السبت، أكتوبر 17، 2009

مصر وحماس... علاقات تكتيكية أم إستراتيجية؟

حسام الدجني

جميع المراقبين للشأن الفلسطيني، وخصوصاً ملف المصالحة الفلسطينية، تفاجئوا من الموقف المصري المرن مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بخصوص انسجام القاهرة مع مطلب حماس بتأجيل المصالحة الوطنية، على عكس ما كانت عليه العلاقة في السابق، كون حركة حماس هي حركة خرجت من رحم الإخوان المسلمين، والتي يعتبرها النظام المصري بأنها جماعة محظورة، حيث تشكل جماعة الإخوان المسلمين في مصر أكبر الأحزاب المعارضة للنظام المصري.

حاولت حركة المقاومة الإسلامية حماس مراراً وتكراراً أن ترسل تطمينات للنظام المصري بأن حماس لن تتدخل بالشأن الداخلي لأي دولة عربية أو إسلامية، ودأبت الحركة الإسلامية من خلال زيارة وفودها إلى القاهرة من عدم لقاء أي من قادة جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة، وحافظت على خطاب إعلامي هادئ تجاه النظام المصري الحاكم، ولكن هل هذا يكفي لبناء علاقات إستراتيجية بين مصر وحماس؟ وهل أزمة الثقة بين الطرفين قد ذابت في بضع شهور؟ أم هناك تحالفات جديدة قد بدأت رياحها تهب على المنطقة، وحماس جزء من هذه التحالفات؟ وهل للجغرافيا السياسية دور في ذلك؟.

حركة حماس هي جزء أصيل من الشعب الفلسطيني، وعلاقاتها مع جمهورية مصر العربية لن تخرج عن إطار العلاقات التاريخية التي تربط مصر الشقيقة بفلسطين، حيث تشكل مصر الرئة التي تتنفس منها غزة المحاصرة، كذلك الموروث التاريخي والحضاري الذي يربط بين فلسطين ومصر، فغزة هاشم رويت من دماء الجيش المصري المغوار.
فقد تلعب الجغرافيا السياسية دوراً هاماً في تعزيز العلاقات بين مصر وحماس كون الأخيرة هي من تسيطر على مكونات النظام السياسي الفلسطيني، وكون مصر أيضا ترتبط بحدود مشتركة مع قطاع غزة، حيث يشكل استقرار الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي في قطاع غزة مصلحة إستراتيجية لجمهورية مصر العربية.
هناك أيضاً مصالح مشتركة بين النظام المصري وحركة حماس، كون مصر هي الوسيط في أكثر من ملف بين حماس وإسرائيل، وبين حماس والسلطة الفلسطينية، حيث مصر وسيطا إضافة إلى الوسيط الألماني في ملف تبادل الأسرى (الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط) ، وهي وسيط في إبرام تهدئة بين حماس وإسرائيل، وكذلك هي الراعي الحصري للمصالحة الوطنية الفلسطينية بين فتح وحماس.

إعادة تشكيل التحالفات من جديد هي أحد سمات العمل السياسي المحترف، وكون مصر هي دولة كبيرة ومؤثرة في الإقليم، فقد يكون هناك تغيراً في الدبلوماسية المصرية تجاه حركة حماس، انطلاقاً من رؤية مصرية بأن عزل حماس سياسياً واقتصادياً، سيدفع بحركة حماس إلى إيران، وما يشكل ذلك من هاجس للنظام المصري الحاكم.
ويأتي التحرك السعودي السوري في هذا الإطار، فقد تشهد الخريطة السياسية في الأسابيع المقبلة إعادة تشكيل وتشكل للمحاور.

ونحن كفلسطينيين لا نريد أن نفرط في التفاؤل الذي يتمناه كل فلسطيني وعربي من أن تذوب الخلافات العربية العربية، وأن تعود العلاقات إلى سابق عهدها، وصولاً إلى موقف عربي موحد، وإستراتيجية عربية موحدة، تنطلق بالقضايا العربية ذات الاهتمام المشترك إلى حلول جذرية، وعلى رأس هذه القضايا حل الصراع العربي الإسرائيلي من خلال إنهاء الاحتلال، وهنا لابد من التطرق إلى الجهود العربية والإسلامية الموحدة ودورها في تمرير تقرير القاضي ريتشارد غولدستون في مجلس حقوق الإنسان يوم أمس، لذا قد تتأرجح العلاقات المصرية الحمساوية ما بين التكتيكية والإستراتيجية، وهي اقرب إلى التكتيك، وما يفسر قبول الموقف المصري مطلب حماس تأجيل التوقيع على اتفاق المصالحة يعود إلى سيناريوهين اثنين هما:
1- مصلحة الأطراف المعنية من أن تنجز صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل قبل التوقيع على المصالحة الفلسطينية.
2- رغبة مصرية صادقة في انجاز المصالحة الفلسطينية، وأن لا تكون المصالحة هي مصالحة على ورق ولكنها ترغب في ان تكون مصالحة إستراتيجية يتم من خلالها بناء نظام سياسي فلسطيني قوي.

حســام الدجنــي
كاتب وباحث فلسطيني
Hossam555@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: