الثلاثاء، مارس 27، 2007

نبيه بري حفرَ حفرةً لأخيهِ فوقعَ فيها


سعيد علم الدين

نبيه بري حفرَ حفرةً لأخيهِ فؤاد السنيورة فوقعَ فيها.

أو بالأحرى "التخم" بري على ارتفاع هتاف وتشجيع وتصفيق خامنئي ونجاد وبشار ولحود ونصر الله وطلال أرسلان، ونعيم قاسم وسليم الحص وأسعد حردان، وحسين الحاج حسن ووزير الإعلام البعثي رياض النعسان، حتى أن كاسترو من فراش الموت وتشافيز والبسدران، شاركوا في الهتاف وقوفا بصوتٍ ثوريٍّ رنان.
وزاد "التخامه" على إيقاع شتائم وصراخ وزعيق وسباب ميشال عون وعمر كرامي وسليمان فرنجية ووئام وهاب ومحمد رعد وبقية شلل المعتصمين إلى يوم الدين في وسط بيروت تحت شعار "راجع راجع يتدمر راجع لبنان!".
على هتافهم وصراخهم وشتائمهم جميعا ضد فريق الأكثرية شاط نبيه بري الكرة بشطارة زين الدين زيدان، وخفَّةِ بيليه، وفذلكات مردونا، وحيل رونالدو: من طاولة الحوار متسللا عبر الوعد الصادق إلى كارثة تموز الإلهية بنجاح في تدمير لبنان، ومن طاولة التشاور مخترقا مرمى أوليفر كان وصفوف الأكثرية ومحمِّلَهُم مسؤولية استقالة الوزراء والاعتصام والاضطراب العام وحرق الدواليب وقتل وجرح العديد من المواطنين الكرام وإغلاق البرلمان، وتابع بري شوطه للكرة "ملخوما" ليرميها هذه المرة أمام الأعناق الممطوطةِ والعيون المشدوهة والأفواه المفتوحة والعقول المغسولة والأرزاق المقطوعة في مرماه أي لمصلحة فريق الأكثرية الشرعية وحكومة السنيورة الدستورية.
وكيف حدث ذلك ؟ سننقل الخبر المثير كما جاء يوم الاثنين 26 اذار على الصفحة الأولى ل«الشرق الأوسط» بعنوان: " بري لـ«الشرق الأوسط» : السنيورة خدع الجميع"
لأن اتهامه الخطير هذا للحكومة المخادعة والقبض عليها بالجرم المشهود فضحه على حقيقته أكثر وكشفه للشعب اللبناني والعالم عاريا حتى من ورقة التين نسبة الى عين التينة ! لماذا ؟ لأن كلامه يفرض عليه بالتالي كرئيس شرعي دستوري لمجلس النواب القيام بدوره الطبيعي دون تلكؤ ودعوة المجلس للانعقاد فورا – حيث ما زلنا في الدورة العادية الأولى المعطلة دون اسباب باستثناء كلمة السر التي لم يتلقها بعد من الحلف الالهي، وهو وحده يتحمل كرئيس أمام الله والشعب والضمير والحقيقة مسؤولية تعطيلها وافراغ الحياة البرلمانية من محتواها- ومحاسبة حكومة السنيورة: التي قامت حسب رأيه بـ«خداع الشعب اللبناني ونواب الاكثرية»، ولم تكتف بذلك بل ودولت الموضوع وخدعت حتى برسالتها إلى الأمين العام بان كي مون الأمم المتحدة، متسائلاًً : «كيف يمكن تبرير هكذا رسالة لخداع الامم المتحدة؟
إذا كان كلام بري صحيحا ونحن لا نشكك بكلام "الإستاز"، فعليه دعوة مجلس النواب لمحاسبة الحكومة على هذا الخداع ؟ وإلا فإن الشعب سيعتبر كلامه فقط للاستهلاك المحلي وتسجيل نقطة أصابت مرماه. وتصبح دعوته لفتح مجلس النواب ومحاسبة الحكومة أكثر من ضرورة، عندما يقول للرئيس السنيورة: «ماذا ستقولون الآن للـ70 نائبا الذين خدعوا، هذا عدا عن خديعة الشعب اللبناني برمته».
هذا الجملة هي حفرةٌ حفرها بري للسنيورة فوقع فيها، لأنه مطالب على أساسها من الشعب بدعوة ممثليه الذي انتخبهم لمحاسبة السنيورة. وبدل أن يسائل بري الحكومة من موقعه الدستوري، في مجلس النواب يفعل ذلك عبر المؤتمرات الصحفية وصفحات الجرائد!
ألا يعد هذا نوعا من التهرب من المسؤولية والهروب أو الهرولة إلى الأمام، وشوط الكرة ليرميها ملخوما في مرماه؟
أليس أنجع للبلد وأشرف لبري وحلفائه الإلهيين أن تسقط حكومة "فيلتمان" المخادعة في البرلمان بدل الاعتصام الممل والمشل اقتصاديا لوسط بيروت ولبنان؟ حيث المحلات التجارية تغلق أبوابها وتعلن إفلاسها، والناس تسرح من أعمالها منتظرة باب الفرج بخنوع على أبواب السفارات الأجنبية؟
هل تستمتع قوى " معارضة" بإذلال المواطن اللبناني وإفقاره وتعتيره وتهجيره وجره إلى الحروب والفتن والبلاء؟

ليكن واضحا بأن الحكومات المنتخبة شرعيا كحكومة السنيورة مثلا، وفي كل الأنظمة الديمقراطية دون استثناء: لا تنتقد وتحجب الثقة عنها لإسقاطها عبر المهاترات على صفحات الجرائد، ولا عبر الاعتصامات المملة إلى ما لا نهاية، ولا الاضرابات المخلة بالنظام والاضطرابات وقطع الطرق والتهديد بالعصيان، وإنما فقط في مجلس النواب الدستوري بيت ممثلي الأمة.
وما عدا ذلك يعتبر انقلابا على الشرعية والدستور والنظام.
بري هو القائل عن حكومة السنيورة أنها حكومة "المقاومة السياسية" وهو العاجز حتى اليوم عن قول عكس ذلك! وحقا هي حكومة المقاومة السياسية في وجه كل الأحلاف والهيمنات والوصايات التي يحن لها السيد بري وأذناب الحلف الإلهي.
حتى ولو كان ما قاله السيد بري صحيحا، إلا أن الأصح يبقى أنه كرئيس للبرلمان قد أغلقه في وجه النواب مخالفا الدستور مخالفة صريحة الذي حدد بوضوح لا لبس فيه، في الماده 32 التالي " يجتمع المجلس في كل سنة في عقدين عاديَّين، فالعقد الأول يبدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر آذار". الغريب في الأمر أن السيد بري في هذا اليوم بالذات عقد مؤتمره الصحفي منتقدا الحكومة ومهاجما النواب الذين حضروا إلى المجلس للتأكيد على حقهم الشرعي والدستوري بالدورة العادية.
يظهر دون شك أن هَمَّ بري الوحيد ليس مصلحة لبنان ومستقبل شعبه وفك الاعتصام المضر والفاشل عن بيروت الذي دعا إليه مع حلفائه، وإنما البحث المضني عن أي ثغرة صغيرة لا ترى بالعين المجردة للطعن بشرعية الحكومة، والثرثرة حولها، وعملِ منَ الحبةِ قُبة .
ألم تكن وعود نصر الله على طاولة الحوار بأن ينعم لبنان بصيف هادئ وموسم سياحي آمن الخديعة الكبرى للمتحاورين والشعب والحكومة والرأي العام؟
أهل كان السيد بري يخدع الحكومة عندما قال عنها أنها حكومة المقاومة الأولى، ثم انقلب عليها دون سبب جوهري وهذا الذي حصل.
نصر الله وبري انكشفوا امام الشعب اللبناني والعالم على حقيقتهم بخداعهم وتحايلهم وجرهم لبنان لمصلحة المحور الإيراني السوري إلى الخراب والفتن!
سوف ينتصر لبنان السيد المستقل وشعبه الأبي الحر وحكومته الوطنية المميزة في حفاظها على الدستور والشرعية والقيم الديمقراطية والنظام والعمل على تحرير مزارع شبعا بكل طاقاتها.
سينتصر لبنان على المخادعين الحقيقيين مهما طال الزمن وسوف نشهد سقوطهم الواحد تلو الآخر.
وسيظهر الحقُ وسيسقط المتاجرين بدماء الشعب اللبناني الطيب .
كان الأولى برئيس "أمل" بري الذي يشغل أحد أهم المواقع الدستورية، أن يتحمل المسؤولية الكاملة التي يفرضها عليها الدستور والضمير والقسم الذي أقسمه بأن تكون مصلحة لبنان والشعب اللبناني أولاً، بدلا من الدخول في مهاترات إعلامية واتهامات لخداع الرأي العام، لن تحل مشكلة بل ستعقد المشاكل.
أشرف لبري ألف مرة أن يمارس عمله الطبيعي كرئيس للمجلس النيابي يدعو إلى انعقاده ومحاسبة الحكومة ومناقشة وحل جميع الاختلافات تحت قبته، كما هو مفترض، لا عن طريق الاعتصام والتهديد بالعصيان وضرب الاقتصاد الوطني في الصميم بإقامة المخيمات في وسط بيروت التجاري، أي قلب لبنان النابض.
وإذا كان ليس هنالك خلاف على المحكمة ذات الطابع الدولي فلماذا كل هذا الخوف من دعوة المجلس للانعقاد ومناقشة مشروعها والتصويت عليه؟
لقد أفرغ بري الدورة البرلمانية العادية من محتواها خوفا من مواجهة الحقيقة والرأي العام ويريد لمصلحة القاتل إفراغ المحكمة ذات الطابع الدولي من محتواها أيضا! إلا أن المحكمة قادمة بسبب عراقيل بري ونصر الله بالذات. لقد حفر بري بكلامه لـ«الشرق الأوسط» حفرة لأخيه فؤاد السنيورة فوقع وحلفه الإلهي فيها. ولن يصح إلا الصحيح!.

ليست هناك تعليقات: