكومة؟ يجيب: «لا، أبداً. الرئيس الحريري، رحمه الله، تحدث إليّ أحياناً عن هذا الاحتمال أكثر من مرة، وكنت أجيب ان الأمر غير وارد اطلاقاً». واذا أرغمته التسوية على التنازل عن أشياء أساسية، قال: «أنا مرن جداً، ولكن لديّ ثوابت لا يمكنني التخلي عنها».
يستبعد السنيورة أن تتكرر في قمة الرياض المشاهد اللبنانية التي شهدتها قمة الخرطوم، بسبب مشاركة لبنان بوفدين في القمتين.
في جو التوتر الهائل يستقبل السنيورة ويناقش ويتابع ويودع ويرد ويصوّب. هادئ الى حد إثارة أعصاب خصومه. بين الشعراء يحب المتنبي ونزار قباني. في الغناء أم كلثوم وعبدالوهاب وأسمهان وفيروز وعبدالحليم حافظ الذي يذكّره بـ «مرحلة الشباب». ولم ينفِ انه يتمشى في السراي قبل النوم و «يدندن».
في الثالثة والستين يعيش فؤاد السنيورة تجربة غير مسبوقة. ها هي القضايا تختلط: المحكمة والحكومة وانتخابات رئاسة الجمهورية وقرار الحرب والسلم، ومعها احتمالات الفراغ والحكومتين وإعادة التفاوض حول مستقبل لبنان والأدوار الإقليمية والدولية على أرضه. انه أسير هادئ في معركة كبرى لا يملك اللبنانيون أدوات حسمها.

ما هو سر العلاقة بين الفلسطينيين والليبيين..!!؟


بقلم / يوسف صادق
كلما جاء أسم الجماهيرية الليبية في تجاذب الحوار بين أي الطلاب الفلسطينيين، كانت الجماهيرية حاضرة دوماً، سيما وأن عشرات الآلاف درسوا في جامعاتها، وشربوا من مائها وكان بينهم ما يمسى "عيش وملح"، فضلاً عن هذا فإن الساحة الليبية كانت ولا زالت أرضاًَ وبلداً وحاضناً لآلاف الأسر الفلسطينية التي استقرت وعاشت هناك منذ الرحيل الأول والثاني لاجتياح العدو الإسرائيلي لبلدنا في عام النكبة 1948 وعام النكسة 1967.
فلم نسمع يوماً منذ أن كان طلابنا أو العائلات الفلسطينية التي كانت تزور مدنها المحتلة في فلسطين، أن أيٍ من المواطنين الليبيين أساءوا إليهم ولو بكلمة واحد، بل على العكس تماماً، فإن الفلسطيني كان يشعر أن الجماهيرية الليبية هي بلده الثاني، وأن رئيسها الأخ قائد الثورة "معمر القذافي" كان كأخ لهم يقف معهم ويؤازرهم في كافة المناسبات التي يحتفل بها الفلسطينيين هناك.. بل وكان الدعم المالي سخي جدا من قبل المسؤولين وأصحاب القرار الليبي.
فبعد أن رأينا الرئيس "معمر القذافي" على شاشة الجزيرة قبيل آخر قمة عربية طارئة قبل ثلاثة أعوام، بواقعيته وهو يهش بدعابة "الذباب" من حوله بورق نتائج القمة والتي كان من المفترض أن تعقد بعد يومين من هذا اللقاء، وهو ما رفض حضورها آنذاك، بدعوى أن البيان الختامي لم يرتق لحجم المسؤولية، مؤكداً أن هذا البيان يوزع أصلا على رؤساء وملوك وسلاطين الدول العربية قبل إنعقاد القمم.
من هنا يتبين أن الرجل واقعي، لدرجة أنه لا يحمل الضغينة لأيٍ عربي كما غيره، وهو إنسان بسيط رغم انه يستطيع أن يعظم بعظمة بلده النفطية، ومع هذا فهو لم يتردد في إتخاذ قرارات قد يراها البعض أنها دون المستوى، وهي في الواقع قرارات جريئة وواضحة كما الشمس المشرقة.
فالقذافي لم يأتي على دبابة أمريكية ليحكم بلده بالحديد والنار كما فعل غيره، ويكفينا فخراً أنه صديق حميم للشهيد القائد أبو عمار والشهيد الرئيس صدام حسين، وهو ما يعني انه قومي بالدرجة الأولى، ولهذا ندرك تماماً أن الإعلام الغربي إستغل تحفظ الجماهيرية الليبية على الإتفاق الأخير بين الفلسطينيين، وزعم أن الجماهيرية ستطرد كافة الفلسطينيين هناك، وهو ما ننفيه تماماً بحكم معرفتنا بشخصية الأخ العقيد معمر القذافي المنتمي لفلسطين وللقضية الفلسطينية كأنها قضيته الخاصة، وأن آلاف الأسر الفلسطينية في بلده هم بمثابة أهله وذويه.
فلكنا إدراك ووعي بأن هذا القومي العربي، إنما هو يحتج بطريقته الخاصة، دونما إلحاق أي ضرر بأي فلسطيني يعتبر الجماهيرية هي بلده الثانية، بعد رحيله القسري عن بلاده، وهو ما يدعونا لأن نستضيف الرئيس القومي في بلدنا بين شعبه وأحبته.
Yousefsadek2004@hotmail.com

ثلاجة" عربية للوضع الفلسطيني الراهن


بقلم: نقولا ناصر*

يجري ، بوعي أو بغير وعي ، ترحيل الوضع الفلسطيني المجمد في نقطة عائمة مفتوحة على كل الإحتمالات بين اللامقاومة واللامفاوضات - منذ الوفاة الغامضة للرئيس الراحل ياسر عرفات - من حالة إنتظار اميركي إسرائيلي لظهور شريك فلسطيني متطابق ومتساوق تماما مع إملاءات الحليفين الإستراتيجين إلى حالة إنتظار لظهور شريك عربي مماثل لا يترك أمام صانع القرار الفلسطيني غير خيار التساوق مع عمقه الجغرافي –السياسي في تلبية الإستحقاقات التي تمليها قوتا الإحتلال الوحيدتان في العالم العربي ، مما يعني عمليا نقل الوضع الفلسطيني المجمد من ثلاجة الحصار المفروض عليه منذ عامين إلى ثلاجة عربية تطيل عمر تجميده إلى أمد غير منظور .

في خطابه بجلسة المجلس التشريعي التي منحت الثقة لحكومة الوحدة الوطنية يوم السبت ، السابع عشر من آذار / مارس الجاري ، لفت النظر أن الرئيس محمود عباس لم يتطرق لذكر "خريطة الطريق" التي طالما استند إليها كمرجعية في دعواته المتكررة لإحياء عملية السلام ، بل استند هذه المرة ، ولأول مرة ، " إلى مبادرة السلام العربية، التي تشكل عناصرها وأسسها برنامج سلام حقيقي ومتكامل" كما قال .

إن الحليفين الإسرائيلي – الأميركي ، اللذين تملصا وتنصلا محتجين بمختلف الذرائع من تطبيق "خريطة الطريق" التي صاغتها اللجنة الرباعية الدولية ووافق كلاهما عليها قبل أن يضمنها مجلس أمن الأمم المتحدة قراره رقم 1515 ، يماطلان الآن في الموافقة على ما اعتبرته وسائل إعلام كثيرة البديل العربي لها ، أي مبادرة السلام العربية ، ناهيك عن الموافقة على وضع هذه المبادرة موضع التطبيق ، خصوصا وأن ذرائعهما للتملص من تطبيق "الخريطة" ما زالت على حالها بل توفر لها ما يزيد في تعقيدها ، كما أن عدد اللاعبين في المبادرة الجديدة يوفر لهما مزيدا من ذرائع التنصل والمماطلة .

وإذا كانت ذرائعهما قد أوصلت خيار السلام من خلال المفاوضات إلى طريق مسدود فإن نجاح الرئيس الفلسطيني محمود عباس في إنهاء "عسكرة" إنتفاضة الأقصى وفي استدراج حماس إلى الإنخراط في العملية السياسية في إطار المؤسسات المنبثقة عن إتفاقيات أوسلو مع إسرائيل قد أوصل المقاومة إلى طريق مسدود أيضا ، ليجد الوضع الفلسطيني نفسه محاصرا ومجمدا في حالة لاحرب ولاسلم ، ولا مقاومة ولا مفاوضات ، حيث منظمة التحرير مشلولة وسلطة الحكم الذاتي بلا سلطة ، بينما الشعب المسحوق تحت الإحتلال والحصار حائر بين قياداته المتناحرة في خضم اصطراع على السلطة قيل له إنه كان بين دعاة مفاوضات لا تجري وبين دعاة مقاومة لا تفعل ، وضع كاد يصل إلى شفا الإنتحار الوطني الذاتي في حرب أهلية .

في هذه اللحظة بالذات امتدت يد العربية السعودية بخشبة النجاة . وقد ساهمت عدة عوامل في توفير عناصر النجاح للوساطة السعودية وإبرام إتفاق مكة المكرمة ، كان أهمها ضوء اخضر أميركي اصبح ممكنا تحت ضغوط متعددة أولها النتائج السلبية التي خيبت آمال واشنطن في الحرب الإسرائيلية بالوكالة على لبنان الصيف الماضي ، وثانيها ضغوط الفشل العسكري المتفاقم في العراق ، ثم ضغوط المواجهة مع إيران حول برنامجها النووي . غير أن هذا الضوء الأخضر تكشفه دوافعه باعتباره مناورة تكتيكية لكسب المزيد من الدعم العربي الحاسم في الساحات الثلاث ، مع أن هذا الدعم لم يكن مفقودا بل كان أقل مما تحتاجه واشنطن فحسب . وكان المدخل الأميركي لتجنيد المزيد من هذا الدعم هو السماح بنفض الغبار عن مبادرة السلام العربية المهملة في ادراج جامعة الدول العربية منذ عام 2002 ، مجاراة للإجماع العربي الرسمي على أن حل القضية الفلسطينية في إطار إزالة آثار عدوان إسرائيل في سنة 1967 هو المدخل العربي المقبول لمساعدة الولايات المتحدة في الخروج من حروبها الإقليمية الأخرى .

هذه الدوافع التكتيكية للضوء الأخضر الأميركي هي التي تثير كل الشك في إمكانية أن تسمح واشنطن لمبادرة السلام العربية بالتحول فعلا إلى برنامج سياسي إقليمي للسلام ، وهي التي حالت دون تطبيق بديل أكثر تواضعا وأقل تعقيدا وأسهل منالا مثل "خريطة الطريق": كانت حجتها واسرائيل أن الجانب الفلسطيني لم يف باستحقاق المرحلة الأولى الذي يشترط تفكيك البنى التحتية للمقاومة المسلحة ، وعندما نجح الرئيس عباس في الوفاء بهذا الإستحقاق فضم هذه المقاومة إلى العملية السياسية وأقنع حماس نفسها في إعطاء الأولوية للوحدة الوطنية على المقاومة لكي تعلن الحركة الإسلامية من جانب واحد ثم تلتزم التزاما صارما منذ عامين وحتى الآن بالتهدئة ووقف إطلاق النار ، تذرعت واشنطن باستنكاف الحركة عن الإلتزام اللفظي بما نفذته عمليا على الأرض وعلى الورق .

إن مرافقة رئيس الوزراء اسماعيل هنية للرئيس عباس إلى مؤتمر القمة العربية في الرياض أواخر شهر آذار / مارس الجاري ستكون تتويجا لهذا المسار الفلسطيني كما لنهج حماس الجديد ، حيث من المؤكد تقريبا أن تجدد القمة إلتزامها بمبادرة السلام ك"خيار استراتيجي" ، وهي المبادرة التي كانت تحفظات حماس عليها من العقبات الرئيسية أمام تأليف حكومة الوحدة ، التي ينص برنامجها المعلن على أن "تلتزم الحكومة بحماية المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني ، ... كما أقرتها قرارات المجالس الوطنية ومواد القانون الأساسي ووثيقة الوفاق الوطني، وقرارات القمم العربية، وعلى أساس ذلك تحترم الحكومة قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية " ، كما تتعهد بأنها " سوف تعمل على تثبيت التهدئة وتوسيعها لتصبح تهدئة شاملة ومتبادلة ومتزامنة" وتقر "بأن إدارة المفاوضات هي من صلاحية منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية" وتلتزم ب " وجود سلطة وطنية واحدة وموحدة وقوية".

وبالرغم من ذلك ما زال الحليفان يرفضان الإعتراف بالإنجاز الفلسطيني والعربي ، مما يكشف عدم صدقية واشنطن خصوصا في التعامل الإستراتيجي لا التكتيكي مع المبادرة العربية باستمرارها في الفصل بين تعاملها التكتيكي المساير للتوجه العربي الجماعي للسلام وبين اصرارها على مواصلة حصار حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية المنبثقة عن إتفاق مكة الذي أمن موافقة فلسطينية شبه جماعية على المبادرة وهذه الموافقة شرط مسبق لا غنى عنه لجدوى أي مبادرة عربية للتصالح مع إسرائيل .

إن هذا الفصل الأميركي – الإسرائيلي التعسفي بين المبادرة العربية وقلبها الفلسطيني ليس له إلا تفسير وحيد وهو أن تجديد قمة الرياض المقبلة للإلتزام العربي الجماعي بالمبادرة لن يفتح أي ثغرة في جدار الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني وقيادته كما لن يؤشر إلى إنطلاقة محتملة قريبة لعملية السلام العربية – الإسرائيلية إلا ، ربما ، إذا تبنى القادة العرب النسخة الإسرائيلية لمبادرتهم ، وليس في الأفق ما يشير إلى أنهم قد يفعلون ، لأن مجرد حديث بعض التقارير الإعلامية خلال الشهر الجاري عن محاولات لتعديلها بما يتساوق مع التعديلات الإسرائيلية المقترحة هدد بانفراط الإجماع العربي عليها كما هدد بانهيار الوحدة الفلسطينية التي قبلت أطراف رئيسية فيها بالمبادرة على مضض ، بينما الإجماع العربي والوحدة الفلسطينية عليها هما رصيدها الأساسي الذي يضمن نجاحها أو فشلها .

غير أن أخطر ما يمكن أن يتمخض عن الرفض الإسرائيلي للمبادرة "في شكلها الحالي" كما تقول إسرائيل وعن الدعم الأميركي لهذا الرفض ، وبالتالي عن بقاء المبادرة العربية معلقة رهن موافقة الحليفين عليها ، هو تجميد الوضع الفلسطيني الراهن في "ثلاجة" عربية بعد تجميده في ثلاجة الحصار الإسرائيلي – الأميركي . وكما أثبتت تجربة الحصار المستمر فإن تجميد الشعوب في الثلاجات أمر مستحيل لأن الحياة مستمرة ويستحيل تجميدها ، وإذا أمكن فرض السكون على الفلسطينيين فإن فرضه على العرب لم يعد ممكنا حتى على من هم حلفاء لواشنطن وأصدقاء لها ممن تعاهدوا فعلا على السلام مع إسرائيل لأتهم هم ، لا واشنطن ، من سيكتوون بنار أي إنفجار يهدد استمرار تجميد الوضع الراهن بتفجيره ، ولا أبلغ للدلالة على ذلك من التحذير الذي وجهه ملك الأردن عبد الله الثاني في واشنطن أوائل الشهر الجاري: "إننا لا نستطيع أن ننتظر لفترة أطول ... ولا نستطيع أن نظل صامتين" !

ولا بد للقوى الدولية الساعية إلى تسوية سلمية للصراع العربي – الإسرائيلي ، وفي مقدمتها رباعية الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا ، أن تسابق الزمن لإغتنام الفرصة التاريخية التي توفرها المبادرة العربية ، قبل أن تجهضها حقائق الإحتلال الإسرائيلي على الأرض والمماطلة الأميركية ، ولإنتهاز فرصة إنضمام حماس للعملية السياسية إن كانت تريد ضمان استمرار مشاركتها فيها ،قبل أن تفرض عليها التراجع عنها الضغوط الشعبية الناجمة عن الإحتلال والحصار وانتظار عملية سلام لا تثمر وسلام لا يأتي .

إن التزام حماس وفتح بمبادرة السلام العربية كبدبل للمقاومة كما للمفاوضات الثنائية الفلسطينية – الإسرائيلية المجمدة في الثلاجة الأميركية – الأسرائيلية ، والتزامهما بالعمق العربي الإسلامي "الرسمي" على علاته غير الشعبية ، وامتنانهما لإتفاق مكه وراعيه السعودي ، لا يمكن أن يتحول إلى مراهنة لا سقف زمنيا لها على المجهول ، بانتظار وعد بتطبيق "رؤية" أميركية تتآكل إمكانيات تطبيقها كل يوم لا بل كل ساعة بحقائق الإستيطان الإستعماري التي تخلقها اسرائيل على الأرض وهي ضامنة بأن حليفها الإستراتيجي سوف يعلن إن عاجلا أم آجلا بأن "من غير الواقعي" عدم الإعتراف بها ، كما فعل الرئيس جورج دبليو. بوش في رسالة الضمانات الي بعثها لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق آرييل شارون ، المعلق الآن بين الموت والموت ، في 14 نيسان/أبريل 2004 .

لقد أفقدت أوهام عملية السلام الأميركي – الأوروبي حركة فتح عجلة القيادة وجاءت بحماس شريكة قيادية لها وليس من المستبعد أن تقود وعود عملية سلام عربية إن تحولت إلى أوهام مماثلة إلى خسارة الحركتين معا لثقة الشعب الفلسطيني إذ ليس سراأن إنضمام الحركة الإسلامية لعملية سياسية لم تثبت جدواها منذ عام 1991 قد انعكس سلبا على شعبيتها وصدقيتها ، فالقوى المعارضة الوطنية والقومية والإسلامية والشعبية الأخرى التى عجزت عن إيقاف عجلة أوسلو كانت قد وجدت في حماس عقبة مؤهلة لوقف نتائجها الوطنية الماساوية لكن من الواضح أن آمالها قد خابت .

أما على المستوى الشعبي فإن الناخب الفلسطيني الذي منح ثقته في الإنتخابات التشريعية الأخيرة لحماس من أجل "الإصلاح والتغيير" يجد نفسه الآن في الوضع نفسه الذي كان يأمل في تغييره وإصلاحه ، بفساده ورموزه وأسمائه ومؤسساته ذاتها ، لا بل إن هذا الوضع قد تعزز فأصبح يدافع عن شرعيته باسم حماس ولكي يطوي إلى أجل غير مسمى ، على سبيل المثال ، ملفات الفساد التي كان أشار إليها الرئيس عباس وحماس على حد سواء باسم "الوحدة الوطنية" .

ولا ينبغي الإستهتار بخيبة الأمل الشعبية من وعود التغيير والإصلاح . إن الوحدة الوطنية هي إنجاز في حد ذاته ، خصوصا بعد أن كاد الإصطراع بين المتوحدين وطنيا يغرق الشعب في حرب أهلية لا ناقة له فيها ولا جمل بعد أن ثبت الآن أن كل مسوغات "الثوابت" و"المصلحة الوطنية العليا" التي سيقت لتبريرها لم تكن إلا لغوا "وطنيا" للإحتفاظ بالسلطة أو للوصول إلى المشاركة فيها .

إن إنضمام قوى مثل "المبادرة" و "حزب الشعب" و "الطريق الثالث" و "الجبهة الديموقراطية" إلى حكومة الوحدة الوطنية لا يشير إلى توسيع المشاركة السياسية لأن هذه القوى كانت من أركان التسوية السياسية التي إنطلقت من أوسلو أو كانت من القوى الرئيسية المنظرة للتسوية السياسية ، مثل "الديموقراطية" . ولا ينبغي لأنصار البديل السلمي لحل الصراع الإستهتار بمعارضة قوى جذرية كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و الجهاد الإسلامي والتيار القومي كما سبق لهم الإستهتار بمعارضة حماس ، فهذه القوى ، التي رفضت المشاركة في حكومة الحدة الوطنية ، قرأت جيدا ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل عندما قال: "لو كنت قائدا عربيا ما كنت لأوقع إتفاقا مع إسرائيل . لقد أخذنا بلدهم . صحيح أن الله وعدها لنا لكن كيف سيثير ذلك إهتمامهم ؟ فإلهنا ليس إلههم . وقد كان هناك عداء للسامية ، ونازيون ، وهتلر و(معسكر اعتقال) أوشفيتز ، لكن هل كان ذلك خطأهم ؟ إنهم لا يرون إلا شيئا واحدا هو أننا جئنا وسرقنا بلدهم" .

وإذا كان استبدال "خريطة الطريق" بمبادرة السلام العربية سوف يجمد الوضع الراهن الفلسطيني على ما هو عليه لكن في ثلاجة عربية هذه المرة بدل الثلاجة الأميركية فإن صلة الرحم القومية لن تكفي وحدها لمنع مرجل الغضب واليأس من الإنفجار ، فانتظار الفرج الأميركي الذي لم يأت طوال العقود الستة الماضية لم يتحول إلى إدمان شعبي بعد ، وإن كان قد أصبح إدمانا رسميا منذ أمد طويل !

* كاتب عربي مقيم في فلسطين .

السبت، مارس 24، 2007

الدوافع السياسية لاغتيال الحريري لا تسيّس التحقيق الدولي وتقاريره


المستقبل - فادي ريحان
"التحقيقات التي قامت بها لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حققت تقدماً مهماً في العديد من المجالات، والخطوة المنطقية التالية بعد التحقيق هي تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي". كلام رئيس اللجنة القاضي البلجيكي سيرج براميرتس خلال مناقشته اول من امس تقرير اللجنة السابع امام مجلس الأمن، يفتح الباب امام اجراء قراءة سريعة لنقاط عدة تضمنها هذا التقرير، لجهة التركيز على الدوافع السياسية لاغتيال الرئيس الحريري ودورها الاساسي في تحديد المشتبه بهم في ارتكاب الجريمة والمشاركين والمخططين والمحرضين عليها من خارج اطار المنفذين المباشرين. وحول ضبط الاتصالات الهاتفية التي اجريت قبل تنفيذ الجريمة وبعدها.

في السنتين الماضيتين اشيع ان المحقق الدولي السابق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد الحريري القاضي الالماني ديتليف ميليس يقوم بتسييس التحقيق، ويتخذ من الاسباب السياسية سبيلا للكشف عن دوافع اغتياله وصولا الى اكتشاف قتلته. وبالطبع فإن هذه المقولات كانت وما زالت تصدر عن الفريق الذي يريد تعديل مشروع المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الشهيد الحريري ورفاقه وكل الذين اغتيلوا من بعده. وكانت ملاحظات رئيس الجمهورية الممددة ولايته على مشروع المحكمة واحدة من بوادر الرغبة بإرساء مشروع محكمة تحاكم قلة قليلة من المجرمين الذين ارتكبوا هذه الجريمة، ومن خلفه الفريق الذي اعتكف وزراؤه حين ارادت الاكثرية في الحكومة ضم جريمة اغتيال النائب جبران تويني والجرائم الاخرى الى مهام لجنة التحقيق الدولية، من ثم استقالوا عند الشروع بالموافقة على تشكيل المحكمة الدولية، وما زالوا مستقيلين حتى اليوم.
الكلام على "التسييس" الذي كان ينطق به منظّرو هذا الفريق لم يكن عبثياً او من دون طائل يرتجى منه. فقد كان يهدف الى الطعن بحياد المحقق الذي عينه الامين العام للامم المتحدة وفريق عمله، والى زعزعة ثقة المواطنين، الى اي فريق انتموا، بأهداف لجنة التحقيق الدولية. فكان الاتهام بالتسييس سبيلاً لإشاعة دور للجنة التحقيق يختلف عن دورها الحقيقي. وهو ان اللجنة الدولية لا تهدف الى كشف قتلة الرئيس الحريري، بل الى زعزعة الاستقرار في المنطقة عبر اتهام النظام السوري بإرتكاب جريمة الاغتيال وكل الجرائم اللاحقة عليها والسابقة لها. وهي بتحقيقاتها المنصبّة على جهة واحدة اي النظام السوري وحلفائه في لبنان تعمل على مساندة السياسية الاميركية الطامحة الى استعمار المنطقة وسرقة ثرواتها ومساندة حليفتها اسرائيل. هذا هو الهدف من اتهام لجنة التحقيق الاولى بتسييس التحقيقات. وكان المحقق ميليس محل تهجمات اعلامية لا حصر لها يمكن لاي باحث في ارشيف الصحافة في السنتين الماضيتين ان يكتشف كنهها ومصادرها واهدافها، وقد طالته هذه الاتهامات حتى بعد استنكافه عن التحقيق وعودته الى بلاده واحلال القاضي البلجيكي سيرج براميرتس محله.
ثم ان رافضي تسييس التحقيقات كانوا يلعبون على وتر الصورة المتخيلة لدى الناس حول التحقيقات كما يعرفونها من خلال القصص البوليسية او الافلام الاميركية التي تتناول الجرائم والتحقيق فيها. كانوا يحاولون اقناع اللبنانيين ان التحقيقات الجنائية تتناول البصمات والفحوص المخبرية والفاعل المباشر اي الذي فجر نفسه ليقتل الشخص المطلوب قتله. هذه هي التحقيقات بنظرهم، اما عن الدوافع التي ادت الى ارتكاب الجريمة والمحرضين على ارتكابها وداعمي مرتكبها والذين امنوا له كل احتياجاته اللوجستية لارتكاب جريمته، فهذا كله يدخل في اطار "التسييس" لانه سيطال اشخاصاً اخرين غير الشخص المرتكب نفسه، اي الذي نفذ الجريمة مباشرة. ذلك الذي انهى المخطط بتفجير نفسه بعد الانتهاء من جميع الخطوات السابقة على عملية التفجير هذه، وفي هذا السياق يفرّق فؤاد شبقلو بين تسييس التحقيق وبين الدوافع السياسية لارتكاب الجريمة. فالتسييس يعني اصطناع خلاف سياسي او شبهة سياسية لأخذ التحقيق نحو اهداف اخرى. اما الدوافع السياسية فهي التي تتعلق بالاسباب السياسية التي دفعت الفاعل الى ارتكاب جريمته، والفرق بين العبارتين كبير.
ثم حلّ القاضي البلجيكي سيرج براميرتس مكان سلفه الالماني ميليس، فإشتغل في تحقيقاته على الادلة الاجرائية والجنائية بمعناها الآنف الذكر. فعمل على الكشف عن هوية الانتحاري الذي فجر شاحنة "الميتسوبيشي". وحاول اكتشاف مصدر تلك الشاحنة ومصدر المتفجرات، ونوعية التفجير اذا ما كان من فوق الارض او من تحتها، واذا ما وقع تفجيران او تفجير واحد. وعمل على التحقيق حول شخصية احمد ابو عدس الذي تبنى عملية اغتيال الرئيس الحريري من دون ان يعلن قيامه بها بنفسه. عندها لقي المحقق الجديد قبولا ورضى عليه من قبل المعترضين على التسييس، وراحت السلطات السورية تغدق عليه المدائح وتؤمن له "المساعدة" التي يطلبها والتي وصفها في تقاريره الثلاثة، التي رفعها الى الامين العام للامم المتحدة، بالمرضية. المهم في الامر انه لم يلجأ الى السياسة لتحليل جريمة اغتيال الرئيس الشهيد. الا انه لم يبق على اصراره بأن السياسة لا علاقة لها بالجريمة. فهو رغم اصراره على التحقيق في المواضيع الميدانية كان يعمل على خط مواز على الامور السياسية تلك التي ابرزها في تقريره الاخير الذي رفعه اواسط هذا الشهر الى الامين العام للامم المتحدة.

في هذه النقطة يقول شبقلو ان "الدوافع بشكلها العام هي اهم ما يبحث عنه المحقق في جريمة ما. والبحث عن الدوافع في اي جريمة يهدف الى تضييق دوائر الاتهام وتضييق حقل الشبهة حول الفاعل. حين تعرف الدوافع يوجه الاتهام الى بعض الناس ولا يبقى الجميع متهمين.
الدافع السياسي للاغتيال
في القسم المعنون بـ"الدافع لاغتيال الحريري"، حسم القاضي براميرتس امره حول اهمية الجانب السياسي في كونه دافعا لارتكاب الجريمة. لذا قام بجمع المعلومات المتعلقة بالرئيس رفيق الحريري خلال الاشهر الـ15 الأخيرة من حياته. ويقول في الفقرة 52 من تقريره: "ان الصورة التي جمعت معقدة ومتعددة المستويات، وتقدم جزءاً من خلفية الدافع وراء قرار اغتياله".
ثم يحدد القاضي براميرتس في الفقرة 53 من التقرير حتى الفقرة 63 الاجواء السياسية التي كان يعيش فيها الرئيس رفيق الحريري خلال الـ15 شهرا الاخيرة والتي وصفها في الفقرة السابقة بأنها تقدم جزءا من خلفية الدافع وراء عملية الاغتيال. ويمكن جمع تلك الفقرات معا لتشكل ما يشبه فصلاً في رواية الحياة السياسية للرئيس الحريري قبل اغتياله، كالآتي: "إصدار قرار مجلس الأمن 1559 (2004) والتبعات السياسية لتنفيذه، وتمديد ولاية الرئيس اللبناني اميل لحود، والديناميات السياسية والشخصية التي كانت موجودة بين الحريري وبين أحزاب سياسية وقيادات أخرى في لبنان وسوريا ودول اخرى، والتحضير والاستعدادات المتقدمة للانتخابات النيابية التي كان مقرراً اجراؤها في ايار 2005، فضلاً عن قضايا تتعلق بالأعمال التي كان مشاركاً فيها".
ويعلق شبقلو على موضوع البحث عن الاجواء السياسية التي كان يعيشها الرئيس رفيق الحريري خلال 15 شهرا السابقة على اغتياله، بالقول انه لو تبين ان دافع القتل هو دافع سياسي، يصير حينها من الواجب البحث عن الامور السياسية التي سبقت الجريمة. فمثلا حين يقال انه تم تهديد الرئيس الحريري من اجل التمديد لرئيس الجمهورية، او انه كان يراد منه الموافقة على قانون انتخاب يقسم الدوائر الانتخابية بشكل يمنعه من ايصال اكثرية الى المجلس النيابي، او انه اجبر على تشكيل لائحة انتخابية من اشخاص لا يريدهم ويكونون بمثابة ودائع لديه من النظام السوري، ثم بعد هذا كله تقع جريمة الاغتيال، حينها تجبر الدوافع المحقق على البحث عن اعداء الرئيس رفيق الحريري السياسيين، وهذا ما يجعل من تحديد الدوافع بكونها سياسية ذات اهمية في تقرير سيرج برامرتس الاخير.
اذا يعدد براميرتس في تقريره المفاصل السياسية التي مرت بها البلاد قبيل اغتيال الرئيس الحريري. تلك المجريات التي يعرفها جميع اللبنانيين وكانوا جميعا سياسيين ومواطنين، يعرفون مدى اهميتها على صعيد السياسة الداخلية اللبنانية ومدى مفصليتها.
وكان اللبنانيون يعرفون ان قرار مجلس الامن 1559 كان قرارا مفصليا في الحياة السياسية اللبنانية لانه يطلب انسحاب الجيش السوري من لبنان ويطالب بنزع سلاح الميليشيات ويؤشر الى رفع الغطاء السياسي الدولي عن نظام الوصاية السوري في لبنان الذي امتد منذ حرب الخليج الثانية. وينهي القاضي البلجيكي تلك الفقرة بجملة ذات ابعاد واضحة لها علاقة وطيدة بالـ"تسييس" الذي كان يتهم به سلفه. "ترجح اللجنة احتمال ان يكون تضافر هذه العوامل قد خلق الأجواء التي برز فيها الدافع والنية لقتله (الرئيس رفيق الحريري)".
ثم انهى النقاش حول التسييس في الفقرة 54، حين اعتبر ان تبني اللجنة لمجموعة واسعة من الاحتمالات حول الدوافع وراء اغتيال الرئيس الحريري، قد انحصر في هذه المرحلة بـ"التحقيقات المتعلقة بنشاطات الحريري السياسية".
الفقرات 56 و57 و63 تكرس نظرية المحقق الدولي الجديدة، وتجعل من الدوافع السياسية أحد اهم المستندات التي تسيّر التحقيق للكشف عن هوية قتلته، "تواصل اللجنة تطوير الفرضية بأن اجواء التهديد للحريري كانت خطيرة بشكل كاف بالنسبة الى الإجراءات التي يجب إتخاذها في محاولة لتحسين الوضع القائم في كل من المؤسسة السياسية اللبنانية والمجتمع الدولي.
في الاشهر الاخيرة من حياة الحريري، كان مركزا على انتخابات 2005 المقبلة. ان طبيعة نياته بالنسبة الى الانتخابات المخطط لها وامكانية نجاحه المتوقع، فضلا عن علاقاته السياسية والشخصية مع الاحزاب الاخرى وقياداتها، هي على وجه الخصوص الجوانب المهمة لعمل اللجنة في هذا المجال، خصوصا بسبب المنافسة الموجودة بين بعض الشخصيات السياسية حينها.
من الفرضيات العملية أن القرار الأساسي باغتيال الحريري كان قد اتخذ قبل المحاولات الأخيرة لتقريب وجهات النظر، وعلى الأرجح قبل بداية شهر كانون الثاني 2005. يؤدي ذلك الى نشوء وضع محتمل خلال الأسابيع الأخيرة التي سبقت الاغتيال، تميز بخطين، ليس بالضرورة مرتبطين ببعضهما البعض، كانا يتقدمّان بالتوازي. في أحد هذين الخطين كان الحريري يقدم على مبادرات تهدف الى التقريب، وفي الخط الثاني كانت تجري التحضيرات لاغتياله".
الكشف عن هوية المشتركين
بعد هذه الاستنتاجات بات العمل الجديد الذي ينتظر لجنة التحقيق الدولية يتمحور حول من يقف وراء منفذي الهجوم. فالتحقيقات حول شخصية مرتكب الجريمة المباشرة والتي تقطع طريقها نحو الكشف عنها بواسطة التحليل الجيني (AND) لمرتكب الجريمة، وكذلك خيوط مصدر الشاحنة والمتفجرات في طريقها الى الحل عبر طرق في التحقيق تطال التحليل المخبري لبقايا جثة الانتحاري، واعادة رسم الطريق الذي قطعته الشاحنة حتى وصولها الى موقع الجريمة قرب السان جورج والقيام بمجموعة من اللقاءات مع شهود ومسؤولين والاطلاع على ارشيف مخابرات الجيش السوري اثناء وجوده في لبنان. ولكن بات اليوم اكثر من اي وقت مضى من المهم الكشف عن هوية المساعدين والمحرضين والداعمين والمشتركين في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقد ابدى المحقق براميرتس وجهة نظر اللجنة في هذا الموضوع في الفقرة 48 من التقرير الاخير: "تعتقد اللجنة أنه بالإضافة الى الأشخاص المتورطين مباشرة في الجريمة والأشخاص الذين اتخذوا القرار بارتكابها، ثمة أشخاص آخرون كانوا على علم مسبق بها. ربما لم يتوفّر لبعضهم إلا جزء من المعلومات، كالعلم بالعبوّة مثلاً، دون معرفة من كانت تستهدف، أو معرفة أن الحريري سيغتال، دون تحديد الوقت. كذلك تبحث اللجنة في فرضيات أن يكون البعض على علم بالهدف وبالتوقيت، وأنهم قد أبلغوا بذلك لأسباب خاصة".بعد هذا التقرير للجنة التحقيق الدولية لم يعد بالامكان التمسك بتسييس قضية اغتيال الرئيس الحريري. فالسياسة تدخل في اساس هذه الجريمة وارتكابها. ولم يعد بالامكان القول ان التحقيق في توجهه نحو طرف سياسي واحد هو محاولة لدعم المشروع الاميركي في المنطقة كما يحاول البعض الايحاء، او "من اجل تحقيق انتداب مستقبلي" كما قال الرئيس نبيه بري في مؤتمره الصحافي نهار الثلاثاء الماضي. فحتى لو استنكف القاضي البلجيكي عن اكمال تحقيقه (في حال افتراض الهجوم الاعلامي عليه) فإن اي محقق جديد سيتبع الخيوط نفسها في التحقيق. فدوافع الجريمة واضحة، والمشتركون في ارتكابها يتضحون شيئا فشيئا. وحتى في حال عرقلة قيام المحكمة الدولية لمحاكمة القتلة، فإن اتهام فريق بارتكاب الجريمة سيكون بمثابة محاكمة له. فالمجرم الطليق سيبقى مجرما في نظر التاريخ والمستقبل، ولو كان مجرما مع وقف تنفيذ العقوبة في حقه (في اقصى حالات التهرب من المحاكمة).
يرى فؤاد شبقلو ان "مجريات التحقيق كما وردت في تقرير براميرتس الاخير تؤكد معرفته بهوية مرتكبي الجريمة. فهو مثلا اورد في تقاريره السابقة ان لون بشرة مرتكب الجريمة لا تشبه لون بشرة اللبنانيين"، وبأنه يملك سناً من الفضة وهي عادة من عادات سكان بلاد الشام وليست من عادات اللبنانيين. في هذا التقرير، ودائما بحسب شبقلو، "اعلن القاضي براميرتس بما يشبه التأكيد أن احمد ابو عدس ليس مرتكب الجريمة، وان المجموعة التي تبنت العملية غير موجودة بل صنعها ناس آخرون. هذا كله يعني ان السيد براميرتس يريد تضييق الشبهات حول الفاعلين على ضوء الادلة والقرائن والفحوص وشهادات الشهود الذين اعلنوا عن التهديدات التي تلقاها الرئيس رفيق الحريري". ويكمل الاستاذ فؤاد شبقلو ان المحقق الدولي لا يمكنه اصدار قرار اتهام بمرتكب جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حتى لو كان يعرفه. لان هكذا قرار سينقل التحقيق من السرية الى العلنية ما سيشكل خطرا على مجريات التحقيق وعلى الشهود.
وعلى الصعيد القانوني لا يمكن للمحقق ان يصدر قراراً اتهامياً في الجريمة المرتكبة.
لان هذا الامر من اختصاص المحكمة، وطالما انه لا وجود للمحكمة بعد فإن التحقيقات ستبقى سرية.
الاتصالات ودورها في الجريمة
جميع الفقرات الواردة في قسم "الاتصالات" من تقرير لجنة التحقيق الدولية الاخير تشي بوصول التحقيق الى نهاياته حول المرتكبين المباشرين لجريمة الاغتيال. وهذا ما يؤكد ان سياق التحقيق في مراحله المقبلة سيركز على الفرقاء السياسيين المشتركين في عملية الاغتيال، اي الاشخاص او المجموعات الموجودين خارج دائرة التنفيذ المباشر للعملية. وكان خيط الاتصالات التي اجريت من ست بطاقات خلوية قبل ارتكاب الجريمة وبعدها، هو الخيط الاساسي الذي يستند عليه التحقيق للكشف عن هوية المرتكبين المباشرين. ويبدو واضحا في هذا القسم من التحقيق ان هوية هؤلاء المرتكبين قد كشفت ولكن بات التركيز في هذه المرحلة على علاقة اشخاص آخرين بهذه الاتصالات كما جاء في الفقرة 34. ويقول القاضي براميرتس في تعليقه على ما وصلت اليه التحقيقات بخصوص الاتصالات انه قد "ظهرت خيوط ذات اهمية من التحليلات هذه ويجري الآن التأكد منها". والتحليلات التي يقصدها هنا وردت في الفقرة 35 وتتعلق بالفائدة التي توخاها المنفذون قبل تنفيذ العملية، بما في ذلك نشاطات المراقبة المفترضة ونشاطات الاستطلاع، التي رافقت او سبقت الاعتداء على الرئيس رفيق الحريري، ونشاطات اخرى قامت بها المجموعة. وعبارة "المجموعة" تقصد مستخدمي خطوط الهواتف الستة المدفوعة سلفا (الفقرة 35).
وبما انه تم اكتشاف هويات هؤلاء المستخدمين الستة او بعضهم (كما ورد في التقارير السابقة) فقد بات الهدف من التحقيق الآن يتجه نحو امور اخرى، وهذا الهدف رباعي كما اورد ه القاضي البلجيكي في الفقرة 36 من تقريره. أولاً للتأكد من صحة فرضيات ان البطاقات يمكن ان تكون قد استخدمت من قبل فريق التفجير لتنفيذ مهمتها. الثاني للتحقق مما اذا كانت استخدمت اشكال اخرى من الاتصالات بين اعضاء الفريق، وربما مع اشخاص آخرين للتأكد من حصول الهجوم. ثالثا لتمكين اللجنة من ايجاد فهم افضل لكيفية اقتراف الجريمة في 14 شباط. واخيرا لفهم اكبر لنشاط اخر يمكن ان يكون فريق التفجير قام به، والمواقع التي زارها ولماذا، وذلك في الايام التي سبقت الهجوم. الجواب على هذه النقطة يظهر في الفقرة التالية، فالتحقيق يهدف ايضا الى الكشف عن نشاطات الاشخاص خارج فريق التفجير المباشر، وقد اوجد تحليل الاتصالات خيوط تحقيق اضافية زمنية وجغرافية (الفقرة 37).
هذا التحقيق المفصل لنشاطات البطاقات الست والمسبقة الدفع، أنتج عددا من العناصر المهمة في التحقيق الجاري. يتضمن ذلك تعريف مفترض لدور كل مشارك في التحضير والتخطيط والاستطلاع وتنفيذ الهجوم، وتوقع فريق التفجير لنشاطات الحريري وتحركاته، واحتمال محاولات اعتداء سابقة على حياة الحريري (الفقرة 38).
ينهي شبقلو مداخلته بالقول ان "القاضي البلجيكي يبدو عارفا بكل تفاصيل الجريمة ومجرياتها، لكن ليس بإمكانه البوح بهذه التفاصيل لأن ذلك من اختصاص المحكمة. وحتى تشكيل المحكمة، لجعل المحاكمة علنية ووجاهية، ستبقى التحقيقات سرية حماية للشهود وللمعلومات. ويقول الاستاذ شبقلو ان الكشف عن المعلومات هو مطلب الفاعل الذي يريد ان يعطل سير التحقيقات بمعرفته لما يجري في كواليسه".
**
موقع يا بيروت

الجمعة، مارس 23، 2007

متى يقر اللبنانيون بأنهم لم يتعلموا شيئا من تجاربهم المريرة..


وليد قاطرجي
لم يعد يكفي في هذا الزمن أن تقول بأنك لبنانيا ومؤمنا بشدة بهذا الوطن الجميل. لا يكفي أن تقول بأنك تحبه وتعشقه لأنك ترعرعت في طبيعته الخلابة، ولا أن تتغنى بأرزه وجباله وسهوله وشواطئه.
لا يكفي أيضا أن تقول بأنك حرا منذ طفولتك بفضل نظامه الديمقراطي، وبأنك تتعايش مع أخوانك في الوطن وتحترم معتقداتهم.

من جهتي افهم واكتفي بهذا بالطبع، لكن ماذا عن أولئك الذين يتتبعون أحاديثكم وتصرفاتكم في أصقاع الدنيا. فهل يا ترى يصدقون ؟

كيف تكون لبنانيا وأنت لا تحترم تركيبته الاجتماعية التي تضم إلى جانبك هذا العدد من المجموعات المختلقة في المعتقد، التي اتفقت منذ القدم بأن تعيش جنبا إلى جنب وتعمل من اجل الوطن، ليكون المثل الذي يحتذى به للتعايش بين البشر. بغض النظر عن الانتماء الديني أو المذهبي والحزبي.

يا سادتي لم تعد هويتكم تُحترم وأصبحت كابوسا ثقيلا على حاملها، حتى كلامكم لم يعد يُصدق ولا قناعاتكم تحترم، وثقافتكم سُرقت ولم يعد لها وجود، وأصبحتم ألعوبة بيد بعض الساسة الملاعين والمبتدئين ورجال الدين المرتهنين لهذا أو ذاك الزعيم، شهداؤكم لم يعد لهم ذكر أو تكريم إلا من القليل، وأسراكم في السجون الإسرائيلية والسورية لم يعد أحدا يذكرهم لأنهم محسوبين على هذا الطرف أو ذاك، ونسيتم جميعا بأنهم لبنانيين وضحايا أخطائكم وتنازلاتكم.

أما رجالكم ونسائكم بمعظمهم انكفئوا وتركوا الساحة لبعض عابري الطريق، لم يعد لهم دور يفيد المجتمع، وأصبحوا من ارتفاع الضرائب وتراكم الديون كالمجانين، سُرقت حقوقهم وانتهكت كراماتهم، وودعوا مجبرين أبنائهم الذين هاجروا ولم يبق منهم إلا القليل، ويستعدون عاجزين وداع من تبقى منهم من الذين ينتظرون على أبواب السفارات كالمتسولين من اجل الحصول على تأشيرة تساعدهم على الرحيل، ليبقى مصير الوطن بعد ذلك بأيدي بعض أصحاب المال الملاعين والسياح الشياطين.
فإلى أين انتم متجهين؟ العلم عند رب العالمين!

لم يعد لدموعكم أي معنى أو تأثير على ضمائر الأشقاء والأصدقاء. فزرفها أصبح مبرمجا من قبل اللصوص وخريجي السجون، الذين أصبحوا بفضلكم شيوخا وقادة وحتى قدِسيين.

أيها اللبنانيون توقفوا عن مهاتراتكم ومزايداتكم المتبادلة، واعترفوا بأنكم لم تتعلموا شيئا من تجاربكم المأساوية الماضية، فانتم جميعا تآمرتم على هذا الوطن، ومن المؤكد بأنكم جميعا مخطئين، في الماضي استخدم بعضكم السلاح لارتكاب المجازر وقتل الناس على الهوية، ودافع بقوة عن سياسة الإلحاق والتبعية مع سوريا وإسرائيل من اجل تحقيق مصالحه السلطوية.

وبعد 14 آذار 2005 وبعد أن تخلصتم من الوصاية البغيضة،عاودتم تكرار أخطائكم أيها اللبنانيين وبنفس القدر من خلال ولاءاتكم الطائفية والمذهبية العمياء وتبعيتكم لنفس المجرمين والنافذين الذين جلبوا لكم الوصايات من كل حد وصوب ويرفضون مبدأ قيام الدولة، وهؤلاء اعتمدوا منذ بداياتهم أبشع ألأساليب في إذلالكم وما زالوا إلى يومنا هذا.
وها انتم من جديد تصدقون ألاعيبهم.

اليوم من جديد تشاهدون مؤامرتهم في تخصيص مؤسسات الدولة المنتجة والمربحة، وتتحملون بخنوع زيادة الضرائب، وأصبحتم شهود زور على عمليات بيع الأراضي بحجة إقامة المشاريع من اجل تحريك الوضع الاقتصادي والنهوض الاجتماعي، بينما يتم بيعها وتمليكها وبعلمكم إلى أفراد لا يفهمون لا بالمشاريع ولا بغيرها، بل بشراء العبيد.

من الآن وصاعدا لم يعد مصيركم ملك أيديكم، ولم تعد هويتكم اللبنانية ملككم لوحدكم، يجب أن تتحملوا نتائج أخطائكم وتبعيتكم المفرطة، ويجب أن توالوا من يخالفكم كي تحافظوا عليها، خوفا من أن تفقدونها بمرسوم كيدي أو تسحب منكم خلسة، وتصبحوا بعد ذلك إسرائيليين أو سوريين أو سعوديين أو إيرانيين.
وهل نسيتم يا سادة بان لهؤلاء فيكم عبيد وتلاميذ ؟

لا تخالفوا رئيس وزرائكم المدعوم من الخارج ضد الداخل، ولا تعترضوا على سياساته الضرائبية والتزاماته الدولية، خوفا عليكم من أن تصبحوا إرهابيين وعملاء، تجنبوا غضب مفتي الجمهورية الخائف على إسقاط رئيس الحكومة السني، كي لا يتهمكم بأنكم تحاولون إعادة الحرب الأهلية بشقيها الطائفي والمذهبي.

لا حرج من أن تنتقدوا رئاسة الجمهورية. فالبطريرك صفير لن يعاتبكم أو يغضب منكم، ولن يتهمكم كما فعل سماحته مع المعارضين لهذه الحكومة من المسلمين والمسيحيين، وهو الذي شرع مواقف بعض مسيحيي الطائفة السنية ضد رئيس الجمهورية من الذين تم سحرهم كي يتبنوا مواقف دار الفتوى عوضا عن الصرح ألبطريركي، وهذه المعادلة بالطبع من انجازات سماحته في هذا الزمن الآذاري.

انهض يا لبناني من كبوتك واعترف بأنك لا تستطيع اختيار الشخص المناسب ووضعه في المكان المناسب، لقد تعودت بان تقع بالخطأ كلما سنحت لك فرصة الاختيار كي تكون حرا سيدا مستقلا.

انهض وانفض عنك وصمة العار التي جعلتك عبدا لمثل هكذا تجار وفجار.

انهض كي لا تكون غريبا في وطنك، وخادما لزواره، وعبدا لبعض الزعماء الأشرار، أحفظ صوتك عندما يحين موعد الانتخاب، الذي وان غلى في ذروة الاقتراع قيمته فقط مائة أو مائتين دولار في حساباتهم.

فالانتخابات آتية لا محال.

كن مستعدا لإسقاطهم كي يكون في مقدورك استعادة حريتك واثبات وجودك من جديد لدحض الاتهامات التي تساق حول ثقافتك وممارساتك الموروثة في التبعية، التي ما زالت تظهر بين الحين والآخر وتتحكم في تحديد مستقبلك وسمعتك.

كفى جهل أيها اللبنانيون، أعيدوا ترتيب النصاب، مارسوا حريتكم، وأحسنوا الاختيار، واتخذوا قراراتكم بعيدا عن زعمائكم السياسيين والدينيين، تخلصوا من استهتارهم وأساليبهم الملتوية التي جلبت لكم الوصايات والذل والفقر وتسببت بهجرة أبنائكم.

لن يلغي أحدنا الآخر حتى لو استعان بجيوش الأمم بأكملها، جميعنا لبنانيون، عودوا إلى رشدكم قبل فوات الأوان، حيث لا ينفع الندم ولا المسكنة والبكاء.

فلبنان وطنا لجميع أبنائه من دون استثناء، كفى تخلفا واتهامات رحمة بالبلاد والعباد.