الاثنين، مايو 28، 2007

رسالة لأعضاء الحزب الشيوعي الأسرائيلي عشية عقد مؤتمره ال 25


نبيل عودة


جددوا تراث القادة التاريخيين الأبطال الذين صنعوا هذا تاريخ

من الواقع السياسي للعرب في اسرائيل

لا أنكر ان ما يجري داخل الحزب الشيوعي الاسرائيلي يلفت انتباهي واهتمامي . اذ لايمكن تجاهل مركزية هذا الحزب التاريخية ، في حياة الجماهير العربية في اسرائيل .ومهما كانت اسبابي اليوم في عدم الاستمرار بانتمائي لهذا الحزب ، الا انني لا أنفي ان ثقافتي الفكرية والسياسية والاجتماعية والأدبية ، اكتسبتها بفضل برامج التثقيف والتنوير التي كانت ضمن الرؤية العامة ، وضمن الاهتمامات التي وضعت في رأس سلم الأولويات للقيادات الشيوعية الطليعية .
وكنت قد كتبت سابقا عن دور الطليعة الشيوعية في ارساء وتطوير الثقافة العربية في اسرائيل ، ضمن رؤيتهم للأهمية الاستراتيجية للموضوع الثقافي والتثقيقي في تجاوز حالة الضياع بعد النكبة ، وتشتت شعبنا ، وخطر الضياع الذي احاط ببقية الشعب الفلسطيني الباقي في وطنه .والأهم ، ضمن رؤيتهم الثاقبة لدور الفعل الثقافي ( عبر دمج الثقافي والسياسي ) في الحفاظ على هويتنا ولغتنا وتمسكنا بأرضنا ، واعادة ترابطنا كشعب له حلمه الانساني المشترك ... وخوضنا لنضال بالغ الشراسة والتعقيدات والتضحيات في تلك السنوات السوداء التي أعقبت النكبة ، او "التطهير العرقي "، كما يقول المؤرخ الاسرائيلي ايلي بابه في بحثه الجديد ، الذي يعتبر ادانة للمؤسسة الصهيونية وقادة حرب " استقلال اسرائيل " !!
ان اهتمامي بمصير الحزب ، قد يكون من عدم قدرتي على تزوير التاريخ ، كما فعل بعض القومجيين ، ومن رفضي للتطاول على فصيل شكل خشبة الانقاذ للأقلية العربية داخل اسرائيل . وبنفس الوقت انتقادي الحاد ، والحاد جدا ، لبعض الظواهر والتصرفات الشخصية وبعض الطروحات ، لم تكن مواقف عدائية ، بقدر ما كانت التزاما لجامعتي التي اريد أن اراها تشمخ من جديد ، وتتجدد ، وتتغير بما يتوافق مع التحولات الفكرية والدولية والمحلية .
ويؤسفني أن أقول ، ان رؤوس أقلام المؤتمر تضمنت مقولات استنفذت تفسها ، ولم أجد في الحزب تلك القوى القادرة على ارساء نهج التحول والتحديث . ان ما يحتاجه الحزب الشيوعي ليس التكرير الممل للصياغات العتيقة التي تجاوزها التطور ، انما مفكر بمستوى غرامشي ،
يطرح رؤية حداثوية للماركسية ، ولا يتمسك بالصياغات التي قيلت في ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية لم تعد قائمة .
لا شك لدي أن من مهام الحزب الشيوعي الاسرائيلي ، نقد تجربته الخاصة والتجربة العامة ( التجربة الاشتراكية ) وان يحدد التحديات الجديدة على الصعيد الاجتماعي والسياسي الداخلي والدولي .وعلى رأس هذه التحديات ، مثلا .. طرح فكرة الدولة الديمقراطيه ، دولة صيانة حقوق الأنسان وحماية حقوق المواطن ، والتخفيف من الغلواء الطبقي ، او تعابير لم تعد قائمة في الواقع الا في بعض المخيلات ، مثل الحديث عن " برلتة "( التحول الى بروليتاريا ) العرب في اسرائيل .
أعزائي ، انتم مقبلون على مؤتمر حاسم وهام ، وساقول بصراحة اين ارى أهميتة ونقاط حسمه ، ولكن لا بد من الاشارة أولا الى ان ظاهرة البروليتايا ، كانت ظاهرة اوروبية لم تنتشر خارج اوروبا ، وترتبط بواقع سياسي واقتصادي اوروبي ، ولم تظهر البروليتاريا مثلا في الولايات المتحدة الأمريكية ، فكيف الحال بشرقنا الاقطاعي المتخلف صناعيا وعلميا وتقنيا ؟! ووصف العمال بالبروليتاريا يشير الى عجز فكري عن فهم هذه الظاهرة الاقتصادية الأوروبية . والتأكيد الممل في ادبياتكم على الطبقية ، يجب ان يخفف مقابل التأكيد على قضايا المجتمع المدني وحقوق الانسان والحريات والدمقراطية والمساواة الشاملة ودعم الفئات الاجتماعية الضعيفة .
قرأت باهتمام نص المقابلة الطويلة مع السكرتير العام للحزب الشيوعي الاسرائيلي عصام مخول ( الاتحاد 07 – 05 – 28 ) حول المؤتمر الخامس والعشرين للحزب ، المزمع عقده في نهاية هذا الاسبوع .
رغم أهمية المقابلة ، الا انها عامة أيضا ، ولعل سكرتير الحزب عصام مخول ارادها صياغات عامة ، وتهرب من الكلام الملموس ، ووضع اليد على الجرح ، كما يقال ، لكي لا يستبق النقاشات المتوقعة ، وربما الأصح أن أقول الصراعات العاصفة داخل المؤتمر ، والتي بدت ظواهرها بحدة ، في الانتخابات التي أجرتها الفروع لاختيار ممثليها الى المؤتمر ، حيث برز واضحا سيطرة التيار الداعم للحزب على التيار الداعم لعضو في المكتب السياسي ، يشد نحو تهميش الحزب ، بل تقزيم الحزب ، عبر سعية منذ سنوات عدة لتحويل الجبهة الدمقراطية ( الجسم الذي أقامه الحزب ) الى حزب رسمي ، مما يعني أن كل من سيظل مخلصا وعضوا في الحزب ، ليس بامكانه أن يكون عضوا في حزب الجبهة أيضا .. لأن القانون الاسرائيلي يمنع أن يكون المواطن عضوا في حزبين في نفس الوقت .
ان معنى خطوة تحويل الجبهة الى حزب حدوث انقسام واسع في الحزب الشيوعي ، وتنصيب الجبهة بديلا للحزب ، الذي " فات زمانه " !
بحق يذكر عصام مخول في المقابلة ، ان الحزب هو الذي أقام الجبهة ، وهذا معروف للجميع . ولكن مخول يتجاهل الخلفية التاريخية التي قادت الى هذا الوضع ، وهي ضمن المراجعات التي بد من طرحها يوما ما ، اذا اراد الحزب الانطلاق من جديد ، وهذا غير وارد دون مراجعة الأخطاء وتصحيح المسار وانصاف نخبة لم تستطع ان تواصل السير مع حزب لا يحترم قراراته ، وتصاب قيادته بالرعب في مواجهة موقف متقلب لعضو في المكتب السياسي .. وأعني " الانقلاب الذي قام به المرحوم توفيق زياد في مؤتمر انتخاب الجبهة لقائمة مرشحيها للكنيست ( عام 1992 ) ، بالطبع ليس بدون ذعر وانكماش القيادة العاجزة المتبقية ، والتي عمليا كانت بداية التراجع والتفكك والهبوط في مكانة الحزب الشيوعي ، وسيادة الفوضى التنظيمية والفكرية والمالية في مؤسساته ... وما أعقب ذلك من تدهور صحافة الحزب وهبوطها في المستوى الأعلامي والثقافي والمادي ، والتراخي المرضي في التنظيم والتثقيف ، والأهم فقدان الحزب لمميزاته الفكرية والسياسية في الشارع العربي في اسرائيل ( عدد الشيوعيين اليهود صغير جدا وتأثيره في الشارع اليهودي تأثير هامشي تماما ). وأخطر ظاهرة سيادة تقديس الشخصية على حساب تقزيم الحزب .
هل تبقى الجبهة جسما تحالفيا بقيادة الحزب الشيوعي سياسيا وفكريا وتنظيميا ، أم ان الجبهة تصبح هي الجسم السياسي النشيط والبارز ، بينما يذوب الحزب تدريجيا بتآمر من بعض أعضائه ؟!
في المقابلة لم يجدد عصام مخول في الطروحات السياسية والفكرية ، هل الأقلية العربية الفلسطينية في اسرائيل مع موقف " دولتان لشعبين " أم نغمغم ونتأتئ تحت تأثير الحركة الاسلامية ( وربما تأثير حزب الله اللبناني أيضا )وتحت تأثير تيار عزمي بشارة (القابع في قصر لرئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني في عمان ) .
هل الشطط والتطرف في الشعارات لا يضعنا في مواجهة منظمة التحرير الفلسطينية ؟ هل نسينل الموقف البطولي لعصبة التحرر الوطني في فلسطين بقيادة فؤاد نصار واميل توما واميل حبيبي وتوفيق طوبي ، التي أيدت التقسيم ، ام اننا أصبحنا ننحني مع كل ريح وصار صبيان السياسة يؤثرون علينا ؟!
الم تسألوا أنفسكم لماذل ذبل الوهج الفكري والسياسي وتضائل وتراجع الدور الثقافي في الحزب الشيوعي ؟
لا أطرح هذه الأسئلة اسفزازا أو احراجا ، اطرحها بألم للمطالبة باسم التاريخ الطويل والمجيد والصحيح لعلكم تنقضون الغبار وتعودون الى المسار الطبقي الاجتماعي الثقافي ، الذي رسمه ونفذه الرواد الطلائعيين الأبطال ، قبل أن يبدا عهد النقسامات في الحزب ... من انقلاب 1992 وصولا الى الانقلاب الذي يحضر لة رئيس الجبهة ، عضو الكنيست محمد بركة .
شعبنا مصمم على البقاء والتطور في وطنه ، والحياة مع الشعب اليهودي هي حقيقة . رأينا أين أوصلت " قومجية " عزمي بشارة .. اذا كان مقياس قوميتنا هو اختيار المنفى ، فبئس هذه القومية !!
نريد للمؤتمر الخامس والعشرين أن يصون أولا وقبل كل شيء الحزب اطارا تاريخيا وطريقا ، لصالح شعبنا ومستقبلنا ، وهذا يعني دفن التآمر المكشوف والعلني ضد الحزب ن واعادة بروز الحزب سياسيا وجماهيريا ونضاليا وفكريا وثقافيا واجتماعيا . هنا بالضبط يبرز المميز السياسي بين الحزب الشيوعي والأحزاب الأخرى . وهذا ما يعيد للحزب شبابه وحيويته وتفرده السياسي والفكري .
أرى من مهام المؤتمر اعادة البناء على اساس التراث الثوري البطولي ، تراث اميل حبيبي وأميل توما وتوفيق طوبي وسليم القاسم وفؤاد خوري وجمال موسى وعثمان ابو راس ومحمود اغبارية ( ابو العفو ) ومنعم جرجورة وصبحي بلال وغسان حبيب وسهيل نصار وحنا نقارة والقائمة طويلة ... قائمة الأبطال الذين عرفوا الضرب وعرفوا التجويع وعرفوا المعتقلات وعرفوا النفي ، وكانوا يعطون الحزب مالا ولا يسرقون أموال الحزب...
أعيدوا هذا الزخم وهذا التاريخ . لا شيء مستحيل أمام من يملك هذا التراث البطولي .وسوف ترون أن كل المتطاولين على وحدة الحزب ومع مجرد بقاء الحزب ، هم غلمان مشاغبون وفقاعات صابون !!
نبيل عودة – كاتب وناقد واعلامي فلسطيني - الناصرة
nabiloudeh@gmail.com


ليست هناك تعليقات: