الجمعة، أكتوبر 19، 2007

صفقة السلاح والرئاسة بين "حزب الله" وعون



عبد الكريم أبو النصر

النهار

خطة حلفاء دمشق لإنقاذ نظام الأسد من المحكمة

حذر تقرير دولي جديد من "ان "حزب الله" مستعد للتضحية برصيده الوطني وبالمصالح الحيوية للبنانيين من اجل اعطاء الاولوية لمواجهة الاميركيين والاسرائيليين على امتداد الشرق الاوسط بالتحالف الوثيق مع القيادتين السورية والايرانية، كما شدد على ان الحزب حازم في تصميمه على حماية نظام الرئيس بشار الاسد من المحكمة الدولية المكلفة النظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وفي جرائم سياسية اخرى، وإن ادى ذلك الى اطالة امد الازمة السياسية الحادة في لبنان.


واكد هذا التقرير في المقابل ان "حزب الله" حائر مرتبك يواجه معضلة حقيقية في علاقاته مع العماد ميشال عون زعيم "التيار الوطني الحر" اذ انه ليس راغبا فعلا في تقديم الدعم له لتأمين انتخابه رئيساً للجمهورية".


هذا ما كشفه تقرير دولي جديد يحمل عنوان "حزب الله والازمة اللبنانية" اصدرته اخيرا "مجموعة النزاع الدولي" المستقلة التي تلقى تقاريرها اهتماما واسعا في الاوساط السياسية والديبلوماسية العربية والاجنبية، وذلك نتيجة لقاءات عقدها معدو التقرير مع عدد كبير من السياسيين اللبنانيين والديبلوماسيين الاجانب.


واكد هذا التقرير، في نصه الكامل، ان اولويات "حزب الله" واهتماماته الرئيسية ليست لبنانية بل اقليمية، وتبدو طموحاته اكبر من الساحة اللبنانية ومن قدراتها، اذ يقول التقرير في هذا الشأن: "اولويات "حزب الله" واضحة: فهو يريد الاحتفاظ بسلاحه وحماية لبنان وكذلك الشرق الاوسط من النفوذين الاميركي والاسرائيلي من خلال وجوده في جبهة رفض وممانعة تضم سوريا وايران و"حماس"، و"حزب الله" مستعد للتضحية بسمعته الوطنية لحماية المصالح السورية والايرانية".


وينقل التقرير عن قيادي في الحزب قوله: "ان نزع سلاح "حزب الله" يعني الغاء الشيعة، والغاء الشيعة يعني الغاء لبنان".


ويتوقف التقرير عند التحالف القائم بين "حزب الله" والعماد ميشال عون، فيصفه بأنه "تحالف يتحدى المنطق" بسبب مواقف الجنرال السابقة الشديدة العداء للنظام السوري.


ويعطي التقرير مثالا على طبيعة هذا التحالف فيقول ان "حزب الله" رفض اقتراحا قدمه اليه عون والنائب السابق سليمان فرنجيه في كانون الاول 2006 ويقضي بتنفيذ "زحف شعبي" نحو السرايا الحكومية لاطاحة حكومة فؤاد السنيورة بالقوة على غرار ما حدث في اوكرانيا.


ولم يذكر التقرير سبب رفض "حزب الله" اقتراح عون هذا، لكن مصادر ديبلوماسية عربية معنية بالامر اكدت ان القيادة السعودية هي التي طلبت آنذاك من القيادة الايرانية التدخل لدى "حزب الله" لوقف كل المحاولات الرامية الى اقتحام السرايا واسقاط حكومة السنيورة بالقوة لان ذلك سيؤدي، في حال حدوثه، الى اندلاع نزاع سني – شيعي حاد وخطر.


وينقل التقرير عن خبير سياسي لبناني قوله: "ان الحرب الاهلية كادت ان تندلع فعلا في كانون الثاني 2007 نتيجة الاشتباكات التي حصلت آنذاك بين السنة والشيعة في بيروت وطرابلس ومدن اخرى، لو لم يتم وضع حد لها بسرعة".


ويذكر التقرير ان "حزب الله" يواجه معضلة حقيقية في تعاطيه وقضية ترشيح عون للرئاسة، اذ ان هناك اسبابا تدفعه، مبدئيا، الى دعم هذا الترشيح ابرزها توقيعه مذكرة تفاهم معه في شباط 2006 ووقوف "التيار الوطني الحر" بجانبه خلال حرب صيف 2006 وخوف الحزب من خسارة حليفه الاساسي غير الشيعي وهذا يعكسه قول احد مستشاري الجنرال لواضعي التقرير: "اذا ما تخلى "حزب الله" عن عون، ولم يدعم ترشيحه للرئاسة، فان عون سيتخلى بدوره عن "حزب الله".


ولكن في المقابل هناك اسباب اخرى تدفع "حزب الله" الى الامتناع عن دعم عون او التردد كثيرا في تقديم الدعم اليه ابرزها ان الجنرال "ليس رجلا واقعياً وليس مرشحاً مثاليا للرئاسة" لان ترشيحه يواجه عقبات جدية يصعب جدا تجاوزها وتخطيها نتيجة رفض قوى 14 آذار له، كما ان الجنرال ليس "مستقرا وثابتا" في مواقفه وتوجهاته بل هو رجل المفاجآت ومن الصعب جدا توقع ما يمكنه القيام به مما يثير قلق الغالبية النيابية وكذلك قلق "حزب الله".


اما نظام بشار الاسد فيفضل، وفقا للتقرير، رئيسا اضعف من عون واكثر مرونة منه وليس لديه تاريخ من العداء الشديد لسوريا.


وقد لخص احد نواب كتلة عون لواضعي التقرير معضلة "حزب الله" بقوله: "ان "حزب الله" ليست لديه مصلحة حقيقية في تأمين انتخاب عون كرئيس للجمهورية لان الجنرال يريد مواصلة بناء دولة قوية، ونزع اسلحة الميليشيات. ولذلك يجد "حزب الله" نفسه في مأزق: فهو ليس راغبا فعلا في انتخاب عون رئيسا للجمهورية لكنه يشعر في الوقت نفسه بانه مدين له كثيرا نتيجة وقوفه بجانبه خلال حرب صيف 2006".


وعلق خبير سياسي لبناني على هذه المسألة بالقول: "ان "حزب الله" يؤيد عون كمرشح للرئاسة لكن عون، في النهاية، ليس المرشح الحقيقي للحزب لتولي هذا المنصب".
صفقة السلاح والرئاسة
وفي هذا المجال كشف التقرير الدولي، نقلا عن مصادر لبنانية عدة، ان "حزب الله" يدرس عقد صفقة مع عون تتضمن تشجيعه على الانسحاب من معركة الرئاسة في مقابل ان يكون له دور اساسي في اختيار المرشح الملائم لرئاسة الجمهورية وان تحصل كتلته النيابية على حقائب وزارية مهمة في الحكومة المقبلة التي ستتشكل بعد الانتخابات.

وفي اطار هذه الصفقة يعد "حزب الله" عون بالعمل على اقرار قانون جديد للانتخاب ملائم للمسيحيين ويلبي طموحاتهم اكثر من قانون الانتخاب الحالي الذي تم تبنيه عام 2000 في ظل الهيمنة السورية على لبنان.

وليس واضحا موقف عون من هذه الصفقة المحتملة، او ان الجنرال لا يزال مصمما على خوض معركة الرئاسة حتى النهاية.

لكن ديبلوماسيا اوروبيا مطلعا ابلغ واضعي التقرير ان "عون يدرك تماما انه لن يصبح رئيسا للجمهورية لكنه يريد، بمواقفه المتشددة، تعزيز موقعه التفاوضي".

وذكر التقرير ان "عون يستطيع ان يقوم بدور مهم لاقناع "حزب الله" بقبول صيغة تسوية ملائمة لمشكلة سلاحه. فعون اعطى شرعية غير شيعية لامتلاك "حزب الله" السلاح بتفاهمه معه، كما ان الحزب يحتاج الى دعم عون له بسبب الاحتقان الطائفي في لبنان.

واذا ما اراد عون ان يثبت ان تفاهمه مع "حزب الله" له انعكاسات ايجابية على الوضع اللبناني، فانه يستطيع اقناع الحزب بالموافقة على تبني برنامج سياسي للحكومة المقبلة يتضمن وضع قيود على سلاحه بحيث يتم استخدام هذا السلاح لاغراض دفاعية فحسب".

لكن هناك عاملا اساسيا مهما يجعل "حزب الله" يتمسك بسلاحه وبحرية استخدامه هو ان الحزب يعطي الاولوية لكونه جزءا من "جبهة الرفض والممانعة" المعادية للنفوذين الاميركي والاسرائيلي في المنطقة، وهي جبهة تضمه الى جانب سوريا وايران و"حماس".

وضمن هذا الاطار يساند "حزب الله" الى اقصى حد موقف نظام الاسد الرافض المحكمة الدولية. ويقول التقرير الدولي في هذا الشأن ان المسؤولين السوريين يرون ان التعاطي والتعاون مع المحكمة الدولية "خط احمر" اذ ان هذه المحكمة تشكل في رأيهم تهديدا لهم لانها تهدف الى زعزعة استقرار نظام الاسد واضعاف جبهة الممانعة" اي التحالف السوري – الايراني.

ووفقا للتقرير فان "حزب الله"، المتفق كليا مع هذا الموقف السوري، مستعد، وبالتضامن مع القيادة الايرانية، للتضحية بمصالحه الذاتية واطالة امد الازمة اللبنانية الحادة بمحاولته تعطيل عمل المحكمة الدولية بهدف تأمين الحماية لنظام الاسد.


ويقدم التقرير الاقتراح الآتي لمعالجة مشكلة سلاح "حزب الله":أولاً، يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية بالتوافق بين الغالبية والمعارضة وبحيث ينال ثلثي اصوات النواب او اكثر.

ثانياً، يتم التفاهم في الوقت نفسه على البرنامج السياسي للحكومة المقبلة الذي يجب ان يؤمن مطالب جميع الافرقاء اللبنانيين، ويتضمن دعم المقاومة لتحقيق اهدافها الوطنية المتمثلة بتحرير منطقة مزارع شبعا المحتلة وتأمين الافراج عن الاسرى اللبنانيين في السجون الاسرائيلية، في مقابل موافقة "حزب الله" على وضع قيود على سلاحه بحيث يتم استخدام هذا السلاح لاغراض محض دفاعية وبحيث يوقف الحزب عملياته ونشاطاته العسكرية في منطقة شبعا من اجل اعطاء الفرصة لاستعادة هذه الارض المحتلة بالوسائل الديبلوماسية، ومثل هذه الصيعة، في حال قبولها، تجعل "حزب الله" يعتمد فعليا استراتيجية الردع لا الهجوم ويمتنع بالتالي عن تكرار ما قام به في تموز 2006 حيث هاجم دورية عسكرية اسرائيلية وراء "الخط الازرق" واسر اثنين من افرادها مما فجر حربا اسرائيلية مدمرة على لبنان.

ووفقا للتقرير، فان المسؤولين في "حزب الله" ليسوا متحمسين لمثل هذه الصفقة، لكن البعض منهم قال انه مستعد لقبولها "في اطار تشكيل حكومة وحدة وطنية تعترف بشرعية استمرار عمل المقاومة الى ان يتم تبني استراتيجية دفاعية وطنية للبنان". وهذه، في اي حال، العقدة الكبرى في الازمة اللبنانية الراهنة.
قرار تعطيل المحكمة الدولية
في هذا المجال، كشفت مصادر ديبلوماسية اوروبية معنية مباشرة بالملف اللبناني، في ضوء معلومات تلقتها من بيروت وعواصم اخرى، ان قيادة "حزب الله" اتخذت قرارا سريا باللجوء الى مختلف الوسائل المتاحة من اجل تعطيل عمل المحكمة الدولية، وان هذا القرار يشمل القيام بحملة سياسية واعلامية وشعبية ضد المحكمة على اساس انها "تخدم المصالح الاسرائيلية والاميركية"، وانها جزء من مخطط دولي لزعزعة استقرار نظام بشار الاسد ولمحاولة اسقاطه.

وقد اطلق هذه الحملة، فعليا، وفقا لهذه المصادر، الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله حين اتهم في خطابه يوم 9 تشرين الاول الجاري اسرائيل، بدلا من النظام السوري، بارتكاب الاغتيالات السياسية في لبنان اذ قال: "ان اسرائيل هي التي تقتل الشخصيات السياسية في لبنان واني اتهمها بارتكاب الاغتيالات من خلال القرائن والمعطيات والقراءة السياسية المحلية والاقليمية والدولية. وعلى اللبنانيين ان يرتبوا حساباتهم على هذا الاساس".

واوضحت المصادر الاوروبية المطلعة ان هذا الاتهام الصريح لاسرائيل لن يدفع "حزب الله" الى دعم المحكمة الدولية والمطالبة بتعجيل بدء اعمالها، كما لن يدفع الحزب الى تزويد لجنة التحقيق الدولية ما لديه من معلومات وادلة عن تورط الاسرائيليين في هذه الجرائم السياسية – الارهابية، اذ ان الحزب، وفقا لهذه المصادر، ليست لديه اي ادلة او معلومات تساعد فعلا على تبرئة النظام السوري او مسؤولين بارزين فيه من الوقوف وراء جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه ووراء جرائم سياسية اخرى.

بل ان ما يريده "حزب الله" فعلا هو العمل على تعطيل مهمة المحكمة الدولية وعرقلة جهودها من خلال اتهامها بالتواطؤ مع الاسرائيليين والاميركيين، في حال طالبت لجنة التحقيق الدولية بمحاكمة مسؤولين سوريين مع بعض حلفائهم اللبنانيين بتهمة التورط في هذه الجرائم، كما ترجح المصادر الاوروبية المطلعة.واكدت المصادر الاوروبية المطلعة ان الحرص الشديد على مصالح النظام السوري هو الذي يدفع "حزب الله" الى اتخاذ موقف متشدد في معركة الرئاسة.

واوضحت المصادر ان "حزب الله" يريد، فعليا، رئيس مواجهة يعمل لخدمة المصالح السورية والايرانية وليس رئيسا توافقيا حقيقيا يعمل لمصلحة اللبنانيين، ولذلك يشترط الحزب، من اجل تسهيل اجراء الانتخابات، اختيار رئيس ليس منتميا الى القوى الاستقلالية، ويكون مقبولا من سوريا ويتخلى عن القرار 1559 الذي يطلب نزع سلاح "حزب الله" ويوافق على ان يكون لبنان ساحة مواجهة مفتوحة تستخدمها القيادتان السورية والايرانية وفقا لاهدافهما ومخططاتهما، ايا يكن الثمن الباهظ الذي سيدفعه اللبنانيون. اي ان "حزب الله" يريد، باختصار، رئيسا يرضخ سلفا لشروط حلفاء دمشق ومطالبهم ويمكنهم بالتالي من الهيمنة على السلطة.

واذا ما رفضت الغالبية النيابية قبول رئيس كهذا، فان المعارضة مستعدة حينذاك لاستخدام مختلف وسائل الضغط، بما في ذلك السلاح والعنف، لمحاولة فرض الرئيس المدعوم منها ومن السوريين او لتأجيل اجراء الانتخابات مع ما يرافق ذلك من فوضى واسعة وانهيار للاوضاع.ولخص ديبلوماسي اوروبي بارز الموقف بقوله: "ان "حزب الله" يتعامل بكثير من الاستعلاء والغطرسة مع الافرقاء اللبنانيين وخصوصا مع الاستقلاليين الذين يرفضون الترويج "لمحاسن" الارتباط بالنظام السوري والتبعية له.

ومثل هذا المنهج يقود الى مأزق خطر لن يخرج "حزب الله" منه منتصرا كما يتوهم لاسباب وعوامل داخلية وخارجية عدة"، واضاف: "لقد اثبت "حزب الله"، باعماله ومواقفه، انه ناجح وبارع كحركة مقاومة، لكنه فاشل كلاعب سياسي في الساحة اللبنانية ويفتقر الى الخبرة والحكمة والواقعية والوعي والمرونة الضرورية للتعامل بفاعلية مع سائر الافرقاء في هذا البلد وخصوصا مع من يمثل الغالبية النيابية والشعبية".

ليست هناك تعليقات: