السبت، أبريل 17، 2010

صرخات أسرى في يوم الأسير

ندى الحايك خزمو

في يوم السابع عشر من نيسان من كل عام نحيي يوم الأسير الفلسطيني .. لنذكّر العالم بأسرى يقبعون خلف قضبان الزنازين، يعانون الأمرّين لا لشيء سوى لأنهم دافعوا عن كرامة هذا الوطن، وناضلوا من أجل تحقيق العدل للشعب الفلسطيني باقامة دولته الفلسطينية المستقلة.. وخلال الأيام التي تسبق هذه اليوم وأيام أخرى بعدها تكثر المهرجانات والمؤتمرات والندوات والاستنكارات والشعارات، وما أن يمر شهر نيسان حتى يعود الأسرى الى طي النسيان، فلا يتذكرهم سوى قلة بالاضافة الى عائلاتهم وذويهم الذين يعانون آلام البعد والفراق..

ورغم أننا من حين الى آخر نقرأ ما يعانيه بعض الأسرى من خلال بعض الأشخاص الذين كرسوا أنفسهم من أجل اثارة قضاياهم ، الا ان قصصاً كثيرة ما تزال غائبة لا يعلم بها أحد أو لنقل الا قلة فقط وهم عائلات هؤلاء الأسرى فقط ..

أحدى هذه القصص هي قصة الأسير عيسى الفقيه (ابو مجاهد) من سجن رامون المركزي (التفاصيل منشورة في الصفحة 41 من هذا العدد) وهي ليست بقصة غريبة عن العديد من الأسرى الذين عانوا ما عاناه ابو مجاهد، وقد فجع بوفاة والدته، وغيره فجعوا بوفاة والدهم او والدتهم أو كلاهما خلال فترة سجنهم من دون أن تتسنى لهم فرصة وداعهم أو تقبيل الأيادي الطاهرة لآباء وأمهات أنجبوا هؤلاء المناضلين، وربوهم على حب الوطن والحفاظ على كرامته..

فقدان الأم هو أسوأ ألم يمر به الانسان، فما بالك بمن فقدها وحرم من رؤيتها وهي على قيد الحياة بسبب اعتقاله ومنع الزيارات في كثير من الأحيان، أو بسبب مرضها وعجزها عن الوصول الى السجن لرؤية فلذة كبدها، والذي يفجع ويصدم في يوم زيارة بخبر وفاة والدته ليعيش أسوأ معاناة يعرفها بني البشر فلا يستطيع القول سوى حسبي الله ونعم الوكيل..

صرخة اسرى الحرية .. صرخة عيسى وغيره من الأسرى الذين يعانون معاناته ننقلها للمعنيين.. فمتى يفرج عن أسرانا ليستطيعوا العودة الى أحضان عائلاتهم، وليعيشوا معاً أسوة بباقي البشر ..

معاناة أخرى يعيشها بعض المعتقلين وفي العدد الماضي نشرنا قصة لأحد الأسرى وهو محمد طالب ابو زويد الذي انتهت مدة محكوميته والبالغة ست سنوات ونصف منذ تاريخ 16/11/2008، ورغم ذلك لم يُفرج عنه، لأن قائد الضفة الغربية في جيش الاحتلال أصدر قراراً بابعاده الى الأردن رغم حمله لجواز سفر فلسطيني ، وبما أن الأردن لديه سياسة عدم استقبال أي أسير فلسطيني مبعد حتى ولو كان بحوزته الجنسية الأردنية، فقد أُبقي محمد في السجن رغم انتهاء محكوميته.. ورغم ارساله لرسائل ونداءات الى كافة المؤسسات الفلسطينية المعنية بالأسرى لدى السلطة الوطنية الا أنه لم تكن هناك أية استجابة أو تحرك حتى على مستوى أبسط الوسائل وأسهلها، فحتى لم يتم تعيين محام له عندما استأنف في محكمة العدل العليا.. فهل السلطة عاجزة الى هذه الدرجة حتى عن تكليف محام بمتابعة قضية محمد؟! فلماذا هذا التقصير بحقه وبحق أخوة آخرين يعانون نفس معاناته، فما من أحد يقف معهم أو يحاول مساعدتهم في أبسط الأمور !! فأين وزارة الأسرى ؟ ولماذا لم تتجاوب مع قضية محمد رغم أنه ارسل لها رسالة تشرح قضيته وكذلك الأمر بالنسبة لمؤسسات أخرى، فقد تم تطنيشه وتطنيش الأسرى الآخرين الذين يعيشون نفس ظروفه .. فأي مأساة أكبر من هذه المأساة.

صرخة محمد وزملائه ننقلها الى المعنيين في سلطتنا الوطنية والى جميع المؤسسات الحقوقية والانسانية التـي تختص بقضايا الأسرى.. الى متى سيظل محمد وزملاؤه يقبعون في سجون الاحتلال ويعانون الحرمان والعذاب رغم أن هناك قراراً بالافراج عنهم .. فأي ظلم أكبر من هذا الظلم .. ألا يكفي ظلم الاحتلال لنكمل عليهم بظلمنا لهم بعدم الوقوف معهم ومساعدتهم في قضاياهم..

صرخة أخرى ننقلها عبر البيادر، رغم اننا نقلناها سابقاً عندما استشهد بعض الأخوة في سجونهم بسبب عدم توفير العلاجات اللازمة لهم ، ونستذكر منهم الأخ الزميل محمد أبو هدوان الذي قضى على فراش مستشفى الرملة وهو مكبل اليدين والرجلين من دون ان يلقى العناية الطبية اللازمة مما ادى الى استشهاده .. صرخة هؤلاء الأسرى أما آن لها أن تُسمع ؟! فالى متى سنظل نسمع أخبار استشهاد معتقلين في الأسر ونحن لا نحرك ساكناً للافراج عن كل أسير مريض ليلقى العلاج اللازم له قبل أن تستفحل حالته الصحية، ولتكون النهاية مفجعة لأهله وذويه الذين حرموا منه بسبب سجنه، وليحرموا منه للأبد بسبب استشهاده .. فأي مأساة أكبر من هذه المأساة..

وصرخات أخرى كثيرة .. فصرخة أطفال حرموا من والدتهم وهي حية بسبب أسرها .. حرموا من حنانها وحبها ومن رعايتها لهم .. لماذا لم تصل هذه الصرخات حتى الآن الى المعنيين ليعملوا المستحيل من أجل الافراج عن كل أم أسيرة.. فأي قانون في الدنيا يسمح بحرمان اطفال من أمهاتهم بالاضافة الى آبائهم .. أليست هذه مأساة ليس من بعدها مآسٍ ..

صرخات اسرانا وأسيراتنا وأطفالنا بحاجة الى وقفة ليس فقط في يوم الأسير بالشعارات والاحتفالات والمسيرات والمؤتمرات والنداءات .. هم بحاجة الى عمل وليس الى شعارات .. هم بحاجة الى الوقوف بجانبهم وليس اهمالهم واهمال عائلاتهم .. فما دامت محاكم الاحتلال لا تنصف اسرانا وأسيراتنا، فلماذا مثلاً لا نلجأ للمحاكم الدولية لمتابعة حتى ولو القضايا الانسانية لدى اسرانا.. ويمكن استخدام الكثير من القوانين الدولية وأهمها قانون حقوق الطفل .. فحتى في قضية الأطفال الذين اعتقلوا اكتفينا بالاستنكارات والشجب ولم تُثر هذه القضايا على مستوى دولي ؟! فلماذا؟!

الأسرى أمانة في أعناقنا فلنستمع الى صرخاتهم ونعمل على ايجاد الحلول لقضاياهم، وأهمها العمل على الافراج عنهم جميعاً وافراغ السجون الاسرائيلية من أسرانا وأسيراتنا.. انظروا وتعلموا كيف يسوّق الاحتلال لقضية شاليط وماذا يفعل والداه والمتابعون لقضيته، وهم كثر، من أجله .. فماذا لديهم وينقصنا حتى نقوم بواجبنا تجاه أسرانا ؟!!(البيادر)

*كاتبة وصحافية في مجلة البيادر المقدسية

ليست هناك تعليقات: