الأربعاء، أكتوبر 03، 2007

القدس والمبادرات الشعبية

راسم عبيدات


..... بداية لا بد لي إلا أن أسجل عظيم الإشادة والتقدير للمبادرة الشعبية التي، قامت بها مدرسة المطران بالقدس، مطرانية( المطران سهيل دواني ) وإدارة( المدير القدير عيد صادر) ومدرسين وتحديداً الإستاذ ريتشارد زنانيري، والذي كان بمثابة " المايسترو " لهذا الناشط الرائع، ورغم البساطة التي تميزت بها هذه الأمسية الرمضانية، والتي جاءت تعبيراً عن وحدة الحال والمصير لشعبنا الفلسطيني مسلمين ومسيحيين،كما انها عكست عمق العلاقة والتلاحم بين أبناء شعبنا الفلسطيني الواحد، وهذا كان واضحاً من خلال الكلمات التي ألقتها شخصيات دينية ووطنية إسلامية ومسيحية ، وكذلك كان هناك تركيز على المدينة المقدسة وضرورة الإهتمام بها ،من خلال الأغاني والمقطوعات الزجلية والإسكتشات المسرحية اللواتي قدمن في الأمسية، والشيء الملفت هنا أن حجم الحضور العالي لهذه الأمسية، والذي تجاوز الثمانمائة شخص، عكس حجم التعطش العالي عند المقدسيين لمثل هذه الأنشطة، والتي غابت منذ فترة طويلة، ليس فقط بفعل سياسات الإحتلال، وإجراءات العزل والتطويق والحصار التي تعيشها المدينة المقدسة، بل لأن هناك قصور عالي من السلطة الفلسطينية أولاً، ومن كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني ثانياً، ومن مؤسسات المجتمع المدني والفعاليات الشعبية ثالثاً ، والتي أصبحت تستسهل إقامة مثل هذه الأنشطة في المدينة المقدسة، ولكن خارج حدود المناطق الواقعة تحت نفوذ ما يسمى بلدية القدس، والحجج والذرائع هي عدم توفر الحشد الجماهيري لمثل هذه الأنشطة، وعدم قدرة الناس بفعل الجدار وسياسات الإحتلال من الوصول لأماكن إقامة هذه الأنشطة، ولكن الصحيح هو أن القوى إذا ما أرادت إقامة أنشطة جماهيرية، فهذه الأنشطة يغلب عليها الطابع الفئوي، وكذلك أصبحت الدعوات توجه من خلال الفاكسات أو البريد الألكتروني، وفي الغالب والكثير من الأحيان تتم الدعوات بشكل إنتقائي، ولكون الجماهير المقدسية تعيش حالة عالية من الإحباط واليأس من السلطة والقوى، ليس بفعل ما تعيشه الساحة الفلسطينية من إحتراب وإقتتال داخلي، بل لكون هذه المدينة تركت لقمة صائغة للإحتلال بدون أية عناوين أو مرجعيات واضحة ومحددة، ودون أي دعم وإسناد حقيقي، لا في الهم الوطني والسياسي العام، ولا في القضايا المجتمعية، إجتماعياً وإقتصادياً وخدماتياً .. إلخ ، وبشكل مكثف ومختصر هناك حالة من الإغتراب والإحباط وفقدان الثقة ما بين المجتمع المقدسي، وما بين السلطة وقوى العمل الوطني ، والذي يشعر الإنسان المقدسي، بأن ما يقدم له لا يتعدى الشعارات والخطب الرنانة، وهذا يلمسه ويشعر به في أكثر من قضية، فعلى سبيل المثال لا الحصر أهالي الأسرى تولد لديهم إحساس وشعور عالي، بأن السلطة تخلت عن أبنائهم وهم الذين دفعوا ومازالوا يدفعون ثمناً باهظاً وغالياً في سبيل قضيتهم الوطنية، حيث أبناؤهم الأسرى لا يجري رعايتهم وإحتضانهم بالشكل المطلوب، ناهيك عن انهم غير مشموليين في صفقات الإفراج التي تتم في إطار ما يسمى حسن النوايا الإسرائيلية، وهذا كان بفعل إتفاقية أوسلو وما جلبته من دمار ومآسي على شعبنا الفلسطيني، وقد بادر أهالي الأسرى في القدس، إلى تشكيل لجنة أهليه للإهتمام بشؤون أبنائهم الأسرى، وطرح قضيتهم على كافة الصعد محلياً وعربياً ودولياً، وهذه اللجنة بإمكانيتها المتواضعة، إستطاعت أن تكسب ثقة الأهالي، ولكن بكل مرارة فإن أعضاء اللجنة يقولون، أنها لم تلق الدعم والإسناد من قبل السلطة، وما ينسحب على الأسرى ينسحب على القطاعات الأخرى من تعليم وصحة وخدمات وغيرها، ومن هنا يأتي دور وأهمية المبادرات الشعبية في مختلف المجالات من أجل المحافظة على هوية المدينة وعروبتها وإعادة الحياة والنشاط إليها ، لأن غياب الأنشطة التراثية والفنية والثقافية والمسرحية، يجعل المدينة تبدو ما بعد المساء كمدينة أشباح، وبالضرورة أن تلقى المؤسسات المقدسية الدعم والإسناد من أجل الصمود أولاً ، ومن أجل أن تقوم بدورها وواجباتها تجاه الجماهير المقدسية ثانياً، وعلى الجميع أن يبادر كل في موقعه وفي مجاله، وليس إنتظار الدعم من الآخرين، وكذلك إستمرار مسلسل الندب والتشكي والتذمر، فدائماً الخطوة العملية أفضل من دستات البرامج ، الذي يعمل ويبادر ويكون في الميدان، هو الذي يستحق الإحترام والتقدير، والذي يعمل يحق له أن ينتقد ويحتج، أما الذي يواصل الأقوال غير المقرونة بالأفعال، وطرح الشعارات والخطب الرنانة، والقول بأن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، أو للبيت رب يحميه ، ولا يكون على إستعداد لتقديم أية تضحية من أجل القدس، أو حتى دخول المعتقل لفترة قصيرة من أجلها، فأنا أجزم أن الجماهير ستلفظه آجلاً أم عاجلاً ، والقول بأن الجماهير تعبت أو ملت هذا فقط ، يريد به البعض أن يبرر سلوكه وتصرفاته، فالجماهير دائما تعطي وتقدم بلا حدود، وهي دائماً تخذلها قياداتها أو تتخلى عنها، وهذا الخذلان والتخلي ، هو الذي يقود إلى نشوء حالة واسعة وعميقة من المرارة وفقدان الثقة، والجفاء بين الجماهير المقدسية والسلطة المسؤولة عنهم، حتى أن المقدسيين تولد لديهم شعور بأن والسلطة الفلسطينية لا تريدهم ، بل تستثمر قضيتهم فقط في القضايا الإحتفالية والدعاوية و"الهوبرات " الإعلامية والخطب الرنانة وغيرها، وهم يدللون على ذلك بإنه في الكثير من التشكيلات السلطوية، تستثنى القدس من ذلك، أو في أحسن الأحوال يعين مسؤول عن شؤون القدس من خارجها، وليس له معرفة أو دراية بهموم ومشاكل وقضايا المقدسيين، وحتى أنه في مشروع القدس عاصمة الثقافة الفلسطينية 2009 ، يغيب عن تشكيل هذه اللجان الكثير من المثقفين والأدباء والكتاب المقدسيين، والبعض يريد من هذا الحدث، أن يتم إستثماره لصالح قضايا خاصة وفئوية، وفي القضايا الشعارية والدعاوية والإعلامية فقط ، وكأن الذي حدث في المجتمع الفلسطيني غير كافي، لإقناع البعض في الساحة الفلسطينية، بأن القدس تحتاج إلى كل جهد ومبادرة وحدوية، وما يجري في القدس من تهويد وأسرلة، يتجاوز قدرة كل القوى والأحزاب مجتمعة، ولذلك على الجميع أن يغادر النهج والعقلية الفئوية والإستئثارية إلى الأبد ، وأنه ليس من المنطق أو المعقول، أن المؤسسة الفلانية أو اللجنة العلانية، علينا أن لا نقدم لها الدعم والمساندة، لأنه يقودها أو يقف على رأسها ممن لا يتنمي إلينا تنظيمياً أو لا يتفق ووجهة نظرنا ورؤيتنا، فالوظيفة العمومية حق لجميع المواطنين، أن يتنافسوا عليها وفق معيار القدرة والكفاءة، وهي ليست حكراً لهذه الفئة أو تلك ، وإستمرار التعامل وفق النهج السابق ، لن يقود إلا لمزيد من الشرذمة والإنقسام وفقدان الثقة .
ومن هنا علينا نحن المقدسيين، أن نبادر للإهتمام بشؤون المدينة المقدسة، والمحافظة عليها من سياسات الأسرلة والتهويد، وكل نشاط مهما كان نوعه وشكله وحجمه وفي الإطار الإيجابي ، فأنا واثق أنه يؤسس لأنشطة أوسع وأكبر، والمهم أن نمتلك الإرادة والنفس التضحوي في سبيل المصلحة العامة والمدينة المقدسة .

القدس – فلسطين

ليست هناك تعليقات: