الخميس، أكتوبر 29، 2009

الجهاد وفتح علاقة تاريخية مظفرة بدماء الشهداء

محمد داود

في سابقة تاريخية من العلاقات بين حركتي فتح والجهاد الإسلامي والمتميزة منذ زمن بعيد تعود جذورها الأولى إلى سنوات نشأة تنظيم الجهاد في أواخر السبعينات عندما بدأ الاستقطاب بين الطلبة في الجامعات المصرية لتشكيل نواة العمل على أساس هذا التصور، ثم قام البعض بالتعبير عن الرغبة الملحة بدخول ساحة المواجهة العسكرية مع الاحتلال الإسرائيلي من خلال تشكيل خلايا حركة الجهاد الإسلامي عام1980، كخيار بديل عن التيار الإسلامي الكبير "تنظيم الإخوان المسلمين" ، الذي أفرغ من خيرة أفراده عام 1957 وتشكيلهم لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، نتيجة الخلافات التي دبت مع الناصرية، وانشغالهم في هموم التربية والإصلاح؛ فبرزت من ناحية أخرى شخصية المؤسس لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور "فتحي الشقاقي"، الذي يعتبر المسؤول العسكري للحركة والشيخ عبد العزيز عودة الزعيم الروحي لها.

فمنذ البداية رفض أقطاب الجهاد أطروحات الإسلام التقليدي الداعية إلى حل مشاكل المجتمع من خلال العمل الإصلاحي التدريجي وأمنوا بالإسلام الجهادي وبالكفاح المسلح كخيار إستراتيجي لنشاطهم الهادف إلى إبادة إسرائيل، فهي تبنت عام 1986 عدداً من العمليات العسكرية ضد الاحتلال. ومزجت بين الدين والوطنية الفلسطينية من خلال علاقتها مع حركة فتح، وحملت الأخوان المسلمين مسؤولية ما أصاب الشاب المسلم من تقاعس في النضال من أجل تحرير فلسطين .

هذا و تعرضت حركة الجهاد الإسلامي إلى محاولات انشقاق في صفوفها كما الفصائل الفلسطينية الأخرى التي تأخذ من دمشق مقراً لها وهي غير منضوية في إطار "م.ت.ف"، لاسيما قبيل أتفاق أوسلو، أما حركة الجهاد فانقسمت بين مؤيد ومعارض وقد ارتبطت أسماء المنشقين عنها بأسماء قيادات الانشقاق ومن أبرزهم : "الأسود والتميمي وأبو سمرة والشقاقي" لكن الحركة بقيت متحدة ومتراصة بعد نشأة السلطة الوطنية الفلسطينية وما قدمه الرئيس الشهيد "ياسرعرفات" من عروض سخية على حركة قيادات الجهاد بكافة فروعها الداخل والخارج وذلك للانخراط في المجلس الوطني ومنظمة التحرير الفلسطينية وفي داخل السلطة الوطنية الفلسطينية وأجهزتها الأمنية في مرحلة متقدمة، ثم تطورت إلى علاقات من بناء الثقة والتبادل والتعاون والدعم السياسي والمادي والعسكري واللوجستي. وهذا لايعني أنها تقبل بإقامة دولة ديمقراطية علمانية في فلسطين لأنها تأتي منافية للنظرة الإسلامية للتاريخ، وقد برز التعارض بين مواقف حركة الجهاد والمنظمة حول الخطط السياسية المطروحة .

فبدأت العلاقة تأخذ لغة التصعيد في الآونة الأخيرة وتعود الأسباب الرئيسة لذلك إلى التقارب والانسجام الحمساوي الجهادي على مستوى القيادة المركزية من جهة، ومن جهة ثانية الدعم الإيراني لكل منهما وفرض الأجندة الإيرانية السورية على القرار والعلاقات الفلسطينية الداخلية، وبهذا التقارب الذي أنعكس سلباً على العلاقة الفتحاوية الجهادية فبرزت العديد من التصريحات التي تكيل الانتقادات والاتهامات اللاذعة للسلطة الفلسطينية بسبب رفضها للمفاوضات التي تجريها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل وما نتج عنه من تفاهمات، وتحميل ألأجهزة الأمنية الفلسطينية المسؤولية عن توقيف أفراد من الجهاد، لكن الطرفين متفهمان لطبيعة هذه الاتصالات مما بقى حدة الخلاف بسيطة وتحت السيطرة، على النقيض من حماس لم تسعى إلى تحدي السلطة الفلسطينية وحركة فتح في المعترك السياسي الفلسطيني.

فكان العمل الميداني عنوان التقارب بين كلا الحركتين "فتح والجهاد"، وتجمعهم ساحات الرباط إذ سجلت الحركتين الكثير من العمليات الفدائية المشتركة رغم انشداد أفراد تنظيم الجهاد إلى تجربة الثورة الإسلامية في إيران، وعلى الرغم من أن الجهاد حركة سنية، تمزج بين القومية الإسلامية الفلسطينية مع تعاليم آية الله الخميني، لكنها استطاعت أن تبني لها علاقة حسنة مع جميع التنظيمات وتحظى بقبول شعبي؛ رغم سيل الاتهامات بأنها ذات فكر شيعي، وكان هذا الاتهام عامل الفيصل بين حركتي الجهاد وحماس، أدى إلى سحب وتراجع حركة الجهاد الإسلامي عن سيطرتها على عدد من مساجد القطاع لصالح حركة حماس وهذا يعود إلى تركيز الجهاد على العمل العسكري بدلاً من النشاط السياسي والإعلامي.

لقد كان التقارب الفتحاوي الجهادي له مسارات وأشكالاً متنوعة في العمل الفدائي المشترك إذ قدمت الحركتين الآف من الشهداء والجرحى والأسرى والمعتقلين لإيمانهم بالكفاح المسلح، كإستراتيجية للعمل السياسي المشترك، وهناك عدد لابأس به من العمليات الفدائية النوعية المشتركة والمظفرة بدماء كلا الفصيلين "فتح والجهاد" لم نتمكن من استعراضهم هنا.

كما تمكنت من تسجيل عدد من الروايات التي تؤكد وتثني على هذه الصداقة الحميمة بين عناصر وقيادات فتح والجهاد في مناطق قطاع غزة، برزت جلها عقب سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، من أبرزها قيام عدد كبير من عناصر الأجهزة الأمنية وحركة فتح إلى تسليم عتادهم وسلاحهم إلى جناح حركة الجهاد الإسلامي "سرايا القدس"، وهناك عدد كبير من كتائب شهداء الأقصى انخرطوا للعمل في صفوف "سرايا القدس" وشاركوا أفراد الجهاد في الرباط والتصدي للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وفي المهمات الفدائية وإطلاق الصواريخ المحلية، ويودون لهم في المناسبات المختلفة، وبرزت هذه العلاقة جلية أثناء إحياء ليلة القدر في عدد من مساجد القطاع.

لذلك فإن العلاقة الحميمة والتاريخية لا يمكن تفسد أو أن تزول بذلة لسان أو بالتقاء مصالح شخصية عند طرف ما، وتبقى فتح والجهاد عنوان الإخوة ورمز التكافل الوطني والنضالي.

كاتب وباحث

ليست هناك تعليقات: