الجمعة، مارس 23، 2007

متى يقر اللبنانيون بأنهم لم يتعلموا شيئا من تجاربهم المريرة..


وليد قاطرجي
لم يعد يكفي في هذا الزمن أن تقول بأنك لبنانيا ومؤمنا بشدة بهذا الوطن الجميل. لا يكفي أن تقول بأنك تحبه وتعشقه لأنك ترعرعت في طبيعته الخلابة، ولا أن تتغنى بأرزه وجباله وسهوله وشواطئه.
لا يكفي أيضا أن تقول بأنك حرا منذ طفولتك بفضل نظامه الديمقراطي، وبأنك تتعايش مع أخوانك في الوطن وتحترم معتقداتهم.

من جهتي افهم واكتفي بهذا بالطبع، لكن ماذا عن أولئك الذين يتتبعون أحاديثكم وتصرفاتكم في أصقاع الدنيا. فهل يا ترى يصدقون ؟

كيف تكون لبنانيا وأنت لا تحترم تركيبته الاجتماعية التي تضم إلى جانبك هذا العدد من المجموعات المختلقة في المعتقد، التي اتفقت منذ القدم بأن تعيش جنبا إلى جنب وتعمل من اجل الوطن، ليكون المثل الذي يحتذى به للتعايش بين البشر. بغض النظر عن الانتماء الديني أو المذهبي والحزبي.

يا سادتي لم تعد هويتكم تُحترم وأصبحت كابوسا ثقيلا على حاملها، حتى كلامكم لم يعد يُصدق ولا قناعاتكم تحترم، وثقافتكم سُرقت ولم يعد لها وجود، وأصبحتم ألعوبة بيد بعض الساسة الملاعين والمبتدئين ورجال الدين المرتهنين لهذا أو ذاك الزعيم، شهداؤكم لم يعد لهم ذكر أو تكريم إلا من القليل، وأسراكم في السجون الإسرائيلية والسورية لم يعد أحدا يذكرهم لأنهم محسوبين على هذا الطرف أو ذاك، ونسيتم جميعا بأنهم لبنانيين وضحايا أخطائكم وتنازلاتكم.

أما رجالكم ونسائكم بمعظمهم انكفئوا وتركوا الساحة لبعض عابري الطريق، لم يعد لهم دور يفيد المجتمع، وأصبحوا من ارتفاع الضرائب وتراكم الديون كالمجانين، سُرقت حقوقهم وانتهكت كراماتهم، وودعوا مجبرين أبنائهم الذين هاجروا ولم يبق منهم إلا القليل، ويستعدون عاجزين وداع من تبقى منهم من الذين ينتظرون على أبواب السفارات كالمتسولين من اجل الحصول على تأشيرة تساعدهم على الرحيل، ليبقى مصير الوطن بعد ذلك بأيدي بعض أصحاب المال الملاعين والسياح الشياطين.
فإلى أين انتم متجهين؟ العلم عند رب العالمين!

لم يعد لدموعكم أي معنى أو تأثير على ضمائر الأشقاء والأصدقاء. فزرفها أصبح مبرمجا من قبل اللصوص وخريجي السجون، الذين أصبحوا بفضلكم شيوخا وقادة وحتى قدِسيين.

أيها اللبنانيون توقفوا عن مهاتراتكم ومزايداتكم المتبادلة، واعترفوا بأنكم لم تتعلموا شيئا من تجاربكم المأساوية الماضية، فانتم جميعا تآمرتم على هذا الوطن، ومن المؤكد بأنكم جميعا مخطئين، في الماضي استخدم بعضكم السلاح لارتكاب المجازر وقتل الناس على الهوية، ودافع بقوة عن سياسة الإلحاق والتبعية مع سوريا وإسرائيل من اجل تحقيق مصالحه السلطوية.

وبعد 14 آذار 2005 وبعد أن تخلصتم من الوصاية البغيضة،عاودتم تكرار أخطائكم أيها اللبنانيين وبنفس القدر من خلال ولاءاتكم الطائفية والمذهبية العمياء وتبعيتكم لنفس المجرمين والنافذين الذين جلبوا لكم الوصايات من كل حد وصوب ويرفضون مبدأ قيام الدولة، وهؤلاء اعتمدوا منذ بداياتهم أبشع ألأساليب في إذلالكم وما زالوا إلى يومنا هذا.
وها انتم من جديد تصدقون ألاعيبهم.

اليوم من جديد تشاهدون مؤامرتهم في تخصيص مؤسسات الدولة المنتجة والمربحة، وتتحملون بخنوع زيادة الضرائب، وأصبحتم شهود زور على عمليات بيع الأراضي بحجة إقامة المشاريع من اجل تحريك الوضع الاقتصادي والنهوض الاجتماعي، بينما يتم بيعها وتمليكها وبعلمكم إلى أفراد لا يفهمون لا بالمشاريع ولا بغيرها، بل بشراء العبيد.

من الآن وصاعدا لم يعد مصيركم ملك أيديكم، ولم تعد هويتكم اللبنانية ملككم لوحدكم، يجب أن تتحملوا نتائج أخطائكم وتبعيتكم المفرطة، ويجب أن توالوا من يخالفكم كي تحافظوا عليها، خوفا من أن تفقدونها بمرسوم كيدي أو تسحب منكم خلسة، وتصبحوا بعد ذلك إسرائيليين أو سوريين أو سعوديين أو إيرانيين.
وهل نسيتم يا سادة بان لهؤلاء فيكم عبيد وتلاميذ ؟

لا تخالفوا رئيس وزرائكم المدعوم من الخارج ضد الداخل، ولا تعترضوا على سياساته الضرائبية والتزاماته الدولية، خوفا عليكم من أن تصبحوا إرهابيين وعملاء، تجنبوا غضب مفتي الجمهورية الخائف على إسقاط رئيس الحكومة السني، كي لا يتهمكم بأنكم تحاولون إعادة الحرب الأهلية بشقيها الطائفي والمذهبي.

لا حرج من أن تنتقدوا رئاسة الجمهورية. فالبطريرك صفير لن يعاتبكم أو يغضب منكم، ولن يتهمكم كما فعل سماحته مع المعارضين لهذه الحكومة من المسلمين والمسيحيين، وهو الذي شرع مواقف بعض مسيحيي الطائفة السنية ضد رئيس الجمهورية من الذين تم سحرهم كي يتبنوا مواقف دار الفتوى عوضا عن الصرح ألبطريركي، وهذه المعادلة بالطبع من انجازات سماحته في هذا الزمن الآذاري.

انهض يا لبناني من كبوتك واعترف بأنك لا تستطيع اختيار الشخص المناسب ووضعه في المكان المناسب، لقد تعودت بان تقع بالخطأ كلما سنحت لك فرصة الاختيار كي تكون حرا سيدا مستقلا.

انهض وانفض عنك وصمة العار التي جعلتك عبدا لمثل هكذا تجار وفجار.

انهض كي لا تكون غريبا في وطنك، وخادما لزواره، وعبدا لبعض الزعماء الأشرار، أحفظ صوتك عندما يحين موعد الانتخاب، الذي وان غلى في ذروة الاقتراع قيمته فقط مائة أو مائتين دولار في حساباتهم.

فالانتخابات آتية لا محال.

كن مستعدا لإسقاطهم كي يكون في مقدورك استعادة حريتك واثبات وجودك من جديد لدحض الاتهامات التي تساق حول ثقافتك وممارساتك الموروثة في التبعية، التي ما زالت تظهر بين الحين والآخر وتتحكم في تحديد مستقبلك وسمعتك.

كفى جهل أيها اللبنانيون، أعيدوا ترتيب النصاب، مارسوا حريتكم، وأحسنوا الاختيار، واتخذوا قراراتكم بعيدا عن زعمائكم السياسيين والدينيين، تخلصوا من استهتارهم وأساليبهم الملتوية التي جلبت لكم الوصايات والذل والفقر وتسببت بهجرة أبنائكم.

لن يلغي أحدنا الآخر حتى لو استعان بجيوش الأمم بأكملها، جميعنا لبنانيون، عودوا إلى رشدكم قبل فوات الأوان، حيث لا ينفع الندم ولا المسكنة والبكاء.

فلبنان وطنا لجميع أبنائه من دون استثناء، كفى تخلفا واتهامات رحمة بالبلاد والعباد.

ليست هناك تعليقات: