الاثنين، مايو 07، 2007

الكوسا تصحح المسار الديمقراطي


يوسف فضل

بعد الدهشة والاستغراب والسؤال عن علاقة الكوسا بالديمقراطية؟ أجيبك : أنه من طبيعة الأمور أن هذا ما سيطرحه قاريء العنوان لأنه إما اعتاد على أكل الكوسا دون إعمال الفكر بالربط بين الكوسا والنهج الديمقراطي أو أنه لم يعتد على ممارسة الديمقراطية التي سلتة تذوق طعم الكوسا .

لم يترك أبنائي خيارا لي إلا أن أجعلهم يحتلفون يوميا بمهرجان الكوسا عقابا لهم ولمدة أسبوع لرفضهم ممارسة الديمقراطية داخل ا لبيت وليبقى هذا المهرجان ثابتا بالذاكرة الجماعية للعائلة وشاهدا على قساوتي تجاههم بأن الأمور الاستراتيجية لا يمكن التهاون بها .

العائلة العربية هي كيان مصغر عن المجتمع العربي لكن ليس بالضرورة أن ما يجري داخل العائلة يكون له الأثر في المجتمع لأن تربية البيت للأبناء تختلف عن تربية المجتمع لهم . لكن ما تعارف عليه المجتمع يحكم ضوابط وسلوك العائلة العربية حتى لو كانت ممارساتها سلبية لأن الصغير يتأثر بالكبير . وبما أنني تربيت وأنشأت أولادي على ممارسة الديمقراطية (أو حاولت ذلك ) وأن كانت في أبسط صورها المتمثلة في حرية كل فرد من العائلة باختيار طبخة اليوم التي يحبها بالتناوب ويكون اختيار الفرد ساريا ومقبولا بغض النظر عن عمره على باقي أفراد العائلة . وهكذا سرت على هذا النهج السياسي في اختيار الطبخة اليومية كحق لأحد أبنائي بالاختيار وهو مساوٍ لحق اختياري .

في يوم من ذات الأيام الغائمة عدت (كالعادة وكل يوم أعود ) وقت الغداء فوجدت على مائدة الطعام العديد من أصناف المكرونة؛ بالبشاميل وباللبن وبصلصة البندورة وبالخضار وصينية بالفرن والدجاج المحمر والمشمر والرز بأنواعه فاعتقدت أن أحد الجيران وجه لنا دعوة على الغذاء لكن في بيتي أو أن بيتي أصبح مكانا لجمع الصدقات أو سلة لتجميع ما يفضل من طعام الجيران . لكن الحقيقة صعقتني عندما أعلمتني زوجتي أن الأولاد كسروا قاعدة حرية اختيار الطبخة اليومية وأنهم رفضوا اختيار أخيهم الصغير الذي طلب أن تكون طبخة اليوم عدس مع الكرفس . فان سكت على هذا الصنيع الشنيع في حق الاختيار فالله العليم وحده ماذا سيحدث من قلاقل داخل العائلة لأني اعتبر هذا الفعل تمرد على قاعدة سوية ، ألا يكفي أن المجتمع العربي مضطرب لأنه بعيد عن حرية الاختيار .

في اليوم التالي الذي صادف أن وافق نهاية الأسبوع ومع بزوغ اشعة الفجر توجهت إلى سوق الخضار وابتعت صندوق حجم كبير من الكوسا .إذ أردت تعليم أبنائي درسا أن ليس كل ما يتمناه المرء أو يرغب به يحصل عليه وأنه يتوجب احترام رأي الآخر طالما هذا الرأي قد تم الاتفاق عليه سابقا ولا يلحق الأذى بنا . أيضا لأسباب شخصية عولمجية بان لا أعطي أي ذريعة لأمريكا بالتدخل في الشؤون الداخلية لبيتي .

أما لماذا اخترت ثمرة الكوسا وذلك لمعرفتي أن أبنائي يحبون أكلها وأردت معاقبتهم بشيء يحبونه ولقراءتي عن القيمة الغذائية لثمرة الكوسا إذ يقال أن موطن نبتة الكوسا الأصلي هي المكسيك المشهورة بالتاكو الحار لكن المكسيكيين يفضلون تناول أزهار ثمة الكوسا مقلية أو مطبوخة . لم أجرب هذه الوصفة . المعروف أن الكوسا غذاء بارد ومولد للبلغم ونافعة للحميات وملينة ومدرة للبول . وثمرة الكوسا تحتوي على كمية كبيرة من الماء ، والحياة كلها قوامها الماء، تصل إلى 95% هذا يعني أنها مثل القرع مفيدة لارواء العطش. وتحتوي ثمرة الكوسا على البوتاسيوم والفوسفور والكلس والمغنيزيوم والزنك والمنغنيز والنحاس واليود والكبريت وتحتوي على الفيتامينات ث و أ وفيتامينات المجموعة ب وتعد الكوسا من الأغذية النافعة في مواجهة الكولسترول السيئ . أيضا تحتوي الكوسا على مضادات الأكسدة الكاروتينيدات التي لها دور مهم في حماية الجسم من الفعل المدمر للشوارد الكيميائية الحرة التي تعيث فسادا في مختلف أنحاء الجسم إذا ترك لها العنان .

طلبت (كما تفعل أمريكا بالدول الفقيرة ) من زوجتي أن تخبر الأبناء أن حرية ممارسة ديمقراطية اختيار طبخة اليوم متوقفة لمدة أسبوع بسبب فرض حالة طواريء وقد تمدد الحالة حتى إشعار آخر كما في الدول العربية . وليس لهم حق الاعتراض وإلا سيضطر والدهم إلى حرمانهم من مصروف الجيب فيتساوون مع السلطة الفلسطينية بالجلوس على قارعة الطريق . وطلبت منها أن تتفنن بإعداد كل يوم طبخة من الكوسا لمدة أسبوع على سبيل التجربة .

اشتكت زوجتي أن هذا العقاب قد طالها . إذ أدركت ذلك بعد أن تركت على جنب عدد أصابع اليد حبات من الكوسا حجم عائلي ونقرت 80 حبة كوسا حجم كبير و 60 حبة كوسا حجم وسط و 40 حبة كوسا حجم صغير فشعرت أن مفاصل أكتافها ورسغيها قد أصابها التعب والتيبس إلا أن ابتسامتي التشجيعية لها خففت من آلامها . وقد شجعتها بالشرح عن سمو الأهداف النضالية النبيلة المحققة جراء طبخ الكوسا .

تفننت زوجتي ( ما شاء الله عليها ) في إعداد الطعام ؛ اليوم الأول : كوسا محاشي . اليوم الثاني : كوسا سوتية مع ريش خاروف . اليوم الثالث : كوسا محاشي مع ورق عنب . اليوم الرابع : منزلة كوسا (خرط) . اليوم الخامس : كوسا مخشي ( الحشوة بصل ولحمة مفرومة مع الصنوبر) بالبندورة . اليوم السادس : كوسا مخشي باللبن . اليوم السابع : كوسا متبل ومقلي ومشوي وبابا غنوج باللبن .

مما كان يزيد من تذمر أبنائي المبتلين بالكوسا أنني في بعض الأيام وبحكم طبيعة عملي أدعى إلى تناول طعام غداء عمل في المطعم مما يذهب توسلات أبنائي في الهواء لتناول طعام الغداء في البيت لأخفف عنهم بعضا من جبل الكوسا . لكنهم كانوا يتركوا لي حصتي من الغذاء لوقت العشاء . أخذت ردهم الانتقامي هذا بروح الدعابة وشكرتهم على اهتمامهم .

في اليوم السابع انفردت بأبنائي الخمسة كل على حده وطرحت سؤالا واحدا " يوم السبت فقط سيكون طعامنا عدس؟" وكان رد أبنائي المشترك ودون اتفاق بينهم على أنهم لا يحبون العدس . فيكون السؤال التالي لهم " عدس أم نمدد مهرجان الكوسا لمدة أسبوع آخر ؟" .

وهكذا أنقذت مسار النهج الديمقراطي العربي السائد في العائلة وجعلتهم يحبون العدس وعادت حرية اختيار طبخة اليوم إلى العائلة الديمقراطية . ولم اضطر إلى تمديد حالة الطواريء .

بداية الحياة الديمقراطية في البيت تعني حياة ديمقراطية في المجتمع .

editor@grenc.com
nfys001@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: