الثلاثاء، مارس 20، 2007

جولات شهريار


بقلم : يوسف فضل
بمناسبة ذكرى إنشاء أول جماهيرية في التاريخ (حقوق الاختراع السياسي محفوظة ) تبث القناة الفضائية للجماهيرية الليبية العظمى جولات للعقيد معمر القذافي متفقدا ربوع الوطن وهو يقود أحيانا سيارة جيب بيضاء وأحايين كثيرة يكون راكبا بجانب السائق للتأمل بأحوال رعيته وترافقة ثلة من الحرس يقودون الجيبات البيضاء في مناطق الواحات . وبجانب ما أظهرته الجولة التفقدية من صلاة العقيد في البر لوحده بين التلال لتوحده مع الصحراء والعيش (التقشفي ) داخل خيمة فقد حضرني بثي (الحزن الشديد ) عندما أظهرت الكاميرا المتجولة بكل صدق أن المناطق التي زارها كانت تظهر الشعب الليبي بأسمال بالية والمناطق الفقيرة التي زارها لا يصدق المشاهد أنها تنتمي لدولة عربية بترولية . لكن الصورة أصدق من أي شرح في إقناع المشاهد أن ما يشاهده بكل أسف أخوة لنا يعيشون في دولة عربية لا ترزح تحت نير الاحتلال الأجنبي فلا نستطيع أن نبرر حالتهم الاقتصادية السيئة التي يعيشونها . وذلك أن العقيد لم يهتم لشؤون بلاده طوال فترة حكمة (السديد والمديد ) منذ عام 1968م لأنه لا ينظر إلى ما تحت قدمية بل ينظر بعيدا مترصدا أخطاء الدول الاستعمارية واستعداء المجتمع الدولي على شعبه والشعوب المجاورة على الدول الكبرى . فمن تحليلاته السياسة (الصائبة) أنه لا يتحدث إلا عن الفقر والبطالة في استراليا وأمريكا وبريطانيا التي هي ليست بعظمة الجماهيرية والتحدث عن كل مثالب الديمقراطية الغربية التي أوصلت شعوبها إلى المريخ وتغيير اسم بلده من المملكة الليبية إلى الجمهورية ومن ثم في خطوة الحاقية تطويرية إلى الجماهيرية الليبية ال .... ال ... ال ........ العظمــــى . لعل العقيد معمر يحاول أن يبرر لنا أن الجلوس على كرسي اللجان الشعبية ( مباحث أمن الدولة ) لم يصبه بالصمم لأنه ( والحمد لله ) جعل الطالب يحكم على الأستاذ ولطالب الجامعة سلطة على الدكتور وجعل قوة المباشر في الشركة على قوة المدير وحكم التمرجي بالطبيب وسيد الزوجة على الزوج وجعل الشعب الليبي كله رئيسا ولماذا لم يجعله كله قائدا فعلمها عند ربي (والقائد) معمر القذافي ؟ لكنه لم يطبق هذا الفكر ونظام سلطة الشعب على الشركات النفطية بل بقيت الشركات النفطية تتمتع بالسيادة على أراضي الجماهيرية كما هي حتى في فرض نظام عطلاتها الرسمية . ولماذا لم يطبق هذا النظام على الجيش كأن يجعل الجندي يأمر الضابط ؟ لقد جعل نظام سلطة الشعب نظام تخريبي إلا على قطاعي النفط والجيش لان سرقة الشعب تأتي من سلطة الشعب . أما توفير التعليم والسكن النظيف وإيجاد فرص العمل للشعب الليبي فهذا آخر ما كان يفكر به القذافي . لأنه كان مشغولا بتأليف كتابه الأخضر الخالي من العيوب غير عيب واحد انه لم يبين للقاريء كيفية تشكيل فريق كرة القدم للجماهيرية . ولماذا الدينار الليبي غير معترف به خارج ليبيا حتى لدفع قيمة فنجان شاي . وآخر نصائحه الأبوية أن وزع غضبه على موريتانيا التي تجري انتخابات (مضحكة) قائمة على الاقتراع المباشر بدل سلطة اللجان الشعبية . ولعل ما رفع غضب العقيد القذافي إلى درجة الغليان أن العقيد الموريتاني ولد فال سار على نفس خطوات المشير سوار الذهب عندما تسلم السلطة وبر بوعده وسلمها للمدنيين عبر انتخابات موريتانية ديمقراطية بدل تسليمها للجان الشعبية كما في ليبيا . إذ ( أجبرت ) اللجان الشعبية القذافي على قبول بيع وأكل الحلويات في ليبيا نزولا على رغبة الشعب لان القذافي كان ولا زال يعتبر أن الحلويات نوع من الترف لا لزوم له وذلك بعد أن قاد تظاهرة قبل أربعة سنوات محمولا على أكتاف أفراد اللجان الشعبية وانهال بالهراوة الكبيرة (النبوت ) على واجهة زجاج محلات عطا علي للحلويات في طرابلس وكأن صاحب محلات عطا علي دخل الجماهيرية خلسة ولم يحصل على ترخيص رسمي من اللجان الشعبية لفتح محلاته .

إن إيرادات النفط الليبي كافية أن تجعل ليبيا بلدا غير هذا البلد الحالي لو أُحسن فيها الإدارة والصدق والإخلاص في العمل .

من المعروف أن العقيد معمر القذافي لم يقم بالثورة على الاستعمار لتحرير بلاده وإنما قام بالثورة على حكم وطني يمثله الملك إدريس السنوسي الذي حرر البلاد من ثلاثة دول . إذ بعد أن قامت أمريكا وبريطانيا وفرنسا بتطهير ليبيا من حكم الاستعمار الإيطالي بقيت القوات من عام 1945م حتى استقلال ليبيا تحت اسم المملكة الليبية . وقد كانت القوات الأمريكية متواجدة في منطقة طرابلس والقوات البريطانية في منطقة برقة – الجبل الأخضر والقوات الفرنسية في منطقة فزان .

فاوض الملك إدريسي باتفاق مع أمريكا على نيل الاستقلال وجلاء الجيوش الأجنبية مقابل أن تبقي أمريكا قاعدة وايلوس الجوية لها في ليبيا .

في عام 1968م عقد الملك إدريس صفقة شراء 400 دبابة نوع تشالنجر من بريطانيا وقد حذرته أمريكا وطلبت منه أن يلغي الصفقة ويشتري المعدات العسكرية للجيش الليبي من أمريكا . رفض الملك إدريس ذلك . فدبرت أمريكا انقلابا ثوريا عليه بقيادة العقيد معمر القذافي وهو في زيارة لتركيا . وأول ما قامت به الثورة الشعبية :-
1- إلغاء صفقة الدبابات مع بريطانيا وعقد صفقات أسلحة مع أمريكا .
2- تأميم شركة بريتش بتروليوم البريطانية بصوت عالي وحملة إعلامية ملأت العالم ضجيجا وصخبا وصياحا ثم منح امتياز استخراج النفط لشركات أمريكية حتى اللحظة سرا وبدون ضجة إعلامية .
3- هتك عرض ابنة إدريس السنوسي بالتبني . وإهانة زوجته حسب اتهام الملك ادريس لقيادة الثورة فطلب إدريس السنوسي المساعدة من جمال عبد الناصر الذي أرسل محمد حسنين هيكل واحضر ابنة إدريس السنوسي وزوجته إلى مصر . ثم التجأ الملك إدريس إلى مصر حتى وفاته في أواسط الثمانينات .
4- كانت جزيرة مالطا مقر الأسطول البحري البريطاني في البحر المتوسط ثم قامت ليببا بتوجيه من أمريكا بدفع ميزانية حكومة مالطا كدولة ناشئة مقابل إخراج الإنجليز من مالطا . وعندما خرج الإنجليز من مالطا بمساعدة أمريكا أصبحت مالطا حاليا المقر الرئيسي للأسطول البحري الأمريكي .
5- في حرب عام 1973 قامت الدول العربية المصدرة للنفط بمنع تصدير النفط لأمريكا لكن الدولتين العربيتين الوحيدتين اللتين قاطعتا المقاطعة العربية واستمرتا بتزويد أمريكا بالنفط هما : ليبيا القذافي وصدام العراق.

في أواسط عام 1985-1986 عانت ليبيا من الأثر المهلك للذبابة الحلزونية التي كانت تصيب الماشية بخاصة الأغنام . إذ تتغذى هذه الذبابة على لحم الغنم ووضع البيض في الجرح التي تحدثه الذبابة وعندما يفقس البيض تقوم اليرقات بالتغذية على الجرح حتى ينفق الحيوان مما هدد الثروة الحيوانية في ليبيا لان دورة التفقيس للذبابة الحلزونية سريعة جدا في حدود أسبوعين فقط .

قامت أمريكا بإحضار مئات الملايين من ذكور الذبابة الحلزونية بعد أن تم تعقيمها في مختبراتها البيولوجية ونقلتها الطائرات الأمريكية مباشرة من أمريكا وأطلقتها في أجواء ليبيا وبذلك قضت على مشكلة الذبابة الحلزونية في ليبيا .

نقول دائما العبرة بالنتائج . والقذافي دائم التجريح للحكام العرب الذي لا يمل بوصفهم بالتقاعس عن القيام بتحرير فلسطين والتضامن العربي وهو صادق في ذلك . فماذا فعل هو وهو أقدم رئيس عربي ولماذا لا يلوم نفسه وهو من يقع عليه اللوم بالدرجة الأولى .وهل حقق الشعب الليبي ما يطمح إليه في عهده الميمون . وما هي المساهمات الحضارية التي قدمها حكم معمر القذافي من خلال شعبه بعد حكم يقرب الأربعين عاما ؟ وهل يكفي أن ينتقد سيف الإسلام القذافي الذي يعيش في أوروبا جماهيرية والدة "بأنها لا تحكم بدستور مكتوب" حتى نعتبر أن المعارضة الليبية موجودة ؟ بينما كافة المفكرين والمثقفين الليبيين إما معتقلين (خمسة نجوم ) أو يعيشون خارج الجماهيرية . وهل واقع الشعب الليبي يحتاج إلى مزيد من الشرح . أننا لم ندرك بعد نعمة الموت الذي يأخذ جيل لا يقبل التغيير لعل الجيل الجديد يكون متحلي بالجرأة على إحداث التغيير ، وما أحوجنا له .

editor@grenc.com
nfys001@yahoo.com
www.grenc.com

ليست هناك تعليقات: