الاثنين، أكتوبر 15، 2007

شموع على طريق الحرية


راسم عبيدات

من ذاكرة الأسر
الأسير المقدسي ياسين أبو خضير والأسير " الشمبر"
شموع على طريق الحرية


.....المناضل الأسير المقدسي ياسين أبو خضير من شعفاط/ القدس، عرف طريقة للنضال مبكراً، حيث التحق به وهو على مقاعد الدراسة الثانوية، وكان شعلة للعطاء والنشاط والفعل المقاوم، وعبر عن أفكاره وقناعاته بالعمل المتكلم، ولم يبقى كحالنا نحن ما يسمى بالمثقفين الثوريين، نمضي الوقت طويلاً في نقاشات وحوارات غالباً ما تكون بيزنطينية، حول الإشتراكية والرأسمالية والعمال والفلاحين ومعسكر الأصدقاء والأعداء، وثورة حتى النصر أو ثورة حتى النصر والتحرير وغيرها ، ودخل السجن مبكراً / وهو في ريعان شبابه، في بداية العشرينات لمدة ثمانية وعشرين عاماً، وعندما التقيته في سجن عسقلان عام 2001، كان الشيب قد غزا رأسه كثيراً، والمرض قد فتك بجسده بجكم رطوبة الزنازين وجدران السجون وطول المدة، وحينها على ما أذكر كان يدخل عامه الاعتقالي الثالث عشر، وكان يقول لنا على سبيل النكتة والدعابة الممزوجة بالأسى، وبالمناسبة هو صاحب نكتة ومرح إلى أبعد الحدود، "أيهّن" يا ياسين إلى متى ستبقى في الأسر، فأنظمة كثيرة سقطت، وكثيراُ من الزعماء ماتوا أو قتلوا أو استشهدوا، فعلى سبيل المثال، الأتحاد السوفياتي رمز الشيوعية ونصير الشعوب وحركات التحرر انهار، وتشيكوسلوفاكيا دمرت وقسمت، وميلوسوفيتش اغتيل أو إنتحر، وحرب الخليج الأولى والثانية قامت والعراق دمر وأحتل وغيرها وأنت يا ياسين في السجن، وأي ثورة هذه وأية قيادات وأحزاب تترك أسراها في السجن هذه المدد الطويلة، وأية مؤسسات حقوق إنسان هذه، وأية نفاق وإزدواجية يحملها الغرب وامريكيا والذين لا يعنيهم سوى مصير الأسرى الإسرائيليين، أما نحن عندهم فإننا مجرد أرقام ليس لها قيمة، والمناضل ياسين أبو خضير والذي مر علية في سنوات اعتقاله الألاف الألاف من الأسرى، والذي لم يترك باب سجن من سجون الاحتلال إلا وعرفه ، إما منقولاً أو مرحلاً ومقموعاً، بسبب مواقفه وتصديه لإدارات السجون في هجماتها المتكررة على الحركة الأسيرة لسحب منجزاتها ومكتسباتها، والتي عمدت بشلالات من الدم والمعانيات لأبطال الحركة الأسيرة، والمناضل ياسين أبو خضير والذي تعرف رؤوس كل أبناء الحركة الأسيرة مقصه وماكنة حلاقته، والتي ما كانت تخلو من المقالب، حيث أن أحد المعتقلين الجدد طلب منه أن يحلق له رأس ، وفعلاُ قام ياسين برش الماء على رأسه، وتركه وخرج لساحة "الفورة " الساحة التي يتنزه بها الأسرى حتى يجف رأسه، وعلى أن يعود له بعد عشر دقائق، وعاد وكرر ما قام به من رش الماء على رأس الأسير، شارحاً للمعتقل الجديد، أن هذه طقوس يمر بها كل معتقل جديد ، ورغم أن الأمراض فتكت بجسد ياسين ونهشته من كل صوب وحدب، إلا أن ياسين كان حريصاً على أن تبقى "الغرض" عنده شغال لكي يخرج من المعتقل ويبني أسرة، وهو لم يفقد الأمل بالحرية والتحرر، وهو من أكثر الأسرى الذين عرفتهم غزارة في المعلومات العامة والتاريخية، وكأن عشقه الدائم لشرب الشاي ليل نهار، لم يؤثر على ذاكرته، ناهيك عن انه يمتاز بعقلية علمية وتحليلية، وأنا أعترف أن ياسين له باع طويل في الفوز علي كثيراً في لعبة " الدومينو "، ورغم كوني كنت مدرساً له أو بصورة أدق كان إبن صف زوجتي في الكلية التي درست فيها ، كنت في كلا الحالتين غالب أو مغلوب أقول للإسرى أن ياسين طير ندى ولا يجيد لعبة " الدومينو " إذا غلبته، وإذا ما غلبني كنت أقول له " الأسود عند ما بتختير بتصفي ملطشه للجراو" وياسين هذا المناضل المقدسي الذي دخل المعتقل في بداية العشرينات، هو الآن في بداية الأربعينات، وما زال مؤمناً ببزوغ فجر الحرية، رغم كل ما لحق قضية الأسرى المقدسيين من إجحاف وظلم من جانب ذوي القربى سلطة وأحزاب .
أما الأسير إيهاب النسر من رام الله ، والذي أطلق علية الأسير المناضل ياسين أبو خضير لقب " الشمبر" ، أي الشمعة التي توضع في الفانوس ، لكي يشع النورعلى من حوله، وذلك لكثرة حركته الدائمة بين الأسرى، وكان يجسد مثالاً ورمزاً للعطاء والتفاني في سبيل المصلحة العامة، وهو يتعاطى مع الأمور الاعتقالية بالمنظار الوطني بعيداً عن الفئوية والحزبية، وكان شعاره دائماً أن إدارات السجون في هجماتها على منجزاتنا ومكتسباتنا الاعتقالية تستهدف الجميع ،وليس فصيلاً دون آخر، وأذكر جيداً أن "الشمبر" عندما جاء إلى المعتقل، أي معتقل عسقلان، وكانت منظمات الأسر الاعتقالية، قد أصابها من الوهن والضعف الشيء الكثير، حيث التحلل والتفكك، نتيجة لحالة الإحباط واليأس التي عاشتها الحركة الأسيرة بفعل أوسلو وما ألحقه من ضرر بالغ بحق الحركة الأسيرة الفلسطينية، حيث قضيتهم تركت لحسن النوايا الإسرائيلية، فإنه سعي وهو كوكبة من المناضلين المخلصين، من أجل ترميم ما دمره أوسلو، حيث البنى والهياكل التنظيمية والوطنية والإعتقالية والثقافية حلت، وأستعيض عنها بالعلاقات الجهوية والبلدية ، ناهيك عن حالة الجدب الثقافي، وهذه الجهود إحتاجت إلى الكثير من الوقت ، لكي يكون الترميم ولو في الحدود الدنيا ، وبالفعل نجحت الجهود وأثمرت ، وبدأت الحياة الحزبية والتنظيمية تدب في منظمات الأسر، وأذكر أن" الشمبر" في المجلة الداخلية الهدف ،كان يكتب زاوية دبابيس يتعرض فيها للسلبيات والممارسات الخاطئة للمعتقلين، حيث على سبيل المثال لا الحصر، وجه سهام نقده للمعتقلين الذين سماهم مالكي "الأبراش" الأسرة الأرضية، والذين يرفضون التخلي عنها لصالح أسرى آخرين حتى ولو كانوا كبار في السن ، ولا يستطيعون الصعود "للأبراش" الأسرة العلوية إلا بصعوبة،"والشمبر" إمتاز بصلابة ومبدأية عاليتين، وكان عنيداً ومقاتلاً شرساً ضد إدارات قمع السجون، وفي كل المعارك التي خاضتها الحركة الأسيرة ضد إدارات قمع السجون الإحتلالية ،دفاعاً عن منجزاتها ومكتسباتها، كان "الشمبر" يتقدم الصف ويعكس صورة للمناضل الحقيقي، وهو لم يهن أبداً ولم يضعف السجن من عزيمته، ولم يغير من قناعاته، وكان على إستعداد دائم لدفع الثمن من أجل تحقيق مطالب الحركة الأسيرة والحفاظ على منجزاتها ومكتسباتها، وفي أكثر من معركة نضالية مع إدارات السجون ، كان "الشمبر" من الفرسان الأوائل الذين يطالهم قمع وعقوبات إدارات السجون، وأصبح " الشمبر" يشد عصا ترحاله بشكل دائم من سجن إلى آخر، ومن عزل إلى آخر، عقاباً له على دوره الوطني والنضالي وتصديه المستمر لإدارات قمع السجون الإسرائيلية في هجماتها المتكررة على الحركة الإعتقالية ،"والشمبر" في "رحلات" عزله وقمعه كانت البسمة لا تفارق وجه، وكان دائماً متسلحاً بالأمل، وهو يقول من اختار طريق الكفاح والنضال، فعليه الصمود والثبات والتضحية ، فالسجن ساحة من ساحات النضال المتقدمة، ولعل الحركة الأسيرة تذكر"الشمبر" جيداً، وهي تخوض إضراباتها عن الطعام دفاعاً عن حقوقها ومكتسباتها، كيف كان "الشمبر" من المبادرين لبث روح الدعابة والمرح بين الأسرى، والعمل على إزعاج إدارة وحراس السجن بشكل دائم من خلال الطلب من الأسرى بالضرب على أواني الطبخ بشكل جماعي في أوقات العد أو القيام بإخراج كأصوات الحيوانات ، مثل النباح بشكل جماعي على إدارات وحراس السجن ،
وأخيراً وليس آخراً يبقى الأسيرين ياسين أبو خضير وإيهاب النسر" الشمبر " مثالاً حياً على واقع الحركة الأسيرة الفلسطينية ، والذي يجب على أحزابنا وفصائلنا وسلطتنا، أن تكفر عن خطاياها التي إرتكبت بحقهم في أوسلو، ليس بالمخصصات ولا " بالكنتينا" بل بالأصرار على أن تكون هناك جداول زمنية واضحة ومحددة لإطلاق سراحهم قبل الخوض في أية محادثات سلمية أو عيرها ، ولتذهب كل محادثات السلام إلى الجحيم وإلى مزابل التاريخ ، إذا لم تضمن الحرية لقادتنا وأسرانا .

القدس – فلسطين

ليست هناك تعليقات: