الاثنين، أكتوبر 08، 2007

مؤتمر السلام : التوقعات المبالغ فيها ، سلبا أو ايجابا ، ليست هي الواردة في الحساب النهائي


نبيل عودة
تبدو المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية كأنها تراوح في مكان واحد. شد وجذب بين محمود عباس وايهود اولمرت. ليس من السهل امام المراقب ان يشكل وجهة نظر واضحة عن المسار الذي ستصل اليه هذه المفاوضات . الكثير من المقالات ،خاصة العربية ، تبدو وكأنها كتبت من سياسيين متماثلين مع حزب الليكود أومن أوساط اليمين في اسرائيل … مليئة بالنعي المسبق الذي يتلاءم وسياسات الليكود واليمين في اسرائيل .. ترثي سلفا نتائج المفاوضات ، وتتنبأ بفشل كامل لمؤتمر السلام الذي دعى اليه الرئيس بوش.وتعتمد في ذلك على تصريحات مسؤولين اسرائيليين ، وعلى أنصاف حقائق تتسرب لوسائل الاعلام .
السؤال الذي يفرض نفسة هو كالتالي : اذا كانت النتائج معروفة سلفا ، فلماذا يواصل الزعيم الفلسطيني زرع الأوهام لدى الشعب الفلسطيني واثارة المزيد والمزيد من التحاليل والمواقف المتناقضة ، والأخطر زراعة الوهم بقرب الوصول الى اتفاق يقود الى اقامة دولة فلسطينية بفترة زمنية قريبة ؟؟
نفس الأمر ينطبق أيضا على رئيس حكومة اسرائيل ايهود اولمرت ، ان من يظن ان الشعب الاسرائيلي يريد استمرار الصراع الدموي مع الشعب الفلسطيني يعيش في أوهام سياسية قاتلة . هناك أكثرية في وسط المواطنين الاسرائيليين ( اليهود بدون العرب ) من أجل ايجاد حل يقوم على اساس دولتين لشعبين ، دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل ، وانهاء الصراع التاريخي الأكثر دموية في تاريخ الشعوب. ان التضليل الذي يمارسه اليمين في اسرائيل يقود الى المزيد من سفك الدماء الفلسطينية واليهودية على حد سواء ، ومواطني اسرائيل مثل أي شعب آخر يريدون الخروج من حمام الدم .
الصورة المرتسمة حتى اليوم لا تتعدى ما يتسرب لوسائل الاعلام ، وهي لا تشكل جزءا من الصورة الحقيقة لما يدور وراء الأبواب المغلقة. والاجتهادات لتأويل الدوافع الأمريكية ، التي يجمع البعض أن تكون حاسمة في النهاية ، بينما البعض الآخر يجمعون ان واشنطن ستتبنى الموقف الاسرائيلي ، هي اقرب للنوايا المسبقة .. وهو ما يميز المقف العربي الشعبي من كل موقف أمريكي .أمريكا تحلو لنا فقط بالهجرة اليها هربا من أنظمة البطش والفساد .
هل يمكن للادارة الأمريكية ان تتحمل فشلا آخر في الشرق الآوسط الى جانب تورطها في العراق ، وفي مواجهة ما تسميه دول محور الشر ، وعلى رأسها اليوم ايران ، التي تحاول ، عدا تطوير سلاح نووي كما تتهم ( وكما تتهم سوريا اليوم أيضا ) ، دعم القوى الموالية لها في العراق وفرض سيطرتها السياسية هناك أيضا عبر المزيد من التضييق على التورط الأمريكي ، ودعم امتداداتها الجغرافية السياسية ، بكسب سوريا لمحورها ودعم حزب الله في لبنان ،والحديث عن اطماعها الاقليمية بدول الخليج العربي ، في عملية يرى فيها البعض احياء للأطماع الفارسية التاريخية في الشرق الأوسط العربي .
لا يمكن عزل القضية الفلسطينية عن سائر القضايا الحارقة في الشرق الأوسط . بما في ذلك تحول الشرق الأوسط الى دفيئة للارهاب الدولي ، كنتيجة مباشرة للسياسات الأمريكية أيضا وللواقع العربي المتخلف في كل المجالات .
كل محاولة لرؤية المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية بمعزل عما يجري في الشرق الأوسط والعالم كلة ، هو ببساطة قصر نظر سياسي او انغلاق وتقوقع . كذلك ، وهذا لا بد من ملاحظته ، الادارة الآمريكية تكثف تحركاتها بشكل قلق وملحوظ، وتضع الادارة الأمريكية كل وزنها وتأثيرها الدولي لتحقيق انجاز ما في القضية الفلسطينية، ليس حبا بالفلسطينيين ، ولكن لرؤيتها أهمية تحرير الذراع الاستراتيجية لاسرائيل لمهام أكثر خطورة في الشرق الأوسط. وزيرة الخارجية تقوم بزيارات متلاحقة ، الدول الاوروبية لها مصلحة مباشرة وملحة بانهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، الدول العربية المحسوبة على المحور الأمريكي بوضع داخلي لا تحسد عليه ، ووضع شرق أوسطي سيء تقف عاجزة عن مجاراة ايران بسباق التسلح النووي .
المؤتمر المنتظر ان تشارك فية 36 دولة ، الى جانب الدول العربية الرئيسية ، بما في ذلك سوريا ، هو مؤتمر سيقود حتما الى تغييرات جذرية ، الى شيء جديد في العلاقات الفلسطينية الآسرائيلية والعربية الاسرائيلية بالتأكيد . التوقعات المبالغ فيها ليست هي الواردة في الحساب النهائي. والشطب سلفا لأية نتيجة ايجابية هو عمى نظر سياسي وخطأ في التفكير لأن الفشل معناة عودة غير مسبوقة للعنف والاستقطاب وسفك الدماء ولتأزم دموي في النزاع الفلسطيني الاسرائيلي ولارهاب دولي منفلت من الصعب حصره ، سيدفع ثمنه الجميع ، دولا وشعوبا في الشرق الأوسط واوروبا وامريكا .
ما حفزني لكتابة هذا المقال الخطاب الذي القاه ايهود اولمرت ، رئيس حكومة اسرائيل في افتتاح الدورة الجديدة للكنيست الاسرائيلي ( البرلمان ) مساء اليوم (8 – 10 – 2007).
اني أدعو القراء بغض النظر عن آرائهم المسبقة والمستأصلة أحيانا ، بقراءة متأنية وبانتباه شديد لمضمون خطاب اولمرت . لا أدعي ان خطابة كتب في رام الله ، وان النص هو ما ينتظره الشعب الفلسطيني . ولكن أولمرت تكلم بوضوح وبلا تردد عن استحالة التمسك بكامل الحلم القومي اليهودي ، وان الخطأ كان بفهم متأخر لما كان يجب على اسرائيل اقراره .
اولمرت قال انه لا يوجد اتفاق حتى الآن مع الفلسطينيين ، انما يوجد ما نتحدث عنه . ودعا الى عدم تضييع الفرصة للوصول لاتفاق سلام . فال :" منذ 40 سنة ونحن نضرب على صدورنا بشعور الذنب ، كأننا دائما مؤهلين لنفهم بعد فوات الأوان ما كان علينا ان نفهمه منذ البداية. وأضاف :" يجب لمرة واحدة ان نوقف دائرة الأوهام ، حتى لانضطر ان نقول لأنفسنا كم كنا بلا رؤيا لاننا لم نستغل الفرصة التي ربما كانت مؤاتية".
صحيح ان اولمرت لم يبق الحصوة ويتحدث بوضوح ، ولكن هناك ضرورة للانتباه للتصريحات الواضحة التي يطلقها نائبة وصديقه الشخصي حاييم رامون الذي سبق واعلن ان المفاوضات في مؤتمر السلام ستبحث تقسيم القدس . حتى عناصر في اليمين بدات من جانبها تطرح حلولا فيها "تنازل" عن احياء عربية في القدس وأبرزهم الفاشي ليبرمان ..
لا ادعي ان الفلسطينيين سيكونون الكاسبين من مؤتمر السلام ، ولكني أقول بحذر شديد ان الأوهام التي يروجها بعض السياسيين لا علاقة لها بما يدور في الكواليس المغلقة في الشرق الوسط وواشنطن . ان من يتوهم ان المطالب الفلسطينية العادلة تماما ، ستتحقق بحذافيرها هو اما مختل عقليا أو مشعوذ سياسي . ما زلت على قناعة ان صيغة كلينتون ( الرئيس الأمريكي السابق ) ستكون القاعدة التي يمكن الانطلاق منها للتفاوض حول الوضع النهائي .
لا أقول هذا لاني أرى به مكسبا فلسطينيا ، ولن يكسب أحد ما يكفي لارضاء أحلامه .ان الحقائق الاستراتيجية في عالمنا ليست لصالح الشعب الفلسطيني ولن تكون كذلك في المدى المنظور أو ما بعده .
حقا اسرائيل دولة صغيرة ولكنها مع رأس علمي واقتصادي وعسكري أكثر من كبير . التخلف الحضاري للعالم العربي برمته لا يعمل لصالح انجاز فلسطيني أفضل . والقنبلة النووية الايرانية ستكون كارثة جديدة على العالم العربي ، ربما أسوأ من نكبة فلسطين.ان مشعوذي طهران يقودون شعبهم الى كارثة . والمعارضة الشعبية للنظام الايرانئ لم تعد خافية . أكثر من نصف مليون امرأة سجنت بسبب اللباس غير المحتشم . هل هذه دولة لها أمل بالتطور والنهضة ؟ مئات الطلاب الجامعيين يعتقلون . عشرات الصحف تغلق . رجال الفكر يزجون بالسجون .. بعضهم يهرب الى الحرية في الغرب .. هل مثل هذا النظام سيحرر فلسطين والشعوب العربية من أنظمتها الفاسدة والمخبولة؟
ان غباء العديد من مطلقي الشعارات القومية مرده جهلهم واميتهم الثقافية. هل قرأتم سادتي الوثيقة الاجتماعية الثقافية النقدية والسيرة الذاتية المذهلة للبروفسور آزار نافيسي ، المحاضرة في الأدب في جامعة " جون هوبكينز" والتي هربت ايضا من "جنة الملالي" في ايران الى "جهنم الشيطان الأمريكي" وأعني كتابها :" ان تقرأ لوليتا في طهران " ؟ للأسف لم أجده بالعربية وانما باللغة العبرية ، كالعادة ، كل الكتب المهمة والجيدة توجد بوفرة بالعبرية .. الكاتبة آزار نافيسي تفكك المجتمع الايراني ، وتظهر بؤس الشعب الايراني تحت حكم الملالي وخاصة واقع المرأه المخيف في انغلاقه على عقلها وجسدها وروحها وانفاسها . بالله عليكم اقرأوه لتعرفوا ايران الحقيقية ، ايران التي "ستحررنا" من الصهيونية ، كما حررت لبنان من شرعيته !!.
اقول ذلك لنكون على يقظة . لنتصرف في اطار الامكانيات المتاحة الآن .. المستقبل ليس بالتأكيد مضمونا الى جانب أحلامنا ما دامت حال الشعوب العربية مثل هذه الحال .. وبعض ما يطرح هو نوع من الخيال الاسطوري... يحسنه أصحاب العقائد الغيبية .
أقرأ في هذه الأيام أصعب كتاب على القراءة اواجهه في حياتي " جيش الظلال " ، ليس لصعوبة نصه ، فهو مكتوب بلغة تتدفق مثل الشلال ، ولكن لصعوبة ما يكشفة هذا الكتاب المريع في الحقائق التي يكشفها ، وهو للباحث المعروف في معهد ترومان والمحاضر بقسم الشرق الأوسط والاسلام في الجامعة العبرية د. هيلل كوهن ، صاحب كتاب شهير آخر " عرب طيبون " . في "جيش الظلال" يوثق بيع الفلسطينيين لاراضيهم للحركة الصهيونية ، وشراء الحركة لذمم مئات الشخصيات الفلسطينية من صحفيين وقيادات ... لم استوعب بعد حجم الجريمة التي ارتكبناها بحق وطننا وشعبنا ومستقبلنا . كل صفحة تصيبني بالذهول من جديد . كم اتمنى لو يترجم هذا الكتاب المذهل والمؤلم ليقرأه كل انسان في رأسه بعض العقل وشيء من الضمير وفي نفسه بقايا كرامة . لا سادتي لا تنتظروا حتى تضيع البقية. لا تنتظروا حتى لا ينشأ المزيد من "جيش الظلال" العربي لتنفيذ الأهداف الصهيونية ، اذ لا يبدو ان مجتمعنا استوعب ما فعلت قياداته في القرن العشرين ... ولا يعي كما يبدو الى اين تتجه الريح.. آمل ان تكون الصورة المؤلمة واضحة للقيادة الفلسطينية ، التي لا تحسد على اشكالية القرار الذي يواجهها في "مؤتمر السلام ".
نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com

ليست هناك تعليقات: