السبت، مايو 26، 2007

إعتصموا بشعبكم وقضيتكم لا بأحزابكم وتنظيماتكم وحركاتكم وعشائركم


راسم عبيدات

... ها نحن الآن دخلنا في مرحلة الإستنقاع فلسطينياً، بأبشع صورها وأشكالها وتصوراتها، حيث لم نعد نعتصم لا بشعبنا ولا قضيتنا، بل أصبحنا نعتصم بكراسينا ومناصبنا وامتيازاتنا وأحزابنا وتنظيماتنا وحركاتنا وعشائرنا، فلم يعد يجمعنا وطن، ولا توحدنا قضية ولا مصير ولا هدف، وكأننا قررنا أن نهدم المعبد فوق رؤوسنا، وأن نذبح شعبنا وقضيتنا بأيدينا..والغريب أننا جميعا تحت رحمة الإحتلال الإسرائيلي، والذي يعمل فينا يومياً قتلاً وتدميراً واغتيالا دون رحمة ولا تمييز، لا حماس ولا فتح ولا جبهة، فكل ما يمت للإنسان الفلسطيني بصلة أرض وبشر وحجر وشجر، هو هدف للإحتلال، ونحن نتقاتل على وهم سلطة، يحتاج فيها الرئيس والوزير وعضو البرلمان إلى إذن وتصريح من الإسرائيليين لأجل الحركة والتنقل والدخول والعبور، سلطة خدعتنا فيها الألقاب والرتب والنياشين من فخامة الرئيس إلى دولة رئيس الوزراء إلى سعادة الوزير والسفير وسيادة العقيد والعميد..... الخ..

سلطة مستباحة أرضها وشعبها وقيادتها، وأي سلطة هذه نوابها وقادة أحزابها في المعتقلات والسجون الإسرائيلية، ولا حصانة فيها لا لصغير أو حتى كبير، وتصوروا أن رئيس وزرائها، ورغم طلب الملك الأردني عبد الله شخصياً من القيادة الإسرائيلية، أن تسمح له بالخروج من غزة لمقابلته في رام الله، إلا أن القيادة الإسرائيلية رفضت هذا الطلب، وهذا يعني الكثير الكثير، أن سلطة بهذه المواصفات، لا تستحق أن نتقاتل من أجلها، وأن نغرق شعبنا في احتراب واقتتال داخلي وعبثي، وأن نبدد منجزات ومكتسبات شعبنا، من أجل وهم وسراب، وأي قطرة دم فلسطينية تسيل في الإقتتال على وهم هذه السلطة، وصمة عار في جبين شعبنا، فهناك من يتربص بنا ويدفع بنا للاحتراب والاقتتال، خدمة لأهدافه ومصالحة وأولوياته وأجنداته، ويبيعنا السراب والوهم، ويصر دائما على المداخل الأمنية لحل القضية والتقدم في العملية السلمية..وبمعنى آخر آمن إسرائيل أولاً وعاشراً، وفوق كل حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني وكل الأمة العربية، ولكن المأساة أن هناك البعض فلسطينياً وعربياً، ورغم كل هذا الوضوح، يصرون على استمرار التعاطي والتعامل مع الأشياء والأمور على قاعدة " عنزة ولو طارت "، وعلينا أن نكون حذرين ومتنبهين للمشاريع الأمريكية المطروحة، والتي عادة ما يتم طبخها في مطابخ " الشاباك " الإسرائيلي، حيث يتم وضع مسوداتها وخطوطها العريضة هناك، على أن يقوم الجانب الأمريكي بعرضها وتسويقها على أنها خطوات لبناء الثقة، أو خطوات للتقدم نحو الحلول السياسية.

وهذه المقترحات أو الخطوات غالباً ما تستهدف إثارة خلاف داخلي فلسطيني حولها، أي إغراق الساحة الفلسطينية في جدالات ونقاشات بيزنطية، يرمي القائمون عليها، إلى تعطيل أية جهود حقيقة لحل القضية الفلسطينية، والاستمرار بإدارة الأزمة بما يخدم أهدافهم ومصالحهم، وهكذا دواليك من مشروع لمشروع ومن مقترح لمقترح ومن مبادرة لمبادرة، وكل ذلك طحن للهواء وخض للماء، واستمرار للإحتلال وتثبيت لحقائق على الأرض، وصولاً إلى ما عبر عنه الكثير من القادة الإسرائيليين بمختلف ألوان طيفهم السياسي، وعلى رأسهم ما يحلو لبعض العرب تسميته برجل السلام شمعون بيرس، والذي من مبادراته السلامية، تكثيف ودعم الإستيطان في الضفة الغربية، وتحويل إسرائيل لقوة نووية، ومفاوضة العرب والفلسطينيين لعشرين عاماً أو أكثر دون منحهم شيئاُ، وهل هناك رجل سلام أشجع وأكرم من هذا الرجل؟، وهذا الرجل يعبر عن السياسة الإسرائيلية بشكل جلي وواضح، وهم عندما يطلقون سراح أسير فلسطيني، يعتبرون ذلك، تنازلاً مؤلما، وعندما يخلون " كرفاناً " أو مستوطنة معزولة، تقوم الدنيا ولا تقعد..

وهم عندما يتحدثون عن التنازلات المؤلمة، فهم يعنون، أن يقبل العرب بالواقع الحالي، مقابل منحهم السلام، وعدم القيام بخطوات التطهير العرقي تجاه الفلسطينيين، هذه هي حقيقة المواقف الإسرائيلية وثوابتهم، والتي يعتصمون بها جميعاً، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، لا لعودة اللاجئين ولا لعودة القدس ولا للعودة لحدود الخامس من حزيران، وهم يختلفون ويتصارعون، فقط إذا ما تخلى أو تنازل أي منهم قائد أو حزب عن هذه الثوابت.أما نحن فنعيش حالة من التوهان والضياع، والكل منا يغني على ليلاه، فمرتكزات برنامجنا الوطني واضحة وثابتة، اللاجئين والقدس والدولة المستقلة، وخلافنا وصراعنا يجب أن يتمحور بالأساس على الجوانب الوطنية والسياسية وفي هذه العناوين، ومن يعبث بها أو يتخلى عنها، فالشعب هو الحكم وهو الذي يقرر شكل الحساب والعقاب، وبالطرق والوسائل الديمقراطية.ومن هنا علينا جميعاً أن نعتصم بقضيتنا وشعبنا، فالشعب والقضية هما الأبقى، أما الأحزاب والحركات والتنظيمات والعشائر وغيرها، فهي وسائل من أجل بلوغ الأهداف، ومن أجل بلوغ الأهداف لحين التحرر والإنعتاق من الإحتلال، يجب أن يجمعنا رؤيا وبرنامج وهدف وإستراتيجية، تشكل قواسم مشتركة بين الجميع، وبما أن الجميع يؤمن بأن وثيقة الوفاق الوطني – وثيقة الأسرى – واتفاق القاهرة / آذار 2005، هما الأساس السياسي لأي حكومة وحدة وطنية من أجل بلوغ الهدف، فلماذا نختلف إذاً وعلى ماذا نختلف؟!..

نختلف على المراكز والمصالح والامتيازات، ونغلفها بمصلحة الوطن والمصالح العليا للشعب الفلسطيني، نختلف على التعيينات والوزارات السيادية وغير السيادية، والتي لا تمتلك من السيادة شيء، نختلف على جلد الدب قبل أن نصطاده، بعصبويتنا وفئويتنا ندمر كل شيء، ونعمم الفلتان في كل المجالات والميادين، ونوفر الدعم والإسناد والحماية والغطاء لكل المتجاوزين والمليشيات بمختلف أشكالها وتسمياتها، ونتحدث عن دولة القانون، نضيع البوصلة ونتقاتل على الوهم، ولا نستفيق ونتوحد إلا بفعل الإحتلال وسياساته، والذي لا يوفر أحداً منا، ورؤيته لنا، هي ما يعبر عنه الكثير من قادته، بأننا سرطان يجب إجتثاثه واقتلاعه..

ورئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة "غولدا مائير" قالت بشكل واضح أنها تشعر بالكابوس مع ولادة كل طفل فلسطيني، وكذلك في قضية الدكتور عزمي بشارة، رأينا كيف توحدت كل ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي من أقصى يسارها إلى أقصى يمينها، على أن "الدكتور عزمي وما يمثله خطر على دولة إسرائيل"، ومن هنا فإنه علينا جميعاً، وبكل ألوان طيفنا السياسي الوطني والإسلامي، أن نعتصم بقضيتنا وشعبنا وأن لا نعتصم بأحزابنا وحركاتنا وعشائرنا، فالشعب والقضية أسمى وأبقى.

ليست هناك تعليقات: