الاثنين، مايو 21، 2007

الصحف اللبنانية: قراءات متضاربة لمواجهات الشمال


رامي رحيّم

بي بي سي - لندن
فور انتهاء المواجهة العسكرية دخل لبنان في حرب إعلامية لتحديد حقيقة ما جرى يوم الأحد.
لا جديد، طبعا، في أن لكل طرف حقيقته، وفي أن القراءات المتضاربة التي تقاذفتها الصحف اللبنانية تكاد توحي بأن الحدث حدثان، وبأن كل صحيفة تتحدث عن شيء مختلف تماما عما تتناوله الأخرى.
ماذا جرى؟
شهد لبنان يوم أمس معركة طاحنة بين الجيش اللبناني من جهة ومقاتلين في تنظيم إسلامي يعرف بـ"فتح الإسلام" من جهة أخرى، أدت إلى وقوع عشرات القتلى من الجانبين.
تكاد تكون هذه الحقيقة الوحيدة التي يتفق عليها الجميع.
أما فيما عدا ذلك، فباب الاجتهاد السياسي والأمني مفتوح على مصراعيه. أسئلة المعارضة
إذا صدقت رواية الصحف المعارضة، نحن أمام فشل لبناني كارثي، يتمثل بالآتي:
· تقصير استخباراتي في تقدير حجم منظمة فتح الإسلام.
· تقصير أمني في التنسيق بين الأجهزة الأمنية المختلفة، ما أدى إلى "مذبحة" تعرض لها الجيش.
· إهمال مزمن لأبناء منطقة الشمال، السنة تحديدا، الذين باتت السلطة بالنسبة لهم "تساوي القمع".
دعوات "الشيخ" بن لادن
تحت عنوان "الإهمال وانسداد الأفق...انفجار لكن ليس لمرة واحدة" كتب فداء عيتاني في صحيفة الأخبار المعارضة أنه "كان يمكن ببساطة التكهن بأننا سنصل إلى هنا لو القينا نظرة على طرابلس وحرمانها وأوضاعها السياسية المتشنجة."
الكاتب أشار إلى أن "المجموعات القتالية من الشبان الوهابيين تفوق قدرة أي تنظيم على استيعابهم"، وإلى أن "العرض يفوق الطلب".
ويمضي قائلا إن "لا خدمات إجتماعية، لا ماء ولا كهرباء، ولا أعمال ولا وظائف ولا ضمانات بسيطة لحياة مئات الآلاف من السنة في طرابلس وعكار وفي المخيمات الفلسطينية."
ووفق الكاتب، فإن المراهقين "الوهابيين" المهملين "يغرقون في الأقراص المدمجة التي تحفظ رسائل تنظيم القاعدة...ودعوات "الشيخ" أسامه بن لادن إلى القتال والجهاد."
الأزمة، إذا، لبنانية بجوهرها: شبان لبنانيون يعانون من الحرمان والإهمال، استهدفتهم حملات دعائية أصولية واستغلت عداءهم للدولة اللبنانية التي تخلت عنهم.
وتذهب الصحيفة بعيدا في إدانة تيار المستقبل الذي يتزعمه سعد الحريري.
تحريض وانفلات؟
المحلل المقرب من حزب الله ابراهيم الأمين يشدد على أن غالبية مقاتلي فتح الإسلام هم من اللبنانيين، ويشير إلى أنه "جرى لفت انتباه قوى أمنية رسمية تعمل في فلك تيار المستقبل إلى وجوب أخذ الحذر من التعبئة المفتوحة على أفق طائفي ومذهبي."
ونبه إلى ضرورة "الأخذ في الحسبان أن أهداف هذه المجموعات لا تقف عند حدود العداء للشيعة."
المقصود، إذا، تحميل تيار المستقبل جزءا من المسؤولية عن تحريض وتعبئة الشبان السنة في الشمال لاستخدامهم في المواجهة السياسية ضد حزب الله، والإشارة إلى أن هؤلاء الشبان قد تفلتوا من سيطرة "المستقبل" وباتوا يتصرفون باستقلالية عنه.
"إخفاق أمني"
بدورها صحيفة السفير المعارضة هاجمت ما اعتبرته اخفاقا في التنسيق بين الأجهزة الأمنية، ما أدى إلى "ارتكاب مجزرة بكل معنى الكلمة" ضد الجيش.
وأشارت الصحيفة إلى ان القوى الأمنية كانت قد قررت تنفيذ مداهمات محددة، لكن الجيش في هذا الوقت لم يكن على علم بما يجري، ما أدى إلى "ذبح عشرة من عناصره وهم نيام، وقيل إن بعضهم قطعت رؤوسهم."
وسألت الصحيفة: "من يتحمل مسؤولية سقوط دم لبناني؟" و"هل كان يمكن تفادي تلك المجزرة الفظيعة التي أصابت الجيش اللبناني؟"
تجدر الإشارة هنا إلى أن صحيفة النهار نقلت عن مرجع سياسي تأكيده على أن قوى الأمن أبلغت "فورا" الجيش بأنها على وشك القيام بعملية تستهدف فتح الإسلام.
وركزت صحيفة السفير أيضا على ما اعتبرته فشلا استخباراتيا، إذ أشارت إلى أنه "لم يتمكن أحد حتى الآن من تقديم رواية...عن الجهة التي "فبركت" وساعدت على هذا النمو القياسي لفتح الإسلام وجعلتها في غضون أقل من ستة أشهر منظمة قادرة بالعشرات من عناصرها على شل عاصمة لبنان الثانية ومحاصرة الجيش اللبناني ."
كما أشارت الصحيفة إلى أن المنظمة اتهمت بالضلوع في تفجيرات "عين علق" في شباط / فبراير من هذا العام، متسائلة عن كيفية تمكنها من النمو وهي "تحت عين القوى الأمنية".
وذكرت الصحيفة أيضا "الامكانات المادية الهائلة" للتنظيم التي خولته شراء شقق وتخزين الذخائر وتجهيز مجموعات "مدربة ومحترفة جدا.
" نظرة "المستقبل"
عنوان صحيفة المستقبل كفيل وحده بكشف عمق الاختلاف في قراءة ما جرى يوم أمس:
"الجيش والقوى الأمنية يتصدون ببسالة لاعتداء النظام السوري شمالا"
وفق الصحيفة، فإن الجيش قام بـ"عمليات عسكرية ناجحة ضد عصابة فتح الإسلام".
ما جرى هو أن نظام بشار الأسد "وضع تهديداته ضد لبنان على مشارف إقرار مجلس الأمن للمحكمة الدولية موضع التنفيذ....وأطلق العنان لعصابة ما يسمى فتح الإسلام الإرهابية للاعتداء على الجيش وقوى الأمن."
واعتبرت الصحيفة أن محاولات الأسد أعطت "كالعادة نتائج عكسية تجلت ليس فقط في الاستنكار الكبير بل في الالتفاف الشعبي والمدني الواسع حول الجيش والدولة والاصطفاف خلف الحكومة الشرعية في تصديها للعبث بالأمن."
اللبنانيون توحدوا، وفق "المستقبل"، "ضد الفتنة وضد تفجير الاستقرار واستهداف موسم الاصطياف وقبل ذلك وبعده التمسك بإقرار المحكمة لإخراج البلد من دوامة الإرهاب المستمرة."
كما هاجمت الصحيفة قرار النظام السوري الذي وصفته بالـ "الفضيحة" بإغلاق حدوده الشمالية مع لبنان، وقد "كشف (النظام) وجهه لا بل دوره في ما يجري، فعوض أن يتعاون مع لبنان في مواجهة هذا الظرف الخطير حاول قطع الطريق على عناصر هذه المجموعة الإرهابية من خلال إغلاق الحدود كي لا يتمكنوا من العودة إلى سوريا بعد أن كان صدّرهم إلى لبنان للقيام لأعمال إرهابية باتت معروفة للجميع."
باختصار، فإن نظرة الصحيفة المؤيدة للحكومة اللبنانية أقل تعقيدا من نظرة صحف المعارضة، كما أنها أكثر ارتباطا بالسياق الإقليمي:
ما جرى هو عبارة عن محاولة جديدة للنظام السوري لعرقلة قيام لبنان مستقلا عن الوصاية السورية، وبشكل خاص محاولة لمنع قيام المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة مشتبهين باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.
ويأتي توقيت أحداث الأمس، في وقت يكثر فيه الكلام عن استعداد مجلس الأمن لإقرار نظام المحكمة ذات الطابع الدولي، ليعزز اعتقاد الموالاة في لبنان بوجود رابط وثيق بين أية أحداث أمنية وموضوع المحكمة.
فالمحكمة، وفق هذه القراءة، تقع في صلب هذه الأحداث لأنها تشكل بالنسبة لنظام الأسد مسألة حياة وموت.
معلومات ميدانية
أما صحيفة "النهار" المؤيدة للحكومة فذكرت نقلا عن مرجع سياسي قوله إن السلطات اللبنانية عثرت على جثة المسؤول الثالث في فتح الإسلام أبو يزن.
وقالت الصحيفة إن أبو يزن "هو المسؤول المباشر عن التفجير المزدوج لحافلتي الركاب في عين علق."
وذكرت الصحيفة أيضا أن جثة أخرى من الجثث التي عثر عليها هي "للمسؤول الذي يليه في التراتبية الحزبية ويدعى صدام ديب. وتبين من التدقيق في هذه الجثث ان قتيلين كانا قد زنرا جسديهما بأحزمة ناسفة."

ليست هناك تعليقات: