الجمعة، أغسطس 31، 2007

في الضفة الغربية ، لا في غزة ، يتقرر الحسم الفلسطيني


نقولا ناصر

بالرغم من تركيز كل الأضواء الإعلامية والسياسية على حركة المقاومة الإسلامية المحاصرة في قطاع غزة فإن جميع المؤشرات تدل على أن ساحة الصراع الأساسية لحسم الازدواجية الفلسطينية لا تجري في غزة بل في الضفة الغربية ، حيث الجهود الأميركية والإسرائيلية محمومة لترسيخ سلطة الحكم الذاتي وتعزيز الائتلاف الذي تقوده فتح برئاسة محمود عباس ولمنع حماس من نقل صراعها مع إسرائيل واصطراعها مع هذا الائتلاف إلى المنطقة التي تخضع بكاملها للاحتلال الإسرائيلي منذ اجتاحت القوات المحتلة مناطق الحكم الذاتي في ربيع عام 20002 .

وبينما تعزز حماس قيادتها للقطاع وتبدو متمالكة لأعصابها وخطابها السياسي المصر على الحوار الوطني والوحدة دون التخلي عن مطالبها في الإصلاح أو عن مواقفها السياسية المعلنة في مواجهة إجراءات الحصار العسكري والسياسي والاقتصادي والمالي وتتصدى بالحد الأدنى من "عنف السلطة" لمحاولات التحريض على "انتفاضة" شعبية ضدها ، يبدو الطرف الآخر في الازدواجية الفلسطينية متوترا وعصبيا وهو يستثمر أوراقه الدولية مع كل الأطراف الداعمة له في محاولة يائسة لخنق حماس حد الاستسلام دون شروط لمطالبه كما يبدو ، في سباق محموم مع الزمن ، ليس لإنهاء سيطرة الحركة الإسلامية على غزة ، بل للحيلولة دون شق طريقها إلى الضفة الغربية كمخرج وحيد أمامها لكسر الحصار المفروض عليها في غزة .

إن التقارير الإعلامية التي تتحدث عن استقالة محتملة للرئيس عباس وعن البحث عن خليفة له وبأنه قرر عدم ترشيح نفسه لولاية ثانية ما هي إلا مثال على سباق عباس المحموم مع الزمن لتحقيق إنجاز ما قبل ذلك . ويزيد بدء العد التنازلي للحملة الانتخابية الأميركية قبل انتهاء ولاية الرئيس جورج دبليو. بوش بعد حوالي 16 شهرا من حدة هذا السباق مع الزمن . ويبدو عباس كمن يدخل رهانه الأخير على حسن نوايا الراعي الأميركي ، لكنه في الوقت نفسه يحاول جاهدا تعزيز أوراقه في هذا الرهان الحيوي على مصير قضية فلسطين وعربها . وتستغل واشنطن وجود قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في أضعف حالاتها وأقلها تمثيلا لشعبها للاستمرار في ارتهانها لحسن النوايا الأميركية لتدفعها أكثر باتجاه المزيد من الحرث في البحر الأميركي بحثا في المجهول الأميركي عن أوهام حل سلمي يكاد يتحول اللهاث وراءه إلى إدمان ، وهو حرث لم تحصد منه القضية الفلسطينية حتى الآن سوى الريح .

فالرئيس بوش اقترح "مناسبة" دولية لم يُتٌفق بعد على اسم لها ، فالبعض يسميها "مؤتمرا" وآخرون "اجتماعا" وغيرهم "تجمعا" ، ولم يتسلم أحد دعوة لها حتى الآن ، ولم يتحدد مكانها ولا موعد مؤكد لها ولا من سيشارك فيها ، ولا يعرف أحد جدول أعمالها ، ولم يتجرأ أحد على التكهن بنجاحها ، لكن الرئيس عباس نفسه قال إنها ستكون "مضيعة للوقت" إذا لم تتمخض عن الاتفاق على "إطار عمل واضح" حول القضايا الجوهرية للدولة الفلسطينية المرجوة .

بعد لقائه عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني في عمان يوم الأربعاء الماضي قال عباس إن المؤتمر الذي اقترحه بوش ما زال غير واضح بالنسبة إلى موعده الرسمي وجدول أعماله والمشاركين فيه وألمح بطريقة غير مباشرة إلى احتمال عدم نجاحه عندما أبلغ التلفزيون الأردني أن الذهاب إليه دون إعلان مبادئ ضمن إطار خطة عمل واضحة لن يجعل منه مؤتمرا "مثمرا" . وكان عباس قد قال في تصريح لصوت فلسطين عشية اجتماعه مع رئيس وزراء دولة الاحتلال إيهود أولمرت في القدس يوم الثلاثاء الماضي إن المؤتمر بدون ذلك سيكون "مضيعة للوقت" .

ولم يتمخض لقاء عباس - أولمرت في القدس عن أي نتائج ملموسة إذ بالرغم من التقارير الإعلامية التي تحدثت عن اتفاقهما على تأليف طاقمي عمل يعدان لإحراز تقدم في محادثاتهما اللاحقة فإن أيا منهما لم يعلن عن إحراز تقدم ولم يصدر بيانا خطيا بينما أكد الجانبان أن الرجلين لم يبحثا أية تفاصيل حول الوضع النهائي بعد ما يقرب من ثلاث ساعات من المحادثات التي كان معظمها ثنائيا بين الرجلين . وقد نفى كبير المفوضين الفلسطينيين صائب عريقات تبادل أي مذكرات تفاهم بينما قال مصدر سياسي رفيع المستوى في مكتب أولمرت لصحيفة يديعوت أحرونوت إنه "في هذا الوقت لم يتم التوصل إلى أي اتفاق" وأوضح أنه "من السابق لأوانه القول إن أي اتفاق كهذا سوف يجد طريقه إلى المؤتمر المقترح" .

ومع ذلك يبدو جدول أعمال الرئيس عباس مزدحما للقاء أصحاب مشروع هذا "الوهم – الملهاة" بحيث لا يُبقى له أي وقت حتى لحد أدنى من تبادل الرأي الوطني حوله ، إذ من المقرر أن يلتقي رئيس وزراء دولة الاحتلال إيهود أولمرت مرتين في الأقل قبل شهر تشرين الأول / أكتوبر المقبل عندما سيلتقيان في تل أبيب لمرة ثالثة في مؤتمر فلسطيني – إسرائيلي لرجال الأعمال ، يلتقيان خلاله أيضا مع مبعوث "الرباعية" الدولية توني بلير ، قبل الذهاب إلى تلك "المناسبة" ربما في أواخر تشرين الثاني / نوفمبر المقبل ، إثر لقائهما في القدس المحتلة الثلاثاء الماضي بعد ثلاثة أسابيع من لقائهما في أريحا . ومن المقرر كذلك وصول ديفيد ولش مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى لكي يمهد للقاء بين الرجلين وبين كوندوليزا رايس بين 16 – 19 أيلول / سبتمبر لحثهما على الاتفاق على ما يسميه البعض "إعلان مبادئ" وآخرون "إطار عمل" ويسميه إسرائيليون "وثيقة اتفاقيات وتفاهم" ، قبل توجه عباس إلى نيويورك في نهاية الشهر ، مرورا بلقاءات عربية ودولية أخرى يستهدف منها تحويل الوهم إلى واقع والتمني إلى حقيقة والمجهول إلى معلوم .

"حفلة بوش الخاصة"

فهذا المؤتمر الذي يراهن عباس عليه من المواعيد التي تزيد في توتر السباق الجاري مع الزمن لأن "واشنطن قلقة من أن فشل المبادرة الجديدة سوف يسحب البساط من تحت أقدام فتح المترنحة ويدفع الضفة الغربية إلى أحضان حماس . ولكي يمنعوا حدوث ذلك يطلب الأميركيون من إسرائيل أن تقدم لعباس خطوطا عامة لاتفاق دائم ، لا محاولة مكشوفة لإعادة تدوير اتفاقيات قد استهلكت" ، كما كتب أكيفا إيلدار في هآرتس في 22 الجاري .

إن ما وصفه السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل مارتن إينديك ب "تحالف الخوف" الفلسطيني – الإسرائيلي الذي تسعى واشنطن إلى إقامته في الضفة الغربية المحتلة المحاصرة بين الطريقين المسدودين للأزمة الفلسطينية الداخلية وعملية السلام الخارجية ، إنما يُحكم انسداد طريق الحوار الوطني الفلسطيني ، ويزيد ارتهان القيادة الفلسطينية في رام الله لعملية سلام يُراد لها أن تُبعث من بين الأموات ، ويهدد بانفجار عنيف إن وقع ربما يدفن إلى غير رجعة وإلى أمد غير منظور كل مشاريع إحياء "عملية السلام" التي وصلت إلى طريق مسدود منذ عام 2000 .

وتبدو القيادة الفلسطينية في رام الله وكأنما قد وضعت كل بيض "المشروع الوطني" لمنظمة التحرير الفلسطينية لإقامة الدولة المرجوٌة فوق الأراضي المحتلة عام 1967 في السلة الفاسدة للرئيس الأميركي جورج دبليو. بوش ، في رهان أخير على حسن النوايا الأميركية ، هذه النوايا التي إذا لم تُثبت جدواها ضمن سقف زمني محدود جدا خلال ما تبقى من ولاية بوش قبل أن ينتخب الأميركيون بديله بعد حوالي 16 شهرا فإنها قد تفجر الأوضاع في الضفة الغربية تفجيرا ربما لا يُبقي أي شريك فلسطيني لدعاة السلام العرب ، ولا نقول شريكا فلسطينيا لإسرائيل ، لأن تل أبيب ما زالت لا تجد ، كما تدٌعي ، أي شريك لها كهذا بين الفلسطينيين كما يُثبت تاريخها القريب والبعيد . أما الانفتاح الإسرائيلي على الرئيس محمود عباس منذ سيطرة حماس على غزة فإنه يندرج في إطار الاختيار بين أهون "الشرٌين" الفلسطينيين إذا تذكرنا الحصار الذي كانت إسرائيل تفرضه عليه قبل ذلك ومنذ انتخابه أوائل عام 2005 .

ويُخطئ المراقب العربي عندما ينجٌر بوعي أو دون وعي إلى الحرب السياسية والإعلامية والسيكولوجية الإسرائيلية – الأميركية التي تركز كل الأضواء على حماس المحاصرة في منعزلها الغزٌاوي لكي تُحول الأنظار بعيدا عن الساحة الرئيسية للصراع العربي والفلسطيني – الإسرائيلي في الضفة الغربية ، حيث يتقرر مصير عملية السلام والسلام نفسه وحيث يتقرر أيضا مصير الاصطراع الوطني على قيادة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال .

ويشترط بوش وأولمرت استمرار حالة الانقسام الفلسطيني للذهاب إلى المؤتمر الدولي الذي اقترحه الرئيس الأميركي في الخريف المقبل وهما يجدان عونا لهم في ذلك في كبار مساعدي عباس ، مثل أمين عام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه وكبير المفاوضين صائب عريقات ممن يعتقدون بأن حدوث "انفراج في المفاوضات مع إسرائيل حول اتفاقية مبادئ يمكنه أن يزيد الضغط الشعبي على حكومة حماس ويسرع في سقوطها" كما نقل عنهما أكيفا إيلدار في هآرتس . وهذا الاشتراط يمنح مصداقية لإعلان رئيس المكتب السياسي لحماس ، خالد مشعل ، بأن "التدخل الأميركي والإسرائيلي" هو "ما يعيق إمكانية الحوار" للمصالحة الوطنية وأن إسرائيل "تهدد رئيس السلطة" عباس لمنع الحوار وأن "الإدارة الأميركية تمارس ضغوطا مباشرة على كل الأطراف في المنطقة لمنع أي محاولة لجمع حماس وفتح" .

لكن الطريق المسدود لإحياء عملية السلام لم يؤكده أحد "رسميا" حتى الآن وما يزال يجري التعتيم عليه أميركيا وأوروبيا وإسرائيليا بدفق لا يتوقف من التصريحات "المتفائلة" عما اخترع له رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ووزيرة خارجيته تسيبي ليفني مصطلح "العملية الدبلوماسية" الجارية بين أولمرت وبين عباس ، حيث يجري ترويج وتداول هذا المصطلح على نطاق واسع ليحل محل مصطلح "عملية السلام" ، وعن إمكانية أن تقود هذه "العملية الدبلوماسية" إلى "اتفاق إطار" ، أو إلى ما سمته "معاريف" الإسرائيلية في العشرين من الشهر الجاري "وثيقة اتفاقيات وتفاهم" مع الفلسطينيين خلال المؤتمر الدولي الغامض الذي اقترح بوش عقده في الخريف المقبل .

وحتى لو نجح الطرفان في التوصل إلى "اتفاق إطار" أو إلى "وثيقة اتفاقيات وتفاهم" فإن عدم وجود أي ضمانات لكي تعقب أي اتفاق كهذا مفاوضات حول الوضع النهائي سوف تضمن إضافة الاتفاق الجديد إلى الركام المهمل من الاتفاقيات المماثلة . ألم تعلن إسرائيل وجامعة الدول العربية وفاة اتفاقية أوسلو ، التي ما تزال قيادة منظمة التحرير تعلن التزامها بها ، لأن عدم وجود ضمانات مماثلة فيها قاد إلى وصول "عملية السلام" إلى طريق مسدود بعد أن هربت إسرائيل من استحقاق تنفيذ "المرحلة الثالثة" من المرحلة الانتقالية إلى قمة كامب ديفيد الفاشلة عام 2000 كبديل عن الدخول في مفاوضات الوضع النهائي التي كانت مقررة في تموز / يوليو 1999 ؟

ثم ما الذي يضمن ألآ يكون مصير إعلان المبادئ الجديد كمصير "إعلان المبادئ" الذي وقعه عباس في واشنطن عام 1993 ؟ فحتى لو بلغ التفاؤل حد توقع ضمان الإعلان الجديد بسقف زمني وآليات تنفيذ ، ما الذي يضمن التزام قادة الاحتلال لكي لا يتحول هذا الإعلان إلى "إطار عمل" يُسوٌغ فلسطينيا التعاطي مع الحلول الانتقالية مثل الدولة "المؤقتة" التي يقترحها أولمرت ويرفضها الإجماع الفلسطيني ؟

إن الرفض القاطع المعلن السريع من عباس الأسبوع الماضي لاقتراح إسرائيلي بتضمين أي "اتفاق إطار" موافقة متبادلة على مبادلة ديموغرافية للمستوطنين في المستعمرات اليهودية غير الشرعية في الضفة الغربية بالسكان الأصليين من عرب فلسطين الذين فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية منذ النكبة عام 1948 ، وكذلك مسارعة مكتب عباس إلى نفي خبر رئيسي فى هآرتس يوم 23 آب / أغسطس قال إن الرئيس الفلسطيني لا يرفض بصورة قاطعة اقتراحا إسرائيليا بإقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة ، دون أن يكتفي بنفي مماثل سبقه من كبير المفاوضين عريقات ، إنما يكشف سوء النية الإسرائيلية في مؤشر آخر إلى العقبات التي تبدد أية أوهام حول نجاح مؤتمر بوش المقترح .

وفي اليوم التالي مباشرة علق المحلل الإسرائيلي إيلدار في هآرتس نفسها على هذا "الحوار الساخن" الفلسطيني – الإسرائيلي عبر وسائل الإعلام قائلا: "عبر السنين تعلم الفلسطينيون أنه بالنسبة للإسرائيليين لا يوجد ما هو أكثر ديمومة من المؤقت" مضيفا أن أولمرت في محاولاته لإيجاد صيغة تجسر بين الدائم وبين المؤقت تبنى أسلوب "الغموض البناء" الذي يتيح لكل طرف أن يكون له تفسيره الخاص . فهل تعلم الفلسطينيون حقا ؟

ويكاد يوجد شبه إجماع بين المحللين والمراقبين الفلسطينيين والإسرائيليين والعرب والأجانب على "التشاؤم" من إمكانية أن يخرج المؤتمر المقترح بأية نتائج إيجابية ملموسة تجعله يتجاوز كونه مجرد حدث للعلاقات العامة على مستوى القادة ، غير أن توقٌعات الإسرائيليين منهم بخاصة جديرة بالتوقف عند بعضها . فعلى سبل المثال فإن شلومو بن عامي ، المؤرخ والسياسي والبرلماني ومفاوض السلام ووزير الخارجية في عهد إيهود باراك ، وصف المؤتمر ب "حفلة بوش الخاصة" لدق إسفين بين عباس وبين حماس ليؤكد ما قال خالد مشعل أنه "تدخل وتهديد" أميركي وإسرائيلي لعباس "لمنع أي محاولة لجمع حماس وفتح" . أما يوسف لبيد ، الإعلامي والبرلماني وزعيم حزب "شينوي (التغيير)" ونائب رئيس الوزراء في عهد آرييل شارون ، فإنه يعتبر محادثات عباس وأولمرت عبثية وبلا معنى ولا طائل وراءها "لأنها في نهاية المطاف لن تقود إلى أي مكان ، كونها ممارسة عبثية لن تُنوج أبدا باتفاق" ، كما كتب في الجروزالم بوست في 21 الشهر المنصرم .

وقد لخص الموقف العربي الرسمي تصريح للرئيس المصري حسني مبارك لصحيفة "أخبار اليوم" يوم الأحد الماضي قال فيه إن هذا المؤتمر يفتقر إلى "إطار عمل" ولخص موقفا عربيا شبه رسمي أحمد ماهر وزير الخارجية السابق لمصر ، التي لا يُشك في علاقاتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة ، بقوله لرويترز يوم الجمعة قبل الماضي: "إن إدارة بوش ليست مستعدة لاجتماع ناجح . ولا توجد أي مؤشرات إلى أن هذا المؤتمر سوف يكون ناجحا . فالأسس التي سوف ينعقد على أساسها ليست واضحة" . أما جامعة الدول العربية فإنها حذرت بلسان هشام يوسف مدير مكتب الأمين العام عمرو موسى بأن "هذه هي الفرصة الأخيرة لإدارة بوش وإذا لم ينجح (المؤتمر) فإنها ستكون نكسة ضخمة" . أما المواقف العربية غير الرسمية فتكاد تجمع تحليلات المراقبين على أن المؤتمر لا يعدو كونه حركة دبلوماسية تدور في إطار العلاقات العامة هدفه تعميق الانقسام الفلسطيني وشق الصف العربي الذي أجمع على مبادرة السلام العربية .

وربما يكون نظمي الجعبة الأستاذ بجامعة بيرزيت الذي شارك في التفاوض على مبادرة جنيف قد لخص الشك الفلسطيني في المؤتمر المقترح عندما قال لصحيفة "ذى غلوب أند ميل" الجنوب إفريقية في 29 آب / أغسطس: "يرعبني حقا أن هذه الاجتماعات (عباس – أولمرت) والاجتماع في تشرين الأول / نوفمبر تخلق الوهم لدى قطاعات معينة في الجانبين (الفلسطيني والإسرائيلي) بأن السلام ممكن وأن كلا الزعيمين مقتدر" وحذر من أن وهما كهذا "سوف يقودنا إلى نوع آخر من الانتفاضة" .

"تحالف الخوف"

وتنحصر سلطة عباس الآن في الضفة حيث ما زالت إسرائيل تحول دون تمكينه من إعادة بناء هياكل السلطة التي دمرها الاجتياح الإسرائيلي في عملية "السور الواقي" ودون بسط سلطة الحكم الذاتي على المناطق المخصصة لها بموجب اتفاقيات أوسلو بعد أن أعادت قوات الاحتلال الإسرائيلي احتلالها في ربيع عام 2002 وما زالت ترفض العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل ذلك ، ناهيك عن تمكينه من أن يقدم لأهل الضفة إنجازا متواضعا مثل منحهم حرية الحركة بين مدنهم وقراهم ومخيمات لجوئهم ، حيث ما زالوا يخضعون لعقوبة جماعية تكاد تخنق نشاطهم الاقتصادي المحلي وحياتهم المدنية اليومية بأكثر من 512 حاجزا عسكريا ثابتا غير العشرات من الحواجز الطيارة التي تقيمها قوات الاحتلال دون سابق إنذار وأكثر من 312 كيلومترا من الطرق الرئيسية المحرم على عرب الضفة سلوكها ، كما ذكرت هآرتس في 7 آب / أغسطس نقلا عن تقرير حديث لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بيتسيلم" .

وهذا الحصار الذي يجد عباس نفسه فيه بين الطريقين المسودين للأزمة الداخلية ولعملية السلام لا يشفع له لدى "الأصدقاء" الأميركيين لممارسة نفوذهم لدى حليفهم الإستراتيجي الإسرائيلي لكي يستجيب حتى لبعض طلباته المتواضعة ، بالرغم من تلبيته للشروط الإسرائيلية كافة كما تبناها الوسطاء الدوليون في اللجنة الرباعية الأميركية – الأوروبية – الروسية – الأممية . لقد "كافأه" الإسرائيليون فقط بما اخترع له أولمرت ووزيرة ووزارة خارجيته مصطلح "العملية الدبلوماسية" لوصف اللقاءات الدورية كل أسبوعين بين الرجلين ، وتهدد إسرائيل بوقف هذه "المكافأة" عند أول بادرة حوار بين عباس وبين حماس قد تبشر بإحياء الوحدة الوطنية الفلسطينية ، بينما تستمر الدعاية الإسرائيلية في ترويج المصطلح الجديد بديلا لمصطلح "عملية السلام" الذي فقد مصداقيته لتضليل الرأي العام الدولي . وكان الجانبان قد استأنفا "التنسيق الأمني" بينهما كما أعيد فتح 14 مكتبا للارتباط العسكري في أرجاء الضفة الغربية لتنسيق "الشؤون المدنية" لأهالي الضفة كما أكد المسؤول الفلسطيني لهذه الشؤون حسين الشيخ .

وفي سياق ما وصفه مارتن إينديك ب "تحالف الخوف" الفلسطيني – الإسرائيلي الذي تسعى واشنطن إلى إقامته في الضفة الغربية المحتلة ، تستمر وسائل الإعلام الإسرائيلية في تغذية امتداداتها الخارجية بتقارير غير مؤكدة عن "شبكة عسكرية" لحماس "ناشطة جدا" و "تكتسب قوة" و "تجتاح" الضفة الغربية التي "يمكن أن تسقط قريبا في أيدي حماس" التي "تعزز خلاياها" فيها . ومثل هذه التقارير تمثل الدعاية المناسبة لتسويغ استمرار إسرائيل في توسيع شبكة الحواجز العسكرية الثابتة والطيارة وشبكة الطرق المحرمة على الفلسطينيين كما تمثل الساتر الدخاني المناسب لمواصلة حملة الاعتقالات التي تقوم بها قوات الاحتلال وأجهزة أمن السلطة للناشطين ضد الاحتلال بعامة ولأعضاء حماس بخاصة . كما تستخدم هذه التقارير لتسويغ تخصيص الحصة الأكبر من معونات المانحين وخصوصا الأميركية منها للأجهزة الأمنية الفلسطينية وكذلك لتسويغ الاستمرار في دفع السلطة وإسرائيل نحو "تحالف الخوف" من "البعبع" الحمساوي الذي يوشك أن ينقض على الطرفين ، كما يدٌعون .

وفي السياق نفسه نقلت اليونايتدبرس إنترناشونال عن مسؤول إسرائيلي قوله إن أكثر من ألف بندقية وأجهزة اتصال وذخائر وخوذ وسترات مضادة للرصاص ، وجميعها من صنع أميركي ، قد عبرت نهر الأردن إلى السلطة . وكانت وزيرة الخارجية الأميركية قد وقعت أثناء زيارتها الأخيرة لرام الله اتفاقية مع رئيس الوزراء سلام فياض لقيام مكتب الأمن الدبلوماسي في وزارتها بتدريبات مشتركة مع الحرس الرئاسي (القوة 17) هدفها تحسين حماية الشخصيات الهامة الفلسطينية والزائرة .

وعادت وسائل الإعلام الإسرائيلية للحديث عن "الخيار الأردني" في الضفة قائلة إن أولمرت يدرس فكرة استقدام قوات من الأردن ، لا من حلف الناتو ، لمساعدة السلطة في مكافحة "الإرهاب" ، موضحة أنه لا يفكر في "قوات بدر" الفلسطينية التي تستضيفها المملكة بإمرة جيشها لكن بتمويل من منظمة التحرير ، بل يفكر بقوات أردنية "نظامية" . وحتى الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس "لم يبتعد تماما عن الخيار الأردني" فهو يقترح ترك حل مشكلة غزة إلى "أوقات أفضل" وكسب الأردنيين ضمن جهد أوسع لإعادة بناء الضفة الغربية والقدس الشرقية" كما كتب أكيفا إيلدار في هآرتس يوم 22 آب / اغسطس .

وفي سياق تسعير إستراتيجية الخوف أبلغ نائب رئيس المخابرات الداخلية "الشين بيت" الحكومة خلال اجتماعها الأسبوعي في 26 آب / أغسطس بأن القيادة العسكرية لحماس في دمشق أمرت مقاتليها في الضفة الغربية بشن هجوم كبير داخل إسرائيل ضمن "خطة لإحباط الجهود الدبلوماسية" بين عباس وبين إسرائيل . وفي ذات السياق كان رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية البريغادير جنرال يوسي بايداتز قد أبلغ الكنيست في الخامس من الشهر الماضي أن حماس وفتح على الأرجح سوف تشتبكان في الضفة الغربية "قريبا جدا" موضحا أن الأجهزة الأمنية للسلطة لم تكن فعالة تماما ولم تستطع توسيع قوتها وما تزال تعتمد على إسرائيل في محاربة حماس . واتفق معه في تقويمه سلام فياض ووزير الداخلية الفلسطيني عبد الرزاق اليحيى اللذان أبلغا مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى بأن أجهزة السلطة الأمنية لا تستطيع حتى الآن تسلم الأمن في المدن "لفرض القانون والنظام في الضفة الغربية في هذا الوقت" ، طبقا لهآرتس يوم السابع من آب .

ويجدر في هذا السياق أيضا التوقف عند "تعثر" الجهود المشتركة بين إسرائيل وبين سلطة الحكم الذاتي لتصفية بقايا "عسكرة" الانتفاضة في الضفة ، فقد حظي بتغطية إعلامية واسعة "العفو المشروط" الذي أصدرته الحكومة الإسرائيلية في شهر تموز / يوليو الماضي عن 270 مطلوبا فلسطينيا من مقاومي الاحتلال بعد توقيعهم على تعهد بنبذ "الإرهاب" وتسليم أسلحتهم للسلطة الفلسطينية التي وافقت على استيعابهم في أجهزتها الأمنية بعد فترة تجربة لمدة ثلاثة أشهر . وكان أول مؤشر للتعثر نفي مكتب أولمرت لما صرح به قائد قوى الأمن الفلسطينية في الضفة زياد هب الريح للجروزالم بوست في 22 الشهر الماضي عن تسلمه قائمة إسرائيلية جديدة تضم 110 مطلوبين آخرين شملهم "العفو" ، بعد يوم واحد من توزيع منشور في رام الله من كتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح يعلن انتهاء الالتزام بالعفو إثر قيام قوات الاحتلال باعتقال اثنين ممن شملهم العفو في تموز . وفي أواخر آب / أغسطس الماضي أعلن مطلوبون ممن لم يشملهم العفو من كتائب الأقصى في نابلس انضمامهم إلى مقاومي حماس في المدينة في تنظيم جديد أطلقوا عليه اسم "حزام النار" لمواصلة مقاومة الاحتلال ، طبقا ليديعوت أحرونوت الإسرائيلية في 27 الشهر الماضي .

وتسخر حملة "التخويف" الإسرائيلية لخدمتها تصريحات لمسؤولين فلسطينيين فقد نقلت الجروزالم بوست في 19 آب عن أحدهم قوله إن "حماس تخطط لهجمات مماثلة على قادة أمنيين وسياسيين في الضفة الغربية" وإن إجراءات أمنية قد اتخذت لإحباط هذه الخطط تشمل اعتقالات "وقائية" لناشطي حماس منهم من كان يحاول إنشاء أجهزة أمنية في الضفة ، لكنه استدرك ليقول: "إننا نذهب وراء الأشخاص الخطأ . فنحن نحتجز صحفيين وطلاب جامعات وناشطين سياسيين من مستوى منخفض بينما تؤسس (كتائب) عز الدين القسام خلايا سرية وتحصل على مزيد من الأسلحة" .

وكان المسؤول الفلسطيني الأمني يشير إلى محاولة اغتيال إدريس الجعبري قائد شرطة حلحول ، قرب الخليل جنوبي الضفة ، وإصابته بجروح خطيرة يوم 11 آب وقال "لا يوجد أي شك لدينا بأن حماس كانت وراء محاولة الاغتيال" فإذا صح ذلك يكون الجعبري هو ثاني ضحية في الضفة للاصطراع بين الحركتين بعد أن أصابت طلقة في الرأس مباشرة ناشطا من حماس يرقد في حالة موت سريري في أحد مستشفيات نابلس كان ضمن 16 جريحا أصيبوا يوم 24 تموز / يوليو الماضي أثناء التصدي لاحتجاج نظمته الحركة بجامعة النجاح ضد اعتقال الاحتلال لثلاثة من قادتها في المدينة المحاصرة منذ عام 2000 .

إن التحريض الإسرائيلي واستمرار الانقسام الفلسطيني يساهمان في التداخل والتفاعل بين الانتقام السياسي وبين الثأر العائلي لخلق بيئة محمومة متوترة تحتاج إلى عود ثقاب واحد لكي تفجر اقتتالا بين الأخوة الأعداء في بيئة انفلات أمني تشبه تلك التي نُكبت بها غزة قبل سيطرة حماس عليها أواسط حزيران / يونيو الماضي . "وإذا عزمت على الثأر ، احفر قبرا لاثنين" كما قال الحكيم الصيني كونفوشيوس .

سيناريوهات

وتحاول كل من الحركتين نقل صراعها مع غريمتها السياسية إلى الساحة الأخرى . ففي رام الله ما زال الكثيرون يتلهون بفكرة تنظيم "انتفاضة" ضد حماس في غزة بعد أن نجحوا في إنهاء "عسكرة" الانتفاضة ضد الاحتلال وفشلوا في تنظيم أي بديل غير عنيف وسلمي لها وما زال مسلسل المراسيم والقرارات الرئاسية والإجراءات الإدارية لحكومة سلام فياض توسع شقة الخلاف وتخلق جوا مشحونا في كل ناحية من مناحي الحياة اليومية . وقد أثارت معارضة واسعة مؤخرا الأنباء عن مرسومين رئاسيين جديدين قيد الإعداد الأول لمنع ترشح كل من لا يعترف بمنظمة التحرير وباتفاقيات أوسلو التي وقعتها مع إسرائيل في أي انتخابات فلسطينية والثاني أعلن عنه في 23 الشهر الماضي وزير إعلام السلطة رياض المالكي يستهدف مراقبة كل الأموال الداخلة إلى الأراضي المحتلة بحجة الانسجام مع المعايير الدولية . وفي غزة ما زالوا لا يبدون أي مرونة للمبادرة إلى خطوة أولى من جانبهم تكاد تجمع على ضرورتها معظم الفصائل المؤتلفة مع فتح في إطار منظمة التحرير وقوى سياسية أخرى ليست أعضاء في المنظمة .

وفي النتيجة تصب خلاصة الموقف المتصاعد بين طرفي الاصطراع الفلسطيني في خدمة إستراتيجية الاحتلال . كما أن حدة هذا التصعيد قد أفشلت كل جهود الوساطة العربية وما زالت وفود الطرفين إلى العواصم العربية ، مثل الجولات التي يقوم بها خالد مشعل وأحمد قريع ومحمد دحلان وجبريل الرجوب ، تربك هذه العواصم وتحرجها لتقلل من قدرتها على التدخل الإيجابي سواء في الأزمة الفلسطينية الداخلية أو لدى الداعين والمشاركين المحتملين في مؤتمر بوش المقترح لترجيح إحداث انفراج في الطريق المسدود الذي تواجهه محاولات إحياء "عملية السلام .

في 18 آب / أغسطس قال رون بن ييشاي في تحليل نشرته يديعوت أحرونوت إن هناك أربع خيارات إسرائيلية للتعامل مع حماس في غزة: (1) إسقاط حماس من خلال الاستمرار في إغلاق شريان حياة القطاع مصحوبا باستمرار الضغط العسكري (2) الاتصال مع حماس مباشرة أو بواسطة طرف ثالث لمبادلة تخفيف الحصار الاقتصادي باعتدال في مواقف الحركة (3) التصالح دون لف أو دوران مع سيطرة حماس على غزة كأمر واقع والدخول معها في حوار مباشر والسماح للرئيس عباس بذلك (4) شن عملية عسكرية واسعة لاقتلاع حماس وتسليم القطاع لإدارة مشتركة بين عباس وبين قوة متعددة الجنسيات .

ويمكن اعتبار هذه خيارات للسلطة الفلسطينية أيضا ، بالرغم من أن تيارا رئيسيا فيها ما زالت تراوده أمنيات تنظيم "انتفاضة" شعبية تستغل سياسيا الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع كخيار خامس . غير أن بن ييشاي بعد أن استبعد الخيارات الإسرائيلية الأربعة باعتبارها جميعها "سيئة" فإنه بدد السيناريو الفلسطيني الخامس عندما أورد "خلاصة" ما توصلت إليه "تقديرات المؤسسة الدفاعية الأخيرة" في إسرائيل بأن سيطرة حماس على غزة "قوية وتزداد قوة كل يوم" حيث أنها "قد نجحت فعلا فيما فشلت فيه السلطة الفلسطينية وعباس وفتح" .

وتتناقض هذه "الخلاصة" تناقضا تاما مع الخطة المعلنة من إسرائيل و"رباعية" الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة لتعزيز سلطة أنصار السلام الفلسطينيين الحاكمين في الضفة الغربية بوعود عن "آفاق" سياسية واقتصادية وأمنية كنقيض لمواطنيهم "المتطرفين" الحاكمين في قطاع غزة المحاصر تماما والذي يعيش معتمدا بالكامل على المعونات الخيرية الأجنبية .

فهم في إسرائيل ، كما يرى المحلل الإسرائيلي: "مقتنعون بأنه حتى لو تمكن عباس وسلام فياض من إعادة أمن السلطة الفلسطينية وإعادة إدارتها المدنية في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وحتى لو تمكن الفلسطينيون من تقديم أفق سياسي بمساعدة إسرائيل ، فإنهم لن يتمكنوا من استرداد القطاع في المستقبل المنظور أو كبديل لذلك من تحريك انتفاضة شعبية تسقط حماس أو من إجراء انتخابات تقود فتح إلى الفوز بالسلطة ثانية" .

صبر حماس ينفد

غير أن كل الخيارات السابقة تفترض بأن الحركة الإسلامية في حصارها مشلولة عن المبادرة لفك الحصار وأنها في عجزها المفترض تستطيع فقط أن تصد الضربات الموجهة لها لكنها عاجزة عن توجيه أي ضربات وافترض أصحاب تلك الخيارات أن الساحة الوحيدة المتبقية لحماس كي ترد فيها هي الضفة الغربية لذلك سارعوا إلى إغلاق هذه الساحة أمامها بإجراءات استباقية بدأت تخرج حماس عن تمالك أعصابها ، وربما يكون هذا هو بالضبط ما يسعى الاحتلال الإسرائيلي إليه لكي يتكرر في الضفة ما حدث في غزة قيل أكثر من شهرين .

ففي أواخر آب / أيلول حذر رئيس المكتب السياسي للحركة مشعل من دمشق حركة فتح المنافسة كي لا تخطئ في تقدير قوة حماس في الضفة . وكان بيان سابق للحركة في تموز / يوليو الماضي قد حذر من أن حماس قد بدأت "تفقد صبرها" نتيجة للاعتقالات الجماعية لأعضائها . وفي 27 من الشهر نفسه أعلن أحمد يوسف ، المستشار السياسي لرئيس وزراء في غزة إسماعيل هنيه بأن "لصبرنا في الضفة الغربية حدود وسوف ياتي اليوم الذي نسوي فيه حساباتنا مع الجماعة المعزولة في رام الله التي تعطي التعليمات بمهاجمة أعضاء حماس" هناك .

وفي مقابلة نادرة مع صحفي أميركي استمرت 90 دقيقة قال مشعل ل "ماكلاتشي نيوز سيرفيس" في 22 آب إن الفلسطينيين قادرون على تفجير انتفاضة ثالثة إذا لم تسحب إسرائيل قوات احتلالها من الضفة الغربية . وفي اليوم نفسه اتهم أسامة حمدان ممثل الحركة في لبنان الرئيس عباس بشن حرب شاملة على حماس في الضفة محذرا من أنه بذلك إنما يهدد بتحويل الضفة إلى "منطقة بلا قانون يسيطر عليها رؤساء الأجهزة الأمنية" وقال: "نود أن نذكر من يتصورون خلاف ذلك أن حماس واجهت حملة شرسة من العدو (إسرائيل) في السنوات الماضية وقدمت مئات الشهداء وآلاف الأسرى" دون أن تتراجع عن مواقفها .

وتشير هذه التحذيرات وغيرها إلى الخيار الوحيد المتبقي أمام حماس لفك العزلة المفروضة عليها في غزة المحاصرة ، أي نقل الصراع إلى الضفة الغربية ، ليس مع السلطة بل الاحتلال ، وهو الخيار الذي تحاول أطراف "تحالف الخوف" المأمول أميركيا استباقه وتجنبه . إن التوقيت المثالي لمثل هذه النقلة يمليه عاملان ، أولهما وصول جهود إحياء الحوار الوطني الفلسطيني إلى طريق مسدود وثانيهما فشل مؤتمر بوش المقترح في أواخر تشرين الأول / نوفمبر المقبل . وقد أعلن مشعل لأول مرة من دمشق في الأسبوع قبل الماضي أن محاولات المصالحة الوطنية قد وصلت فعلا إلى طريق مسدود بينما لم يظهر حتى الآن أي دليل على أن المؤتمر الدولي المنتظر أواخر تشرين الأول / نوفمبر المقبل سوف يكون ناجحا .

في مقابلة نشرتها له مجلة "بالستاين – إسرائيل جورنال" (مجلد 14 ، عدد 2 ، 2007) علق مستشار الأمن القومي الفلسطيني السابق والقيادي في حركة فتح جبريل الرجوب على دعوة بوش للمؤتمر الدولي بقوله: "لقد مل الشعب الفلسطيني بيانات حسن النية التي كنا نسمعها منهم منذ سنوات حتى الآن . إننا نتطلع لرؤية شيء يتحرك على الأرض . ونحن نتطلع إلى آليات عملية للبدء في تنفيذ خارطة الطريق ورؤية بوش والشرعية الدولية ... فالأمن بحاجة إلى حل سياسي" . لكن الانتظار الفلسطيني لمثل هذا الحل من واشنطن هو مثل انتظار مجيء "غودو" الذي لا يأتي .

nicolanasser@yahoo.com
* كاتب عربي من فلسطين -

ليست هناك تعليقات: