السبت، أكتوبر 20، 2007

الخصخصة انقضاض على الدولة

الفضل شلق
السفير
يبدو ان المسافة بين السيادة والخصخصة هي خراب الدولة، وان السيادة شعار للتمويه، وان الخصخصة هي المطلوب والمفروض والذي لا بد منه كي تبقى السلطة بيد من هي بيده. ما يقود الى هذا الرأي هو الإصرار على الخصخصة في وقت لا يبدو انتخاب رئاسة البلاد مؤكداً، أي في وقت يبدو مصير البلد معرضاً للاهتزاز.
الشكوك تتوالى وتتراكم فوق التساؤلات عندما يرى اللبنانيون إسراعاً في الخصخصة رغم الموانع القانونية والدستورية. لا بد ان هناك شيئاً ما لا يمكن الإفصاح عنه لدى اهل السلطة.
عرض ملف الخصخصة على السادة الوزراء دون ان يترك لهم المجال الكافي لدرسه (بضعة أيام فقط). وأصِّر على عرض الملف رغم ان بعض المحامين المستشارين رفضوا تغطية الموضوع برمته قانونياً. جيء برأي من هيئة الاستشارات. وهذا الرأي لا يمكن ان تتجاوز به الحكومة مجلس النواب الذي لا بد ان يوافق ويسن قانوناً لكل بيع لأملاك الدولة. وعندما تطرح املاك الدولة، (قطاع الخلوي في هذه الحالة)، على البيع دون قانون صوّت عليه في المجلس النيابي للسماح بذلك، فإن في ذلك مخالفة ليست قانونية وحسب، بل مخالفة دستورية.
لا بد من التذكير ان ما اصاب قطاع الخلوي من خسارات على الدولة بسبب الاسترداد الذي كان تأميماً فرض على الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام ,2000 وخسارات على الدولة بسبب دعاوى التحكيم التي رفعتها شركات الخلوي في حينه، والتي كلفت الدولة مئات ملايين الدولارات التي دفعت بعد ذلك نقداً وعداً بالكامل ودون تلكؤ، علماً بأن كل شيء آخر من المستحقات الجدية على الدولة يدفع بتلكؤ شديد.
ما الذي يمنع الآن ان تعاد التجربة لأسباب قانونية (كاضطرار المجلس النيابي للمراجعة بعد ترسية العقود) او لأسباب لا نعرفها مسبقاً. ما الذي يمنع ان تسحب التراخيص مرة آخرى وتضطر الدولة لدفع تعويضات تكون الدولة والمجتمع بغنى عنها؟ لا شيء يمنع ذلك، والأرجح ان ذلك ما سوف يحدث. إن الإسراع غير المبرر بإيصال هذا الملف الى نهاياته دون دراسات كافية في مجلس الوزراء ودون موافقة مجلس النواب سيؤديان الى تعقيدات قانونية لا تحل إلا في محاكم التحكيم. وهذا ما سيعرض الدولة لأخطار مالية إضافية.
من ناحية اخرى، ما دام قطاع الخلوي شغالاً، فما هي الاضافات الاستثمارية التي ستبذلها الشركات التي سوف تحصل على العقود، وكيف يبَّرر انتقال الملكية اليها دون ان تستثمر هي شيئاً من اموالها؟ ام ان العملية تقتصر على نقل الجباية اليها. وقد كان ممكناً الاكتفاء بشركتي التشغيل والادارة لتفعلا ذلك لحساب الدولة.
واذا اخذنا بالاعتبار ارتفاع سعر المكالمات الهاتفية، وان هذا الارتفاع يشكل في قسم منه ضريبة غير مباشرة على المشترك، الا يعني نقل الملكية والجباية، بتلزيم الشركات الجديدة جمع الضريبة بدلاً عن الدولة؟ وهذه مسألة سيادية. فهل سيقبل اللبنانيون تخلي الدولة عن واجباتها بجمع الضرائب؟ الا يعيدنا ذلك الى عهد الالتزامات الضريبية كما كانت في ايام العثمانيين؟ ربما كانت الحكومة تسعى الى تبييض صفحتها امام قوى الامبراطورية التي تعتنق مبادئ الليبرالية الجديدة التي تفرض سياسات تقليص حجم الدولة في كل بلد من بلدان العالم.
وذلك معناه بيع ممتلكات الدولة إضافة الى تخليها عن كثير من مهامها للقطاع الخاص، على اعتبار ان القطاع الخاص اكثر فعالية وإنتاجية من الدولة. هذا الامر يمكن مناقشة إيجابياته او سلبياته بناء على المعطيات والنظريات الاقتصادية. المبررات الاقتصادية الايجابية في حال قطاع الخلوي غير موجودة، بل إنها جميعها تجعلنا نميل الى الاحتفاظ بملكية الدولة للقطاع، وخاصة ان هذا القطاع شغال ولا يحتاج الى استثمارات جديدة الا ما يتعلق بالصيانة والتشغيل. فيكون التخلي عن الملكية بمثابة هدية مجانية للقطاع الخاص الذي سوف يجني ارباحاً عالية دون استثمار شيء يذكر.
ان تبييض صفحة الحكومة امام النظام العالمي هو وجه من وجوه استقواء الخارج على الداخل؟ فأين هي السيادة؟ في اوضاع لبنان الراهنة، حيث الانقسام الحاد داخل المجتمع، وداخل مجلس الوزراء، وداخل المجلس النيابي، وحيث لا يبدو في الافق القريب ان انتخاب رئيس للجمهورية، يحفظ وحدة الدولة، سيحدث في موعده الدستوري، الا تبدو كل تلك العوامل كافيةكي تجعل السلطة مضطرة للاهتمام بشأن الداخل من اجل ايجاد حلول وتسويات تصل بالدولة الى بر الامان؟ الا يبدو ان هناك تجاهلاً للاولويات الداخلية في سبيل استرضاء قوى خارجية؟ الا تبدو السيادة مهدورة عندما تضعف الدولة وتتعرض للانهيار بينما تنصرف الحكومة الى امور اخرى؟
ان الشعب اللبناني، دافع الضرائب، ينتظر من الحكومة ان تقوم بواجباتها في ادارة شؤون الدولة والمجتمع. كما ان للدولة حقوقاً على المواطنين (ضرائب، رسوم، تقيد بالقوانين)، فإن للمواطن حقوقاً على الدولة سياسية واجتماعية واقتصادية وعسكرية، الخ.... والمؤسف الآن ان المواطنين يقومون بواجباتهم في حين ان الدولة تخلت عن واجباتها خاصة فيما يتعلق بقضايا الإعمار والتنمية والاحتفاظ بأملاك المجتمع والدولة وإداراتها. وغياب برنامج اقتصادي واجتماعي للدولة هو احد جوانب تخلي الدولة عن واجباتها. نعرف ان الحكومة ربما كانت مضطرة الى ما يسمى خصخصة قطاع الخلوي بسبب الضغوطات الخارجية.
ربما كانت الضغوطات الخارجية ايديولوجية (مبادئ النيوليبرالية العالمية) او مادية لصالح هذا الفريق الخارجي او ذاك. لكننا نعرف ايضاً ان الاعتبارات العملية عندهم اكثر اهيمة من الاعتبارات الايديولوجية. حتى الآن لم نسمع من الحكومة سوى تبريرات ايديولوجية. بقيت المبررات العملية والذرائعية قيد الكتمان. ينتظر الجميع الإفصاح عن هذه الاعتبارات، او انها سوف تُترك الى ما بعد فض العروض؟
ان مسألة من هذا النوع تستدعي نقاشاً واسعاً في مجلس الوزراء ومجلس النواب وفي المجال العام، خاصة في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة. وكل ما يبقى مجهولاً سيكون موضع شك. والإنسان عدو ما يجهل. يخشى الناس ان تكون الخصخصة بهذه الطريقة بمثابة انقضاض على الدولة في لحظة ضعفها، وربما انهيارها. عند ذلك ننتهي الى سيادة دون دولة، او الى حالة تكون فيها الدولة والسيادة مفقودتين.

ليست هناك تعليقات: