الثلاثاء، أغسطس 28، 2007

إنجازات الحسم في غزة..؟

محمد داود
لا يوجد في القاموس الفلسطيني شيء يسمى بحالة من القطيعة أو الطلاق الدائم أو المستعصي أو المستديم، لأننا مهما اختلفنا تبقى ألأهداف والرؤية والمصالح واحدة لا يختلف عليها اثنان إنه : " التحرير من براثن الاحتلال ونيل الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، التي هي حلم قائدنا ورمز نضالنا الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات"
لقد طرحت في الآونة ألأخيرة مبادرات ومساعي حثيثة نابعة معظمها عن شخصيات وجماعات وقوى وحتى دول عربية، وأخرى أجنبية، من أجل رأب الصدع الفلسطيني، وجمع الكلمة واحتواء الأزمة وتقديم مبادئ الإصلاح، والعمل على التقريب بين الأخوة المختلفين من أجل إعادة وحدته الشعبية والوطنية والديمغرافية.
فالمواطن الفلسطيني هو المتضرر وهو من يدفع الثمن على الدوام، بعد رحلة عذاب استمرت أكثر من عامين أستنزف بها كل طاقاته وقدراته بفعل الحصار والإغلاق ومن ثم ما أفرزته عملية الانقلاب من مآسي وتداعيات لم تشهدها الساحة الفلسطينية في تاريخ نضالها القديم والمعاصر.
ونحن هنا ليس في محل طرح مبادرات أو اقتراحات مع احترامنا الجليل لكل أصحاب المبادرات، لأن الحاجة أقوى لتوفر العزيمة والإصرار – كدافع وحس وطني مسئول وصادق تعلوه مصالح الشعب ومعاناة المواطنين، وأتساءل وأستغرب إلى أي مدى ستؤدي الاعتراف بالخطيئة على الملء ما دام هناك اعتراف صريح وإن ٍ أنتابه نوع من الاستحياء، يحد من الخروج والتحمل بالمسئولية والاعتراف بأن هناك ضرر أصاب قطاع غزة، وبالتالي علينا العدول عنه وتصحيحه ... وأتساءل هل هي اكبر من تلك الثقافة الأخذة في الأستشرار والتغلغل في أسلوب حياتنا كالسرطان، مما تهدد ثقافتنا وتقاليدنا ونضالنا النظيف وحتى ديننا الحنيف "دين التسامح والعفو والوحدة والترابط" ، بل هذه الثقافة التي أزهقت أرواحاً وعذبت نفوساً وانتهكت الحرمات وكرامة الوجود الفلسطيني وكينونته وهويته ومزقت وحدته الجغرافية والسياسية.
حيث أصابت قطاعات المجتمع المختلفة وألحقت الضرر البالغ والشلل التام الذي أصاب الاقتصاد والصناعة والتجارة والصحة والبيئة والتجارة والزراعة والعمالة والتعليم ووووو.......الخ
ولذلك اقترحت أن أدعكم أمام جملة عوامل خلفها الحسم أو "الانقلاب إن صح التعبير " بغض النظر عن المسئول أو السبب والمتسبب، لأن فلسطين أكبر منا كثيراً عن هذا التعنت والهروب من المسئولية الوطنية والشعبية التي تكاد تعصف بنا جميعاً، بعد أن مارسنا أشد أنواع الغلظة في وجوه بعضنا ومارسنا مختلف أفانين الجرم وعللناها بالبيانات والكذب والفتاوى المغرضة المحرضة على القتل وسفك الدماء والاتهام بالخيانة دون رواية أو تيقن، نابعة من تعصب حزبي أعمي وضيق، نقلت مجتمعنا بعد أن كان أمناً إلى مجتمع يسوده الخوف والقلق "من السلام ومن الحرب" من الحكمة إلى الجنون ومن النظام إلى الفوضى وصولاً إلى الجاهلية والضياع، ولذلك نقول أن حل الأزمة لا يأتي كما حدث بالعنف أو بإراقة المزيد من الدماء واستباق القانون وإن قصرت المهام بواجبها.
ومن حكمة وحرص ووعي السيد الرئيس أبو مازن وشعوره المحبط اتجاه ممارسات الانقلاب وما يقترف في قطاع غزة من تعميق للأزمة، وفرض سياسة ألأمر الواقع، حيث سعى لتشكيل لجان وتفعيل دور ومؤسسات لرعاية الاحتياجات الحياتية الضرورية لمواطنينا الكرام وهذا نابع من سؤالي "من المسئول عن الناس عباس أم حماس؟".
وهي ::
الاهتمام والوعي بالمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية ، أمام خيارات التسوية والحلول السلمية التي تمر بمنعطف خطير وشديد التغير وبالغ التعقيد، بعد حالة الانفصال والانقلاب على الشرعية الحاكمة، ولذلك علينا الانتباه من المساعي الإسرائيلية التي تعمق حالة الانفصال وتوظفها نحو تحقيق مكاسبها السياسية ولتحسين صورتها أمام العالم على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وسعيها الدؤب للالتفاف على المقاومة وإلحاق الأذى بها قدر المستطاع، من خلال انحرافها وتعزيز حالة القطيعة الجغرافية والسياسية والحد من إقامة الدولة الفلسطينية، لكسب مزيداً من الوقت والسيطرة على الأراضي وتهويد ألأماكن المقدسة وإلحاق الأذى بالاقتصاد الفلسطيني المنهار وجعله تحت السيطرة ورحمة الاحتلال، بالتالي يكون هناك انسداد في الأفق السياسي الذي لا يأتي إلا بمزيد من الفرقة على حساب شعبنا المناضل.
وهو يقودنا للحديث عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي أصابت القطاع بفعل الحصار والانقلاب، حيث يدعونا إلى نجدة هذه الحالة وإنقاذ حالة البؤس والمأساة التي يعيشها المواطنين منذ عامين على الأقل .
وما حدث في الآونة الأخيرة من تغيرات ديمغرافية فرضت أجندتها كسياسة أمر واقع على الخارطة السياسية وما سينتج عنها من انعكاسات لايحمد عقابها، روج لها العدو الإسرائيلي منذ زمن بعيد، سيما ونحن نتحدث عن قطاع غزة الذي يفتقر لكل مقومات الحياة ويعاني من حالة حصار وإغلاق وقطيعه عن العالم الخارجي، وما زلنا نتحدث عن القطيعة، فهناك قطيعة أخرى التي أصابه الأسرى مع ذويهم بفعل الانقلاب كمبرر لدى الاحتلال لمنع الزيارات، وهو أمر نتجاهله وقد ترك انعكاسات سلبية على نفسيات الطرفين "الأسير وذويهم".
و اعتماد الاحتلال على هذه الذرائع من أجل الابتزاز وفرض أجندته وشروطه، وممارسة المزيد من التنازلات على حساب المفاوض الفلسطيني، وفي نفس الوقت ارتكاب الجرائم وأعمال القتل والتدمير والسيطرة والطمس في ظل غياب الشريك الأخر، ... بالتالي أنعكس على القضية الفلسطينية ومسألة المقاومة، خاصة بعد تداعيات الانقلاب، الذي خلف مئات القتلى والجرحى والمعاقين، وما أفرزه من حالة نهب وسلب للمؤسسات والمقار الأمنية والشرطية ووووو.إلخ ، الأمر الذي أدى إلى حالة من الجمود التام في مؤسسات المجتمع المدني التي تقوم بدور الخدمة بكل أشكالها التي لها أهميتها وكينونتها وتلبي احتياجات العامة.
ومع حالة الفوضى والفلتان التي أخذت مناحي في ظل غياب السلطات السيادية الثلاثة وتكبيل وتحييد ما تبقى من السلطات ونقصد "السلطة الرابعة" من دورها ومزاولة مهامها بشفافية مطلقة بوضع القيود والمحاذير أمام أطقمها وفرض أشد العقوبات أمام حرية الرأي والتعبير والنشر، والتي لها مخاطر كبيرة خاصة اتجاه المواطن الفلسطيني المناضل، ولذلك نطالب بضمان حرية الرأي والتعبير والنقد البناء النزيه والمنضبط والحق في مزاولة المهنة، من أجل المحافظة على حقوق المواطن الفلسطيني، والدفاع عن كرامته ووجوده وحقه أسوة بشعوب العالم.

وبغياب الحكومة الناظمة للقانون وللأمور، بمؤسساتها السيادية الثلاثة، تزداد حالة الفوضى واللجوء إلى أخذ الحقوق باليد وبالقوة، و ضياع الجزء ألأخر من الحقوق.
إن الإسلام دين عدل ومساواة ومحبة وتسامح وتآخي، ليس لأننا فلسطينيون ولا لأننا نقبع تحت احتلال مجرم، بل لأننا مسلمون ديننا واحد ومرجعنا واحد هو كتاب الله وسنة نبينا الكريم، بالتالي الإسلام يرفض هذه المهاترات والمغامرات التي لن تأتي بالفائدة على شعبنا بل ضد مصالحه وعلى حساب أبنائنا، بالتالي يجب القيام بتوحيد وحدة الشعب كحوصلة صغيرة وصياغة موقف موحد اتجاه الحلول والمبادرات السياسية ونحو المقاومة، تمهد لوحدة الأمة كشرط لابد من توافره من أجل كنس الاحتلال و نيل الحرية والاستقلال، فالوحدة فريضة إسلامية، والمحافظة عليها فريضة إنسانية اجتماعية، خصوصاً في هذه الظروف الصعبة والخطيرة من النظام السياسي الفلسطيني، وإرثه النضالي.
وهذا ما يقودني للوقوف عند نقطة هامه تخص المساجد ومراكز التحفيظ والتعلم، فهي ليست حكراً لأحد، لأنها أمانة يحاسب عليها المرء، عند ربه، وما لها من سلبيات يجب طرحها كونها محل جدال بين ألأطر الفلسطينية سيما الإسلامية منها، وقد تركت تداعياتها على المصلين وعلى الجيل الناشئ منها " السيطرة على المساجد أو مكتبة المسجد أو على وضع الملصقات واللوحات الإعلانية واليافطات والرايات على الجدران والمنابر والقباب ومآذن المساجد، أو نزاع على الخطابة والإمامة"، خدمة لمصالح فئوية وحزبية ضيقة، وهو ما واجهته مساجد حي الشجاعية والزيتون ومساجد الشمال من نزاعات بين حركتي حماس والجهاد ، والتشكيك في مصداقية ألأخر عبر إطلاق حملة تشهيرية ضد الأخر، لدرجة وصفنا للشخصيات والأفراد بربطها بذهابهم لمسجد ما ونحكم على انتمائهم السياسي وفق ذلك.

لقد خلف الحسم في غزة تداعيات منها بإيجاز على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي لأنها الأكثر تضرراً /

سياسياً :
توتر العلاقات الفلسطينية خارجياً سيما مع الدول المحيطة والخشية تزداد من انتقال التجربة إليها، بالتالي تكون سياستها وعلاقتها مع سكان قطاع غزة بين المد والجذر والحذر الشديد، فيما على الصعيد الداخلي فقد شهدت حالة من التفكك الاجتماعي الفلسطيني وعدم الثقة والشك والريبة السياسية في مختلف الفرقاء وأشقاء النضال والعمل الوطني، وتشويه صورة النضال الفلسطيني وتسهيل المهمة على الاحتلال باتهامه للمقاومة الفلسطينية بالإرهاب وممارسة أشد أنواع العدوان واستخدام ما لديه من قوة مفرطة ضمن المبررات المتاحة وبموافقة دولية وإخراج شرعية المقاومة، ونتيجة الانقلاب الذي أدى إلى سقوط هيبة السلطة الوطنية صاحبة النظام الفلسطيني ذات السلطات السيادية وبأجهزتها ومؤسساتها الأمنية ومرافقة سائر القوى الوطنية والإسلامية، لأنه انغرست لدى المواطن الفلسطيني مفاهيم مختلفة أمام هذه المواقف والمصالح الحزبية وأطماع الحكم . وهي أيضاً سهلت المهمة أمام الاحتلال الإسرائيلي لمواصلة سياسة المماطلة والتهرب من مسئولياته من الاتفاقيات والاستحقاقات السياسية التي أبرمتها منظمة التحرير وبرعاية دولية، والترويج لقناعة أن الشعب الفلسطيني غير مؤهل لقيادة نفسه وبالتالي وجوب دخول دولة استعمارية لقيادته بالإشارة لدول الإقليمية.
وهو ما يدعنا للحديث عن تراجع مؤيدي القضية الفلسطينية سيما على الصعيد السياسي و ألخدماتي "مؤسسات وشخصيات" والإساءة لها الأمر الذي أدى لمغادرتها بفعل الانقلاب والخشية على أرواحهم، الذين حضروا من أجل دعم القضية والمواطن الفلسطيني وفضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ضد جماهير شعبنا الفلسطيني المناضل.

اقتصاديا :
يمكننا الوقوف عند أهم عنصر وهو إغلاق كامل للمعابر والمنافذ التجارية والتحكم بها من قبل الاحتلال بإدخاله للعناصر الأساسية وبعض السلع الغذائية، وإغلاق المعبر الحدودي البري مع جمهورية مصر العربية الشقيقة، بالتالي أصبح القطاع عبارة عن سجن كبير، الأمر ذاته أدى إلى هروب رأس المال الوطني والعربي وتوقف عجلة الاستثمار، وتوقف الدول المانحة عن تقديم يد العون والمساعدات للسلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسساتها الدولية العاملة في ألأراضي المحتلة والتوقف عن تمويلها للمشاريع المختلفة في القطاع، أو عدم إدخال الطرف الإسرائيلي للمواد الخام ومستلزمات المشاريع التي تمس بالبنية التحتية والصرف الصحي وما شابه، وهذا يؤكد مواصلة إسرائيل في حربها الاقتصادية ضد الاقتصاد الفلسطيني بمنعه للبضائع الصادرة والمستوردة وتدمير بنيته التحتية، التي تمس قطاعه الصناعي والزراعي والتجاري المحلي، وانقطاع غالبية السلع وارتفاع أسعارها، مما زاد من معاناة القوى العاملة وارتفاع نسبة البطالة وتفشيها.
وبين مطرقة الاحتلال وسنديان السلطة الحاكمة في قطاع غزة بالإشارة إلى حركة حماس التي تفرض الغرامات والجابيات والضرائب والجمارك والرسوم على المواطنين الفلسطينيين الذين يعانون الأمرين بفعل الحصار والإغلاق سواء بفرض رسوم على طلاب المدارس أو على التجار، سيما تجار التبغ أو على تراخيص المركبات، أو الاستيلاء على الممتلكات العامة والخاصة والتصرف بها، وووو.الخ

اجتماعياً :
وأستهلها بالوقوف عند نقطة جوهرية وهي / أننا أُدخلنا للخوف والخشية من المستقبل المجهول، والهجرة المفتوحة على مصرعيها، في ظل التهرب من المسئوليات الوطنية والاجتماعية المتفاقمة بفعل الانقلاب، وانزلاق المجتمع الفلسطيني في هاوية التباغض والريبة والغرور بالمظاهر الخادعة، بالتالي هي بحاجة ماسة إلى تنظيم العقد الاجتماعي، وعقد مصالحة وطنية وشعبية على مستوى الأحزاب والعائلات والأسر من أجل رأب الصدع وتعويض ما يمكن تعويضه .

لعل من الضرورة بمكان أن يعلم الجميع أنه لا سيد للوطن إلا ذاته وأنه لا سيادة لتجربة وطنية تواصل مسيرة الفشل ولا تقديس لتيار أياً كان إذا مس بالوحدة النضالية أو قفز على المصالح الوطنية العليا،...

والمطلوب خطة ترافق المبادرة من أجل تقارب وجهات النظر بين الطرفين الفلسطينيين/

لابد من المصادقة الجيدة والفعلية نحو مبادئ الشراكة السياسية في مواجهة شتى أنواع الفوضى بأشكالها وعلى رأسها فلتان العناصر المقاومة وخروجها من إطار المصالح الوطنية الجزئية المؤقتة والإستراتيجية بعيدة المدى بناءً على الوعي بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني، بعيداً عن المصالح الفئوية وضرورة التحول من شراكة الدم إلى شراكة القرار النضالي ومن شراك الدم والقرار النضالي إلى الشراكة الحقيقية في اتخاذ القرار السياسي والوطني، نحو ترتيب الأوراق وإعداد الخطط والتكتيكات والاستراتيجيات المتوسطة والبعيدة المدى.
يجب إعادة هيكلة بناء الهرم السياسي الفلسطيني وفقاً للأحجام السياسية الحقيقية وبعيداً عن الأساليب الملتوية وأساليب تزييف الوعي وتخوين ألأخر، وإسقاط غريزة الخطف والاعتقال والانتقام خاصة وأنها تمارس ضد شخصيات ورموز النضال الفلسطيني، بالتالي فهي تهدم ولا تبني، وتدمر ولا تعمر، تثير الأحقاد ولا تجمع العباد، تفرق ولا يمكن أن توحد، بالتالي تخدم الاحتلال الصهيوني دون غير. ولذلك يجب أن تأخذ الجهات المختصة دورها في ضبط النظام والضرب على أيدي من حديد ضد العابثين والمخربين من جهة وأن تقر بأن وحدة الصف مقدمة على المقاومة والجهاد ، فالجبهة الداخلية مفككة ومتصارعة ومنهارة وضعيفة لحد العجز والضياع في ظل غياب السلطات الثلاثة التي تضمن حقوق الأفراد لأننا سنكون سواسية أمام الحق بالتالي تنتج آفاق السلام والأمن ويسهل عملية إقامة نظام الحكم المستقر فصلاح الحاكم سيؤدي لصلاح المحكوم والعكس ونحن نفتقر لكلا الطرفين.

باحث فلسطيني


ليست هناك تعليقات: