السبت، أكتوبر 31، 2009

هل يمكن أن يقود الطغاة معسكر " الممانعة "؟

صالح النعامي

حكي أن مؤذناً في أحد المساجد خرج لصلاة الصبح متأخراً وقد طلعت الشمس من مشرقها، فلما استهجن الناس صنيعه، قال مبرراً " أنا حضرت حسب الموعد، ولكن الشمس خرجت اليوم مبكراً ". حال هذا المؤذن حال بعض نجوم الفضائيات من الكتاب العرب المستعدين للي نواميس الطبيعة وقوانين الكون الثابتة، ولديهم القدرة على الافتراء على كل شئ من أجل أن يتجنبوا طرح الأسئلة الهامة والمصيرية، فيأبون تسمية الأسماء بمسمياتها الحقيقية، ولديهم ولع في خوض المعارك الوهمية، فيلوكون شعارات فارغة، ويحولون الكلمات إلى توابيت جوفاء تشحن وتفرغ بالطريقة التي يخططون لها، شعارات تغتال الحقائق، فيكسب القاموس كل لحظة كلمة، لكن الواقع يخسر تبعاً لذلك حقيقة. ومن الشعارات الجوفاء، الشعار المضلل الذي يصور العالم العربي وكأنه مقسوم إلى فسطاطي " إعتدال " و " ممانعة "، وهو تصوير فيه الكثير من المبالغة. وإن كانت الدول الدول العربية المنضوية تحت لواء " الإعتدال " هي الدول التي تتساوق مع المشروع الصهيوأمريكي، فإنه يتوجب إعادة تعريف " الممانعة "، ووضع معايير حقيقية لعضوية ناديها. أن أي دولة تدار من قبل نظام ديكتاتوري قمعي لا يمكن أن تكون ممانعة، فالديكتاتورية والطغيان هو أخطر داء يمكن أن يصيب جهاز المناعة لأي شعب أو أمة. فوجود مثل هذه الأنظمة هو الذي يوفر البيئة الخصبة لاستغوال أمريكا وإسرائيل، فهدف الديكتاتور الأسمى هو الحفاظ على كرسيه، وهو مستعد لقبول كل شئ من أجل بقاءه في الحكم. النظام الممانع هو النظام هو الذي يصون حقوق مواطنيه، لا يعتقلهم ولا يعذبهم، ولا يحاربهم في أرزاقهم دون جريرة ارتكبوها إلا لتبنيهم آراء لا تروق للطغاة. الطغاة عبيد لكراسيهم، والعبيد لا يحررون أوطاناً ولا يعزون أمة.

من يسوم شعبه صنوف العذاب لن ينتصر لحرمات شعب فلسطين التي تنتهك، فهذه الأمور لا تدخل في نطاق أولوياته، وكل ما يعني هؤلاء الأقزام هو العمل على عدم انتقال عدوى التمرد على واقع الذل إلى شعوبهم.

لقد حاكمت أمريكا وبريطانيا ليبيا ونظامها لمجرد أن مواطنين أمريكيين وبريطانيين قتلوا في حادت تحطم طائرة، في حين يسقط عشرات الآلاف من أبناء العروبة ولا يعني هذا شيئاً لأصحاب القرار من " الممانعين " و " المعتدلين ".

بعض نجوم الفضائيات لديهم فن إخراج الأسد من ذيل الغزال، وهم ذاتهم الذين يحرصون على رفع صور الطغاة في المظاهرات المنددة بإسرائيل خوفاً من غضبهم ولإعطائهم الإحساس بأنهم شئ، وهم غير ذلك.

إن كان ثمة أحد يغيظه ما تقوم به إسرائيل ضد فلسطين والفلسطينيين، فإن عليه أن يتحرك ضد مواطن التردي الكبير في واقع الأمة وهي الإستبداد والديكتاتورية التي تقتل روح الإنتماء وتطفئ العزائم. فقط الأمة الهزيلة تنبت الطواغيت، والشعوب القابلة للاستضعاف هي التي توجد الحكام المستكبرين، فالبعوض يولد في المستنقعات والغربان تحط على الجثث الميتة، والنمل يتجمع على هياكل الصراصير، كما يقول أحد المفكرين العرب.

ومن أسف أن تصنيف " الاعتدال والممانعة " لا يلقى اهتماماً لدى الصهاينة، فهاهو المفكر الإسرائيلي دورون نبو يقول " لو أن الشعب الفلسطيني انتمى لأمة غير الأمة العربية لما تجرأت إسرائيل على قمعه بهذا الشكل الوحشي ". وها هو الجنرال شلومو غازيت رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق يقول معلقاً على عقد القمم العربية " لو حدث مرة إن اقتنعت إسرائيل أن الدول العربية صادقة في عدائها لإسرائيل وجادة في نصرتها للشعب الفلسطيني لوافقت منذ زمن بعيد على الانسحاب من الأراضي الفلسطيني التي أحتلت عام 67 ". أن تحرير فلسطين يمر في ممر قصري وهام وهو تحرير الشعوب العربية من الطغيان والاستبداد، فعلى المثقفين العرب أن يخوضوا معركة تحرير شعوبهم من الطغاة " المعتدلين " و " الممانعين "، ويتوقفوا عن الحديث عن فلسطين، ويدعونا من البلاغة اللفظية الفارغة، فكما يقول الفيلسوف البريطاني برتراند راسل فإن البلاغة تتناسب عكسياً مع المنطق السليم.

فالبلاغة الفارغة جعلت الشعارات تتجسد في نقيضها تماماً. وبإسم الحرية للشعب، ألغيت الحريات الأساسية للشعوب وبإسم الأمن أنشأوا أجهزة الرعب والبطش، وباسم الثورة على الفساد أخذوا يقطعون لسان كل من ينتقد الفساد.

لن يكتب لهذه الأمة الغلبة في مواجهة إسرائيل وغيرها إلا بعد أن يتعافى جهازها المناعي الذي انهار بفعل واقع البؤس والقمع.

ارجعوا للتاريخ وانفضوا التراب عن صفحاته المشرقة والمظلمة على حد سواء ستجدون أن أمتنا لم تحقق أي انتصار على عدو خارجي في ظل وجود طغاة صغار متآمرين.

ليست هناك تعليقات: