السبت، ديسمبر 19، 2009

القدس عاصمة العشق الأبدية

سامح عوده

القادمون من تحت أطياف الشمس يغزلون عباءتها من أرواحهم..

هي المعشوقة الكنعانية، لها تغني الروح أنشودتها، كترانيم الصباح..

هي القدس، وهي البسمة الضائعة كخيال على جدار.. في شوارعها العتيقة ألف حكاية وحكاية.. ومن على أسورها عبر الموحدون، مدينة يركعُ المجد لها، وفي محرابها صلى الأنبياء، فيها مساجدٌ وكنائسٌ توحد الله، وذا ما نظرنا إليها من بعيد سنجدُ أن حكمة الرب شاءت أن تشكلها مدينة في أحشائها، تاريخ، وثقافات، هي قبلةُ الموحدين، ومرتعٌ للطامعين، الغاصبين ..!!

على مدار هذا العام اختيرت القدس لتكون عاصمة للثقافة العربية 2009 م، وعلى مدار العام قدمت فعاليات ونشاطات ثقافية داخلياً، وخارجياً، وقد روت تلك الفعاليات جزءاً من تاريخ القدس، فأعادت الذاكرة إلى المربع الأول، كيف كانت ؟ وكيف عاشت ؟ وكيف أصبحت ؟ مطوقة بجدار ..!! على مدار العام شكلت الأنشطة فعلاً حيوياً لمن هم في اكنافها، وللذين تفصلُ بينهم وبينها حدود، وأسلاك شائكة، وجدران.

قبل أيام قليلة أسدل الستار عن القدس عاصمة للثقافة العربية للعام 2009، وبحضور رسمي فلسطيني كان على رأسه الرئيس محمود عباس، وبمشاركة عربية خجولة ..!! لستُ ادري إن كانت كلمة خجولة تليق بهذا الحضور أم لا ؟ ربما يليقُ بهم كلمة أخرى لكن حدود الأدب لا تسمح ..!!

رغم أن الاحتفال الختامي للقدس عاصمة للثقافة العربية كان صاخباً، وله بريق فلسطيني خالص، إلا أن غياب المستوى الرسمي العربي أكثر ما أرقنا، تابعتُ الأخبار علني أجد عذراً لمن غابوا قاصدين ..!! فلم أجد إلا غياباً مقصوداً يعبرُ عن خبث ودهاء ..

عدت بالذاكرة إلى الوراء عام مضى، أو أقل بقليل فوجدت أن أبناء العروبة كانوا غائبين، لقد وعودا الفلسطينيين قبل أن يتم الإعلان عن القدس عاصمة للثقافة العربية 2009 م، بالكثير، مادياً، ومعنوياً، ففي الجانب المادي وعدوا بمشاريع في مدينة القدس، وتغطية مادية لإجمالي الفعاليات التي سوف تجري على مدار العام، داخلياً وخارجياً.. في المشاريع لم ترَ القدس من " الجمل إلا عشر أذنه "، وعلى مستوى الفعاليات والنشاطات, ما قدم اقل من ذلك بكثير، الأمر الذي دفع بإدارة الاحتفالية إلى شطب التنازل عن العديد من الفعاليات داخلياً، وخارجياً، وبذا تم المضي قدماً ببرنامج ٍ متواضع يتناسبُ وحجم الإمكانيات ، مع " العض على الجرح قليلاً " حتى يستمرُ القطار في دربه الطول، مخترقاً كل الصعاب بهمة عالية ..

الكثيرون ممن تابعوا الاحتفالية منذ انطلاقها وحتى اختتامها أكدوا ذلك، ومع ذلك فقد تجاوزنا كل الإخفاقات التي واجهتنا، وبحثنا عن الإبداع الذاتي في شعبنا، فوجدنا فيه الخير، والقدرات الهائلة، بل بالعكس فجاءت فعاليات العام طيبةً كرائحة الزعتر، راسخةً كجذور الزيتون، ولم يطفُ عليها رائحة النفط اللعين ..!! لكن الغياب عن الاحتفالية الختامية لم يكن مبرراً، وهذا ما أراه يعكس نوايا خبيثةً، ترك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة الاحتلال، وكأن القدس لم تعد تعنيهم بشيء .

وبالمقابل كان العام 2009 م لافتاً، فقد تمادى الصهاينةُ في طغيانهم، فهودوا المدينة، ودمروا البيوت، وهجروا أهلها عنوةً، وعاثوا في المسجد الأقصى وقبة الصخرة خراباً، فمن يمنعهم ومن يتصدى غير الصدور الفلسطينية العارية؟ وهم يرون العرب قد تخلوا عن أبسط واجباتهم ، لقد ظهر الفنان التونسي لطفي بشناق الذي شارك في الاحتفالية الختامية في إحدى اللقاءات الصحفية مستهجناً الصمت العربي حيال ما يجري في مدينة القدس، وفي فلسطين قائلاً " أستغربُ صمتهم عن جدار العار العنصري، في فلسطين وخارجها لم يرقَ الدعم العربي والمشاركة العربية إلى المستوى المطلوب ، هذا الأمر مخجل للغاية " ، وأما د.فارسن آغابيكيان مديرة المكتب التنفيذي لاحتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية 2009 فقد عبرت عن الإحباط الذي عم القائمين على الاحتفالية من ضعف التمثيل العربي... في وقت تحتاج فيه القدس لكل الدعم المعنوي والمادي من الدول العربية لوقف محاولات طمس الهوية التي تتعرض لها المدينة, هذا غيث من فيض مما جرى ويجري من تقصير بحق المدينة المقدسة، وهذه نماذج مؤلمة تبين كيف يتخلى العرب عن دورهم الديني والأخلاقي تجاه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين .

ولأنها المدينة الحبية، حبة العين التي لا يمكن أن نفرط بها مهما تآمر المتآمرون، وتخاذل المتخاذلون، ستبقى القدس بمكانتها الدينية والتاريخية عاصمةً لعشقنا الأبدي، لان بوصلتنا لن تتوجه إلا نحوها.. أما هم " العرب " فليفرحوا بعارهم، وتخاذلهم، والتاريخ لن يرحم من تواطأ تارةً تحت ستار الجبن، وتارةً تحت ستار الخبث، وأما وقد أسدلَ الستارُ عن القدس عاصمة الثقافة العربية 2009، فإننا نحن الفلسطينيون سنحرس المدينة بماء العيون، ونحفظها مهجةً للروح لأنها عاصمة عشقنا الأبدي الذي وصلنا معه حدَّ التوحد ..!!

ليست هناك تعليقات: