الخميس، مارس 29، 2007

لبنان الملعب...



النهار – جورج ناصيف
من ينظر الى التبدلات الجارية على المسرحين الدولي والاقليمي يدرك سريعا معنى السلوك التعطيلي للمعارضة اللبنانية، صعودا الى سلوك الرئيس غير الشرعي للجمهورية، ومن فوقهما سلوك دمشق.
فالادارة الاميركية تعيش إخفاقات متزايدة في العراق، وتراجعا في الوضعية الداخلية للرئيس الاميركي، وتحديات متتالية من ثلاث دول نامية هي: كوريا الشمالية التي نجحت في تحديها واشنطن، وفنزويلا التي تقود تمرداً غير مسبوق في "الفناء الخلفي" للولايات المتحدة، وايران التي باتت دولة نووية، واقعيا.
الى ذلك، تتواصل الهزائم الاميركية على غير صعيد، من سقوط "مشروع الشرق الاوسط الكبير" الى فشل الغزو الاسرائيلي للبنان، الى صعود حركة "حماس" وبقائها في السلطة، الى استمرار النظام السوري الذي يملك اوراقا ثمينة في لبنان والعراق وفلسطين.
... وتتواصل المعادلات الجديدة على المستوى الدولي: عودة روسيا بقوة الى الشرق الاوسط مع تبدّل في نبرتها حيال واشنطن، تمايز الموقف الاوروبي عن واشنطن، استمرار الصعود الصيني في آسيا.
اما الكيان الاسرائيلي فتشتد أزماته، سواء داخل المؤسسة السياسية الحاكمة (وتشمل الازمات كاديما، حزب العمل، والليكود) او داخل المؤسسة العسكرية، او في العلاقة بين المؤسستين، مما يلزم اسرائيل ببدء التعاطي المرن مع المبادرة العربية، وان بشروطها.
كل ذلك، ألزم واشنطن بتغيير مقاربتها للمنطقة، والاقلاع عن استراتيجية "محاربة الارهاب"، في سبيل العودة الى سياسة دعم الانظمة المعتدلة، والتعويل عليها في مواجهة المدّ الايراني.
هذه التطورات، فضلا عن الصعود المتنامي للتيارات الدينية الاصولية، والخوف من الفتنة السنية – الشيعية، هي التي سمحت لدول الاعتدال العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، بان تعاود التحرك وطرح المبادرات التي تتطلع الى تأكيد الوزن العربي، والمصالح العربية، في لحظة احتدام الصراع الاميركي – الايراني.
لقد باتت واشنطن اقل قدرة على ممارسة الضغوط على انظمة الاعتدال العربي، بل اكثر حاجة الى دورها في تشكيل سد شعبي وسياسي في مواجهة القرار الايراني المتحول قوة اقليمية كبرى، ونووية.
لكن هذه التطورات الدولية التي سمحت بمعاودة دور عربي متوازن، هي نفسها سمحت للمحور الايراني – السوري بابداء قدر متزايد من التشدد جرى التعبير عنه ايرانياً باحتجاز البحارة البريطانيين، وسورياً من خلال عدم ابداء دمشق اي مرونة حيال الملف اللبناني، تلتقي مع دعوة الثلاثي العربي (مصر والسعودية والاردن) والاتحاد الاوروبي، الى تسهيل امر انشاء المحكمة الدولية.
إلامَ نريد ان نصل؟
الى ان اللحظة الحاسمة التي تجتازها المنطقة المشرّعة على الصدام، والاخطار التي تواجهها، والتداعيات التي ستتسبب بها، كان يجدر بها ان تنتج توافقا لبنانيا داخليا على حماية البلد من الاعاصير المحيطة.
لكن ما حصل هو العكس.
ان التسليم الكامل من المعارضة للمحور السوري – الايراني... حتى "يلعب" احسن. ويلعب أقوى، ويلعب اكثر امتلاكا لاوراق القوة.
دول الاعتدال العربي تعمل على تشكيل قوة ضاغطة على الولايات المتحدة واسرائيل من اجل اقرار المشروع العربي للحل (دولة فلسطينية، انسحاب اسرائيلي، حق العودة) الذي يسمح وحده بسحب اوراق قوة من يد ايران التي تفيد على مستوى الشارع من استمرار الاحتلال الاسرائيلي في اطلاق موجة عاتية من الاصولية الدينية.
دول الاعتدال لا تزال تصطدم بالتردد الاميركي والرفض الاسرائيلي للاقرار بالحد الادنى من الحقوق العربية.
... وتصطدم بالجموح الايراني، اقليميا، والرفض السوري لاي انفكاك عن ايران، قبل قبض الثمن، نقداً وسلفاً من واشنطن نفسها.
اما لبنان فهو الملعب المفضّل للحلف الايراني – السوري.
مياه الخليج تعجّ اليوم بالبوارج وحاملات الطائرات.
وقطبا الصراع الاميركي والايراني يستعدان للنزال في منطقة النفط، حيث يكفي عود ثقاب لاشعال الحريق الكبير.
...اما لبنان، فيقرّر رئيسه الذهاب الى القمة الأشد مصيرية بين القمم العربية بوفدين وورقتين...

ليست هناك تعليقات: