الثلاثاء، مايو 08، 2007

... وقلب النسر هم السريان!


جورج الياس

عاد النسر وفي لبنان

صار لنا وطن وكيان
ولنا النهر ولنا البحر

من آرام الى كنعان
فالصحراء جناح النسر

وقلب النسر هم السريان

لدى سماعي النشيد القومي للسريان-الآراميين لأول مرة، استوقفني شعور كامن في الاعماق لا يوصف، لما لهذه الكلمات من وقع وتأثير وارتعاش في الجسد والروح!! شعور اخذ السهاد مني فدعاني واجب الاندفاع والايمان بالكلمة والتاريخ المسطر بدماء الابرار والقديسين! لأقول:

هي ليست مجرد كلمات جميلة والحان منمقة وقافية موزونة فحسب،انما حروف وانغام ملأى بالثورة والعاطفة والحقائق، تلخص مسيرة آلاف السنين من تاريخ هذا الشعب الحي، الذي عانى شتى انواع القتل والتهجير، وارتكبت بحقه مجازر تقشعر لها الابدان، من عصر المغول والفرس والتتر والسلاجقة الى عصر الاسلام العرب والمماليك والعثمانيين والاتراك... حيث قدموا مئات الآلاف قرابين على مذبح الحرية والشهادة والايمان والتعلق بالارض والانسان...
الى ان جاءت المذبحة الكبرى والمروعة بين عامي 1914- 1918 حيث ذبح في تركيا اكثر من نصف مليون سرياني-آرامي!!

نعم، في لبنان صار لهم "شيىء" من الوطن والكيان، فذاقوا معنى الحرية ولمسوا معاني الحياة، وكان لهم وطنهم الصغير وملاذهم الآمن. هم ابناء هذا الوطن وهم لبنانيون اصيلون، وانطلاقا من بلاد كنعان سيأتي يوم ويعود المجد الى ارض آرام العابقة باريج العزة والعنفوان... ونأمل كما يأملون اقامة وطن على اتساع احلامهم وتطلعاتهم وعمق جراحهم وقوة صبرهم وايمانهم.


اشعلنا الضوء على الكتب

صارت اجراسا من ذهب
عمرنا جسرا من آثينا

الى بغداد الى الشهب
نبضت بالحق مدارسنا

فنقلنا العلم الى العرب
وعلى انوار حضارتنا

كبر الشرق وصار نبي

في هذا المقطع من النشيد تتقزم التضحيات وتصغر الكبائر! وتنحصر بهم وبتاريخهم المضيء وعصرهم الزاخر بالعلم والادب . السريان شعب تمسك بالكنيسة والدين المسيحي واجتهد في نشر التعاليم، وبرز منهم عدد هائل من الفلاسفة والكتاب والادباء والمؤرخين... ممن اغنوا المكتبات والتراث والبشرية من الشرق الى البلقان ومصر وآسيا الوسطى وصولا الى ابواب روما غربا واسوار الصين شرقا!!

ولا يسعني ان اعدد مشاعلهم وبيارقهم، لان الصفحات لا تتسع لاسمائهم واعمالهم... انما من منا لا يعرف مار افرام البستاني مثلا ولوقيانوس السمياطي ونرساي ومار يعقوب السروجي وتتيانوس وبارديصان... الخ

فهم اول من اسس المعاهد العلمية في الرها ونصيبين وانطاكيا وغيرها.. وبنوا الاديرة والمدارس والمعاهد والمؤسسات التي خرج من تحت قبتها عباقرة واساطين..
حقا بحضارتهم وثقافتهم اصبح الشرق نبي الافكار والآداب والعلم بكل تفرعاته...
نعم كانوا جسرا من اثينا ام الفلاسفة الى بغداد ام العلوم والشعراء حتى وصلوا الى النجوم والشهب! اشعلوا الضوء على الكتب تصحيحا ونقلا وترجمة وتفسيرا الى عدة لغات... فالسيد المسيح تكلم الآرامية والشرق القديم اخذ منهم لسان الآرامية والسريانية والارمنية والعبرية...

من نصيبين ومن حران

حملنا الحب الى لبنان
والرها راحت تنشده

وطنا للحق والانسان
صهلت خيل الفكر هنا

سمع الشرق صهيل الحصان
لا يعرف معنى للحرية

من لا يعرف كيف تصان

نصيبين وهي مدينة تركية قرب الحدود السورية (حاليا) كانت مركزا للآداب والعلوم! وطبعا في عهد السريان وعلى ايديهم ولدت حضارة نصيبين واهميتها التاريخية، قبل ان يحتلها العرب وتصبح (لا شيء)!! مثل بقية المدن التي كانت منارة بوجود اهلها السريان فيها، فصارت اليوم ساحة للقتل والارهاب ومرتعا للتخلف والفقر، وبؤرا للفساد والرجعية والتعصب الديني الأعمى!

اما حران موطن ابراهيم الخليل، كانت في عهد التاريخ السرياني شعلة في الثقافة وعلوم الفلك والرياضيات... وكم كان للسريان فضل في صناعة الفلاسفة والاطباء! وصولا الى اقدم مدن الشرق عاصمة الامارة السريانية في بلاد ما بين النهرين مدينة الرها الجوهرة الساطعة في مسيرة الحضارة والعلوم الدينية والفلسفة وغيرها..

نعم ! لولا صهيل الخيل "الفكري والحضاري" لما سمع الشرق بالتقدم والازدهار! فكان لهذا الصهيل ولذاك "الحصان السرياني-الآرامي" فضل على الانسانية في الشرق لا يمكن ان يتنكر له احد او ينقضه ناقد! وكما انتهى هذا النشيد المعبر" لا يعرف معنى للحرية من لا يعرف كيف تصان!.

فالحب الذي زرعوه في تراب لبنان ازهر حرية وكرامة ، فقد صانوا حرية العبادة وحرية البقاء وحرية العلم وحملوها معهم في هجرتهم وفي شتاتهم، ونامت تلك الحرية تحت جفونهم! وصحت بصحوتهم فكانت قوتهم اليومي وذخرهم الى الابد!

هدفنا اليوم احياء دولة آرامية مستقلة على ارض آرام التاريخية الخالدة، واستعادة الحقوق المسلوبة ، وانقاذ التراث واعادة المجد والعزة...

فالى العالم الحر نتوجه ومن الامم المتحدة نطلب ومن كل احرار العالم، ان يجعلوا للشعب الآرامي دولة وكيان ! ولما لا ؟! وهم من اعطى العالم نورا وعلما وحضارة لا تفنى!
فالتاريخ خير شاهد.. وفضلهم على الشرق وشعوبه سيبقى مدى الدهر!!


كاتب ومحلل سياسي

ليست هناك تعليقات: