الأحد، مارس 25، 2007

ثلاجة" عربية للوضع الفلسطيني الراهن


بقلم: نقولا ناصر*

يجري ، بوعي أو بغير وعي ، ترحيل الوضع الفلسطيني المجمد في نقطة عائمة مفتوحة على كل الإحتمالات بين اللامقاومة واللامفاوضات - منذ الوفاة الغامضة للرئيس الراحل ياسر عرفات - من حالة إنتظار اميركي إسرائيلي لظهور شريك فلسطيني متطابق ومتساوق تماما مع إملاءات الحليفين الإستراتيجين إلى حالة إنتظار لظهور شريك عربي مماثل لا يترك أمام صانع القرار الفلسطيني غير خيار التساوق مع عمقه الجغرافي –السياسي في تلبية الإستحقاقات التي تمليها قوتا الإحتلال الوحيدتان في العالم العربي ، مما يعني عمليا نقل الوضع الفلسطيني المجمد من ثلاجة الحصار المفروض عليه منذ عامين إلى ثلاجة عربية تطيل عمر تجميده إلى أمد غير منظور .

في خطابه بجلسة المجلس التشريعي التي منحت الثقة لحكومة الوحدة الوطنية يوم السبت ، السابع عشر من آذار / مارس الجاري ، لفت النظر أن الرئيس محمود عباس لم يتطرق لذكر "خريطة الطريق" التي طالما استند إليها كمرجعية في دعواته المتكررة لإحياء عملية السلام ، بل استند هذه المرة ، ولأول مرة ، " إلى مبادرة السلام العربية، التي تشكل عناصرها وأسسها برنامج سلام حقيقي ومتكامل" كما قال .

إن الحليفين الإسرائيلي – الأميركي ، اللذين تملصا وتنصلا محتجين بمختلف الذرائع من تطبيق "خريطة الطريق" التي صاغتها اللجنة الرباعية الدولية ووافق كلاهما عليها قبل أن يضمنها مجلس أمن الأمم المتحدة قراره رقم 1515 ، يماطلان الآن في الموافقة على ما اعتبرته وسائل إعلام كثيرة البديل العربي لها ، أي مبادرة السلام العربية ، ناهيك عن الموافقة على وضع هذه المبادرة موضع التطبيق ، خصوصا وأن ذرائعهما للتملص من تطبيق "الخريطة" ما زالت على حالها بل توفر لها ما يزيد في تعقيدها ، كما أن عدد اللاعبين في المبادرة الجديدة يوفر لهما مزيدا من ذرائع التنصل والمماطلة .

وإذا كانت ذرائعهما قد أوصلت خيار السلام من خلال المفاوضات إلى طريق مسدود فإن نجاح الرئيس الفلسطيني محمود عباس في إنهاء "عسكرة" إنتفاضة الأقصى وفي استدراج حماس إلى الإنخراط في العملية السياسية في إطار المؤسسات المنبثقة عن إتفاقيات أوسلو مع إسرائيل قد أوصل المقاومة إلى طريق مسدود أيضا ، ليجد الوضع الفلسطيني نفسه محاصرا ومجمدا في حالة لاحرب ولاسلم ، ولا مقاومة ولا مفاوضات ، حيث منظمة التحرير مشلولة وسلطة الحكم الذاتي بلا سلطة ، بينما الشعب المسحوق تحت الإحتلال والحصار حائر بين قياداته المتناحرة في خضم اصطراع على السلطة قيل له إنه كان بين دعاة مفاوضات لا تجري وبين دعاة مقاومة لا تفعل ، وضع كاد يصل إلى شفا الإنتحار الوطني الذاتي في حرب أهلية .

في هذه اللحظة بالذات امتدت يد العربية السعودية بخشبة النجاة . وقد ساهمت عدة عوامل في توفير عناصر النجاح للوساطة السعودية وإبرام إتفاق مكة المكرمة ، كان أهمها ضوء اخضر أميركي اصبح ممكنا تحت ضغوط متعددة أولها النتائج السلبية التي خيبت آمال واشنطن في الحرب الإسرائيلية بالوكالة على لبنان الصيف الماضي ، وثانيها ضغوط الفشل العسكري المتفاقم في العراق ، ثم ضغوط المواجهة مع إيران حول برنامجها النووي . غير أن هذا الضوء الأخضر تكشفه دوافعه باعتباره مناورة تكتيكية لكسب المزيد من الدعم العربي الحاسم في الساحات الثلاث ، مع أن هذا الدعم لم يكن مفقودا بل كان أقل مما تحتاجه واشنطن فحسب . وكان المدخل الأميركي لتجنيد المزيد من هذا الدعم هو السماح بنفض الغبار عن مبادرة السلام العربية المهملة في ادراج جامعة الدول العربية منذ عام 2002 ، مجاراة للإجماع العربي الرسمي على أن حل القضية الفلسطينية في إطار إزالة آثار عدوان إسرائيل في سنة 1967 هو المدخل العربي المقبول لمساعدة الولايات المتحدة في الخروج من حروبها الإقليمية الأخرى .

هذه الدوافع التكتيكية للضوء الأخضر الأميركي هي التي تثير كل الشك في إمكانية أن تسمح واشنطن لمبادرة السلام العربية بالتحول فعلا إلى برنامج سياسي إقليمي للسلام ، وهي التي حالت دون تطبيق بديل أكثر تواضعا وأقل تعقيدا وأسهل منالا مثل "خريطة الطريق": كانت حجتها واسرائيل أن الجانب الفلسطيني لم يف باستحقاق المرحلة الأولى الذي يشترط تفكيك البنى التحتية للمقاومة المسلحة ، وعندما نجح الرئيس عباس في الوفاء بهذا الإستحقاق فضم هذه المقاومة إلى العملية السياسية وأقنع حماس نفسها في إعطاء الأولوية للوحدة الوطنية على المقاومة لكي تعلن الحركة الإسلامية من جانب واحد ثم تلتزم التزاما صارما منذ عامين وحتى الآن بالتهدئة ووقف إطلاق النار ، تذرعت واشنطن باستنكاف الحركة عن الإلتزام اللفظي بما نفذته عمليا على الأرض وعلى الورق .

إن مرافقة رئيس الوزراء اسماعيل هنية للرئيس عباس إلى مؤتمر القمة العربية في الرياض أواخر شهر آذار / مارس الجاري ستكون تتويجا لهذا المسار الفلسطيني كما لنهج حماس الجديد ، حيث من المؤكد تقريبا أن تجدد القمة إلتزامها بمبادرة السلام ك"خيار استراتيجي" ، وهي المبادرة التي كانت تحفظات حماس عليها من العقبات الرئيسية أمام تأليف حكومة الوحدة ، التي ينص برنامجها المعلن على أن "تلتزم الحكومة بحماية المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني ، ... كما أقرتها قرارات المجالس الوطنية ومواد القانون الأساسي ووثيقة الوفاق الوطني، وقرارات القمم العربية، وعلى أساس ذلك تحترم الحكومة قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية " ، كما تتعهد بأنها " سوف تعمل على تثبيت التهدئة وتوسيعها لتصبح تهدئة شاملة ومتبادلة ومتزامنة" وتقر "بأن إدارة المفاوضات هي من صلاحية منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية" وتلتزم ب " وجود سلطة وطنية واحدة وموحدة وقوية".

وبالرغم من ذلك ما زال الحليفان يرفضان الإعتراف بالإنجاز الفلسطيني والعربي ، مما يكشف عدم صدقية واشنطن خصوصا في التعامل الإستراتيجي لا التكتيكي مع المبادرة العربية باستمرارها في الفصل بين تعاملها التكتيكي المساير للتوجه العربي الجماعي للسلام وبين اصرارها على مواصلة حصار حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية المنبثقة عن إتفاق مكة الذي أمن موافقة فلسطينية شبه جماعية على المبادرة وهذه الموافقة شرط مسبق لا غنى عنه لجدوى أي مبادرة عربية للتصالح مع إسرائيل .

إن هذا الفصل الأميركي – الإسرائيلي التعسفي بين المبادرة العربية وقلبها الفلسطيني ليس له إلا تفسير وحيد وهو أن تجديد قمة الرياض المقبلة للإلتزام العربي الجماعي بالمبادرة لن يفتح أي ثغرة في جدار الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني وقيادته كما لن يؤشر إلى إنطلاقة محتملة قريبة لعملية السلام العربية – الإسرائيلية إلا ، ربما ، إذا تبنى القادة العرب النسخة الإسرائيلية لمبادرتهم ، وليس في الأفق ما يشير إلى أنهم قد يفعلون ، لأن مجرد حديث بعض التقارير الإعلامية خلال الشهر الجاري عن محاولات لتعديلها بما يتساوق مع التعديلات الإسرائيلية المقترحة هدد بانفراط الإجماع العربي عليها كما هدد بانهيار الوحدة الفلسطينية التي قبلت أطراف رئيسية فيها بالمبادرة على مضض ، بينما الإجماع العربي والوحدة الفلسطينية عليها هما رصيدها الأساسي الذي يضمن نجاحها أو فشلها .

غير أن أخطر ما يمكن أن يتمخض عن الرفض الإسرائيلي للمبادرة "في شكلها الحالي" كما تقول إسرائيل وعن الدعم الأميركي لهذا الرفض ، وبالتالي عن بقاء المبادرة العربية معلقة رهن موافقة الحليفين عليها ، هو تجميد الوضع الفلسطيني الراهن في "ثلاجة" عربية بعد تجميده في ثلاجة الحصار الإسرائيلي – الأميركي . وكما أثبتت تجربة الحصار المستمر فإن تجميد الشعوب في الثلاجات أمر مستحيل لأن الحياة مستمرة ويستحيل تجميدها ، وإذا أمكن فرض السكون على الفلسطينيين فإن فرضه على العرب لم يعد ممكنا حتى على من هم حلفاء لواشنطن وأصدقاء لها ممن تعاهدوا فعلا على السلام مع إسرائيل لأتهم هم ، لا واشنطن ، من سيكتوون بنار أي إنفجار يهدد استمرار تجميد الوضع الراهن بتفجيره ، ولا أبلغ للدلالة على ذلك من التحذير الذي وجهه ملك الأردن عبد الله الثاني في واشنطن أوائل الشهر الجاري: "إننا لا نستطيع أن ننتظر لفترة أطول ... ولا نستطيع أن نظل صامتين" !

ولا بد للقوى الدولية الساعية إلى تسوية سلمية للصراع العربي – الإسرائيلي ، وفي مقدمتها رباعية الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا ، أن تسابق الزمن لإغتنام الفرصة التاريخية التي توفرها المبادرة العربية ، قبل أن تجهضها حقائق الإحتلال الإسرائيلي على الأرض والمماطلة الأميركية ، ولإنتهاز فرصة إنضمام حماس للعملية السياسية إن كانت تريد ضمان استمرار مشاركتها فيها ،قبل أن تفرض عليها التراجع عنها الضغوط الشعبية الناجمة عن الإحتلال والحصار وانتظار عملية سلام لا تثمر وسلام لا يأتي .

إن التزام حماس وفتح بمبادرة السلام العربية كبدبل للمقاومة كما للمفاوضات الثنائية الفلسطينية – الإسرائيلية المجمدة في الثلاجة الأميركية – الأسرائيلية ، والتزامهما بالعمق العربي الإسلامي "الرسمي" على علاته غير الشعبية ، وامتنانهما لإتفاق مكه وراعيه السعودي ، لا يمكن أن يتحول إلى مراهنة لا سقف زمنيا لها على المجهول ، بانتظار وعد بتطبيق "رؤية" أميركية تتآكل إمكانيات تطبيقها كل يوم لا بل كل ساعة بحقائق الإستيطان الإستعماري التي تخلقها اسرائيل على الأرض وهي ضامنة بأن حليفها الإستراتيجي سوف يعلن إن عاجلا أم آجلا بأن "من غير الواقعي" عدم الإعتراف بها ، كما فعل الرئيس جورج دبليو. بوش في رسالة الضمانات الي بعثها لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق آرييل شارون ، المعلق الآن بين الموت والموت ، في 14 نيسان/أبريل 2004 .

لقد أفقدت أوهام عملية السلام الأميركي – الأوروبي حركة فتح عجلة القيادة وجاءت بحماس شريكة قيادية لها وليس من المستبعد أن تقود وعود عملية سلام عربية إن تحولت إلى أوهام مماثلة إلى خسارة الحركتين معا لثقة الشعب الفلسطيني إذ ليس سراأن إنضمام الحركة الإسلامية لعملية سياسية لم تثبت جدواها منذ عام 1991 قد انعكس سلبا على شعبيتها وصدقيتها ، فالقوى المعارضة الوطنية والقومية والإسلامية والشعبية الأخرى التى عجزت عن إيقاف عجلة أوسلو كانت قد وجدت في حماس عقبة مؤهلة لوقف نتائجها الوطنية الماساوية لكن من الواضح أن آمالها قد خابت .

أما على المستوى الشعبي فإن الناخب الفلسطيني الذي منح ثقته في الإنتخابات التشريعية الأخيرة لحماس من أجل "الإصلاح والتغيير" يجد نفسه الآن في الوضع نفسه الذي كان يأمل في تغييره وإصلاحه ، بفساده ورموزه وأسمائه ومؤسساته ذاتها ، لا بل إن هذا الوضع قد تعزز فأصبح يدافع عن شرعيته باسم حماس ولكي يطوي إلى أجل غير مسمى ، على سبيل المثال ، ملفات الفساد التي كان أشار إليها الرئيس عباس وحماس على حد سواء باسم "الوحدة الوطنية" .

ولا ينبغي الإستهتار بخيبة الأمل الشعبية من وعود التغيير والإصلاح . إن الوحدة الوطنية هي إنجاز في حد ذاته ، خصوصا بعد أن كاد الإصطراع بين المتوحدين وطنيا يغرق الشعب في حرب أهلية لا ناقة له فيها ولا جمل بعد أن ثبت الآن أن كل مسوغات "الثوابت" و"المصلحة الوطنية العليا" التي سيقت لتبريرها لم تكن إلا لغوا "وطنيا" للإحتفاظ بالسلطة أو للوصول إلى المشاركة فيها .

إن إنضمام قوى مثل "المبادرة" و "حزب الشعب" و "الطريق الثالث" و "الجبهة الديموقراطية" إلى حكومة الوحدة الوطنية لا يشير إلى توسيع المشاركة السياسية لأن هذه القوى كانت من أركان التسوية السياسية التي إنطلقت من أوسلو أو كانت من القوى الرئيسية المنظرة للتسوية السياسية ، مثل "الديموقراطية" . ولا ينبغي لأنصار البديل السلمي لحل الصراع الإستهتار بمعارضة قوى جذرية كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و الجهاد الإسلامي والتيار القومي كما سبق لهم الإستهتار بمعارضة حماس ، فهذه القوى ، التي رفضت المشاركة في حكومة الحدة الوطنية ، قرأت جيدا ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل عندما قال: "لو كنت قائدا عربيا ما كنت لأوقع إتفاقا مع إسرائيل . لقد أخذنا بلدهم . صحيح أن الله وعدها لنا لكن كيف سيثير ذلك إهتمامهم ؟ فإلهنا ليس إلههم . وقد كان هناك عداء للسامية ، ونازيون ، وهتلر و(معسكر اعتقال) أوشفيتز ، لكن هل كان ذلك خطأهم ؟ إنهم لا يرون إلا شيئا واحدا هو أننا جئنا وسرقنا بلدهم" .

وإذا كان استبدال "خريطة الطريق" بمبادرة السلام العربية سوف يجمد الوضع الراهن الفلسطيني على ما هو عليه لكن في ثلاجة عربية هذه المرة بدل الثلاجة الأميركية فإن صلة الرحم القومية لن تكفي وحدها لمنع مرجل الغضب واليأس من الإنفجار ، فانتظار الفرج الأميركي الذي لم يأت طوال العقود الستة الماضية لم يتحول إلى إدمان شعبي بعد ، وإن كان قد أصبح إدمانا رسميا منذ أمد طويل !

* كاتب عربي مقيم في فلسطين .

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

أخي نقولا
ربما يكون اسما على اسم.
هل أنت من مدينة بير زيت في فلسطين؟
وهل درست في الجامعة الأردنية عام 1966 ؟
أرجو التكرم بأعلامي حتى ابعث لك بعنواني الألكتروني

Nicola Nasser يقول...

نعم يا أخي عبدالله ، أنا هو