الأربعاء، ديسمبر 16، 2009

على هامش انتخابات نقابة الصحفيين وشيخوخة القيادة العربية

محمد فوزي عبد الحي

العاملون بالصحافة المصرية – شئنا أم أبينا – ينتمون إلى ما يحلو للكتاب العرب دعوته بالنخبة، وغني عن القول أن النخبة المصرية – بحكم التعداد السكاني والمؤسسات التعليمية الكبيرة - تمثل جمهرة النخبة العربية، والتي يعلق العرب والمصريون عليها أمل التغيير الذي بات قضية الجيل العربي كله، إلا إن النخبة المصرية تسير بها وهي مثقلة بهموم وآلام وقلاقل عدة على كافة المستويات الشخصية والجمعية للأمة بدءا من لقمة العيش وتدبير تكلفة الحياة وعبورا بنكبة المد القومي وانهيار التجربة الإسلامية وأخيرا بكابوس التوريث المنظور.

وهكذا يعيش هذا الجيل محنة القوميين بمختلف جذورهم ومنطلقاتهم الفكرية ومرجعياتهم الحضارية في مصر والعراق وسوريا وليبيا، وتعتصره نكبات الإسلاميين في الباكستان وبانجلاديش والسودان والجزائر والصومال وأفغانستان.

وإذا كانت انتخابات نقابة الصحافة عجرت عن اختيار بديل جديد يقود انتفاضة صحفية وفكرية جديدة ويوائم متطلبات المرحلة القادمة التي بدأها المصريون واستعدوا لها بأسلحة تختلف اختلافا كليا وتمتد من بيع الكلى والتبرع المدفوع بالدم وبيع الأولاد للأجانب مقابل مبالغ معلومة من المال ومرورا بشحنات القمح والأغذية والاسماك واللحوم وشيكة الانتهاء أو منتهية الصلاحية ووصولا لتجارة المخدرات والسلاح والتنقيب والتهريب المنظم للآثار – إذا فشل النخبة في إبراز دم مصلح جديد يرمي بفترة الولاءت والاستجداءات ويبدأ مرحلة الحقوق والتحرر، فهل هناك من أمل في إيجاد قيادة جديدة لمصرنا الحبيبة؟

إن نجاح النقيب السابق يعد علامة على الداء المستشري في العقلية المصرية (والعربية) المعاصرة، هذا الداء الذي يلمسه كل نابه من رؤسائه، وكل نابغة ممن هم أقدم منه، وكل مبدع تلقي به الأقدار بين المقلدين والغافلين .. هذا الداء مرض شائع يعبر عن شيخوخة مصر (والعرب) العلمية والسياسية والعسكرية والفكرية، تلك الشيخوخة التي توشك أن تقضي على مقدراتنا الذاتية ومواردنا الطبيعية وموروثاتنا الحضارية..

الاستاذ مكرم محمد أحمد قيمة كبيرة ومحل احترام من الجميع، وفي هذه اللحظة نهنيه بمقعد النقيب، ولكننا كذلك نخبره أنه لو شغل كل فرد مقعد القيادة بهذه الصورة فإن ملايين القادة سيموتون دون أن يسمع عنهم أحد..

إنني – أزعم – ولعلي مخطيء أن ما يحدث في مصر حالة لا وجود لها في العالم المتقدم، إنها حالة من الاستعمار الشيخوخي للأجيال المتتالية، حالة من الاستبداد الشيخوخي دون سابقة تاريخية، وفلسفة من الحقد الدفين ضد مواهب الأمة، ففي الحين الذي نرى فيه حيوية أوباما (47 سنة) تقود أمريكا بينما قاد ساركوزي فرنسا وهو في الثانية والخمسين، وقاد كيفن رود أستراليا وهو في الخمسين من عمره، وقاد نتانياهو - رئيس وزراء الكيان اليهودي الحالي - لأول مرة وهو في السابعة والأربعين من عمره أيضا وذلك عام 1996، فإن العرب من أهل العقد السابع والثامن يصادرون حقنا في القيادة، ويقضون على آمال الأمة في التعافي من داء التوريث الأموي الذي توارثته الأسر الطاغوتية الحاكمة وألصقوه بحضارة الإسلام وأحبطوا به تطور علم السياسة الإسلامي وقضوا على نمو الاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية عبر القرون، وجعلوا من شروط الإمامة والاستحقاقات القيادية المدروسة فقهيا أمرا نظريا لا وجود له، كما أنهم أحبطوا ثورة العلم الإسلامي وكانوا حجر عثرة منع ظهور النهضة العلمية التطبيقية الحديثة على أرض الإسلام.

وهذا الاستبداد الشيخوخي، والذي عادة ما يحرث بذور التوريث وتترعرع في بيئته محاصيل الفساد والجور والسجن الداخلية، إلى جانب آفات التبعية وسياسة الذيل الخارجية - لا يجد موضع قدم في كتاب الاستحقاق الفكري والتارخي، لأن إخفاقات القيادة العربية لا مثيل لها على مدار التاريخ السياسي والفكري والعلمي إلا إذا استثنينا ممالك الطوائف في الجانب السياسي فحسب.

إننا إذ نتقبل نتيجة الانتخابات وبعد مرارة الشكوى التي لهج بها الأستاذ ضياء رشوان، من مساندة شيوخ الصحافة الأموية المملوكية لظاهرة الشيخوخة العربية، أجد أنه من نافلة القول أن ما يريده الشيوخ لا بد واقع، ولا عزاء للمستقلين والنابهين والمبدعين سواء أكانوا علماء أو كتابا أو غير ذلك، وعلى نموذج الأستاذ ضياء أن يدرس مراحل تدرج (وليس تطور) المسلسل القيادي العربي والذي يعرف حتى أطفالنا نهايته، وأنا واثق أن مواهبه الفكرية وقدراته كمفكر وكاتب وإنسان يمكن أن ترشحه لما هو أكبر من ذلك بكثير إذا آمن بنظرية الشيخوخة، وركب الموجة الأموية العربية المعاصرة..

باحث ومترجم – مصر
FAQEEH2LIFE@YAHOO.COM


ليست هناك تعليقات: