الأحد، أكتوبر 18، 2009

مصريون، وعثمانيون، ويهود

د. فايز أبو شمالة
ضلَّ كل من راهن على وجود دولة إسرائيل كحقيقة راسخة، أو سلم بتفوقها العسكري في غفلة من الزمن، وببقائها الأزلي في المنطقة العربية، واستسلم لتأثيرها الاقتصادي على دول الجوار، ولحضور مخابراتها في كل صغيرة وكبيرة من شأن دول الشرق، وضلَّ كل من سحرته طاقة إسرائيل في استغلال الأحداث الدولية لصالحها، وتوظيف المال السياسي في شراء دول، والتعتيم على الشعوب. هذا ما تظهره جملة من المستجدات السياسية، والميدانية، والتي لن يكون آخرها ما جاء عن البحث الذي أشرف عليه ضابط المخابرات الإسرائيلية "رئوفين إرليخ" ويقع في مئة صفحة، ويتهم مصر بأنها أكثر الدول معاداة للسامية، وأن غالبية الكتاب المصريين لا يعترفون بإسرائيل، ويتمنون إزالتها من الوجود.
إن كل من زار مصر، وتجول في شوارعها، لا يكتشف جديداً في هذا البحث الذي صدم الباحث الإسرائيلي، ولاسيما أن غالبية الكتاب المصريين هم عرب أولاً ـ أكانوا مسلمين أم أقباط ـ ووجدانهم يعبر عن حقيقة الشعب المصري الذي يفيض بالانتماء لوطنهم العربي الكبير الذي حقق ذاته بالإسلام، وطفح بمشاعر الكراهية لكل غاصبٍ معتدٍ، رغم معاهدة كامب ديفيد، التي صنعت هدنة، ولم تصنع سلاماً حقيقياً.
إن وجدان الكتاب المصريين نموذج معبر عن وجدان شعوب الشرق بشكل عام، ولاسيما العرب الذين علا شأنهم بالإسلام، وأولئك العثمانيون الذين اكتشفوا ذاتهم، وأسسوا حضارتهم الإسلامية، فإذا بدولة الصهاينة منبوذة من الشعب التركي رغم المعاهدات الاقتصادية، والوثائق العسكرية، ليكتشف اليهود أن وسائل الإعلام الرسمية في تركيا تعرض مسلسلات عن الصراع العربي الإسرائيلي، يظهر فيه الجندي الإسرائيلي على حقيقته المجرمة، وهو يطلق النار بأعصاب باردة على طفلة فلسطينية، يأتي ذلك بعد منع إسرائيل من المشاركة في مناورات عسكرية مع تركيا، بل وتحول المناورات العسكرية مع سوريا العربية. وهذه تعد تطورات دراماتيكية تقلق دولة الصهاينة، الذين حسبوا أنفسهم في عليين، وأنهم ضمنوا الأمن والسيطرة على المنطقة بعد فرضهم معاهدات سلام على بعض حكوماتها.
لقد حسب الصهاينة في لحظة أن أعداءهم في الشرق إلى زوال، وأن الكراهية لهم تقف عند حدود إيران، أو عند حدود أفغانستان، وما يجري من ترتيبات داخل دولة باكستان. ليظهر لهم بوضوح؛ أن كل دول الشرق الإسلامي تمزق العباءة الإسرائيلية، وأن ما يجري من تحولات في تركيا الإسلامية لا يمكن فصله عن حرب غزة، وما أحدثه الدم الفلسطيني من صحوة ضمير، ومن طرقات متكررة على وجدان الإنسانية، ترتد أصداؤها كراهية متنامية، بعض إرهاصاتها كان وجدان الكتاب المصريين، وسلوك القادة العثمانيين.
fshamala@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: