الثلاثاء، مارس 20، 2007

بري ودوزنةِ الحوار على أنغام بشار


سعيد علم الدين
وبدل أن يدعو السيد نبيه بري مجلس النواب إلى الانعقاد في دورته العادية، الذي انتخبه من قبل أكثريته على مضض رئيسا، وبعملية تعيين مكشوفة ومفروضة من قبل "حزب الله" على إرادة الشعب، حيث قالت يومها الثنائية الشيعية للأكثرية الشرعية ما معناه: نحن اخترنا لكم وفرضنا عليكم رئيس المجلس وهو "الأستاز" وهذه هي الديمقراطية الشعبية على الطريقة البشارية، وانتهى الموضوع. و"طخطخوا" له في الهواء رصاص التحدي انتصارا على الأكثرية وسقط بعض الضحايا والجرحى ابتهاجا في بيروت من جراء ذلك. وكان رئيس مجلس النواب الأسبق السيد حسين الحسيني قد شم رائحة الطبخة الفاسدة وانسحب من ترشيح نفسه بعد أن تأكد له أن المحور الإلهي قد فرض بري رئيساً للمجلس كما فرض صلوخ وزيراً للخارجية وكما فرض غيرهما على الدولة في مواقع مهمة. وانتهى الموضوع .
نتيجة هذا الفرض نراها اليوم بوضوح في الطريقة اللادستورية التي يعامل بها بري -الذي ما زال رئيسا لمجلس النواب- إرادة الشعب اللبناني، تماما عكس ما يمليه عليه ضميره الوطني كمسؤول عن الشرعية وأمين على تطبيق الدستور.
ولهذا فهروبا من مواجهة الحقيقة ومناقشة موضوع المحكمة الدولية، فهو لن يدعو مجلس النواب إلى الانعقاد في دورته العادية غدا، وسيدوزن بدل ذلك الحوار مع الزعيم الوطني سعد الحريري ولمصلحة بشار. نحن لا نعتقد أن الحوار الحالي سيسفر عن شيء سوى مضيعة الوقت وكل ما يحدث في لبنان بين أحرار 14 آذار والحكومة من ناحية و"حزب الله" وبقية عملاء المحور الإيراني السوري من ناحية أخرى هو عملية عض أصابع ترافقه بعض الاغتيالات والتفجيرات المخابراتية السورية ضد استقرار لبنان وأمن قوى 14 آذار فقط.
ليعلم من يريد أن يعلم بأن أصابع أحرار 14 آذار هي من خشب الأرز وصخور صنين صقلت ومن دماء الشهداء الأبطال وأرواحهم الخالدة جبلت ومع نور الحقيقة على لبنان السيد الحر المستقل سطعت.
أصابعهم من إرادة الشعب العنيد ولهذا فهي لن تذعن ولن تستسلم وستكون في الحق من أجل مستقبل لبنان أقوى من النار والحديد. وإذا كان لهجمة الباطل جولة فللحقِ عشرات الجولات. ومن صارع الحق صرعه. والمحكمة آتيةٌ لا محال وقد أشرقت حقائقها في تقرير براميرتس الأخير. لأنها ستكون محكمة لمحاكمة العقل الإرهابي المخابراتي الظلامي الغادر الشرير. ولهذا يرتجف البعض ويرتعدون من كلمة محكمة.
وكان بري في العشرين من شباط ردا على سؤال ل" النهار" قد أعلن أنه "اذا لم تسوَّ الامور ولم نصل الى ايجاد حلول، فسأعقد مؤتمرا صحافيا مفصلا قبل نهاية شباط الجاري أشرح فيه للبنانيين كل شيء من الالف الى الياء. وتشجع قائلاً "سأفضح من يعرقل قيام المحكمة الدولية وانشاء حكومة الوحدة الوطنية، لأن من واجباتي اطلاع اللبنانيين على هذه التفاصيل".
ولقد مر شهر على هذا الكلام ها نحن في نهاية شهر آذار ولا مؤتمر صحفي ولا هم يحزنون ولا دعوة لمجلس النواب بل دردشة مع سعد الحريري في الصالون.وكان بري قد استقبل وفدا إيطاليا الشهر الماضي شارحا له ما حصل في البلد طوال الاشهر الاخيرة، وخصوصا منذ استقالة الوزراء الشيعة. وخاطب الوفد قائلاً: "لقد اطلعت على القوانين والدستور في ايطاليا والعلاقات التي تحكم العمل بين مجلس النواب والحكومة ورئيس الجمهورية في بلادكم. وسألهم: هل يتسلم رئيس البرلمان عندكم مشروعا من دون توقيع رئيس الجمهورية والوزير المختص؟"
على بري أن يسأل نفسه قبل أن يوجه السؤال للوفد الإيطالي.
هل سوريا البعثية ورئيس نظامها الأسد جارة لإيطاليا لكي يحصل فيها ما يحصل في لبنان من اغتيالات وتفجيرات؟ واعترافات عناصر "فتح الإسلام" خير شاهد على ما تفعله سورية المخابرات.
وهل يسمح رئيس البرلمان الإيطالي لألمانيا أو فرنسا مثلا التدخل في شؤونه كما يسمح بري لإيران وسورية التدخل في شؤون البرلمان اللبناني؟
عجبا يا عرب ! بري يتكلم مع الطليان قالبا الحقائق رأسا على عقب. وكأن لحود رئيسا حقيقياً للجمهورية وليس دمية فرضها بشار على لبنان. وغدا لحود بهمة بشار ونجاد وحسن ونبيه رئيساً معزولا لبنانيا وعربيا وعالميا ولم يعد يعترف برئاسته احد لا البطريرك صفير الذي له الكلمة الفصل في هذا الأمر ولا حتى صهره الشهيد الحي الوزير الياس المر.
تؤكد الأحداث الخطيرة الجارية في لبنان والمفتعلة بمعظمها افتعالاً لعرقلة نهوضه يوما بعد يوم ومنذ التمديد البشاري للحود واغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قبل سنتين تقريبا، بأن لبنان لم يكن فقط خاضعا خلال الثلاثين السنة الماضية للوصاية السورية عبر النظام الأمني السوري اللبناني بإدارة المخابراتي رستم غزالي تنفيذا لأوامر قائده بشار، وإنما أيضا للوصاية الفارسية عبر نظام ولاية الفقيه الإيراني بإدارة حسن نصر الله وبتكليف شرعي إلهي.
النظام الديمقراطي الدستوري اللبناني يمر هذه الأيام بهرطقة دستورية غير مسبوقة وهجوم على الدستور والشرعية غير مسبوق لم يحدث لا في تاريخ لبنان ولا الدول الديمقراطية، ولا في تاريخ العقل ولا العقلانية، إنه اعتصام إلى حد الهذيان وشلل وخراب. أي نكون في نظام ديمقراطي واحد ارتضيناه جميعا أو لا نكون. إنه صراع لبنان المجرم الذي يريد وبأي طريقة الفتك بلبنان العادل. إنه صراع لبنان الوصاية الإيرانية السورية المستشرس بإرهابه على لبنان الحرية والسيادة والكرامة.
إنه صراع لبنان الكذب الذي يريد الإطاحة بلبنان الصدق. إنه لبنان النفاق الذي يطلق النار على الضمائر الحية ويغتال الشهداء في وضح النهار بلحية ودون لحية.
ما يحدث هو حقا انقلاب شبه عسكري أي ميليشياوي بأوامر إيرانية وبقيادة حزب حسن نصر الله وأتباعه على البلد والطائف والنظام. وإلا فماذا يدل على غير ذلك كلام بري عن الطلاق ورد السنيورة عليه بأنه لا طلاق بين اللبنانيين. ألا يعني الطلاق خراب البيت؟ الزوجة في مكان والزوج في مكان والأولاد مهجرون إلى كل مكان بلا رعاية وحنان.
هل يريد بري أن يُطَلِّقَ أي يُقَسِّمَ ويضم قسمه الإلهي " لبنان يا قطعة سما" إلى سوريا البشارية وهو الذي سعى عندما كان رئيسا للاتحاد البرلماني العربي أن يكون مركزه في أعتم الانظمة الاستبدادية دكتاتوريةً في العالم أجمع أي في دمشق.
المهرطقون الدستوريون لهم باع طويل في التحايل على الوقائع والتلاعب على القانون وإقفال المجلس النيابي في وجه نواب البلاد الشرعيين لعرقلة المحكمة الدولية.
فالمؤتمن على السلطة التشريعية رئيس حركة أمل المحامي نبيه بري يدسترُ الحكومة قبل الظهر ويلغي دستوريتها دون خجل بعد لقائه المرشد المعصوم بعد الظهر. هدف بري في كل تذاكيه في مشاريع حواراته ومشاوراته هو ضرب الأكثرية النيابية الشرعية واختزالها بعدة أشخاص أو شخص لمصلحة بشار الذي اعتبرها عابرة ومنتج إسرائيلي ويطالب اليوم بكل وقاحة في حواره مع صحيفة (الجزيرة) السعودية للبنان بحكومة وحدة وطنية وانتخابات مبكرة.
لبنان ليس بحاجة لحكومة وحدة وطنية رقمية تعجيزية الهدف منها هيمنة المحور الايراني السوري على الحكومة عبر الحص كما هو مهيمن على مجلس النواب عبر بري وعلى رئاسة الجمهورية عبر لحود. وقبل أن يتحدث بشار الأسد عن انتخابات مبكرة في لبنان واجبه الأساسي ان يقوم بإجراء انتخابات نزيه وديمقراطية شفافة حرة في سورية وتحت أنظار المراقبين الدوليين كما حصل في انتخابات لبنان.
المهرطقون الدستوريون أمثال لحود وبري ونصر الله وميشال عون مراهقون في السياسة ووصلت بهم الهرطقة إلى حد نسف الدستور من أساسه وتعطيل دوره ومؤسساته ومن دون أدنى مراعاة لمصلحة الشعب ومصير الوطن. .

ليست هناك تعليقات: