الاثنين، مارس 12، 2007

عن "اعتزال" الرئيس الحريري



النهار – سمير منصور
كشفت السيدة نازك رفيق الحريري عن معلومة تًعلن للمرة الأولى وهي ان زوجها الرئيس الشهيد اسرّ لها قبل ايام من الجريمة – الزلزال انه كان في صدد اتخاذ قرار بالانكفاء عن العمل السياسي بمفهومه اليومي، بمعنى عدم تولي رئاسة الحكومة او الترشح للانتخابات النيابية "المقبلة"، وكان موعدها بعد اشهر قليلة من تاريخ استشهاده في 14 شباط 2005 بعد إنجاز "بعض الامور" ومنها قانون للانتخاب يحقق تمثيلا حقيقياً، والاكتفاء بتعاطي الشأن العام من موقع المرجع السياسي المؤثّر في القرارات الكبيرة وكل ما يمت بصلة الى القضايا الوطنية.
ولعل الحديث المؤثر للسيدة الحريري والذي بثه تلفزيون "المستقبل" مساء الجمعة الماضي، كان الأهم والأدق. فمن أدرى بالراحل الكبير من زوجته؟ ومن المصادفات ان السيدة الحريري كانت تتحدث عن لقاء عائلي جمعهما ورئيس مجلس النواب نبيه بري وزوجته السيدة رندة الى عشاء في قريطم قبل مدة قصيرة من التمديد للرئيس اميل لحود لنصف ولاية، في حين كان رئيس كتلة "المستقبل" النائب سعد الحريري يعقد الاجتماع الثاني خلال 48 ساعة مع الرئيس بري في لقاء هو الأهم والاكثر اجتذاباً للأضواء نظراً الى ارتباط نتائجه، الى اجتماعات اخرى مرتقبة، بحل الازمة السياسية المستفحلة.
وفي سياق الحديث روت تفاصيل مهمة عن كلام آخر مختلف سمعته من رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون قبيل عودته من فرنسا الى لبنان وعندما زار دارة آل الحريري الباريسية للمرة الاولى معزياً. مقدرة الزيارة والعاطفة الكبيحرة التي أبداها، كما تحدثت عن المودة والثقة اللتين كان يكنهما الرئيس الشهيد للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، وعن انطباعاته بعد كل لقاء ليلي كان يجمعهما، كاشفة ان السيد نصرالله ابلغها عندما زار قريطم معزياً أن الحزب سيتابع بدوره مسار التحقيق في الجريمة الكبرى، وانه عندما تتوافر له أي معلومات عن القتلة، سيأتي شخصياً لابلاغها بتلك المعلومات.
كذلك أضاءت على جانب مهم من العلاقات العائلية التي تربطهما بالرئيس الفرنسي جاك شيراك وزوجته السيدة برناديت، وعندما زاراها فور وقوع الجريمة - الزلزال قال لها الرئيس شيراك ان لا اخ له وكان يشعر ان الرئيس الحريري هو هذا الأخ، وبعد استشهاده شعر بأنه اصبح يتيماً.
وفي جانب من حديثها عادت السيدة الحريري بالذاكرة الى مواقف لسياسيين، انقلبوا على مواقفهم رأساً على عقب وأضحوا في مواقع بعيدة كل البعد عن مواقف سمعتها منهم شخصياً. وكانت لحظات مؤثرة عندما غصّت وهي تتساءل عن الاسباب التي تدفع بعضهم الى مواقف سلبية من التحقيق والمحكمة ذات الطابع الدولي.
وإذا كان من الطبيعي ان يطغى الطابع الوجداني والانساني والعاطفي على حديث سيدة عن زوجها الشهيد، فان حديث السيدة الحريري حمل في طياته الكثير مما يدعو الى تنشيط الذاكرة واستعادة الكثير من المواقف السياسية بقديمها وجديدها، كما يدعو الى التوقف عند قرار كبير اتخذه الرئيس الشهيد قبل غيابه، وهو "العزوف" عن العمل السياسي والابتعاد عن "زواريب" السياسة "بعدما وضعت البلاد على السكة وبقي امامنا فقط إقرار قانون جديد للانتخابات" وهذا في الواقع ما بات يشكل ظاهرة عند الرؤساء السابقين للحكومة: فالرئيس سليم الحص اعلن فور انتهاء الانتخابات النيابية التي خاضها وخسرها عام 2000 "الاستقالة" من العمل السياسي والانتقال الى "العمل الوطني"، والرئيس عمر كرامي تحدث باعجاب عن قرار "نظيره" وحذا حذوه إذ عزف عن خوض الانتخابات النيابية الاخيرة، والرئيس رشيد الصلح عزف عن الترشح منذ العام 1996، وقبله الرئيس امين الحافظ من زمان، وكل على طريقته ولـ"اسبابه الموجبة". وحده الرئيس نجيب ميقاتي، أصغرهم سناً، ولا يزال "مستقبله امامه"، عزف عن خوض الانتخابات الأخيرة لاسباب ذات صلة بتوليه رئاسة حكومة الانتخابات. وأما الرئيس فؤاد السنيورة – وكما أكد غير مرة - فـ"لن يرف له جفن" إذا لم يعد رئيساً للحكومة.
فما الذي دفع الرئيس الحريري قبل ايام من استشهاده، الى التفكير جدياً في قرار الاعتزال والاكتفاء بموقع المرجع الوطني؟ وماذا لو بقي على قيد الحياة واتخذ هذا القرار؟ كيف كان يمكن أن تبدو الخريطة السياسية عند ذلك؟ وكيف كان يمكن ان تنقلب التحالفات والمواقف، وقد شهدنا بعضاً من فصولها؟
في رأي سياسي عتيق، أن في السياسة أموراً كثيرة، لا يمكن ان تُعرف حقيقتها، إلا اذا بدأ الباحث عنها "من الآخر". وفي تاريخنا الحديث شواهد كثيرة!
**
موقع يا بيروت
http://www.yabeyrouth.com

ليست هناك تعليقات: