الثلاثاء، ديسمبر 29، 2009

ثمة نور في آخر النفق

سامح عوده



من على شرفات العام الجديد، رسالة وفاء إلى وطني

ليكن نهاركَ أيها الوطن، وليكن هواءك، وترابكَ، وأهلك بخير وفي أحسن حال،

..!!

أتمنى أن تصلك رسالتي هذه قبل أن تتجه عقارب الوقت إلى العام الجديد؛ وأنت

وطـــني الحبيب :

كنتَ مشرقاً دائماً، وستبقى كذلك، ليقيني أن جسدكَ المثخنُ بالجراح, جراح الأحبة، وجراح الأعداء. الذين منعوا شمسكَ من السطوع ..!! لذا كن بخير دائماً لأنني أركَ في أجمل صوركَ، مشرقاً بهياً، بهيئة ملاك رباني طاهر، ولولا ذلك لكنتَ اسماً عبر كباقي الأسماء، التي مرت في عوالمنا كطيف للحظات واندثرتَ، أما أنت فنحن على يقين أمك راسخاً لا نموت، ولذلك فقد نقشناك في الذاكرة، على جدران القلوب، حتى لا تتمكن عوامل التعرية، والمناخ، التي يحاول المتآمرون فرضها علينا من بلاد الثلج إلى بلاد السجاد ..!! فكل محاولاتهم ستبوء بالفشل،لأنك الحقيقة الباقية، والروح الباقية، فهل يحيى الجسدُ بلا روح.

"انتهت الرسالة "

أدركُ تمامًا أن الحالة الفلسطينية معقدةٌ، وأن الصورة قد تداخلت فيها الألوان فما عدنا نميزُ بين الأبيض والأسود، وقد تداخلت خطوط الفرشاة فيها طولاً وعرضًا، ولم تعد ناصعةً كما كانت.!

وأدركُ أيضاً أننا لسنا في الجنة، إننا في فلسطين- سيدة البدايات والنهايات- وان ما يجري على ارض الواقع من انقسام بغيض،حمل شعبنا ويلات ستبقى لسنوات أخرى قادمة، واحتلال لعين، تمرَّسَ في قتلنا، وذبحنا، وحاصر غزة ودمرها، وهود القدس، وبنى جدارًا عنصريًا، ومستوطنات تنتشرُ في الجسد كالسرطان، ومستوطنون عاثوا في البلاد خراباً .

هذا ما حملته أوراق التقويم منذ النكبة الأولى عام 1948م وحتى قبل شروقَ شمسُ العام 2010م ..

ستون عام ونيف، وأوراقنا مثقلة بما حملته من أخبار، يحضرني قول الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي " يعلق مالك حداد بتهكم مرّ، يجب قلب الصفحة، هل فكرتم في وزن الصفحة التي تقلبها ؟ "

إن صفحاتنا مثقلةٌ، بالأخبار غير السارة، والأوزار، لأننا لم نحسن الأداء، ولأن حجم المؤامرات التي مررت علينا، وتُمرر، تعجز الجبال عن حملها، فحملها الفلسطيني مرغماً فالأمر قدر ..!!

أوراق العام الماضي ضجت بما حملت، لذا نتمنى أن تكون صحائف العام الجديد معطرةً، تحمل أنباء الوحدة التي غاب نورها عنها، وأنباء الخلاص من الاحتلال، الأمران ممكنان، لكن الوحدة هي الأهم، أما الاحتلال وان طال أمده فانه لا محالة زائل .

إن أصعب الحالات التي تمرُ هي مرحلة المخاض، لحظات قاسية، لا يشعر بها إلا من جربها، هذا إذا لم يكن الحملُ كاذبًا، وباعتقادي إننا نمرُ بأصعب حالات المخاض، فليس هناك مقاومة، وليس هنالك سلام، ولا مصالحة، ولا .. ولا .. ومع ذلك فلا بد من الأمل، أمل طالما تمنيناه، أمل بغد جميل، لان الغد هو الآتي، وعلينا أن نعيش مع الغد، ولا نبقى مكبلين بحبال الأمس .

قبل أيام قليلة احتفلت الطوائف المسيحية التي تسير وفق التقويم الغربي بإشعال شموع عيد الميلاد المجيد، وبعد أيام ستحتفلُ الطوائف المسيحية التي تسير وفق التقويم الشرقي شموعًا أخرى، فكل عام وهم جميعًا بخير، هذا هو شعبنا يعلمنا " إما نكون وإما نكون " مخالفين المقولة الدارجة " لا نكون "، لذلك أحيت الطوائف المسيحية أعيادها، ورفعت اكفها إلى رب السماء عاليًا بأن يكون في العام الجديد الأمن والسلام لشعبنا، ونحن توجهنا بأفئدتنا معهم إلى مهد السيد المسيح عليه السلام في مدينة بيت لحم بنفس الدعاء، لان قيمنا الفلسطينية علمتنا أن تكون فلسطينيتنا فوق كل شيء، لهذا " كانت تسمى فلسطين، وصارت تسمى فلسطين، سيدتي أستحق لأنك سيدتي أستحق الحياة " .

وقبل أن نقلب َ أوراق العام الجديد, فأنني لا أرى إلا محمود درويش ابن هذه الأرض معبراً عن دعاء الشعب الفلسطيني بكافة طوائفه، ومذاهبه، وفي كافة أماكن تواجده نرفعُ أيدينا عالياً بالدعاء معه مرددين :

فيا وطن الأنبياء...تكامل!
ويا وطن الزارعين.. تكامل!
ويا وطن الشهداء.. . تكامل!
ويا وطن الضائعين .. تكامل!
فكلّ شعاب الجبال امتدادٌ لهذا النشيد.، وكل تراب الأرض يردد هذا النشيد .

سيلومني البعض، أبناء هذه الأرض وغيرها بأنني " نوراني " أكثر من النورانيين أنفسهم، وأنا سأقول بأن كل شعوب الأرض أصابها ما أصابنا، بل وربما ابتليت بأكثر مما ابتلينا به، ومع ذلك استطاعت أن تعود فينيقاً من تحت الرماد، لذلك سأدع الاستسلام لليأس جانبًا، وأغني أغنية للغد لأنه ثمة نور في أخر النفق، بعد هذا المسير الطويل في دهاليز النفق المعتم .

ليست هناك تعليقات: