السبت، أبريل 10، 2010

نعم المشكلة في الفكر الإسلامي-2 والاخير

سعيد علم الدين

كما وعدت في الجزء الاول من هذا المقال ارد الآن في الثاني والاخير على تعليق اخي المسلم الناصح وتفنيد ما جاء به من افكار.
ولكن في البداية مع محبتي من القلب لأخي المسلم الناصح ولكل اهلي المسلمين، لا بد من تعريف ما قصدته من عبارة الفكر الإسلامي.
الذي قصدته هي الأسس التي يقوم عليها الدين الإسلامي. أي:
القرآن والسنة النبوية وكل اجتهادات المذاهب المختلفة وفتاوي المشايخ خلال التاريخ الى يومنا الحاضر.
انا ادعو هنا الى الاصلاح أي دحض السلبيات بقوة من اجل اظهار الإيجابيات في الدين الاسلامي وابرازها على العالمين. مثل هذه الصرخة القرآنية الرائعة المدوية منذ 14 عشر قرنا في سماء الإنسانية، والتي هي جوهرة من جواهر بناء الأمم ووحدة الشعوب واحدى قيم الديمقراطية التي قامت عليها الأمم الحديثة الديمقراطية الراقية والمزدهرة، الا وهي: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"(الكهف29).
لماذا نعمل منذ 14 قرنا وحتى اليوم عكس هذا القول العظيم؟
وماذا يمنعنا من تطبيق هذا القول الذي يلتقي مع القيم الديمقراطية الانسانية الراقية الحديثة ويعزز الأخوة وقبول الآخر في المجتمع.
لماذا نريد فرض الإيمان المبني على الغيبيات على المجتمع؟
للتذكير ان نفعت الذكرى
القرآن يعرف عن نفسه في بداية سورة البقرة بالتالي:
"ذلك الكتاب لاريب فيه هدىً للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب"
مع احترامي الكامل لشخص المسلم الناصح الكريم، الذي لم يحصل لي شرف التعرف عليه! وكيف ساتعرف عليه؟ وهو بدل ان يكون شجاعا ويكتب اسمه بالكامل مفتخرا بما يحمله من فكر اسلامي اشعاعي عالمي شامل عقائدي فالح تراه يختبئ خلف لقب مسلم ناصح.
هذا شأنه! الا انها ليست من شيمة فرسان الحقيقة وحملة مشاعل الفكر والحرية وانارة الطريق الصحيح لإخوتنا المعذبين في الدول العربية والاسلامية.
ففارس الحقيقية " وانا لا اقصد هنا صديقي الناصح" وخيَّالها وحامل مشعل فكرها، اما ان يكون شجاعا مناضلا جريئا صنديدا لا يهاب الموت، واما ان يكون مذعورا من مواجهة بعبع الموت الهزيل مختبئا كالجبناء في حفرة او ملجأ او ثقب او مغارة او سرداب او مكان سري او كهف حجري او ماسورة مجاري نتنة او ماخور او مجرور او تحت نقاب او شادور اوخيمة فكرية حالكة الديجور لا يدخلها بصيص نور يسعد بظلامها ولا ينتفض ويثور وعلى عامودها الشاهق العالي او صنمها المقدس البالي والى ما لا نهاية يدور الى ان يقع على وجهه طبا. اين؟
تحت القبور ورميما في التراب يغور.
انها ثقافة الموت وحضارة المقابر التي أسست لمجتمعات التخلف والمنابر. انها اعظم مأساة شرقية في الوقت الحاضر تربعت على عرش الحقيقة بالإنسان تقامر. دينها ودنياها الاستبداد الفاجر، تمجدها مشايخ السلطة الدينية ومع السلطة السياسية بالشعوب تتاجر.
واتمنى في هذه المناسبة ان يقبل الناصح بكل تواضع نصيحتي الأخوية ويتقبلها ويفكر بها كما قبلت نصيحته، وفكرت بها، الا انني لم أتقبلها، لانها وبكل بساطة تكرار معهود لحق شمولي مفقود وترديد لكلام اكل عليه الدهر مع ابن تيمية ونام ولبطنا على مؤخرتنا من الوراء فأخرنا عن بني الانسان، ولطمنا على وجهِنا من قدام فتحولنا الى صبية وغلمان ننتظر مسيرات الجلد السنوي وحفلات اللطم الدموي بفارغ الصبر كل عام.
بل ان ما اورده صديقي الناصح من افكار تعتبر السبب الجوهري في خراب البيت العربي والاسلامي وعجزهم عن بناء دولة مدنية عصرية ديمقراطية راقية تحترم انسانها وتعمل لمستقبل اطفاله ولا تركب على ظهره باسم الدين الحنيف وتكسر عظامه وتقضي على مستقبل اطفاله. وكما يفعل اليوم جماعة القاعدة في العراق بإرسال الاطفال لتفجير الأبرياء والطيران بخفة الى العلاء كعصافير السنونو مع طيور الجنة.
ولا عجب ان تتخبط شعوبنا ومجتمعاتنا ودولنا دون استقرار حقيقي في وضع تخديري قاتل ارهابي فكري ديني سياسي سلطوي تسلطي قمعي مخابراتي يدا بيد بين رجل السياسة ورجل الدين في تركيع الانسان المسكين.
ولهذا فالمواجهة الفكرية مع هذا الفكر الاسلامي المهيمن العقيم يجب ان تكون مواجهة صارمة:
- بلا عواطف، فالمدرسة العاطفية العربية الاسلامية والمبالغة في تمجيد الذات، وعشق التراث، واعلاء شأن ثقافة الموت في حضارتنا على ثقافة الحياة، وتقديس قبور الأموات لم تجلب لنا الا الشقاء والذل والهزيمة والنكبات والويلات،
- وبلا مجاملات شرقية عربية وتبويس لحى وضحك على الذقون تحول الحقيقة الى سلعة رخيصة للمساومة في البازار ، كيف لا والمواجهة الفكرية يجب ان تبنى على الحجة والمنطق والبرهان واحترام الآخر وليس على النيل منه شخصيا او مجاملته فكريا.
لا بد من وضع النقاط على الحروف لتظهر الحقيقة ساطعة كالشمس في حزيران. واللغة العربية بلا نقاط تتخبط مع نفسها ومعانيها ومبانيها في الظلام لتصبح بلا صوت وبيان كتخبطنا الحالي من موريتانيا الى لبنان ومن العراق الى السودان.
ومن هنا فان ما يميز تعليق اخي المسلم الناصح هي: السطحية، الهروب من المواجهة الفكرية الى الشخصانية التي يتميز بها كل العقائديين الاسلاميين من رجال دين وغيرهم من المتحمسين في الدفاع عن الدين العنيف دون علم.
وشخصانيته تظهر واضحة بارزة جلية في نعته لي بكلمة مستر الانكليزية بدل سيد العربية. نعته هذا يثير عندي الشفقة عليه وعلى ضحالة فكره ويؤكد لي رفضه للفكر الاخر، وضيق صدره بحق كل من يحمل كلمة منيرة. هو بدل ان يواجهني نديا فكريا سويا عقلانيا يريد النيل مني شخصيا بمسترتي وامركتي. وكأن كل عربي او مسلم يملك فكرا اخرا مستنيرا صار بنظره غربي وامريكي يجب مسترته. وكأن في نظره كل من لا يدخل تحت الخيمة الحالكة خانعا ذليلا وحول عامودها الشاهق العالي او صنمها البالي يدور الى ان يقع ويخور يصبح مطرودا من خيمة آل ابي جهل، متآمرا على اهله، وعميلا لأعداء الاسلام الى اخر معزوفة التخوين الممجوجة والتي تليق بمطلقيها من بني عربان.
اقول لاخي الناصح ان مبادئي وافكاري وقيمي التي اعبر عنها راسخة في ذاتي رسوخ جبال لبنان وجبال اطلس المغرب وجبال اليمن وجبال شمال العراق مجتمعة.
وانا اشفق عليه عندما يحاول بكلمة مستر الغمز من قناة عروبتي الصادقة وتربيتي الاسلامية الصحيحة المعتدلة الاصيلة الوسطية المتسامحة المحترمة للآخر.
ولكن يا عزيزي الدين عملية تفكير وليس عملية توريث ارثه عن ابي وامي. هو بحث دائم ودقيق وتحليل عميق لعصارة تجارب الحياة واستنتاجاتها. وكما يردد القران في ايات كثيرة:
"وتفكروا يا الو الالباب".
ولو ان الدين عملية توريث كقطعة الارض لبقي الانبياء ابراهيم ومحمد وغيرهم من المصلحين على دين آباءهم واجدادهم.
ولما كسر محمد اصنام الكعبة، التي كانت ثوابت ذلك الزمن!
نحن نبسط الامور ونهرب من مواجهة الحقيقة عندما نحمل المسلمين الغلابة ما آلت اليهم اوضاعهم المزرية وننسى الفكر الديني المتطرف المتحكم بهم:
مجتمعات وافرادا، حكاما ومحكومين، ملوكا ورؤساء، معتدلين ومتطرفين.
وكل استبداد وهيمنة الفكر الديني أتى وما زال يأتي من خلال اهل الدعوة والصحوة ودعاة ومشايخ حملوا لواء التكفير والتطرف وسفك دم الابرياء بالسيف والخنجر والبندقية كحل وحيد لفرض الاسلام منذ 14 قرنا على المجتمع بالقوة متناسين ان القران يقول لهؤلاء جميعا: لا اكراه في الدين؟ وهم ينقضون هذا القول الرائع بقولهم الذميم المرتد يقتل. وكان الاسلام عملية توريث ومن يعترض على ورثته يجب زج عنقه!
هؤلاء يستبدون بالمجتمع ويحاولون القبض على ناصية السلطة ولو على دماء الابرياء سقيفة او خيمة بني ساعدة لم تكن الا الركيزة الاسلامية الاولى التي زرعت الشقاق والخلاف بين المسلمين سنة وشيعة فيما بعد وانبتت لنا في العصر الحديث معمر القذافي وجعفر النميري وعمر البشير وعبد الناصر وحافظ الاسد وصدام حسين صدام وخامنئي ونجاد وابن لادن والزرقاوي والترابي وابو قتادة وشاكر العبسي.... الخ.
هؤلاء الحكام ومن جملتهم الإرهابيين جميعا هم ابناء الفكر الديني الاسلامي. وهذا الفكر هو البيئة الخصبة التي اوصلتهم الى السلطة والتي ستوصلنا الى قعر الحضيض اذا لم ننتبه الى واقعنا المريض ونصلح الحال. والا فالج لا تعالج من وبال الى وبال وكل الطرق ستؤدي بآل ابي جهل الى الصومال.
تحميل المسؤولية للحكام هو هروب من الحقيقة المرة ان الحكام هم اصلا اسرى الفكر الديني مثل الشعوب. لم تخرج من الدائرة الجهنمية الى الجمهورية التركية.
ولو استلم اخوان مصر الحكم لتحولت مصر الى امارة مصرستان على شاكلة امارة طالبان وعلى العرب السلام.
وماذا حقق الترابي بانقلابه الاسلامي في السودان واسلمة الجنوب؟ سوى ان السودان غرقت في بحور الدماء وهي اليوم على كف عفريت الانقسام.
كل الدول التي استطاع الاسلام السياسي والديني السيطرة عليها انتهت الى الخراب والانقسامات والفتن والمجازر والتناحر والوبال من الجزائر الى السودان الى امارة حماس في غزة الى الصومال الى امارة التوحيد في طرابلس الى باكستان الى افغانستان الى ايران . حيث تحولت الجمهورية الاسلامية الواعدة الى دكتاتورية قمعية دموية عدوانية شريرة متطرفة رائدة. كيف لا وهي من مخلفات فكر سقيفة بني ساعدة.
ومن يتحمل المسؤولية في ما حصل في السقيفة؟
هل هو ابو بكر ام عمر ام على ام عثمان؟ لا هؤلاء هم ايضا ضحايا الفكر الديني الصالح لكل زمان ومكان والعاجز في الوقت نفسه على ان يقدم حلا ديمقراطيا في التبادل السلمي للسلطة لأهل سقيفة بني ساعدة من خلال القران. حيث دب الخلاف والرسول لم يدفن بعد.
القرآن الصالح لكل زمان ومكان يقدم الحلول ولا يتخبط في المجهول ويتخبط معه بني الانسان.
السبب الرئيسي في تحميلنا المسؤولية الكاملة للفكر الديني الاسلامي هو هيمنته ووصايته وشموليته الكاملة على المجتمع والدولة والحكام والمحكومين وحتى استبداده الى درجة تخدير الناس ونومهم وخنوعهم امام رجل الدين المتحالف مع رجل السياسة في قمع الشعوب.
فكيف ستنهض اذن الشعوب العربية والاسلامية من غفلتها وتتحرر عندما بالآيات الهابطة من السماء منذ قرون تزجر؟

ليست هناك تعليقات: