الخميس، ديسمبر 10، 2009

برامج التصفية

رامي سليمان الدهشان
الوقت الحالي بالذات يعتبر من أشد المراحل صعوبة وتصلب في المواقف , كونه لا يعبر إلا عن تنفيذ مشاريع وخطط تهويدية تستهدف بالدرجة الأولي القدس الشريف يلها الضفة الغربية .

وهذا ليس من الغرابة بمكان , إذ أن الكل الفلسطيني باختلاف توجهاته يدرك مجريات الأحداث .

اختزال القضية بشموليتها بقضية المستوطنات وتوسعها الغير شرعي , والحديث عن أفق محدد لعملية السلام كما حدده محمود عباس بشرط وقف الاستيطان لاستكمال المنحي التفاوضي رغم أن صائب عريقات خطئه بقوله " أن الفلسطينيين ارتكبوا خطأ فيما مضي بالموافقة على التفاوض مع إسرائيل دون إصرار على وقف بناء المستوطنات، وإنهم لن يكرروا هذا الخطأ هذه المرة", يعد مرحلة جديدة ضمن سلسلة الإسقاط المبرمج للجغرافيا والتاريخ والمستقبل الفلسطيني .

اليمين الإسرائيلي المتطرف يؤمن بالعديد من القضايا , ويتجذر إيمانه عند الحديث عن القدس وأراضي الضفة كونها أراضي لليهود , لدرجة أن بناء المستوطنات لا يحتاج لقرار سياسي رفيع المستوي , وإنما يكفي توقيع رئيس بلدية لبناء المزيد من الوحدات السكنية .

هذه الصورة تأخذنا للتفكير ملياً بصناع القرار الحقيقيين وما أثر المياه التي تسير من تحت أقدامنا .

فهناك إدارة أمريكية مخادعة قد سحرت بجمال الخطاب السياسي والنوايا الطيبة العالم بأسره , وأسلفت بالقول سابقا عندما توالي أوباما منصبه في مقال سياسي أنه "يستغفل المسلمين" , إلا أن العديد لم يهمه الأمر.

فهي إدارة تعني بالدرجة الأولي ضمن أولوياتها بقضية الحرب على أفغانستان والملف النووي الإيراني والعراق وجدولة الانسحاب منها وباكستان , لذا فإن فلسطين لا تأخذ من حيز التفكير جانبا مهما .

وبطبيعة الحال عدم التفاؤل بذلك الاهتمام الغربي كله يعد من أسلم الطرق , فما تم خلال اللقاء الذي جمع كلا من نتنياهوا ووزير خارجيته والرئيس أبو مازن بواشنطن بضيافة رئيس الولايات المتحدة يدلل على ضعف الإدارة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية باتخاذ قرار بسيط لوقف البناء من جهة , وضغط اللوبي الصهيوني لتمرير المشروع اليميني المتطرف لاستكمال البناء من جهة أخري كأنا بين المطرقة والسندان .

ونقرأ من الخطاب المتشدد والإهمال الأمريكي إلي جانب تخاذل النظام العربي وتوسع هوة الانقسام الفلسطيني , أن القدس في تلك المرحلة أو التي تليها على أبعد تقدير ستهود , صحيح أن المصيبة جلل والأمر يصعب استيعابه , لكن الحقيقة المرة لا ينبغي تجرعها عند التهويد فقط كما تم وأحرق جزءا من المسجد الأقصى سابقا وعندها قامة الدنيا وقعدت بعد إخماد الحريق .

فتوسع البناء واعتبار القدس بما فيها الشطر الشرقي عاصمة أبدية لليهود , كما ابلغ نتياهوا عباس بان" القدس ستكون العاصمة الأبدية والموحدة لإسرائيل وقضية اللاجئين لن تطرح للمناقشة ودولتنا ستكون منزوعة السلاح وإنه علينا الاعتراف بالدولة اليهودية وإنها لن تكون حدود 1967م وإن المجال الجوي سيكون خاضعا لسيطرته", وسياسة إملاء الشروط , والرفض الصهيوني للمقترحات الغربية بأن الدولة الفلسطينية عاصمتها القدس الشرقية , كله من قبيل التصفية المبرمجة والعزل التام عن القضايا المصيرية , ودليل ذلك عندما قرر ليبرمان منع تدريس الفلسطينيين أي مقرر يتحدث عن القدس خاصة أو فلسطين عامة .

والمطلوب أما تلك العنجهية بلورة رؤيا فلسطينية جديدة .

فما تؤمن به حماس أمام ذلك التصلب لم يعد يخدم تلك المرحلة الخطيرة , فسقف حدود عام 1967م المرحلي ضعيف جدا , فقد جعل من الإسرائيليين يفكرون بأحقية الجزء الكبير المحتل , والعمل على التوسع وضم المزيد من الأراضي , وهو واضح بالفعل سواء عقائديا أو واقعيا , وبناءا على الفكر الصهيوني هذا وأنه لا يجابه إلا بالنار , فرفع سقف المطالب إعلاميا وفعليا للمطالبة بفلسطين كاملة من النهر إلي البحر يخلق نوع من التراجع الإسرائيلي , إلي جانب إحداث هزة سياسية على المستوي الدولي لصالح الفلسطينيين.

فهم لا يتعاملون بعقلانية إلا بلغة الحق والقوة التي يجب أن تنتهج سياسيا , ولا ننسي لغة الوحدة التي ضاعت في أتون الخلافات بين الحزبين حماس وفتح .

وعلى القيادة الفتحاوية أن تتراجع عن سقف المطالب الحالي بالمطالبة بوقف بناء المستوطنات , فلن يجدي نفعا , فما يقارب العقدين من التجربة التفاوضية تلك لم تحقق نتيجة , والمطلوب التفاوض على أسس محدد ومقبولة فلسطينيا وبمرجعيات متفق عليها , لا أن يتم بمزاجية المنظومة الدولية أو ما يسمي طبيعة الواقع الدولي , فما حدث في غزة بتواطؤ واضح وصريح يعطينا مؤشر واضح لتغير الإستراتيجية تجاه كل القضايا لصالح الشعب الفلسطيني بحنكة وذكاء , بحيث لا نخسر الدول من جهة , ونحقق أكبر قدر ممكن من النتائج من جهة أخرى.

وأسجل هنا استغرابي واستهجاني لما يدور من حولنا ونحن ما بين المغيب والميت , فقوي الشر حددت مصير العالم العربي واستطاعة أن تعزل القضية الفلسطينية عن محيطها العربي والإسلامي نهائيا , وتسعي في كل مرحلة إلي تنفيذ المخططات التدميرية , بهجمات ممنهجة تفت في عضد العالمين داخليا وخارجيا .

فكيف نتوجه لعالم ساد واستشري فيه الظلم والفساد , وحقوق الضعيف تسلبه تلك الأنظمة الدولية الطامعة ؛ كل ذلك ونحن تائهين ما بين أحزاب بأيدلوجيات متعددة وأساليب تحررية منها المشروع والمقاوم وأغلبها يبرر الوسيلة للوصول إلى الهدف .

وتلك الفوضى الأيدلوجية مؤثر حقيقي وعائق أمام تحرير فلسطين , ولتحرير الأرض وطرد اليهود , فما لنا إلا السيف والقلم .

والكثيرين من الممكن أن يعتبرها رؤية بسيطة موضعها ما بين دفتي الكتب , إلا أن التحليل السياسي المجرد من إيجاد الحلول خاصة للقضية الفلسطينية , اعتقد أنه لا يؤدي إلى نتائج ملموسة ؛ وذلك لأجل تخطي برامج التصفية المتراكمة وعلى رأسها إعلان الدولة من جانب واحد , لأنه يؤكد على حدود الرابع من حزيران لعام 1967م وينفي ما قبله , ويرسم الحدود بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبذلك نكون قد أعطينا اليهود هدية مجانية بالاعتراف بهم كدولة لها الحق بالعيش في سلام , ليصبح الدفاع عن النفس تجاه أي محاولة فلسطينية أو عربية لاسترداد باقي الأراضي المحتلة عملية احتلال لأرض يهودية , لتنعكس النظرية تماما من محتل للأرض إلي مالك شرعي .

وبالتالي المطلوب من باقي الدول الغير مطبعة مع الاحتلال أن تلتزم بالتطبيع إلي جانب الفلسطينيين , ويصبح مفهوم الاحتلال لأكثر من 80% من الأراضي في خبر كان .

لكن اليمين المتطرف لا يفهم إلا لغة سحق الوجود الفلسطيني والعربي المستوحاة من تيودور هرتزل ولا يريد لا دولة ولا أدني الحقوق , وهذا تصلب وغباء واضح وتطرف يدفعنا للتساؤل عن مدى جدوى التفكير السياسي الحالي وطلب الاعتراف بدولة فلسطينية "قابلة للحياة" من مجلس الأمن الذي صنع الفيتو من أجل مصالح اليهود ؟.

لذا من المهم جدا صياغة التوجهات السياسية من كل الأطراف للأفضل وبما يخدم مصالح الشعب الفلسطيني الذي طال انتظاره.

Ramy.political@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: