الأربعاء، أبريل 30، 2008

أزمة سقوط قناع

بسام أبو علي شريف
في خضم طوفان الأزمة الفلسطينية المتعاقبة والتي بات فيها الفيوتشر معدوما ومرهبا يتجلى قمر الخلافات الفلسطينية في أزمة المدى الرهيب الذي وصلنا إليه من عدم ثقة وتدهور ينذر بانكشاف كامل الوجوه كانت تخاطب الشعب الفلسطيني من خلف قناع وتخاطبه الآن من خلف لثام .. معا .. فلم تعد غزة مؤثرة كثيرا في السياسة وأدائها الدبلوماسي في محيط الوطن العربي أو مقنعة للعرب الآخرين بأنها بحق قادرة على قيادة الحصان ..
والأخطر من ذلك أن مواردها إن وجدت مبددة ويائسة وأقصى ما تستطيعه هذه القيادة في زمن التراجع أن تحتفظ بعلبة من العلكة كي يدربون أفواههم على مخاطبة الآخرين ..
إنه بحق زمن التراجع بعد أن كانت تحتفظ لشعبها ببعض الكبرياء غير أن الطوفان الحاصل والمستمر بدأ ينال من قواها التي كان يوما لها شأن .. ودخلت في أزمة حادة يصعب هضمها هذا إن بلعناها .. والتي ظهر من مواريثها ثعابين وأفاعي رقطاء .. أسقطت أقنعتها مخلفة أزمة اجتماعية طاحنة تحصد كل شيء عظام البشر قبل لحومها ..حتى أوصلتنا إلى مسارح الجدل العقيم الناتج عن حديث الطرشان ..
حوار في البديهيات قبل الأساسيات وتخبط في الطريق الخاطئ ارتكبت .. حتى أصبح الكلام صغيرا بحجم ميكي ماوس كأن غزة التي اعتقدنا يوما بأنها بلد محوري في محيطها باتت قرية صغيرة يضجر منها العرب والغجر .. حتى صار أصحاب الإسهامات العربية في بنيتها يقولون كفانا شعارات عن الثورة والتحرير .. وتتورط السلطة في فرض قيود لا سابق لها على غزة .. التزم المواطنون في البداية ثم نسوها وانخرطوا يسحبون مع الطوفان .. وخذ عندك مثال المحامين بعد أن تجاهلتهم السلطة في رام الله ..
قد تبدوا غزة في غضب نتيجة تدهور أحوال الأغلبية لقد أصبح الغضب عندهم مشروع بحاجة إلى دراسة جدوى نتيجة قلة فرص العمل .. لكن اتجاه الغضب فقد بوصلته وطاشت العبارات وتمادت في اصطناع عداوات وفجوات لا مجال بالمطلق لترميمها بسهولة في حضور المشاهد العربي والأجنبي ..
والأفدح من ذلك إن تلك العبارات التي رددها المساهم العربي والأجنبي تصادمت مع سقوط الأقنعة وتكسرت على رصيف شاطئ بحر محطم المراكب والذي أصبحت من ايرز علاماته إغلاق الأحضان بدون احتضان والتي أثبتت تجربة أهل السياسة بأنها كبيرة واستثنائية مع أنه كان من المفروض بمكان اتساع الأفق في احتضانها لسبب رئيسي ومباشر في تأسيس ..
أسس جديدة لبناء مفاهيم الثقة رغم سقوط الأقنعة .. وللشعب وجهة نظر فيما يحترق في السماء من النجوم والشياطين لكن لن يعطي رأيه إلا بعد أن تنفجر على الأرض...

مهرجان جرش.. يجب أن يبقى

د. عبدالله عقروق
أروع اسطورة حب عرفتها الآردن هو الحب الذي تألق بين المغفور له بأذن الله جلالة الملك الحسين الخالد ، وجلالة الملكة نور .
وقد صرح جلالته مئات المرات عن الراحة النفسية ، والمحبة ، والعطف الذي لمسه من جلالتها ..فقد أعطته أجمل ايام حياتها ، منحته السعادة والطمأنينة ، وأشعرته دوما بحبها الدافئ ، وأصبحت قصتهما الرومانسبة تدخل في قلوب الأردنيين ، والعالم كله .
ومن ثمار حبهما جاءت الملكة نور بفكرة مهرجان جرش . وأصبح معلما سياحيا وثقافيا وفنيا تتغنى به دول العالم كلها
فلأجل أن الملكة نور قد أعطت السعادة لجلالة مليكنا الخالد ، ولازمته طيلة مرضه ، وأعطته كل ما تملك ..فلأجل هذا الحب الجميل دعونا نتذكر مهرجان جرش ، وما قدمته جلالتها من سعادة وسرور لحبيبنا الغالي حسيننا الخالد
لا تطفئوا هذه الشعلة التي أضاءتها الملكة نور والتي أحبها جلالته ، وأعطته الحبور والسعادة الى أخر ثانية من حياته .
لقد اصبح مهرجان جرش قبلة العالم كله ..ينتظره الآردنيون، والشعب العربي على أحر من الجمر كل عام . .أذ يلتقون بأشهر الفنانين في العالم .
فاسم جرش قد دخل التارخ من أوسع أبوابه ، وأثبت للعالم أن الأردنين قادرون على اقامة مهرجان يوازي كل مهرجنات الكرة الأرضية.
فلماذا التغيير أذن ؟ ولمصلحة من نريد التغيير ؟ وما هي الفائدة المرجوه من تغيره ؟
اسئلة كثيرة تراود الشعب الأردني ..فلا يجوز أن يأتي رئيس وزراء لغاية في نفس يعقوب وبجرة قلم يلغي صرحا ثقافيا ، وأعلاميا ، وسياحيا ويستبدله بأسم أخر لأنه يريد ذلك .
الشعب الأردني برمته يرفض رفضا قاطعا تغيير اسم جرش لأي اسم أخر.. انه يذكرنا بجلالة القائد الخالد حسيننا العظيم ، وحبه لزوجته التي بكته بحسرة ، ولا تزال تبكيه ..
يجب أن يبقى مهرجان جرش كما اراد جلالة المغفور له باذن الله حسيننا الخالد ، وزوجته المخلصة الوفية نور والتي أطلقت اسم مهرجان جرش.
من شيمتنا نحن الأردنيون أن نكون أوفياء لهؤلاء الذين كرسوا حياتهم لخدمة اردننا ، وأن نكرمهم ، ونمجدهم دوما. لآنهم أغدقوا بعطائهم لنا وعلينا أن نقابلهم بالمثل ونترك ذكراهم تتلألأ بيننا دوما
فمهرجان جرش باسمه وبحلته أصبح علما من معالم الأردن. ونحن فخورون به كل الفخر

فلوريدا

عمال فلسطين في ثلاجة الموتى...

محمد داود

عمال فلسطين ... هي قصة طويلة مع المعاناة والألم، بدأت رحلتها منذ أن احتلت أراضيهم، من النكبة إلى النكسة، ثم أخذت ضروباً ومراحل من المعاناة عقب كل هبة شعبية يعبر الفلسطينيون من خلالها عن رفضهم الكامل للاحتلال وجرائمه البشعة، وحرب التطهير والتمييز، الذي يمارسها، ضمن مسلسل إرهابي وعنصري ممنهج ومنظم، يأتي على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، وعلى رأسها حقه في تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، والعيش بكرامة أسوة بشعوب العالم الحر.
وقد سطر صمود العامل الفلسطيني رغم آلم الجوع وشدة العوز … أروع الملاحم في النضال والمقاومة والفخر، أسوة بالنضال والكفاح الوطني الجماهيري، متحدياً أشكال القهر والتعذيب والتنكيل والاستعباد، … حقاً إنها شراسة الحرب المفتوحة، وبأساليبها المتنوعة .. القتل ..والتجويع،.. والحرمان، …والحاجة إلى لقمة العيش المغمسة بالذل والدم وشدة القهر والظلم، بفعل سياسات الإغلاق وحجج "كذبة الأمن" الإسرائيلية الواهية التي لم تنتهي، من أجل ابتزاز الإنسان الفلسطيني وكسر شوكته، وإركاعه ومساومته، وتجويعه بغرض إضعاف عصب الحياة الفلسطينية المنهكة أصلاً، هذا بالإضافة لأشكال الملاحقة والمطاردة والاعتقال الاستفزازي والتعسفي البغيض دون وازع يذكر، كانت أشدها قسوة.. منع العمال الفلسطينيين نهائياً من التوجه لأماكن عملهم، أسفرت عن قطع أرزاق مئات الألوف من تلك العمالة المتوجه للعمل داخل الخط الأخضر، إضافة بإقامة جدار فصل عنصري على أراضي السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، يعزل مدنهم وقراهم و يسلب أراضيهم بالاستيطان، والاجتياحات اليومية، وتهويد مقدساته في القدس، وطمس هويتها التاريخية والدينية والروحية العربية والإسلامية، وسد منافذ تواصلها جغرافياً وسكانياً وديمغرافياً مع الضفة الغربية، وعزلها ووضع الفلسطينيين داخلها وخارجها تحت الأمر الواقع، وقطع الطريق أمام قيام الدولة الفلسطينية المتواصلة جغرافياً، ليحولها إلى معازل و"غيتوهات"، ويسرق ويضم الأراضي بلا حساب أو عقاب، بل وبتواطؤ ممن تعتبر نفسها حامية الديمقراطية، وبسط السلام في العالم.
فيما معاناة سكان قطاع غزة ليست بأفضل حال عنها، إذ اتسمت هي الأخرى بأشكال متعددة من الحرمان وقتل للحياة والأمل،... اتخذت فصولاً مختلفة من العدوان الوحشي والعنجهية الإسرائيلية الصماء،... بمحاصرة وإعدام مليون ونصف مواطن في سجن كبير، وهو يأتي في سياق الحرب الإسرائيلية المفتوحة على الشعب الفلسطيني، وممارسة سياسات تدميرية وتخريبية مختلفة لضرب العمود الفقري لاقتصاده الوطني وبنيته التحتية الهشة، التي تفتقر لكل مقومات الصمود والتحدي، من خلال استهداف إسرائيل المستمر للمنشآت الخدماتية بالقصف والتجريف للمزروعات، واقتلاع الأشجار، وتدمير الدفيئات والمنشآت الإنتاجية، وقصف الورش والمصانع، ووضع الحواجز وإغلاق المعابر والحدود بهدف تكبيد الاقتصاد الفلسطيني أكبر قدر ممكن من الخسائر، والسيطرة والتحكم في موارده الطبيعية والسلع ومواد الخام، المصدرة والمستوردة، والتي لا تمر إلا من خلال الموانئ والمنافذ التي تتحكم بها إسرائيل، مما أفرزت واقع جديد ضاعف من المعاناة الفلسطينية، فزادت نسبة الفقر والبطالة، وفي أحدث استطلاعات الرأي فاقت النسبة عن ثمانين بالمائة في قطاع غزة، ضاربة بعرض الحائط كل المعايير الدولية والمواثيق الإنسانية.
وفي هذه المناسبة التكريمية لعمال العالم، التي اتخذت الأول من شهر مايو من كل عام يوماً يتضامن فيه العالم نصرة للعمال والدفاع عن حقهم في الحياة الكريمة والعيش بعزة وجلاء... نستذكر في هذه اللحظات العامل الفلسطيني، الذي مزجت دماؤه عبر صيرورة تاريخية من العطاء والصمود الجسدي والفكري المقاوم، في كل الساحات والميادين، من أجل بناء الوطن،... وتحقيق حلمه و مشروعه الوطني الكبير، مقدماً الجوع والصبر والصمود على الاستسلام والركوع أو الخنوع… إنها الكرامة وشرف الانتماء الذي سطر أمجادها عبر صيرورة من الكفاح والمقاومة والصمود سجلتها الثورة الفلسطينية في أروع صفحاتها التاريخية، تميزت بدعم صمود العامل الفلسطيني.
نعم نستذكر معاناة الشعب الفلسطيني وطبقته الكادحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، هؤلاء الذين باتوا بين نار الاحتلال وجرائمه البشعة، وبين سنديان جحيم الانقسام والاقتتال الداخلي الفلسطيني، وما شكله من ضربة قاسمة، عصفت بالقضية وبالمشروع الوطني الفلسطيني برمته، فنالت من وحدت أراضيه ومشروعه المقاوم والسياسي التحرري، ليزيد من وطأته، لتلحق الدمار والأذى لما تبقى له من معاني الصمود، ليكون العامل الفلسطيني أحد أعمدة ضحايا هذا الانقسام، فبات منسياً، يطارد كبونة طال انتظارها هنا أو هناك، لعلها تسعف في أن تسد رمق أبنائهم الصغار بعض الوقت، لتبقى المعاناة كما هي أشهر وأعوام و....!!
وأتساءل أين أصحاب الضمائر الحية من حقوق العمال،.. أليس هم جزءاً من مكونات هذا الشعب المكلوم،..وأي مقاومة تأتي على حساب حقوقهم المهضومة، ونحن ندرك أن أي مقاومة يجب أن يتوفر لها المقومات الأزمة....؟!
كاتب وباحث

خلل في الواقع.. لا بالمقاومة

صبحي غندور

هناك صراع على السلطة في لبنان، كما في العراق والأراضي الفلسطينية المحتلّة. هو صراع سياسي حتماً مهما حاول البعض تشويهه بأسيد طائفي أو بألوان الصراعات الأقليمية.
هو صراع محلّي أولاً تدعمه وتوظّفه قوى خارجية. وهو صراع ممزوج مع قضية المقاومة ضدّ الاحتلال وبموقف المحتلين من القوى المتصارعة، وبمواقف هذه القوى من مسألة الوصاية الأجنبية. فهو صراع أيضاً على "هويّة الصراع" الدائر الآن في منطقة الشرق الأوسط.
طبعاً، فإنَّ تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في الشريط الممتد من غزّة إلى بغداد مروراً ببيروت، هو محصّلة لسياسة الإدارة الأميركية التي مارست العدوان والاحتلال في العراق، ودعمت الاحتلال والعدوان الإسرائيلي في فلسطين ولبنان وفي الجولان، فكان من تداعيات هذه السياسة الفاشلة والظالمة ما نراه اليوم من مخاطر أمنية وسياسية في منطقة الشرق الأوسط عموماً.
لكن ليس العامل الأميركي السلبي هو الوحيد المشترك بين أزمات العراق وفلسطين ولبنان. ففي هذه الأزمات جذور عميقة لسلبيات داخلية تتحمّل مسؤوليتها حكومات محلية وأطراف عربية وإقليمية عديدة، بل إن هذه الجذور السلبية الداخلية كانت هي الحافز للتدخّل الأجنبي ولإطالة الاحتلال.
المشكلة أيضاً هي في أنّ من يحملون ألوية التحرّر ومشاعل المقاومة ضدّ الاحتلال، هم أيضاً يحملون رايات فكرية وسياسية لها سمات دينية خاصة تنجح في التعبئة ضدّ المحتل وفي المواجهة العسكرية معه، لكنّها تتعثّر في مواجهة الأهداف السياسية لقوى الاحتلال التي عملت وتعمل على تمزيق الشعب الواحد وتفريقه لتسهّل السيادة عليه حتى لو تطلّب الأمر إشعالاً لحروب أهلية.
وحتى لا يعتقدَنَّ أحدٌ أنّ في ذلك ملامة للمقاومين على مقاومتهم، فإنّ أساس الخلل الراهن في جسم الأمَّة العربية، هو في النظام العربي الرسمي السائد منذ ثلاثة عقود وفي عقول العديد من المفكرين والسياسيين وعلماء الدين الذين فشلوا عملياً في الحفاظ على الظاهرة الصحية بالتعدّد الطائفي والمذهبي والإثني في مجتمعاتهم، حيث أصبحت الأفكار والممارسات تصبّ كلّها في أطر فئوية موجّهة كالسهام ضدّ الآخر في ربوع الوطن الواحد.
فالتعدّدية كانت قائمة في البلاد العربية خلال الخمسينات والستينات، لكنّها لم تكن حاجزاً بين الشعوب ولا مانعاً دون خوض مشترك لمعارك التحرّر والاستقلال الوطني، بل كانت مفخرة معارك التحرّر آنذاك أنّها تميّزت بطابع وطني عام صبغ القائمين بها، فكانت فعلاً مجسّدة لتسمية "حركة تحرّر وطني".
اليوم، نجد حكومات عاهدت إسرائيل وأميركا على "السلام"، حتى لو قامت تل أبيب أو واشنطن بتدمير واحتلال بلدان عربية أخرى، وبمواصلة قتل وتجويع وتشريد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
اليوم، نتعايش مع إعلام عربي وطروحات فكرية وسياسية لا تخجل من توزيع العرب على طوائف ومذاهب وأقليات بحيث أصبحت الهوية الوطنية الواحدة غايةً منشودة بعدما جرى التخلّي المخزي عن الهوية العربية المشتركة.
هو انحطاط حاصل الآن بعدما استباحت قوى أجنبية (دولية وإقليمية)، وبعض الأطراف العربية، استخدام السلاح الطائفي والمذهبي والإثني في حروبها وصراعاتها المتعدّدة الأمكنة والأزمنة خلال العقود الثلاثة الماضية، وفي مجتمعات تتوارث فيها الأجيال مفاهيم خاطئة عن النفس وعن الآخر، وفي ظلِّ غيابٍ واضح لطروحات وطنية عروبية ديمقراطية تجذب الشباب العربي وتحوّل طاقاتهم إلى قوّةٍ تجمع ولا تفرّق، تصون وحدة الأوطان ولا تمزّقها.
هكذا هو حال الأمّة العربية اليوم وما فيها من انشداد كبير إلى أزمات داخلية قائمة، وإلى مشاريع صراعات أهلية قاتمة في ظلّ احتلالين أميركي وإسرائيلي لبلاد عربية.
وضحايا هذه الصراعات العربية ليسوا فقط من البشر والحجر في الأوطان بل الكثير أيضاً من القيم والمفاهيم والأفكار والشعارات.
فالدين والطائفة والمذهب والأصول الأثنية، كلّها تسميات أصبحت من الأسلحة الفتّاكة المستخدمة في هذه الصراعات.
كذلك العروبة والوطنية، فهما الآن أيضاً موضع تفكيك وتفريغ من أيّ معنًى جامع أو توحيدي، في الوقت نفسه الذي يتمّ فيه استخدامهما لصراعات مع جوار عربي أو إسلامي.
والنماذج الأميركية للحرية والديمقراطية، أصبحت تقوم على قبولٍ بالاحتلال أو الوصاية الأجنبية على الأوطان من أجل الحصول على آليات ديمقراطية في الحكم!.
أمّا المقاومة ضدَّ الاحتلال فقد أصبحت عِرقاً ومذهباً لدى الرافضين لها، فإنْ كنتّ تقاوم الاحتلال فأنت إمّا "فارسي" أو "متشيّع"!.
وفي هذا الزمن الرديء ضاع مفهوم "الشهادة"، حيث امتزج "القاتل" مع "المقاوم"، وتحوّل "الديكتاتور السابق" إلى رمز قيادي للأمّة!.
فالتشويه يحصل للصراعات الحقيقية في الحاضر ولمواصفات الأعداء والخصوم والأصدقاء، بحيث لم يعد واضحاً من هو العدوّ ومن هو الصديق، وفي أيِّ قضية أو معركة، ولصالح من؟!.
طبعاً، فإن الخروج من هذا الحال العربي الردئ يتطلب أولاً كسر القيود الدامية للشعوب، وفكّ أسر الإرادة العربية من الهيمنة الخارجية، وتحرير العقول العربية من تسلّط الغرائز والموروثات الخاطئة.
لكن بلا شك، فإنَّ الإدارة الأميركية في واشنطن، ومن يتبع سياستها في المنطقة، مسؤولان عن هذا المناخ المتأزّم منذ احتلال العراق، وفي ظلّ التهميش المقصود لتداعيات الصراع العربي الإسرائيلي.
فالإدارة الأميركية هي التي دعت لمفاهيم "الفوضى الخلاقة" و"النماذج" الديمقراطية الجديدة في المنطقة، وهي التي تواصل التحريض على صراعات عربية/عربية، وعربية/إيرانية.
والإدارة الأميركية هي التي ترفض دعوات وطنية أميركية (من الحزبين الديمقراطي والجمهوري) ومن حلفاء أوروبيين وعرب ودوليين لإقامة مؤتمر دولي شامل لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي على كلّ الجبهات، وما قد ينتج عن ذلك من تنفيس كبير للاحتقان الشديد القائم الآن في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وفي لبنان، وما بين لبنان وسوريا، وما بين سوريا وحكومات عربية أخرى.
المؤسف، في ظلّ هذه المخاطر، أنَّ بعض الأطراف العربية الفاعلة تمتنع عن اللقاء فيما بينها لحلِّ مشاكلها الثنائية وللتحرّك المشترك المطلوب منها لمعالجة أزمات عربية خطيرة متفجّرة.

نمساويون أحيوا ذكرى النكبة ومخاتير الجالية فركوها...

ناصر الحايك

البعض حضر على استحياء والبعض جاء على مضض ومنهم من هرب بعد دقائق معدودة من حضوره ورئيس هيئة رسمية على وشك الانقراض القى كلمة مملة لم يصغ اليها أحد يذكر باستثناء تابعه الملاصق له كظله...طبعا مشاركتهم من عدمها لاتسمن ولاتغنى من جوع ، أو بمعنى أخر فرار أو تعمد غياب تلك الشخصيات المحروقة والغير قابلة للتلميع والفاقدة للأهلية والشرعية أضفى رونقا غير معهود على التظاهرة الثقافية التى نظمتها وأعدتها مؤسسة دار الجنوب النمساوية على مدار أربعة أيام متتالية وذلك بغرض تسليط الضوء على هول مآساة شعب بأكمله مر على اقتلاعه وتشريده من أرضه قسرا واقتراف أبشع المجازر بحقه من قبل الصهاينة المجرمين وأذنابهم ستون عاما واحياء لذكرى اصطلح العرب على تسميتها بيوم النكبة . يحاول الكثيرون محوها وطمسها من الذاكرة .

الغائبون الحاضرون هنا هم رموز المؤسسات الاسلامية والعربية الوهمية الأكثر من "الهم على القلب" والمنتشرة كالبثور فى النمسا ، وامعانا فى التوضيح أكثر فان المعنيين هم :

غربان البين محبو الجلوس فى الصفوف الأولى والفاشلون ممن لفظتهم وتقيأتهم الجالية وأصحاب العمائم المداهنون خطباء الهلس والدلس الذين "قرفونا فى عيشتنا" .

الغريب أن هؤلاء المنسيين الأراعن يعلنون دائما وأبدا بأنهم لاينتمون الى حظائر الأنظمة الوسخة ، وانما يمثلون مؤسسات المجتمع المدنى...ياسلام !!

هذا المسلسل العربى "البايخ" لم يعد مثيرا ومشوقا لمتتبعيه من عرب النمسا وخصوصا بعد أن تم حذف مقاطع حق العودة الى فلسطين التاريخية من سيناريوهات الأنظمة المقرفة بالاضافة الى أداء الكومبارس الهزيل والمفضوح فى الساحة النمساوية الذى لم يعد يجذب و يقنع المشاهد...

وهذا ان دل على شىء فانما يدل على أن معظم هذه المؤسسات الاسلامية والعربية الحريصة جدا على مصالح الجالية كما تتبجح وتتشدق ليلا نهارا، انما هى الوجه الأخر لعملة "الأجهزة" المندسة والمستترة تحت المسميات سالفة الذكر التى تم انشاؤها خصيصا بغرض جمع المعلومات والبيانات و ...ولابلاش !

لكى تطمئن قلوبهم فانه لم ولن يفتقدهم أيا كان وحبذا لو أقروا بينهم وبين أنفسهم بأنهم أصبحوا ونشاطاتهم واضحين للعيان و ضلوا ، ولم يعد بمقدورهم أن يضللوا ، ولله درهم لوتفضلوا علينا وحرمونا من سحنهم البهية واطلالاتهم الزهية فقد دقت المسامير الصدئة فى نعوش جثثهم المتحللة وأصبحت الرائحة أكثر من كريهة ومزمنة .

وختاما بدا واضحا على معالم وملامح وجوه المشاركين الصادقين وغالبيتهم من النمساويين ومن جنسيات مختلفة ونفر قليل من العرب والفلسطينيين الذين ساهموا فى احياء هذه الذكرى الأليمة... بدا واضحا من خلال تفاعلهم وتأثرهم بماشاهدوه وسمعوه بأن فلسطين (كل فلسطين) تهيمن على وجدانهم وتحتل مساحة لابأس بها فى ضمائرهم حتى لو كانوا على يقين بأن الحلم مازال جنينا غير مكتمل النمو فى رحم الاستقلال .

فيينا النمسا

التجربة الفلسطينية في لبنان...!

د. صلاح عودة الله
أكثر بلد عربي أحبّه الفلسطينيون ورغبوا في العيش فيه هو لبنان وذلك من خلال تجربتهم، مع ان هذا البلد لم يقدّم للفلسطينيين إلا النزر اليسير جداً من الحقوق المدنية والاجتماعية مقارنة ببعض الدول العربية الأخرى كالأردن وسورية والعراق. ولعل مناخ الحرية والازدهار الذي ساد لبنان في الخمسينات والستينات من القرن العشرين كان السبب في تعلّق الفلسطينيين بهذا البلد وانشدادهم إليه.
ثم ان الفلسطينيين أنفسهم كان لهم شأن حيوي ومباشر في الازدهار اللبناني الذي بدأ فعلياً في سنة 1949 فصاعداً اي عقب النكبة مباشرة، ففي سنة 1948 و1949 تدفق على لبنان نحو 110 آلاف فلسطيني جراء سقوط فلسطين في أيدي الحركة الصهيونية. وهؤلاء حملوا معهم الملايين من الجنهات الاسترلينية، وهذه المبالغ المالية أطلقت ثورة اقتصادية ظلت تتردد آثارها حتى نهاية عقد الخمسينات تقريباً.
وفي هذه الفترة قيّض للشتات الفلسطيني أن يشهد تأسيس اثنتين من أهم الحركات السياسية العربية وأبعدها أثراً هما: حركة القوميين العرب وحركة "فتح".
خضع الفلسطينيون اللاجئون الى لبنان لشروط قاسية جداً أناخت بكلكلها عليهم في اماكن إقاماتهم. فكان ممنوعاً عليهم الانتقال من مخيم الى آخر إلا بإذن، وممنوعاً عليهم السكن في بعض المناطق المحاذية للحدود الفلسطينية، وتسلطت عليهم المخافر، علاوة على رجال المكتب الثاني أيما تسلّط. لكن، في 1/1/1965 آفاق الفلسطينيون في لبنان على البيان الاول لـ"قوات العاصفة" وهو يعلن انطلاقة الكفاح المسلح الفلسطيني.
وكان هذا البيان إيذاناً بتحوّلات عاصفة سيشهدها لبنان والمنطقة العربية بأسرها. ومن الطبيعي ان يتجاوب الفلسطيني مع هذا البيان بفرح غامر، ولا سيما ان اسم حركة "فتح" كان يتردّد في أوساط اللاجئين منذ سنة 1960. ولا ريب في ان انطلاقة الكفاح المسلح منحت الفلسطينيين شعوراً بالزهو والإحساس بالكرامة، وتوقعوا ان تصبح قبضة المخافر عليهم أقل قسوة وأكثر تحناناً.
وهذ الأمر لم يتسنى له الخروج الى الحياة بالشكل المنشود. مرّ الفلسطينيون في لبنان بمراحل مختلفة من المستويات المعيشية تبعًا للأحوال السياسية، ويمكن تحديدها بأربع مراحل أساسية:
المرحلة الأولى: من عام 1948 إلى عام 1969 كانت المخيمات تخضع لقيود احترازية مشدَّدة، فكان يمنع على اللاجئين الانتقال من مخيم إلى آخر دون ترخيص، وكان محظورًا على أي مخيم التمدد خارج الإطار المكاني المحدد له. كما كان من المحظور بناء طابق ثانٍ فضلاً عن أن يكون سقف البيت من الأسمنت أو الحجارة، وبمقابل ذلك كانت خدمات الأونروا التعليمية والصحية أوفر بكثير مما هي عليه الآن.
المرحلة الثانية: من عام 1969 إلى عام 1982 وهي فترة صعود العمل المسلح الفلسطيني واكتسابه الرعاية العربية واللبنانية بعد التوقيع على اتفاق القاهرة عام 1969 الذي نظّم عمل الفدائيين الفلسطينيين في جنوب لبنان، وفي هذه المرحلة خاصة عاش الفلسطينيون فترة ذهبية، حيث تدفَّقت الأموال على منظمة التحرير التي نالت الاعتراف العربي أولاً، فتحسَّنت الأوضاع المعيشية، وقامت المؤسسات الاجتماعية، وانخرط عدد كبير من الشباب في المنظمات الفلسطينية المختلفة مما وفَّر للأسر الفلسطينية مورد العيش المتوسط، حتى إن كثيرًا من اللبنانيين الفقراء ومتوسطي الحال استفادوا من حال البحبوحة النسبية التي عاشتها المخيمات آنذاك.
لقد خفَّف ظهور المنظمات المسلحة القيود على عمل وحركة الفلسطينيين في المخيَّمات وخارجها، فلم تعد الأنظمة والقوانين تُطبق حرفيًّا، وقد حدث انفجار سكاني في المخيَّمات، فتمددت إلى الخارج والمناطق المحدَّدة لها، إلى أن صار الفلسطينيون يقيمون أمنهم الذاتي ويقيمون الحواجز ويدققون في هويات المارة، وخصوصًا بعد الغارة الإسرائيلية على بيروت عام 1973 حين قام كوماندوز إسرائيلي بقتل بعض قادة المنظمة، ونشبت أزمة سياسية حادة بين رئيس الجمهورية اللبنانية "سليمان فرنجة" ورئيس الحكومة "صائب سلام" حول المسؤولية عن الثغرة الأمنية، وفي ذلك الحين سُمح للفلسطينيين بإقامة أمنهم الذاتي، وتلك الخطوة الخطيرة أثارت حنق المسيحيين الذين انتظموا أيضًا في ميليشيات مسلحة، وقامت الحرب الأهلية اللبنانية كما هو معروف عام 1975 على خلفية إطلاق النار على "باص" فلسطيني في منطقة عين الرمانة المسيحية.
المرحلة الثالثة: من عام 1982 الى عام 1993 في صيف 1982 شنّ الجيش الإسرائيلي حربًا شاملة على منظمة التحرير الفلسطينية، فتعرَّضت المخيَّمات للتدمير الشديد، وسقط آلاف الشهداء من المدنيين والعسكريين على حد سواء، وانتهى حصار بيروت باتفاق رعاة الوسيط الأميركي اللبناني الأصل فيليب حبيب أدّى إلى خروج المسلحين الفلسطينيين من لبنان، وتُركت المخيمات الفلسطينية في عهدة الدولة اللبنانية، لكن اغتيال الرئيس المنتخب "بشير الجميل" دفع الإسرائيليين إلى اقتحام بيروت،
وأمنت الغطاء للميليشيات اللبنانية المسيحية بارتكاب مجزرة في صبرا وشاتيلا، وخضعت المخيمات إجمالاً لإرهاب تلك الميليشيات قبل أن تُحكِم الدولة سيطرتها مجددًا عليها لفترة لم تطل؛ إذ قامت انتفاضة السادس من فبراير 1984 في المناطق الغربية من بيروت، وكانت نتيجتها خروج المناطق الإسلامية من بيروت، والجنوب والشمال والجبل عن سلطة الدولة التي كانت خاضعة للقرار المسيحي. وحاولت المخيَّمات الفلسطينية الاستفادة من هذه الأجواء للخروج مجددًا إلى دائرة الضوء، لكن الحركة التصحيحية التي خاضها العقيد "أبو موسى" ضد رئيس منظمة التحرير الفلسطينية "ياسر عرفات" أدت إلى انقسام الشارع الفلسطيني في المخيمات واندلاع معارك عنيفة.
كذلك تصدَّت حركة "أمل" الشيعية في ذلك الوقت للمخيمات الفلسطينية، وقامت خلال السنوات 1985- 1989 بمحاصرة مخيَّمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة، فضلاً عن مخيَّمات الجنوب تحت شعار "منع الفلسطينيين" من العودة إلى عام 1982، وأدَّت المعارك بين حركة "أمل" والمخيَّمات إلى سقوط مئات القتلى والجرحى، وتدمير المخيَّمات، مما ساهم في زيادة البؤس الفلسطيني. المرحلة الرابعة: ابتداءً من 1993 حتى الآن في سبتمبر 1993 وقّعت منظمة التحرير وإسرائيل اتفاق "أوسلو"، فانعكس ذلك فورًا على الخدمات التي يتلقاها عادة اللاجئون الفلسطينيون في لبنان فتدهورت تدريجيًا.
وبما أن اتفاقات "أوسلو" تنصّ على فترة انتقالية من الحكم الذاتي تمتدّ لخمس سنوات قبل الاتفاق على الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية المحتلة فقد أعلنت الأونروا أن الفترة الانتقالية تسمح لها بالإعداد لتصفية أعمالها في عام 1999، وبما أن مفاوضات الوضع النهائي تشمل قضية اللاجئين وإيجاد حلول لها، لكن الأونروا ما لبثت أن تراجعت بعد ضغوط شديدة مورست عليها في اجتماع عمان في آذار 1995، وذلك للاستمرار بتقديم الخدمات حتى التوصل إلى حل سياسي لقضية اللاجئين، وأنه لا يمكن التنبؤ بحصول ذلك خلال سنوات خمس.
وهناك ما يقرب من 400 ألف لاجئ فلسطيني يقيمون في لبنان، معظمهم أشخاص وصلوا في العام 1948 أو منحدرون منهم. وقد فروا أو طردوا من منازلهم أو أراضيهم الكائنة في ما يشكل الآن إسرائيل أو الضفة الغربية أو قطاع غزة، ولم يتمكنوا منذ ذلك الحين من العودة. وغالباً ما تبرر السلطات اللبنانية القيود التي تفرضها على حقوق اللاجئين الفلسطينيين بالحفاظ على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة. فمثلاً، فيما يتعلق بحظر توسيع أو ترميم المخيمات الفلسطينية الحالية، يوضح تقرير الدولة الطرف الذي قدمه لبنان والذي نظرت فيه لجنة حقوق الطفل، بأن هذا الأمر يهدف إلى "منع تعزيز الوجود الفلسطيني في لبنان والقبول ضمناً بالتوطين القسري وتدمير المبدأ الكامن وراء حق العودة".
وهذه التبريرات عارية عن الصحة وتتعارض مع واجبات لبنان تجاه حقوق الإنسان. إن حق العودة هو حق يمتع بالحماية بموجب القانون الدولي؛ ولا تتعارض حقوق الإنسان الأخرى معه والوفاء بها لا يلغيه. ويجب أن يتمكن اللاجئون الفلسطينيون، بمن فيهم الموجودون في لبنان، من التمتع بحقوقهم الإنسانية إلى أقصى حد ممكن إلى حين إنفاذ حقهم في العودة.
وأي تأخير في وضع حد للتدابير القائمة على التمييز ضد اللاجئين الفلسطينيين يشكل انتهاكاً مستمراً للواجبات المترتبة على لبنان على صعيد حقوق الإنسان. وتواصل منظمة العفو الدولية حث الحكومة اللبنانية على اتخاذ كافة الخطوات الضرورية لوضع حد لجميع أشكال التمييز الفعلي والقانوني على السواء، ضد اللاجئين الفلسطينيين، بما في ذلك تمتعهم بحق العمل والحقوق أثناء العمل والحق في سكن كاف والضمان الاجتماعي والتعليم.
وينبغي على السلطات اللبنانية أيضاً أن تتخذ دون تأخير جميع الخطوات الضرورية لتسجيل جميع اللاجئين الفلسطينيين الذين هم بلا هوية والتأكد من تمكُّن جميع الأطفال اللاجئين الفلسطينيين من التمتع الكامل بحقوقهم الإنسانية على قدم المساواة مع الأطفال اللبنانيين.
وأما احداث مخيم نهر البارد الأخيرة وقمع الجيش اللبناني لسكان هذا المخيم بحجة تصفية عناصر"فتح الاسلام" مع ان الفلسطينيين نفوا أية علاقة لهم بهذه الجماعة، فانها أكبر دليل على الحقد الذي يكنه بعض اللبنانيون لأبناء شعبنا الفلسطيني في المخيمات، وان تعالت بعض الأصوات الرسمية التي تقول بأن اللبنانيين والفلسطينيين في خندق واحد. هذا الجيش الذي برز كالأسد في قمع سكان هذا المخيم وكالأرنب في مواجهة العدو الاسرائيلي.
***
تم الرجوع لبعض المصادر في اعداد هذه القراءة.

حماس .. حمل غزة كاذب

بسام أبو علي شريف
هي العادات والتقاليد التي تتطلب الاتصالات السرية للاتفاق واختيار المخطوبة بعد أن يعقد العزم أهل العريس .. جلسوا .. وحددوا واختاروا العروس وأخذوا الإذن ودعوا من دعوا وجهزوا فرقة حسب الله .. أخذوا القرار وحددوا ساعة الصفر .. لانطلاقة الفدعوس .. قالوا أهل العريس لا مانع لدينا .. في جس نبض الشارع هل يريد الفرح المختصر ونوما هنيئا لأطفالكم .. أم الدعوى عامة والصلاة عندهم جامعة .. كما يصلون اليوم صلاة الإستسكاز لتمطر عليهم السماء الكاز والبنزين .. والزفتة .. وعندما وجدوا الجمهور يعشق الدم ويتغنى على أزيز الرصاص بادروا في زغزغة العروسة من هنا وهناك إلى أن وصل الوضع إلى أبو موزة ..
وعندما حان اللقاء .. لقاء الخلوة الشرعية .. اختلوا بها في بث مباشر .. اعتقد أنهم ينتمون أن مذهب الظاهرية الذين يؤيدون رؤية كامل جسد المخطوبة.. بعكس كل المذاهب ..
وعندما دخلوا بها في 14/6/2007م كان يوم الفرحة الكبرى والحسم الكاسر لأنهم دخلوا على ثيب .. لم يسبق لها فتح فخديها .. ذبحوا العجول ووزعوا ما تبرع لهم به أتباع الصدر في النجف وكربلاء وشيراز ..
وتشابه البقر على وكيل غزة .. بعد الزواج غزة افترسها بني صدر وألبسوها حلة من الذهب المزيف .. ووعدوها بالتغير والإصلاح من فساد أهل دايتون إلى رحمة أهل الصدر الذين يحبون تقبيل الأطفال من شفاههم وينسون أنفسهم ..
لم يهن على وكيل غزة أن يتركها دون زيارات .. فقطع الأرحام يدخل النار .. بقيت المعونات تتدفق والزوج جبار لا يخاف الله عندما قتل أهل غزة رغم أنه نسيب لا قريب ..
سارت المسكينة غزة تساير زوجها خوفا من بطشه إلى أن استبشر الزوج بحمل غزة .. عند هنا رفع الوكيل يده عن فلذة كبده غزة وتركها تعيش مع الواقع الجديد يطعمها وأهلها من الألف إلى الياء .. أملا في أن تنجب له الطفل الذي سيحكم ويرسم في البلاد بعد 30/12/2008م وعندما حل ميعاد الميلاد ذهب الزوج المغوار مع زوجته إلى عيادة الولادة .. حتى فاجأه الطبيب أن زوجته تشكو من أعراض حمل كاذب .. لا يوجد طفل ولا يحزنون ولن يكون من صلبه رئيس وباختصار لن يشم بعد اليوم رائحة السلطة
بدأ الجيران يتشمتون فيه .. قلت حركته .. بعد أن صارت خطواته محسوبة عليه .. فهل يستمر في إطعام أهل غزة .. ويبقى كما بدأ متحملا كل مسئولياته القانونية والدستورية والاجتماعية والاقتصادية .. أم كفى إلى هنا وليتفضل غيره ليطعم أهل زوجته غزة ..
وعندما انكشفت الأمور أكثر فأكثر إلى أهل غزة ندموا لحضورهم الفرح بدأ التذمر والعصيان والتحريض ضد هذا الزوج المتغطرس .. ودعوني أسأله هل تكفي ميزانيتك لإطعام أهل غزة ؟! وأيهما أهم إطعام أبناء عائلتك ؟! أم إطعام أهل زوجتك !! احتار الزوج في الإجابة على السؤال لأنه تذكر ما حصل لأمريكا في فيتنام والعراق وأفغانستان .. وبقى يكابر بعد أن تركه أهل غزة يصول ويجول في مدينتهم كالثور الهائج .. فهل سيعود هذا الثور الشريد إلى حظيرته من جديد !! أم سيبقى سائرا إلى أن توصله خطواته العنجهية إلى سلخانة الجزار .. وقتها لن ترحمه السكين .. أقصد السكاكين .. و يارب يدخل غزة البنزين علشان ترخيص الحمير .. وفركش ...
قطر- الدوحة

انجاز اميركي تاريخي في فلسطين

نقولا ناصر
(ان بوش الذي يشترط التوصل الفلسطيني الاسرائيلي الثنائي الى "تعريف" للدولة الفلسطينية قبل ان "يتدخل" عمليا لاقامة هذه الدولة لا يرى أي تناقض في ان ينتقل الى القدس المحتلة للاحتفال بمرور ستين عاما على تاسيس الدولة الاسرائيلية التي ما زالت دون أي تعريف لاقليمها وحدودها)

من يتابع الاستعدادات القائمة على قدم وساق للاحتفال بالذكرى السنوية الستين لانشاء دولة الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين لا يسعه الا ملاحظة ان اثنين من آل بوش سيقودان هذه الاحتفالات احدهما الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الاب في الولايات المتحدة والثاني الرئيس الحالي بوش الابن في اسرائيل ولا يسعه كذلك سوى ان يلاحظ بان واشنطن تحتفل بالمناسبة باعتبارها انجازا اميركيا تاريخيا وبطريقة وفي ظروف تجعل أي حديث اميركي عن اقامة دولة فلسطينية مجرد نكتة سمجة تستهتر ليس فقط بالنكبة العربية في فلسطين وبالطموحات الوطنية المشروعة لضحايا النكبة في حقهم في تقرير المصير واقامة دولة لهم على ترابهم الوطني بل تستهتر ايضا بعقول ومشاعر من ما زالوا في المنطقة يراهنون على واشنطن للمساهمة في احلال سلام اقليمي عادل وشامل .

غير ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، بالضد من كل الحقائق المحبطة حد الياس ، متمسك باصرار بان يستمر في منح شعبه بارقة امل في ان الموقف الاميركي يمكن ان يساهم في احلال سلام على اساس حل الدولتين ، لكنه في الوقت نفسه يحرص على عدم الخلط بين الامل وبين السراب الخادع وبالتالي فانه لم يتردد في ان يعترف علنا بانه عاد من قمته يوم الخميس الماضي مع الرئيس بوش بخفي حنين ليقول للاسوشيتدبرس ، بلهجة وصفتها الوكالة ب"المتشائمة" ، في مقابلة استغرقت خمسة عشرة دقيقة بجناحه الفندقي بواشنطن يوم الجمعة الماضي ، انه "فشل" في احراز أي تقدم في محادثاته مع بوش .

قال عباس: "بصراحة ، حتى الان لم يتحقق شيء" ، واعرب عن "خيبة امله" لان الولايات المتحدة لا تمارس أي ضغط على اسرائيل لوقف نشاطاتها الاستيطانية ، ونقلت الوكالة عن مساعديه انه خرج "مستاء" من لقائه مع وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس يوم الخميس ، ليقول للاسوشيتدبرس في ختام زيارته لواشنطن الاسبوع الماضي ان الاميركان لم يقدموا أي مقترحات جديدة ، وانه لم يتم احراز أي تقدم في أي من القضايا الجوهرية وان "كل الملفات ما زالت مفتوحة ولم يتم الانتهاء من اي واحد منها" ، ليضيف فيما وصفته الوكالة ب"ومضة غضب نادرة" قائلا: "لقد طالبناهم ان يتحدثوا عن حدود عام 1967 (لكن) ايا منهم (أي المسؤولون الاميركان الذين قابلهم) لا يتحدث عن حدود 1967" .

بالرغم من ذلك اعلن عباس انه سوف يواصل لقاءاته الدورية مع رئيس وزراء دولة الاحتلال ايهود اولمرت وسوف يلتقي بوش ثانية في شرم الشيخ بعد يومين ونصف اليوم يقضيها الاخير في مشاركة الاسرائيليين احتفالاتهم بالذكرى السنوية الستين لاقامة دولتهم اواسط الشهر المقبل ، مما دفع الكثير من المحللين الفلسطينيين والعرب الى التساؤل عن السر الكامن وراء اصرار عباس على مواصلة هذا النهج بالرغم من حقائق الموقف الاميركي التي تصفع دون رحمة أي حد ادنى بقي لاي امل فلسطيني في هذا الموقف .

واذا كانت مقابلة عباس نفسه مع الاسوشيتدبرس هي احدث هذه الحقائق فان ما كشفه تقرير للواشنطن بوست عشية قمته مع بوش يقدم تفسيرا واضحا لرفض أي مسؤول اميركي الحديث عن حدود 1967 . فقد كشفت البوست ان رايس توصلت الى "اتفاق سري" بين بلادها وبين اسرائيل في ربيع عام 2005 اعاد التاكيد على رسالة الضمانات التي "سلمها الرئيس بوش شخصيا" في 14 نيسان / ابريل عام 2004 الى رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ارييل شارون التي اعتبرت عودة قوات الاحتلال الاسرائيلي الى حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 ، وتفكيك المستعمرات الاستيطانية البهودية الكبرى في الضفة الغربية ، وعودة اللاجئين الفلسطينيين امورا "غير واقعية" ، مما يفسر تماما لماذا يرفض بوش الحديث عن حدود عام 1967 ويفسر ايضا رفضه لممارسة أي ضغط على اسرائيل لوقف الاستيطان .

ان هذا الرفض الاميركي الذي اثار "ومضة غضب نادرة" لدى عباس يدحض نفي رايس ووزارتها لتقرير الواشنطن بوست في الرابع والعشرين من الشهر الجاري لا بل انه يؤكد صحته في الوقت الذي يكشف ان كل التصريحات الاميركية الرسمية ، وخصوصا تصريحات رايس ، منذ مؤتمر انابوليس في 27 تشرين الثاني / نوفمبر العام الماضي عن الالتزام الاميركي بخريطة الطريق وبما تنص عليه من الزام اسرائيل بوقف النشاطات الاستيطانية وكذلك انتقادات رايس ووزارتها للتوسع الاستيطاني الاسرائيلي وبخاصة في القدس ومحيطها المباشر لم تكن الا ذرا للرماد في العيون الفلسطينية ومناورات علاقات عامة لفظية غير مقرونة باي اجراءات عملية تسندها وتتناقض تماما مع الموقف الرسمي للادارة الاميركية ، بحيث يصعب التمييز بين هذه التصريحات وبين الكذب الصريح على القيادة الفلسطينية وشعبها .

لماذا اذن يدعو بوش نظيره الفلسطيني الى واشنطن اذا كانت دعوته سوف تتمخض فقط عن تجديد "رؤيته" الغامضة بالتوصل الى مجرد اتفاق او مسودة اتفاق فلسطيني – اسرائيلي على ما اسماه "تعريفا" بدولة فلسطينية دون أي "تدخل" اميركي ودون ان تسمح واشنطن باي تدخل غير اميركي في صياغة "التعريف" المامول او تسمح باعتماد شرعية القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة مرجعية لاستخلاص تعريف للدولة المرجوة !

واذا كان عباس قد سجل على بوش رسميا رفضه الحديث عن حدود 1967 ورفضه ممارسة أي ضغط لوقف الاستيطان فان المراقب لا يفوته الا ان يسجل على بوش عدم استخدامه لعبارة "الاحتلال الاسرائيلي" ولو لمرة واحدة طوال ثماني سنوات خلال ولايتيه ، ولم يستخدم أي عبارات غيرها لوصف تواجد القوات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة ، وبالتالي فانه وادارته تعاملوا مع هذه الاراضي باعتبارها مناطق "متنازعا عليها" بين الاسرئيليين وبين الفلسطينيين يتم تسوية النزاع حولها بالطرق السلمية عبر مفاوضات ثنائية فقط ، بينما الاتفاق على ان هذه المناطق الفلسطينية الخاضعة للحكم العسكري الاسرائيلي منذ عام 1967 هي مناطق واقعة تحت الاحتلال هو شرط مسبق للتوصل الى أي "تعريف" ذي مصداقية لاي دولة فلسطينية موعودة .

والمفارقة المفجعة ان بوش الذي يعتبر التوصل الفلسطيني الاسرائيلي الثنائي الى تعريف للدولة الفلسطينية قبل ان "يتدخل" عمليا لاقامة هذه الدولة انجازا سلميا تاريخيا لرئاسته وادارته لا يرى أي ضير او تناقض في ان ينتقل الى القدس المحتلة للاحتفال بمرور ستين عاما على تاسيس الدولة الاسرائيلية التي ما زالت دون أي تعريف لاقليمها وحدودها والتي ما زالت بلا دستور لهذا السبب بالذات ، أي لكي لا تضطر الى تعريف اين تقف حدودها وهو الامر الذي تنص عليه كل دساتير الدول في العالم .

واذا لم يكن أي عربي ، وخصوصا اذا كان هذا العربي فلسطينيا ، لا يتوقع ابدا من بوش او غيره من قادة اميركا الحاليين او السابقين او اللاحقين ان يشاركه يوما ما في الذكرى السنوية ل"النكبة" فان أي عربي لم يخطر بباله قط ان تبادر واشنطن الى الاحتفال رسميا بالمناسبة التي قادت الى هذه النكبة فيما هي "ترعى" ما يسمى "عملية سلام" بين ضحايا النكبة وبين من تسببوا في النكبة ، وكان بامكان الرئاسة الاميركية تاجيل مشاركتها في احتفالية اسرائيل الستينية الى ما بعد ما قد تتمخض عنه عملية السلام اذ من المؤكد حسب المعطيات الدولية والعربية والفلسطينية الراهنة ان دولة المشروع الصهيوني في فلسطين سوف تحتفل بمئويتها وبالتالي فان المناسبة لن تفوت الادارة الاميركية للمشاركة فيها ، او في الاقل كان يمكن لهذه الادارة تاجيل مشاركتها في الاحتفالية الاسرائيلية الى ما بعد انكفاء قوات الاحتلال الاسرائيلي الى حدود "دستورية" معترف بها للدولة الاسرائيلية .

ان مشاركة بوش في احتفالات اسرائيل الستينية هي اعتراف اميركي مدو باحتلالها وبتوسعها الاقليمي وبنهجها العدواني الذي احبط كل مساعي السلام حتى الان في تجاهل كامل للنكبة العربية في فلسطين بل موافقة عليها ، لا بل ان هذه المشاركة الاميركية مقرونة باعتراف بوش المعلن باسرائيل ك"دولة يهودية" انما ينذر بنكبة جديدة لعرب فلسطين . ولن يخفف من كون هذه المشاركة زيتا يصب على نار العداء لاميركا في الاوساط العربية والاسلامية محاولة بوش تجنب المزيد من الاستفزاز للعرب والمسلمين بعامة وللفلسطينيين منهم بخاصة بتحاشيه زيارة هضبة الجولان العربي السوري المحتل او زيارة معالم يهودية في القدس او في الضفة العربية اثناء زيارته المقبلة .

ومما يزيد في تخبط بوش التناقض بين اعلانه خلال لقائه المشترك مع عباس مع وسائل الاعلام انه "عائد الى الشرق الاوسط" من اجل عملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية وبين رفضه لقاء الرئيس عباس في الاراضي الفلسطينية المحتلة واختياره شرم الشيخ المصرية لهذا الغرض . فقمة شرم الشيخ التي يجري الترويج لها كمحطة مقبلة لدفع عملية السلام لا علاقة لها بذلك لانها ستنعقد ، ان انعقدت ، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الاوسط الذي يستضيفه المنتجع المصري على البحر الاحمر بين 18 و 20 الشهر المقبل وليست مقررة في حد ذاتها . والدعوة لقمة كهذه هي رغبة للرئاستين الفلسطينية والمصرية ويبدو ان هذه القمة المقترحة قد وئدت وهي ما تزال "رغبة" بسبب التحفظات الاميركية عليها والرفض الاسرائيلي لها . وطبقا لمصادر اميركية واسرائيلية رفض ايهود اولمرت دعوة الرئيس المصري حسني مبارك له لحضورها .

علق جون الترمان خبير الشرق الاوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن على ذلك قائلا: "انك بالتاكيد تضيف الملح الى الجرح عندما تسافر الى اسرائيل ويضطر الفلسطينيون للسفر الى مصر كي يروك" !

غير ان مشاركة بوش في احتفالات اسرائيل الستينية ما هي الا جزء فقط من احتفالات اميركية اوسع واذا احاط المراقب بتفاصيل الاستعدادات الاميركية لهذه المناسبة سيكتشف ان المناسبة اميركية قبل ان تكون اسرائيلية وان واشنطن تحتفل بانشاء اسرائيل باعتباره انجازا اميركيا تاريخيا اكثر من كونه انجازا اسرائيليا او يهوديا .

في مقابلة له مع الاسوشيتدبرس في التاسع من الشهر الجاري لخص رئيس دولة الاحتلال شمعون بيريس الدور الاميركي بقوله: "بعد ستين عاما نريد ان نقف ونقول: شكرا لك اميركا" .

وفي الثاني والثالث والعشرين من نيسان / ابريل اجاز مجلسا الشيوخ والنواب في الكونغرس الاميركي يومي الثلاثاء والاربعاء الماضيين على التوالي "بالاجماع" قرارين يهنئان اسرائيل بعيدها الستين . والامر غير العادي ان مشروع قرار مجلس الشيوخ قدمه الاعضاء المائة جميعهم دون استثناء . وكان الامر غير العادي في مجلس النواب ان مشروع القرار قدمته رئيسة المجلس الديموقراطية نانسي بيلوسي بالاشتراك مع زعيم الاقلية الجمهورية المعارضة جون بويهنر . وقد اعلنت بيلوسي انها سوف تنضم الى الرئيس بوش لمشاركة اسرائيل احتفالاتها . ورحبت اللجنة الاميركية – الاسرائيلية للشؤون العامة "ايباك" في بيان بالقرارين و"بالاجماع" بين الحزبين عليهما .

وقد انشئت "لجنة قومية" اميركية للاحتفال بستينية اسرائيل يشارك في رئاستها الرئيسان السابقان جورج بوش الاب وبيل كلينتون ، وقد انضم اليها كنواب لرئاستها المرشحون الرئيسيون الثلاثة للرئاسة الاميركية في كانون الثاني / يناير المقبل الجمهوري جون ماكين والديموقراطيان هيلاري كلينتون وباراك اوباما . كما انضم كل وزراء الخارجية الاحياء الى اللجنة التي نظمها "مؤتمر رؤساء المنظمات الاميركية اليهودية الكبرى" والتي ستغطي احتفالاتها العديدة المتنوعة الولايات المتحدة الاميركية كافة .

ان زيارة بوش المقبلة لا علاقة لها البتة بعملية السلام والا لوازنها في الاقل بزيارة قصيرة رمزية لبعض الناجين من النكبة في احد مخيمات لجوئهم بالضفة الغربية ولها كل العلاقة باحتفال بوش بانجاز اميركي تاريخي في فلسطين اسمه "اسرائيل" وكل الحقائق المرتبطة بهذه الزيارة تظهر تصميما واجماعا اميركيا على حماية هذا الانجاز بكل الوسائل بطريقة كانما تقول لعرب فلسطين انه لا تاريخ لكم هنا وماضيكم القريب لا اهمية له اما وجودكم الحاضر فاما ان يخدم هذا الانجاز او فليذهب الى الجحيم .

وما يزال عرب فلسطين تحت الاحتلال يتساءلون عن السر الذي يحتفظ به الرئيس عباس ليسوغ استمرار مراهنته على بوش وواشنطن ، هذا اذا كان هناك أي سر كهذا على الاطلاق !

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*

الثلاثاء، أبريل 29، 2008

فصائل وقيادات ورقية تتحدث باسمنا في القاهرة

سامي الأخرس
رحمك الله ياسر عرفات ، رحمك الله جورج حبش ، رحمك الله أحمد ياسين ، رحمك الله فتحي الشقاقي ، رحمكم الله خليل الوزير وأبو علي مصطفي وعبد العزيز الرنتيسي وصلاح خلف وغسان كنفاني وعشرات القادة الذين كان مجرد ذكر أسمائهم يهز الوجدان بالعنفوان ويملئ السماء رعباً وفخراً ، ويعلوا بهم أسم فلسطين ويزهو مختالاً بعزة .
قادة لو قُدر لهم أن يعيشوا ويروا حالنا هذا لاختاروا القبور مأوي حماية من شرور الجنون التي نكاد أن نصاب به ، وحالة الهذيان من أمورنا وزماننا ، زمن لم نعد نعلم به من هؤلاء الذين يتحدثون باسم فلسطين وقضيتها ويقررون مصيرها.
أشعر بحالة من الغثيان والاستفزاز الداخلي العميق جدا عندما استعرضت الأسماء التي ذهبت أمس للقاهرة للإقرار بمصير فلسطين ، من أين هبطوا علينا ؟ ومن نصبهم قادة لنا ؟ وكيف التصقوا بمسمي قيادات وأصبح لهم باع في السياسة والتفاوض وتحديد مصيرنا ؟
عبث بل قل عدس ما نشاهده من هؤلاء الذين بعلم السياسة والقيادة لا يمكن منحهم أكثر من كلمة سعاة بريد أو بالكاد شخوص للزينة تصطف على أبواب المؤتمرات إن فلحوا بذلك .
تجاوزت الأسماء لأبحث في أجندتي الخاصة عن أسماء الفصائل التي يمثلها البعض ممن أصبح قائدا لي ولشعبي في القاهرة فلم يسعفني الحظ أن أجد مسمي أو عنوان يمكن الارتكاز إليه بمشروعية التمثيل سوي بأنهم أدوات ورقية ودمي بشريه تُستغل لتنفيذ مصالح البعض ، وجزء أخر منها أشبه بعصابة تحمل مسمي بندقية مقاومة ولم تتعدي ذلك بأي حال من الأحوال.
امتنعت عن ذكر الأسماء ليس غلا من باب إنه لا يشرفني أن اذكر بعضها باسم قائد فلسطيني لأنه لا يستحق هذا اللقب ولا يمكن أن يستحقه بأي مرحلة كانت فشتان بين القائد وبين هؤلاء ، كذلك لا يشرفني أن اذكره بصفوف قيادة أعظم قضية في العصر الحديث وأعظم ثورة في العصر الحديث ، والسبب الأخر للحنق الشديد على فصائل كبري وذات تاريخ وطني وامتداد جماهيري ارتضت أن تجلس مع هؤلاء على طاولة واحدة وبمسمي واحد وتعترف بهم قادة يمثلون شعبنا وهي تدرك إنهم شراذم تفرض علينا ، شراذم أضاعت فلسطين ولا زالت تمارس مراهقة سياسية تعمل كالدمى بجهاز التحكم عن بعد ، وتعرف جيدا من هم وما أصلهم ومن يمثلون .
لا يسعني سوي القول رحم الله ياسر عرفات وأحمد ياسين وفتحي الشقاقي وجورج حبش وأبو علي مصطفي ، ورحمنا الله ورحم فلسطين .... وأحمد الله أن هؤلاء ذهبوا شهداء قبل أن يُقدر لهم رؤية ما نري ...
ولك الله يا شعبي

اليسار الفلسطيني في بيت الطاعة

عطا مناع

معروف أن فصائل اليسار الفلسطيني تعتمد المنهج الجدلي فكرا وهذا يعطيها أفضلية في تحليل الواقع السياسي والطبقي والارتكاز على رؤى واضحة ينبثق عنها معالجات علمية تنسجم مع الواقع بكل تفاعلاته وتعقيداته السياسية والاجتماعية والفكرية، فامتلاك اليسار الفلسطيني لهذا المنهج يفترض أن يبعده ويحميه من الوقوع في شرك الارتجالية السياسية التي هي بمثابة الوجه الآخر للعفوية المستسلمة للواقع المأزوم على الساحة الفلسطينية المنقسمة على نفسها لتصبح ضحية لعملية استقطاب غير مسبوقة تقودها حركني فتح وحماس.
الواضح ومن خلال مجريات الصراع الفلسطيني فاليسار الفلسطيني أو التيار الثالث كما يحلو للبعض أن يسميه انخرط في اللعبة وارتضى لنفسه دور التابع وتنازل حتى عن كونه بيضة ألقبان التي قد تحافظ على التوازن وتكبح جماح القوى التي تقود الشعب الفلسطيني للهاوية، قبل اليسار الفلسطيني وعلى رأسه الجبهتان الشعبية والديمقراطية أن يقتات على فتات الغير وان يكون صدى لصوت الآخر متنازلا عن أفضليته الكامنة في قدرة على إدارة الصراع وتحقيق نقاط وانتصارات حتمية تنعكس إيجابا على واقع الشعب الفلسطيني.
لقد تاهت فصائل اليسار الفلسطيني وفقدت بوصلتها وتقوقعت حول نفسها فاقدة الفعل والتأثير الجماهيري منشغلة في البحث عن إجابة للسؤال التاريخي، من هي القوة الأولى في اليسار، ومن هو اليسار الحقيقي، لتتوالى الاتهامات المتبادلة المغلفة باصطلاحات عدمية على شاكلة اليسار الطفولي والانتهازي، هذا الصراع النظري الفارغ دام لعقود ولا زال يلقي بظلاله القاتمة على الفكر اليساري الذي فقد قدرته على التحليل العلمي للواقع المحيط وقبل على نفسه التبعية والتمسك بشعارات نظرية ليس لها مكاننا في الماكينة السياسية الفلسطينية التي تطحن الضعفاء.
وحتى لا أتجنى هناك مصداقية وشفافية وحرص على الوحدة الوطنية الفلسطينية عند فصائل اليسار الفلسطيني، ولكن أدوات الصراع لا يمكن أن تتجسد في أطروحات مثالية لا سند لها ولا تعتمد على موقف يتسم بالراديكالية تجاه المصالح العليا للشعب الفلسطيني، فالوسطية التي اتخذتها فصائل اليسار منهجا لها شجعت القوى المتصارعة على المضي في سياساتها ومواقفها العدوانية وأفقدتها البوصلة الوطنية وأصبحت تنظر بدونية للقوى التي تشكل قوام منظمة التحرير الفلسطينية، حيث سادت سياسة الاستخدام والاستبعاد وذلك ضمن التوجه الذي يضمن مصالح الأطراف المتصارعة.
لا استطيع أن اقنع نفسي بان حماس معنية بالفصائل اليسارية وهي المنغلقة على نفسها فكرا وممارسة، المشكل أنها تمارس سياسة البيضة والحجر مع هذه الفصائل، تستخدمها متى أرادت وتستبعدها متى شاءت، وبالطبع هذا ينطبق على حركة فتح، ففي اتفاق مكة الذي رعته المملكة العربية السعودية تم استثناء فصائل منظمة التحرير الفلسطينية من الحوار وقسمت الكعكة بين فتح وحماس بعيدا عن اليسار اللهم وحتى لا نظلم ألقيت الفتات لهذه الفصائل ليستكمل الديكور السياسي بها، وبالطبع فشل اتفاق وسال الدم الفلسطيني في شوارع غزة وحسمت حماس حوارها التكتيكي بالقوة.
وبعد الحسم العسكري أو الانقلاب الذي نفذته حماس تتداع حركة فتح للاستعانة بالفصائل وبالفعل انعقد المجلس المركزي في رام اللة وخرج بقراراته الداعية حماس بالتراجع عن انقلابها على الشرعية الفلسطينية، اجتماع المجلس المركزي كان بمثابة الجمعة المشمشية بين الفصائل والسلطة أو فتح التي ذهبت إلى صنعاء بوفد من منظمة التحرير الذي كان بمثابة شاهد الزور على الحوار الفاشل قبل أن يبدأ، وبيدوا أن طاحونة التكرار ألاستخدامي لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية مستمرة في ظل الحديث عن التهدئة بين دولة الاحتلال وحركة حماس التي أدارت حوار في مصر وعادت لتطلب من الفصائل التوجه لمصر للاجتماع مع الوزير عمر سليمان مدير المخابرات المصرية للتوقيع أو للبصم على ما اتفق علية، مع الإشارة أن لا احد ضد التهدئة العادلة ولكن المعضلة في الأسلوب الاستيعابي الذي تستخدمه حركة حماس مع الفصائل.
تفاعلات الأحداث في المشهد السياسي الفلسطيني تعطينا المزيد من الإشارات أننا سنبقى ندور في حلقة الصراع المفرغة طالما بقيت فصائل اليسار الفلسطيني تتخذ موقفا سلبيا توفيقيا من الأزمة الراهنة وتقبل على نفسها أن تطلب لبيت الطاعة من قبل فتح وحماس، يصادر موقفها ودورها التاريخي المفترض أن تلعبه مع قوى المجتمع الديمقراطية للجم قوى الفلتان والظلامية والفساد، وقد يعتقد البعض أن اليسار الفلسطيني عاجز عن القيام بهذه الدور ولكنني ادعي أن الشارع الفلسطيني يتوق لقوى حقيقية تقف في وجه قوى الفساد والانقسام، وقد تكون الفرصة مواتية إذا عقد العزم على مواجهة تلك القوى.

في ذكرى عيد العمال العالمي

راسم عبيدات

....... تأتي الذكرى الرابعة عشر بعد المائة لعيد العمال العالمي، هذا العيد الذي تمردت فيه الطبقة العاملة على جلاديها ومصاصي دمائها ،واستطاعت عبر شلالات الدم والنضال المتواصل انتزاع العديد من حقوقها العمالية وفي مقدمتها يوم عمل من ثماني ساعات ،وكذلك سن العديد من القوانين والتشريعات التي تكفل وتحمي هذه الحقوق ،واليوم في ظل الرأسمال العولامي ،نرى ونشهد هجمة شرسة على كل منجزات ومكتسبات الحركة العمالية وطبقتها العاملة،فأوضاع الطبقة العاملة،تشهد المزيد من التدهور والتراجع وقضم الحقوق،حيث الرأسمال العولامي يزداد توحشاً وتغولاً، ونشهد أوضاع اقتصادية كارثية تبشر بأزمة اقتصادية عالمية جديدة،شبيهة بل ولربما أسوء من الأزمة الاقتصادية في عشرينات القرن الماضي،حيث الارتفاع الجنوني في الأسعار،والتباطؤ في النمو الاقتصادي،وتراجع معدلات الإنتاج في السلع الأساسية كالقمح والأرز،وهذا كله بفعل سياسة العولمة الاستغلالية،وشن أقطابها حروب غير عادلة وعدوانية وتدميرية،فبهدف إحكام سيطرتها واستمرار نهبها لخيرات ومقدرات الشعوب الفقيرة،وكذلك نرى انه بالترافق مع عولمة الرأسمال تتم عولمة الطبقة المرتبطة به،أي تولد طبقة من الرأسماليين أو من 1% التي تسيطر على معظم الثروات وموارد العالم،وثروات وموارد بلدانها،وتمارس نشاطها على مستوى عالمي، لكن تجب ملاحظة أن مكونات هذه الطبقة ليست متكافئة في علاقاتها مع بعضها البعض،فهي تكون من سادة المركز والأتباع في الأطراف،تولد رباط مصلحي يجعل من الأقلية المهيمنة على اقتصاديات البلدان المتخلفة تعمل لمصلحة المركز،حتى لو تعارض ذلك وهو كذلك مع مصالح بلدانها ،ومن مظاهر حضور العولمة الكاسح إضفاء الشرعية على توجهات ونشاطات الأقلية المسيطرة في البلدان التابعة بحجة تماهيها مع متطلبات عصر العولمة الذي لا يمكن معارضته،فعلى سبيل المثال تلقى إجراءات الخصخصة وإعادة هيكلة اقتصاديات البلدان التي خضعت لاملاءات وسياسات صندوق النقد والبنك الدوليين المديح بوصفها السياسات الوحيدة الممكنة،رغم أنها تتسبب في تدهور اقتصاديات هذه البلدان وتسبب في تحويل أعداد غفيرة من العاملين وأبناء الطبقات والفئات الشعبية إلى فقراء،لكنها تنجح بكفاءة عالية في تركيز الثروة والموارد في يد الأقلية المسيطرة من جهة، ومن جهة أخرى تنجح في تحرير البلد من أية ضوابط تعيق سيطرة طغمة الرأسمال العالمي(الاحتكارات الدولية) على موارد البلد.
أما على الصعيد الفلسطيني، فرغم أن الطبقة العاملة مشوهة في تبلورها وتكونها، حيث تغيب القاعدة المادية الإنتاجية، وتخضع فيها الطبقة العاملة الفلسطينية،لاضطهاد مركب ومزدوج قومي وطبقي،قومي وطبقي بشكل صارخ من الاحتلال، حيث تعقد وصعوبة الظروف الاقتصادية، وهشاشة البنى الاقتصادية الفلسطينية القائمة، واعتماد السلطة الفلسطينية على سياسات اقتصادية غير تنموية،واقتصار مواردها على المساعدات الخارجية والدخل الريعي، وانعدام أي أفق لبناء اقتصاد فلسطيني مستقل في ظل الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية مع العدو،وفي مقدمتها اتفاقية باريس الاقتصادية،وما يعيشه الشعب الفلسطيني ويعانيه من سياسات احتلالية، قمع وحصار وتجويع وإغلاق ومنع من ممارسة العمل،كل ذلك يجعل الطبقة العملة الفلسطينية،وفي سبيل تحصيل قوتها اليومي والبقاء على قيد الحياة،مضطرة لبيع قوتها عملها بسعر بخس لأرباب العمل الإسرائيليين وبدون أن يترتب على ذلك أية حقوق عمالية،كالحد الأدنى للأجور وتحديد ساعات العمل، ومخصصات التقاعد والضمان الاجتماعي والتعويضات وشروط السلامة العامة وغيرها،ناهيك عن استغلال عمالنا في العمل الأسود،وسياسات الاحتلال هذه،تدفع بالجزء الأكبر من الطبقة العاملة الفلسطينية، الممنوعة من العمل في القدس وداخل الخط الأخضر،أن يبيع جزء منها قوة عمله،للبرجوازية الفلسطينية المشوه، والتي تستغل ظروف الطبقة العاملة الفلسطينية إلى درجة الاستحلاب،أجور متدنية وساعات عمل طويلة،ودون أية حقوق عمالية ،من إجازات ومكافآت وتعويض وتقاعد وضمان اجتماعي وغيرها، وجزء كبير من قوة العمل الفلسطينية، بفعل سياسات الاحتلال وممارساته،هي خارج العمل، وتعتاش على المساعدات المحلية والدولية، وهذا رفع من معدل البطالة بين صفوف الطبقة العاملة الفلسطينية،إلى ما لا يقل عن 80% في قطاع غزة المحاصر و40% في الضفة الغربية، وبلغ متوسط دخل الفرد اليومي في القطاع دولارين، وهي من أدنى المعدلات في العالم قاطبة.
والطبقة العاملة الفلسطينية، تعاني كذلك من عدم تبلور وتوحد تنظيماتها النقابية،والكثير من النقابات العمالية المشكلة،تفتقر لمبررات وجودها النقابي، وهي لا تقدم أية خدمات حقيقية وجدية للعمال،وهي تشهد عزوف غير عادي من قبل العمال عنها،والكثير من النقابات مجرد مباني ويافطات وأختام، ورغم الحديث عن انتظام عدد لا بأس به من العمال في النقابات العمالية،فهي عضوية غير حقيقية،ومرتبطة بالانتساب والتسجيل في النقابة للحصول على إعانة مالية أو عينية،أو تأمين صحي،وتنتفي العضوية بعد ذلك في النقابة، وهذا جعل الاتحادات والنقابات العمالية، أقرب إلى الشؤون الاجتماعية منه إلى مؤسسات،تتبنى قضايا العاملين والدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم، والنهوض بواقعهم النقابي والمهني، وحتى اللحظة الراهنة،ومنذ أوائل التسعينات لم تجري أية انتخابات حقيقية في الهيئة الأولى للنقابات العمالية(الاتحاد العام لنقابات العمال الفلسطينية)، وما يجري لا يتعدى كونه اتفاقيات بين كتل وقوى نقابية وفق نظام المحاصصة "والكوتا"، ويستمر الحديث عام بعد آخر عن ضرورة دمقرطة الاتحاد وإجراء الانتخابات،فعدا أن الاحتلال قد يلعب دورا ًما،في عدم إجراء هذه الانتخابات،إلا أن المعيق الأساسي هو الخلافات الداخلية،والتي تقوم على أساس الصراع على المصالح والنفوذ والامتيازات والمناصب،وهذه الخلافات بالجوهر،هي ما يحول حتى الآن دون توحد التعبيرات النقابية للطبقة العاملة الفلسطينية،ضمن اتحاد عمالي واحد وقوي.
والطبقة العاملة الفلسطينية بما قدمته من نضالات وتضحيات يجب أن تشكل جزءاً هاماً من قيادات الأحزاب والتنظيمات الفلسطينية،وكذلك بالضرورة أن تشكل جزءاً هاماً من القرار السياسي الفلسطيني،فهي الطبقة الأكبر والأكثر تضحوية وثبات على الموقف والمبدأ، ومن هنا لو كانت لها تعبيرات نقابية وسياسية فاعلة وقوية،لقامت بدورها في حمل الراية وطرح مبادرة جدية، تخرج الواقع الفلسطيني من حالة الشرذمة والانقسام التي يعيشها جغرافياً وسياسياً هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنني أرى أن حكومة الأمر الواقع وحكومة تصريف الأعمال ملزمتين بالعمل على توفير حياة كريمة للطبقة العاملة الفلسطينية،وتطبيق التشريعات والقوانين التي تكفل حمايتها من الجشع واستغلال أرباب العمل مستغلين حاجة وعوز هذه الطبقة.
وفي الختام أرى أن وحدة الحركة النقابية العمالية، لن يتحقق من خلال التوالد والتفريخ لاتحادات شكلية،بل من خلال انتخابات حقيقية وديمقراطية من القاعدة للقمة في الداخل والخارج.

القدس – فلسطين

Quds.45@gmail.com

ولايات الكذب الامريكية

خضر عواركة
الفهد
الكلام لليو شتراوس نبي المحافظين الجدد وفيلسوفهم :ان وجود العدو يجعل من الامة الحضارية موحدة قوية ومستعدة للتوثب والانتصار.ان لم يكن هناك عدو فيجب على النخبة الحكيمة ان تختلق عدوا تجسيدا لفلسفة ارسطو عن الكذب المبرر او الكذب النبيل في سبيل المصلحة العامة .على المجتمع السياسي ومجموعته الحضارية ابقاء الاعداء تحت الضغط المستمر والهجوم المتواصل و ان عليهم تنظيم انفسهم ليبقى العدو على الدوام هو السبب الموحد للمجموعة خلف قادتها. العالم قائم على مجموعات من البشر تكره بعضها البعض غريزيا، وتعادي بعضها بعضا . اما ان تقضي على عدوك واما ان يقضي عليك وهي الطريقة الوحيدة ليحل السلام .
" من كتاب ( شادية دروري ) عن محاضرات شتراوس في جامعة شيكاغو " ISBN 0226776948 Leo Strauss), Natural Right and History. (University of Chicago Press, 1999
سأرتكب جريمة كبرى ضد العقل والتفكير المنطقي، والذكاء الإنساني، وأدعي بأني أصدق الإدارة الاميركية في زعمها بأن لسوريا مشروع نووي .
سأرتكب تلك الجريمة المروعة (تصديق مزاعم الإدارة الأميركية) وسأتناسى وأمحو من رأسي ما أعرفه عن أنالإدارة الأميركية الحالية يتحكم بها مجموعة من محترفي التلفيق والكذب من الطراز الأنذل والأحقر على مدى التاريخ الأميركي الحديث ، وسأنسى ايضا بأن الإدارة المجرمة هذه ، قاتلة المليون عراقي ويزيد،
سأنسى بأنها هي نفسها من وقف وزير خارجيتها كولن باول قبل مدة ليعتذر علنا عن أكاذيبه في الأمم المتحدة بخصوص العراق ، (الا تشبه صور باول الكاذبة والمزورة عن اسلحة العراق، صور غيتس عن دير الزور) ؟ .
سأنسى أيضا وأيضا بأن الإدارة الأميركية الحالية يقودها اساتذة كبار في فن العهر الإعلامي والدجل السياسي ممن يتسلحون بأموال الحروب التي تجنيها شركات الأسلحة وسماسرة الدماء والنفط ، للسيطرة على شبكات الإعلام المؤثرة ، الإعلام الذي يبدو بأنه مستعد لأن يلدغ من الجحر الأميركي الف مرة ، ما دام الهدف عربي أو لاتيني أو افريقي (عقدة التفوق لدى الرجل الابيض اصابت أيضا بعض الإعلام العربي الذي يديره رجال بيض بصفة مستشارين في الظاهر، فأعلن الحرب على دير الزور إلى جانب اميركا ) سأنسى أكاذيب بوش عن الإنتصاروعن إتمام المهمة ، وعن الأسلحة الكيميائية العراقية .
سأنسى أكاذيب الإدارة الأميركية التي قتلت الرئيس سلفادور اللندي في تشيلي بوصفه خطرا على العالم الحر. بينما الحقيقة انها قتلته على يد عميلها الجنرال بينوشيه بسبب نيته تأميم المصالح الأميركية في بلده .
سأنسى الأكاذيب الأميركية التي شوهت العقل الجماعي للشعب الأميركي وافهمته بأنه إنما يقاتل دفاعا عن الحرية في بلده (....) حين قتل وجوع وشرد وشنف آذان الملايين من الفيتناميين .
سأنسى أن إدارة أميركية سابقة إعترف بعض أعضائها اليوم بالكذب على الإعلام عبر تزويرهم لصور المجازر ولصور المعتقلات الصربية في كوسوفو لكي تبرر اميركا ضربها لذاك البلد الأوروبي المستقل (حتى ولو كان ظالما فهل الأميركيين أقل ظلما منه؟)
سأنسى بأن الإدارة الأميركية هي من إخترعت اسطورة غرانادا وهي من سفهت الغزو العسكري في هيبته وفي مهابته حين غزت بشكل مسرحي بناما لتعتقل تاجر مخدرات .
سأنسى كل الإعترافات الموثقة بأختام( سري جدا) الأميركية والتي افرج عنها لمرور الزمن ، تلك الأكاذيب التي تكشف بأن غزو أميركا اللاتينية بالمخابرات والعملاء والإنقلابات وبالقمع العسكري، لم يكن إلا كرمى لعيون الموز، لا دفاعا عن العالم الحر كما إدعت الإدارات الأميركية المتعاقبة .
ما أكبر حظكم يا أهل العراق ، على الاقل أنتم تقتلون من أجل ثروة نفطية تقدر بمئات المليارات، بينما قتل آلاف اللاتينيين ورزحت مئات الملايين من شعوب القارة الأميركية الوسطى والجنوبية تحت الظلم والتعسف والخوف كرمى لشركة إحتكارية يملكها مسؤولي البيت الأبيض وأسيادهم في المؤسسة التي تحكم أميركا من خلف حجاب تسمى ( يونايتد فروت ) .
سأنسى الكذب الأميركي عن الحرية والديمقراطية التي كانت اميركا تقدم نفسها عن أنها نموذجها الأجمل في العالم (متعامية بإعلامها عن المكارثية وعن ملاحقة الشيوعيين وتصفيتهم في سنوات الاربعينات والخمسينيات والستينيات) ومتعامية عن ذل البشر للبشر عبر ممارسات البيض ضد السود (والتي لم تنتهي حتى الآن ) .
سأتناسى حقيقة أن كل افلام الكذب والطيران بلا أجنحة هي أميركية (سوبرمان وأمثاله من سخافات الخيال الأميركي ) سأتناسى مشهد إسقاط رامبو لطائرة هليكوبتر روسية (بالنقيفة) في أحد افلامه الأميركية. سأتناسى كذب أحد كبار مستشاري تشيني ( كارل روف )على لجنة قضائية مدعيا عدم كذبه عليها لتكتشف فيما بعد بالجرم المشهود والدليل القاطع أنه كذاب محترف ويحمل شهادة دكتوراة في الكذب والدجل .
سأتناسى أن الإدارة الأميركية الحالية هي التي إخترعت وسوقت كذبة يورانيوم النيجر الذي قيل أن صداما حصل عليه، ليتبين بعد وقت قصير، بأن الأمر أكبر من كذبة، لا بل هو جريمة سلاحها الكذب المؤدي إلى سقوط الملايين من الضحايا في العراق . سأتناسى كل تلك الأكاذيب ،
سأتناسى تاريخا طويلا من الكذب الأميركي الذي يجيده كل من يشغل مسؤولية سياسية في واشنطن، وسأصدق رواية الأميركيين حول سوريا . ولكن فليجاوبني احدكم بأي لغة يفهمها : لو أن أميركا تعرف بأن في سوريا مفاعل وأن لدى أميركا دليل مصور ! لو أن هذا الأمر صحيح ، فلماذا سكتت إدارة بوش سبعة أشهر لتعلن ذلك ؟بل هل يمكن لعاقل أن يصدق أنها كانت عندها ستترك إسرائيل تقصف المكان ؟
أم أن الأفضل لها ولحليفتها الصهيونية أن يستغلا الدليل الذي بيدهما لكي يفرضا على مجلس الأمن أن يفرض حصارا قاتلا مُطبقا على سوريا. والتهمة ودليلها موجودان ؟
وحيث إن جميع من في الكرة الارضية ممن يقرأ أو يسمع الأخبار مرة في الشهر على الاقل ، يعرف و متأكد بان الإدارة الأميركية مع جورج بوش مصابة بالهلوسة من سوريا ،، ومصابة بالهلوسة بشؤون سوريا، لما للأخيرة من دور في المنطقة أهلها لتنال شرف الحصول على أكبر كيل من الإتهامات الأميركية، التي تدينها بدعم المقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية، والتي تعرف الإدارة الأميركية بأنها أنجزت مهمة تفشيل المشاريع الأمريكية أو تكاد .لو أن الإدارة الأميركية تملك ما تدعي فهل كانت ستسكت عن أقوى سلاح في يدها وتخفيه لأشهر طوال ، في وقت تدور فيه حرب باردة بين أميركا وسوريا ؟
هل يصدق عاقل أن إدارة بوش معها رصاصة نووية ضد سوريا وضد سياسات سورية الممانعة والمقاومة لها ولم تطلقها؟؟ ربما لأنها كانت مشغولة بتنظيم حفل الأوسكار ؟
أن تكذب أميركا فتلك عادتها ، أما أن تكذب أكبر قوة وأعظم دولة بهذه الطريقة السخيفة والرخيصة ، لأجل أن تدفع سوريا للبقاء في حالة عدم إطمئنان ، فهذا أمر فعلا يدعو للشفقة . ليست الشفقة على حالنا ، بل على حال الشعب الأميركي. اعزائي ....سقط بيد الإدارة الأميركية بعد فضيحة التحقيق بمقتل الحريري، وبعد ثبوت ضلوع مجموعة سلفية ربما لها إرتباط أميركي إسرائيلي عربي (ولو على مستوى توريط المتطرفين صدقا والتكفيريين حقا من قبل عميل مزدوج إخترق تلك الجماعات ) ولم يعد لدى إدارة بوش وعند الإسرائيلي ما يبتزون به سوريا وإنقلب السحر على الساحر .
ولأن الشيطان لا يستسلم ، فها هي القضية البديلة عن قضية الإبتزاز بالمحكمة الدولية تنطلق أميركيا . والدليل على تلفيق هذه القضية في مثل هذا الوقت الخطير في المنطقة ، هو تزامنها مع فشل المناورات الإسرائيلية وإقتناع كبار قادة الجيش الإسرائيلي بأن أي حرب قادمة مع سوريا ولبنان لن تكون مضمونة النتائج وستكون مدخلا إلى كارثة تاريخية ستحل بإسرائيل إن لم تنتصر فيها (وهذا كلام مسؤولين عسكريين عن المناورة نشرته صحف إسرائيلية .(هارتس 18 أبريل ) ما ادى إلى ذهاب الحكومة الإسرائيلية إلى خيار آخر غير الحرب مع سوريا . إسرائيل تريد التفاوض ، ولا شيء تفاوض عليه في يدها إلا الجولان، والسوري لا يريد أن يفاوض على الجولان بل يريد تحريرها .
عند هذه النقطة الإسرائيلية الضعيفة دخلت أميركا على الخط : معلنة شيئا فاضحا في زيفه وكأنها تقول (كذبة بتفوت وما حدا بموت ) وأنا الغريق الأميركي بالكذب وبفضائح الكذب فما همي من البلل ؟ كذبة بزيادة او بالناقص . من يحاسب إدارة بوش على جرائم القتل والإبادة لكي يحاسبها أحد ما على الكذب ؟

جسد برأسين ومن يفاوض من ؟!

بسام أبو علي شريف
الجميع يتحدث باسم الشرعية .. لما لا وهي أم الشعوب وقائدة بوصلة التحرير .. لكن للشرعية ألوان .. منها الديمقراطي عبر صناديق الانتخابات ومنها الساقطين بالبرشوت على كراسي عبر طيارة توجه بالرمونت كنترول ..
الأولى يجوز لها تمثيل الناخبين محليا ودوليا وإقليميا .. أما الثانية فهي لا تستعمل إلا في براري أريزونا وسانت ياغو مع رجال الكابوي .. لكن المصيبة التي تقع على رأس الناخب .. عندما تجد الفريقان .. يتحدثان يتفاوضان باسم الشرعية في أمور مصيرية ..
إنها قمة المهزلة أن توصد الأبواب بدون زرافيل .. فإن تركنا الأبواب هكذا مفتوحة للعامة والرويبضة والكلاب الضالة .. سوف يأكل طعامنا من مطابخنا ونحن نتفرج عليه .. لأننا أخطأنا في حق أهل البيت عندما تركنا أبوابنا بدون مفاتيح .. حتى أصبحت الكلاب والجرذان وابن آوي يصولون ويجولون في منازلنا .. متخذينها حظائر لهم ينطلقون .. يسلبون .. يبرطعون .. يغتصبون ثم يعودون كالحمل الوديع ..
وعندما نسألهم ماذا تفعلون ؟! يقولون إنما نحن مصلحون لأهل البيت ..
وإني عاتب على جاري الذي ساندني عندما استولت الجرذان على غرفة التشوين مخصصين كل ما بها لفصيلتهم .. القمح والشعير والذرة والأرز والدقيق .. قائلا لا بأس عليك سوف أعوضك بأحسن منها .. طيب أوكي .. لكن أن تفتح باب الحوار مع هذه الفئة التي تجلب مرض السرطان لتصول وتجول تاركة أثار ذيولها على تراب أرضك التي حاربنا عليها خمس حروب والعدد يزيد ..
هل فعلا للجار ألف وجه ووجه .. أنا أعلم .. أن على أرض الجار ببيوت وغرف شبيهة لما عندهم هناك يسكن بها حاملين مرض الطاعون على ظهر سفينة في عرض البحر..إنه المرض الذي هزم جيوش المعتدين..يخاطبهم الجار ويستقبلهم .. ويحاورهم وكأنهم هم الشرعية فهل انعكست الآية عند شقيقنا الجار !! وعندما تعاتبه يجيبك هذه أمور داخلية .. صاحب البيت .. يطالب بإخراج المعتدين من مسكنه .. والجار يفاوض الصياد من أجل الحفاظ على حياة الجرذان ..
وصاحب البيت يطالب الجميع بإعادة الدار إلى صاحب المفتاح .. فهل اختلفت علينا المفاتيح .. أم تشابه البقر علينا .؟!المفروض أن يكون للجسد رأس واحد ..
لكن يبدو عند هؤلاء الجيران أنهم اصطنعوا رجل برأسين .. يرغبون في تحريكه عبر الريمونت كنترول .. فإن رفض الأول قبل الثاني .. وفي النهاية المخترع المستفيد ..
لكني أحذر الجار بأن سياسة مخاطبة الرأسين .. قد أحبها من يعيشون على أرضكم ومن بني جلدتكم وهم بحق جادين في تطبيقها .. فهل تراجعتم عن سياسة مخاطبة الرأسين قبل أن تظهر عندكم أجساد بأكثر من رأس ...
قطر- الدوحة 27/4/2008م

انجاز اميركي تاريخي في فلسطين

نقولا ناصر

(ان بوش الذي يشترط التوصل الفلسطيني الاسرائيلي الثنائي الى "تعريف" للدولة الفلسطينية قبل ان "يتدخل" عمليا لاقامة هذه الدولة لا يرى أي تناقض في ان ينتقل الى القدس المحتلة للاحتفال بمرور ستين عاما على تاسيس الدولة الاسرائيلية التي ما زالت دون أي تعريف لاقليمها وحدودها)

من يتابع الاستعدادات القائمة على قدم وساق للاحتفال بالذكرى السنوية الستين لانشاء دولة الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين لا يسعه الا ملاحظة ان اثنين من آل بوش سيقودان هذه الاحتفالات احدهما الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الاب في الولايات المتحدة والثاني الرئيس الحالي بوش الابن في اسرائيل ولا يسعه كذلك سوى ان يلاحظ بان واشنطن تحتفل بالمناسبة باعتبارها انجازا اميركيا تاريخيا وبطريقة وفي ظروف تجعل أي حديث اميركي عن اقامة دولة فلسطينية مجرد نكتة سمجة تستهتر ليس فقط بالنكبة العربية في فلسطين وبالطموحات الوطنية المشروعة لضحايا النكبة في حقهم في تقرير المصير واقامة دولة لهم على ترابهم الوطني بل تستهتر ايضا بعقول ومشاعر من ما زالوا في المنطقة يراهنون على واشنطن للمساهمة في احلال سلام اقليمي عادل وشامل .

غير ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، بالضد من كل الحقائق المحبطة حد الياس ، متمسك باصرار بان يستمر في منح شعبه بارقة امل في ان الموقف الاميركي يمكن ان يساهم في احلال سلام على اساس حل الدولتين ، لكنه في الوقت نفسه يحرص على عدم الخلط بين الامل وبين السراب الخادع وبالتالي فانه لم يتردد في ان يعترف علنا بانه عاد من قمته يوم الخميس الماضي مع الرئيس بوش بخفي حنين ليقول للاسوشيتدبرس ، بلهجة وصفتها الوكالة ب"المتشائمة" ، في مقابلة استغرقت خمسة عشرة دقيقة بجناحه الفندقي بواشنطن يوم الجمعة الماضي ، انه "فشل" في احراز أي تقدم في محادثاته مع بوش .

قال عباس: "بصراحة ، حتى الان لم يتحقق شيء" ، واعرب عن "خيبة امله" لان الولايات المتحدة لا تمارس أي ضغط على اسرائيل لوقف نشاطاتها الاستيطانية ، ونقلت الوكالة عن مساعديه انه خرج "مستاء" من لقائه مع وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس يوم الخميس ، ليقول للاسوشيتدبرس في ختام زيارته لواشنطن الاسبوع الماضي ان الاميركان لم يقدموا أي مقترحات جديدة ، وانه لم يتم احراز أي تقدم في أي من القضايا الجوهرية وان "كل الملفات ما زالت مفتوحة ولم يتم الانتهاء من اي واحد منها" ، ليضيف فيما وصفته الوكالة ب"ومضة غضب نادرة" قائلا: "لقد طالبناهم ان يتحدثوا عن حدود عام 1967 (لكن) ايا منهم (أي المسؤولون الاميركان الذين قابلهم) لا يتحدث عن حدود 1967" .

بالرغم من ذلك اعلن عباس انه سوف يواصل لقاءاته الدورية مع رئيس وزراء دولة الاحتلال ايهود اولمرت وسوف يلتقي بوش ثانية في شرم الشيخ بعد يومين ونصف اليوم يقضيها الاخير في مشاركة الاسرائيليين احتفالاتهم بالذكرى السنوية الستين لاقامة دولتهم اواسط الشهر المقبل ، مما دفع الكثير من المحللين الفلسطينيين والعرب الى التساؤل عن السر الكامن وراء اصرار عباس على مواصلة هذا النهج بالرغم من حقائق الموقف الاميركي التي تصفع دون رحمة أي حد ادنى بقي لاي امل فلسطيني في هذا الموقف .

واذا كانت مقابلة عباس نفسه مع الاسوشيتدبرس هي احدث هذه الحقائق فان ما كشفه تقرير للواشنطن بوست عشية قمته مع بوش يقدم تفسيرا واضحا لرفض أي مسؤول اميركي الحديث عن حدود 1967 . فقد كشفت البوست ان رايس توصلت الى "اتفاق سري" بين بلادها وبين اسرائيل في ربيع عام 2005 اعاد التاكيد على رسالة الضمانات التي "سلمها الرئيس بوش شخصيا" في 14 نيسان / ابريل عام 2004 الى رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ارييل شارون التي اعتبرت عودة قوات الاحتلال الاسرائيلي الى حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 ، وتفكيك المستعمرات الاستيطانية البهودية الكبرى في الضفة الغربية ، وعودة اللاجئين الفلسطينيين امورا "غير واقعية" ، مما يفسر تماما لماذا يرفض بوش الحديث عن حدود عام 1967 ويفسر ايضا رفضه لممارسة أي ضغط على اسرائيل لوقف الاستيطان .

ان هذا الرفض الاميركي الذي اثار "ومضة غضب نادرة" لدى عباس يدحض نفي رايس ووزارتها لتقرير الواشنطن بوست في الرابع والعشرين من الشهر الجاري لا بل انه يؤكد صحته في الوقت الذي يكشف ان كل التصريحات الاميركية الرسمية ، وخصوصا تصريحات رايس ، منذ مؤتمر انابوليس في 27 تشرين الثاني / نوفمبر العام الماضي عن الالتزام الاميركي بخريطة الطريق وبما تنص عليه من الزام اسرائيل بوقف النشاطات الاستيطانية وكذلك انتقادات رايس ووزارتها للتوسع الاستيطاني الاسرائيلي وبخاصة في القدس ومحيطها المباشر لم تكن الا ذرا للرماد في العيون الفلسطينية ومناورات علاقات عامة لفظية غير مقرونة باي اجراءات عملية تسندها وتتناقض تماما مع الموقف الرسمي للادارة الاميركية ، بحيث يصعب التمييز بين هذه التصريحات وبين الكذب الصريح على القيادة الفلسطينية وشعبها .

لماذا اذن يدعو بوش نظيره الفلسطيني الى واشنطن اذا كانت دعوته سوف تتمخض فقط عن تجديد "رؤيته" الغامضة بالتوصل الى مجرد اتفاق او مسودة اتفاق فلسطيني – اسرائيلي على ما اسماه "تعريفا" بدولة فلسطينية دون أي "تدخل" اميركي ودون ان تسمح واشنطن باي تدخل غير اميركي في صياغة "التعريف" المامول او تسمح باعتماد شرعية القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة مرجعية لاستخلاص تعريف للدولة المرجوة !

واذا كان عباس قد سجل على بوش رسميا رفضه الحديث عن حدود 1967 ورفضه ممارسة أي ضغط لوقف الاستيطان فان المراقب لا يفوته الا ان يسجل على بوش عدم استخدامه لعبارة "الاحتلال الاسرائيلي" ولو لمرة واحدة طوال ثماني سنوات خلال ولايتيه ، ولم يستخدم أي عبارات غيرها لوصف تواجد القوات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة ، وبالتالي فانه وادارته تعاملوا مع هذه الاراضي باعتبارها مناطق "متنازعا عليها" بين الاسرئيليين وبين الفلسطينيين يتم تسوية النزاع حولها بالطرق السلمية عبر مفاوضات ثنائية فقط ، بينما الاتفاق على ان هذه المناطق الفلسطينية الخاضعة للحكم العسكري الاسرائيلي منذ عام 1967 هي مناطق واقعة تحت الاحتلال هو شرط مسبق للتوصل الى أي "تعريف" ذي مصداقية لاي دولة فلسطينية موعودة .

والمفارقة المفجعة ان بوش الذي يعتبر التوصل الفلسطيني الاسرائيلي الثنائي الى تعريف للدولة الفلسطينية قبل ان "يتدخل" عمليا لاقامة هذه الدولة انجازا سلميا تاريخيا لرئاسته وادارته لا يرى أي ضير او تناقض في ان ينتقل الى القدس المحتلة للاحتفال بمرور ستين عاما على تاسيس الدولة الاسرائيلية التي ما زالت دون أي تعريف لاقليمها وحدودها والتي ما زالت بلا دستور لهذا السبب بالذات ، أي لكي لا تضطر الى تعريف اين تقف حدودها وهو الامر الذي تنص عليه كل دساتير الدول في العالم .

واذا لم يكن أي عربي ، وخصوصا اذا كان هذا العربي فلسطينيا ، لا يتوقع ابدا من بوش او غيره من قادة اميركا الحاليين او السابقين او اللاحقين ان يشاركه يوما ما في الذكرى السنوية ل"النكبة" فان أي عربي لم يخطر بباله قط ان تبادر واشنطن الى الاحتفال رسميا بالمناسبة التي قادت الى هذه النكبة فيما هي "ترعى" ما يسمى "عملية سلام" بين ضحايا النكبة وبين من تسببوا في النكبة ، وكان بامكان الرئاسة الاميركية تاجيل مشاركتها في احتفالية اسرائيل الستينية الى ما بعد ما قد تتمخض عنه عملية السلام اذ من المؤكد حسب المعطيات الدولية والعربية والفلسطينية الراهنة ان دولة المشروع الصهيوني في فلسطين سوف تحتفل بمئويتها وبالتالي فان المناسبة لن تفوت الادارة الاميركية للمشاركة فيها ، او في الاقل كان يمكن لهذه الادارة تاجيل مشاركتها في الاحتفالية الاسرائيلية الى ما بعد انكفاء قوات الاحتلال الاسرائيلي الى حدود "دستورية" معترف بها للدولة الاسرائيلية .

ان مشاركة بوش في احتفالات اسرائيل الستينية هي اعتراف اميركي مدو باحتلالها وبتوسعها الاقليمي وبنهجها العدواني الذي احبط كل مساعي السلام حتى الان في تجاهل كامل للنكبة العربية في فلسطين بل موافقة عليها ، لا بل ان هذه المشاركة الاميركية مقرونة باعتراف بوش المعلن باسرائيل ك"دولة يهودية" انما ينذر بنكبة جديدة لعرب فلسطين . ولن يخفف من كون هذه المشاركة زيتا يصب على نار العداء لاميركا في الاوساط العربية والاسلامية محاولة بوش تجنب المزيد من الاستفزاز للعرب والمسلمين بعامة وللفلسطينيين منهم بخاصة بتحاشيه زيارة هضبة الجولان العربي السوري المحتل او زيارة معالم يهودية في القدس او في الضفة العربية اثناء زيارته المقبلة .

ومما يزيد في تخبط بوش التناقض بين اعلانه خلال لقائه المشترك مع عباس مع وسائل الاعلام انه "عائد الى الشرق الاوسط" من اجل عملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية وبين رفضه لقاء الرئيس عباس في الاراضي الفلسطينية المحتلة واختياره شرم الشيخ المصرية لهذا الغرض . فقمة شرم الشيخ التي يجري الترويج لها كمحطة مقبلة لدفع عملية السلام لا علاقة لها بذلك لانها ستنعقد ، ان انعقدت ، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الاوسط الذي يستضيفه المنتجع المصري على البحر الاحمر بين 18 و 20 الشهر المقبل وليست مقررة في حد ذاتها . والدعوة لقمة كهذه هي رغبة للرئاستين الفلسطينية والمصرية ويبدو ان هذه القمة المقترحة قد وئدت وهي ما تزال "رغبة" بسبب التحفظات الاميركية عليها والرفض الاسرائيلي لها . وطبقا لمصادر اميركية واسرائيلية رفض ايهود اولمرت دعوة الرئيس المصري حسني مبارك له لحضورها .

علق جون الترمان خبير الشرق الاوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن على ذلك قائلا: "انك بالتاكيد تضيف الملح الى الجرح عندما تسافر الى اسرائيل ويضطر الفلسطينيون للسفر الى مصر كي يروك" !

غير ان مشاركة بوش في احتفالات اسرائيل الستينية ما هي الا جزء فقط من احتفالات اميركية اوسع واذا احاط المراقب بتفاصيل الاستعدادات الاميركية لهذه المناسبة سيكتشف ان المناسبة اميركية قبل ان تكون اسرائيلية وان واشنطن تحتفل بانشاء اسرائيل باعتباره انجازا اميركيا تاريخيا اكثر من كونه انجازا اسرائيليا او يهوديا .

في مقابلة له مع الاسوشيتدبرس في التاسع من الشهر الجاري لخص رئيس دولة الاحتلال شمعون بيريس الدور الاميركي بقوله: "بعد ستين عاما نريد ان نقف ونقول: شكرا لك اميركا" .

وفي الثاني والثالث والعشرين من نيسان / ابريل اجاز مجلسا الشيوخ والنواب في الكونغرس الاميركي يومي الثلاثاء والاربعاء الماضيين على التوالي "بالاجماع" قرارين يهنئان اسرائيل بعيدها الستين . والامر غير العادي ان مشروع قرار مجلس الشيوخ قدمه الاعضاء المائة جميعهم دون استثناء . وكان الامر غير العادي في مجلس النواب ان مشروع القرار قدمته رئيسة المجلس الديموقراطية نانسي بيلوسي بالاشتراك مع زعيم الاقلية الجمهورية المعارضة جون بويهنر . وقد اعلنت بيلوسي انها سوف تنضم الى الرئيس بوش لمشاركة اسرائيل احتفالاتها . ورحبت اللجنة الاميركية – الاسرائيلية للشؤون العامة "ايباك" في بيان بالقرارين و"بالاجماع" بين الحزبين عليهما .

وقد انشئت "لجنة قومية" اميركية للاحتفال بستينية اسرائيل يشارك في رئاستها الرئيسان السابقان جورج بوش الاب وبيل كلينتون ، وقد انضم اليها كنواب لرئاستها المرشحون الرئيسيون الثلاثة للرئاسة الاميركية في كانون الثاني / يناير المقبل الجمهوري جون ماكين والديموقراطيان هيلاري كلينتون وباراك اوباما . كما انضم كل وزراء الخارجية الاحياء الى اللجنة التي نظمها "مؤتمر رؤساء المنظمات الاميركية اليهودية الكبرى" والتي ستغطي احتفالاتها العديدة المتنوعة الولايات المتحدة الاميركية كافة .

ان زيارة بوش المقبلة لا علاقة لها البتة بعملية السلام والا لوازنها في الاقل بزيارة قصيرة رمزية لبعض الناجين من النكبة في احد مخيمات لجوئهم بالضفة الغربية ولها كل العلاقة باحتفال بوش بانجاز اميركي تاريخي في فلسطين اسمه "اسرائيل" وكل الحقائق المرتبطة بهذه الزيارة تظهر تصميما واجماعا اميركيا على حماية هذا الانجاز بكل الوسائل بطريقة كانما تقول لعرب فلسطين انه لا تاريخ لكم هنا وماضيكم القريب لا اهمية له اما وجودكم الحاضر فاما ان يخدم هذا الانجاز او فليذهب الى الجحيم .

وما يزال عرب فلسطين تحت الاحتلال يتساءلون عن السر الذي يحتفظ به الرئيس عباس ليسوغ استمرار مراهنته على بوش وواشنطن ، هذا اذا كان هناك أي سر كهذا على الاطلاق !

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*

عمال فلسطين بين مطرقة الاحتلال وسندان البطالة والفقر والتهميش

تيسير خالد
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية


عمال الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ حزيران 1967 يستقبلون الأول من أيار هذا العام بالمرارة والاحباط والغضب في ضوء الظروف المعيشية القاسية ، التي يواجهونها . فمن جهة يواجه هؤلاء العمال عمليات قمع واهانات يومية وعمليات مداهمة واعتقال من قوات الاحتلال واعمال استغلال بشعة للعاملين منهم في المشاريع الاسرائيلية ، الصناعية والزراعية والخدماتية ، التي أقامها المستوطنون على الاراضي الفلسطينية في المستوطنات ، ومن جهة اخرى يقفون في مواجهة البطالة والفقر والتهميش ، يتطلعون نحو الحكومة الفلسطينية عسى ان تضعهم على جدول أعمالها للبحث عن حلول وطنية تخفف من معاناتهم وترفع عنهم ولو بقدر معقول وضمن ما تتيحه الموارد المالية المتاحة وما تتيحه الظروف التي يمر بها الاقتصاد الوطني والقطاع الخاص الفلسطيني كابوس ظلم لم يعد يحتمل وشروط عمل هي اقرب الى السخرة منها الى علاقات عمل وتعاقد تنطوي بالضرورة ،كما هو الحال في النظم الرأسمالية ، على الاستغلال والاستحواذ على فائض القيمة في ما ينتجون .
على مستوى العلاقة مع الاحتلال يعيش عمالنا في ظل اضطهاد مركب الابعاد . فالاحتلال بحد ذاته يعني الخضوع لارادة المحتل وللآليات ، التي تمكنه من ادامة سيطرته بالقوة على المجموع الوطني بما فيه الطبقة العاملة ، التي تتحمل اكثر من غيرها الاثار المترتبة على سياسة الاحتلال . ذلك لا يعني ان الفئات الاجتماعية الوطنية لا تتحمل هي الاخرى اعباء هذه السياسة وانعكاساتها ، بقدر ما يعني ان القسط الاوفر من المعاناة يقع على كاهل العمال ، وخير الشواهد على ذلك اعداد الشهداء والجرحى والمعاقين والاسرى في معسكرات الاعتقال الجماعية الاسرائيلية . سياسة الحصار والاغلاق والخنق الاقتصادي ونشر الحواجز العسكرية في طول الضفة الغربية وعرضها ، بعد الانسحاب العسكري الاسرائيلي من الارض في قطاع غزه ، تنعكس بأثار قاسية على المجموع الوطني ، ولكنها بالنسبة للعمال الفلسطينيين تعني كذلك ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتدهور مستوى المعيشة .
حتى سياسة الانفصال من جانب واحد عن الفلسطينيين ، التي مارسها ارئيل شارون في أيول من العام 2005 انطوت على مؤشرات خطيرة على هذا الصعيد ، ففي سياق ممارسة هذه السياسة كانت حكومة اسرائيل تخطط ، كما هو واضح ، للانفصال عن العمالة الفلسطنية في المشاريع الاسرائيلية داخل اسرائيل . يكفي للوقوف على هذه الحقيقة متابعة ما يجري في "مؤتمر هرتسيليا " حول " ميزان المناعة والامن القومي الاسرائيلي " ، وهو مؤتمر على درجة عالية من الاهمية ينعقد سنوياً في اسرائيل ويشارك في اعماله مستويات رفيعة من القيادات السياسية والعسكرية والامنية والاقتصادية وعشرات المفكرين والاكاديميين والباحثين . بعد خطة الانفصال من جانب واحد عن الفلسطينيين لم يعد ممكناً عودة عشرات الاف العمال الفلسطينيين لممارسة العمل في المشاريع الاسرائيلية ، وهم الذين كانوا يسهمون بحصة لا بأس بها في الناتج القومي الاجمالي ويسهمون كذلك في تنشيط دوران عجلة الاقتصاد الفلسطيني . خطورة هذه السياسة الاسرائيلية ، اي سياسة احلال العمالة الفلسطينية ، انها جاءت في سياق سياسة عامة مارسها الاحتلال وربط من خلالها عجلة الاقتصاد الفلسطيني والاسواق الفلسطينية بالاقتصاد الاسرائيلي والاسواق الاسرائيلية .
معاناة العمال الفلسطينيين من سياسة وممارسات الاحتلال لا تقف عند هذه الحدود ، فالاحتلال ليس احتلالا عسكرياً وحسب بل هو الى جانب ذلك احتلال استيطاني . في المستوطنات ، التي اقامتها اسرائيل في الاراضي الفلسطنية المحتلة منذ حزيران 1967 ، بنى المستوطنون والمستثمرون الاسرائيليون مناطق صناعية وزارعية رأسمالية حديثة ، تعتمد على العمالة الفلسطينية . في هذه المشاريع التي اقيمت على اراضي المواطنين الفلسطينيين يمارس أرباب العمل الاضطهاد والاستغلال بأبشع صورة ضد العمالة الفلسطينية .
شروط وعقود العمل قاسية وظالمة واصحاب العمل يرفضون مساواة العامل الفلسطيني بالعامل الاسرائيلي ، بل انهم على امتداد سنوات طويلة كانوا يطبقون على العامل الفلسطيني ، الذي يعمل في هذه المشاريع ، احكام قانون العمل الاردني ، الذي كان سارياً حتى العام 1967 . مؤخراً وبعد معركة قضائية تواصلت 14 عاماً في المحاكم الاسرائيلية وقادتها " جمعية عنوان العامل " الاسرائيلية اعترفت المحكمة العليا الاسرائيلية بانطباق قانون العمل الاسرائيلي على العمال الفلسطينيين والعاملين في هذه المشاريع ، وبما يشمل الحقوق الاجتماعية والحد الادنى للاجور ومستحقات العطل السنوية والاجازات المرضية والاعياد ومخصصات التقاعد ، وحق التنظيم النقابي . ورغم ذلك لم يتغير منذ قرار المحكمة مطلع العام 2008 الشئ الكثير على أوضاع هؤلاء العمال ، الذين يقبلون بالقليل حفاظاَ على مكان العمل ومصدر الدخل في مواجهة منافسة شديدة في سوق العمل بفعل ارتفاع معدلات البطالة في سوق العمل الفلسطيني .
واذا كان هذا هو الحال مع عمالنا في ظل الاحتلال وسياساته وممارساته ، فما هو حال هؤلاء العمال في سوق العمل الفلسطيني وفي المشاريع الوطنية . بنظرة موضوعية للامور ، لا احد يستطيع ان يقلل من صعوبة وخطورة الاوضاع ، التي يمر بها الاقتصاد الوطني ويعمل في ظلها القطاع الخاص الفلسطيني . فالاقتصاد الوطني لا زال اسير سياسة الحصار والاغلاق والخنق الاقتصادي ليس في قطاع غزه بل وكذلك في الضفة الغربية .
المعاناة التي يعيشها قطاع غزه لا حدود لها ويعجز عنها كل وصف . فمنذ انتخابات المجلس التشريعي مطلع العام 2006 وحتى منتصف العام 2007 تجاوزت أيام اغلاق المعابر بنسبة 70 بالمئة ، وتفاقمت الامور وتدهورت نحو الاسوأ بعد سيطرة حماس على القطاع حيث اصبح الاغلاق خانقاً الى درجة ترتب عليه انخفاض حاد في الصادرات كما في الواردات ، وتوقف عن العمل اكثر من ثلثي المنشآت الصناعية ، وتراجعت انتاجية ما تبقى منها الى حدود نصف طاقاتها الانتاجية . معدلات الفقر ارتفعت على نحو حاد وكذلك معدلات البطالة واصبح 70 بالمئة من الاسر في القطاع يعيش تحت خط الفقر ، اي بمعدل دولارين للفرد في اليوم الواحد .
كذلك هي الاوضاع التي يمر بها الاقتصاد الوطني ، والتي يعمل في ظلها القطاع الخاص في الضفة الغربية . انها ليست بالاوضاع المريحة وهي بالتأكيد لا تدعو الى التفاؤل , هي افضل منها في قطاع غزه ، غير ان معدل البطالة مرتفع ومعدلات الفقر مرتفعة كذلك . وبالنسبة للقوى العاملة في القطاع الخاص ، فان نسبة المستخدمين ، الذين يعيشون تحت خط الفقر ارتفع من نحو 40 بالمئة عام 2000 الى اكثر من 50 بالمئة عام 2005 ولا زال يحافظ على معدله .
ليس من السهل او الممكن ان نضع جانباً الوضع الكارثي الذي يعيشه قطاع غزه على المستوى الاقتصادي ، ولكن حتى لو تجاوزنا ذلك وامعنا النظر في مستقبل النمو الاقتصادي في الضفة الغربية ، فان المعطيات التي قدمها مؤخراً البنك الدولي لا توحي بالتفاؤل . حسب توقعات البنك الدولي ، فان النمو الاقتصادي سوف يكون ضعيفاً ، فالنمو في الناتج المحلي الاجمالي للعام 2008 لن يتجاوز حدود 3 بالمئة غير ان دخل الفرد سيبقى عند حدود ما كان عليه في العام 2007 ، حيث معدل النمو السكاني يفوق معدل النمو في الناتج المحلي الاجمالي .
هذه الاوضاع ، التي يمر بها الاقتصاد الوطني والتي يعمل في ظلها القطاع الخاص نعرفها جيداً ونقدر ما يترتب عليها من صعوبات في معالجة معدلات البطالة المرتفعة ومعدلات الفقر كذلك . اذا ما سارت الحكومة الفلسطينية الحالية على نهج ما سبقها من حكومات ، فسوف لن يجد المواطن فسحة من أمل . لنعد الى الوراء قليلاً لنقف على جانب من الصورة ، كما هي . فقد بلغت مساعدات المانحين للسلطة الفلسطنيية نحو 350-450 مليون دولار سنوياً للفترة بين عام 1994 وعام 2000 ، وارتفعت هذه المساعدات الى نحو 650 مليون دولار سنوياً للفترة بين عام 2001وعام 2007 .
اذا ما اضيف الى هذه الموارد من الجهات المانحة الموارد المالية للسلطة من الضرائب المباشرة وغير المباشرة فان مداخيل السلطة الفلسطينية تتضاعف . ولكن ، كم هي النسبة المئوية ، التي جرى تخصيصها من مجمل الموارد المالية المتاحة للسلطة الفلسطينية للاستثمار في التنمية للنهوض بأوضاع القطاع الخاص . الاجابة مفزعة حقاً ، حيث لم تتجاوز هذه النسبة حدود 5 بالمئة ، على امتداد هذه السنوات من عمر السلطة .
أبعد من ذلك ، فقد مارست الحكومات السابقة ولا زالت هذه هي سياسة الحكومة الفلسطينية الحالية ، سياسة ساهمت في الحاق افدح الاضرار بقطاعات الاقتصاد الوطني الفلسطيني الصناعية والزراعية والخدماتية ، عندما فتحت الاسواق الوطنية لكل ما هو مستورد على حساب تشجيع المنتجات الوطنية وتوفير حد مقبول أو حد ادنى من متطلبات حمايتها .
هذا فاقم من أزمة الاقتصاد الوطني واسهم بكل تأكيد في نمو البطالة وفي زيادة معدلات الفقر وفي تدهور مستوى المعيشة وفي تدني مستوى الاجور في القطاع الخاص بفعل المنافسة الحادة في سوق العمل ، وهو ما يملي على هذه الحكومة مراجعة جادة ومسؤولة في السياسة الاجتماعية والاقتصادية.
غير ان الظروف الصعبة ، التي يمر بها الاقتصاد الوطني والتي يعمل في ظلها القطاع الخاص الفلسطيني ، يجب الا تحجب عن الانظار الظروف القاسية والصعبة التي يعيشها المستخدمون في القطاع الخاص وفي المقدمة منهم الطبقة العاملة الفلسطينية ، التي تعاني من سياسة وممارسات الاحتلال أولا ومن شروط الاستخدام وعلاقات العمل ثانياً ومن الفقر وتدهور مستوى المعيشة والتهميش ثالثاً .
في الموقف من سياسة وممارسات الاحتلال ينبغي ان تتوزع الاعباء على الاطراف المعنية بالعملية الانتاجية ، فاذا كان القطاع الخاص يعاني من هذه السياسة والممارسات فان معاناة العمال تحديداً هي الاشد والاقسى . وهذه المعاناة تفتح على أمرين جوهريين : الاول شروط الاستخدام وعلاقات العمل ، حيث يلاحظ هنا وبوضوح ان شروط الاستخدام وعلاقات العمل تسلب العمال والمستخدمين الكثير من الحقوق ، التي يكلفها لهم قانون العمل الفلسطيني .
هنالك انتهاكات يطول الحديث عنها لقانون العمل الفلسطيني بدءا بتخفيض ساعات العمل في الاعمال الخطرة او التي تلحق الاضرار بالصحة العامة ، مروراً بانتظام زيارات مفتشي العمل لمواقع العمل للتأكد من الصحة والسلامة المهنية وضمان عدم تحول هذا الواجب الى مهمة شكلية على حساب العامل وانتهاء بالاجور المتدنية والحرمان من الاجازات الاسبوعية والسنوية واجازات الاعياد والعطل الرسمية والدينية مدفوعة الاجر فضلا عن اصابات العمل وتوفير الضمانات الصحية ونفقات العلاج في مثل هذه الحالات .
للقطاع الخاص دوره في التنمية ، وهو في ظروفنا دور حيوي وليس دوراً هامشياً وينبغي توفير متطلبات نهوضه بمسؤولياته ودوره على هذا الصعيد .
وفي الوقت نفسه ينبغي رفع الظلم عن العاملين في هذا القطاع من خلال احترام احكام قانون العمل الفلسطيني ، رغم ثغراته ونواقصه . وعلى الحكومة هنا ان تتدخل في اتجاهين رئيسيين : الاول تحديد حد ادنى للاجور في القطاع الخاص ليقترب معدل الاجور في هذا القطاع من معدل الاجور للعاملين في القطاع الحكومي وربط الاجور بجدول غلاء المعيشة وتعزيز هذه الخطوة بتقديم الدعم للسلع الاساسية التي تخفف من وطأة هذا الارتفاع الفاحش في اسعارها على اوضاع الشرائح الاجتماعية الضعيفة ، والثاني بث الحياة في مؤسسة التأمينات الاجتماعية وقانون التأمينات الاجتماعية ومجلس وصندوق الضمان الاجتماعي بكل ما يترتب على ذلك من التزامات تؤديها الحكومة مثلما يؤديها اصحاب العمل والمتسخدمون في القطاع الخاص ، لما لذلك من أثر بالغ في توفير الامن الوظيفي وأبسط متطلبات الحياة الانسانية الكريمة لهؤلاء المستخدمين وفي المقدمة منهم العمال ، في ذروة عطائهم وفي خريف العمر كذلك . شروط وعلاقات العمل في القطاع الخاص يجب ان تنسجم مع احكام قانون العمل ، وسياسة الحكومة يجب ان تسعى في الحد الادنى الى فض هذا التشابك بين مطرقة الاحتلال وسندان البطالة والفقر والتهميش لتخفف عن عمال فلسطين بعضاً من معاناتهم .

التبعية الإعلامية في دول الشرق الأوسط

إعداد الطالب محمد داود
جامعة الأزهر – غزة – الدراسات العليا
كلية الآداب والعلوم الإنسانية
برنامج ماجستير دراسات "الشرق الأوسط"


غزة
2008م

بسم الله الرحمن الرحيم

"ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين".
"سورة البقرة، الآية 155"

صدق الله العظيم
**
مقدمة/
الإعلام ليس سلطة رابعة بل هو سلطة أولى اليوم وأصبح أهم من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية الثلاث الأولى وهو يشغل المجال الشفاف بين الفعل السياسي والثقافي ورد الفعل الجماهيري كما أن الإعلام ليس كما يعتقد البعض رافداً من روافد الحداثة والتطور التقني، بل هو عملية تاريخية ارتبطت بالإنسان منذ أن خلقه الله على وجه الأرض، حيث تشير المصادر المختصة في هذا الشأن إلى أن المجتمعات العدائية " كانت تتلقى الأخبار والمعلومات عن طريق الكلمة الشفوية المتداولة من مجتمع إلى آخر، وبعد أن استقر الإنسان أنشأ نظام الأسرة والقبيلة ثم الدولة وتشابكت المصالح حتى أصبح الإنسان بحاجة إلى تنظيم علاقته بالجماعة التي تحيط به مما أدى إلى ظهور وسائل إعلام بدائية مثل الألواح الفخارية ووسائل البردي والخطابة وهي وسائل وجدت طريقها إلى التطور عبر مراحل وحقب تاريخية عدة وصلت لذروة نضجها عندما بدأت تلوح في الأفق بوادر ثورة تقنية جديدة هي ثورة المعلومات والاتصالات أو الموجة الثالثة كما يقول ألفن توفلر وزوجته هاليدي في كتاب لهما عن الموضوع، ثورة المعلومات والاتصالات التي كانت واحدة من أهم وأبرز المستجدات التي أسهمت في بلورة التجلي الجديد لظاهرة العولمة، حيث أسهمت تأثيرات ذلك النمط في تفعيل الغايات والأهداف المرجوة من وراء ظهور فكرة " اقتصادات الإعلام " التي كانت المقدم الرئيس لما بات يسمى الآن بإعلام العولمة وهو إعلام يعرفه السيد أحمد مصطفى على أنه "سلطة تكنولوجية ذات منظومات معقدة، لا تلتزم بالحدود الوطنية للدول، إنما تطرح حدوداً فضائية غير مرئية، ترسمها شبكات اتصالية معلوماتية على أسس سياسية واقتصادية وثقافية وفكرية، لتقيم عالماً من دون دولة ومن دون أمة ومن دون وطن، هو عالم المؤسسات والشبكات التي تتمركز وتعمل تحت إمرة منظمات ذات طبيعة خاصة، وشركات متعددة الجنسيات، يتسم مضمونه بالعالمية والتوحد على رغم تنوع رسائله التي تبث عبر وسائل تتخطى حواجز الزمان والمكان واللغة، لتخاطب مستهلكين متعددي المشارب والعقائد والرغبات والأهواء "، لذلك يعتبر الإعلام في عصرنا هذا عصباً محركاً وسلاحاً خطيراً لأي دولة وأصبحت الدول تخصص له الميزانيات الضخمة لما له من دور مهم في تسويق سياساتها وتقديم نفسها لشعوب العالم
من هذا المنطلق يعتبر الإعلام اليوم أحد الأعمدة الرئيسية كما التبعية الثقافية والاقتصادية وحتى السياسية باعتباره من أهم الوسائل للبحث عن الحقيقة وإيضاحها، والجميع يتجه إليها في الوقت الحالي على مختلف المستويات، سواء السياسية أو الثقافية أو الاقتصادية أو غير ذلك، من أجل إبراز ما لديهم من أنشطة وأعمال، ولهذا فهو يحوي عدة شرائح إعلامية، إلى جانب ذلك فإن الإعلام الآن يأخذ حيزاً كبيراً جداً من حياة المواطن العربي واهتماماته، ولم يعد الإعلام المحلي هو الذي يتحكم في إيصال المعلومة إليه، بل أصبح الإعلام العالمي بوسائله وقنواته المختلفة يشكل أداة فعالة في توجيه الشعوب وتوجيه السياسات وسيادة الحروب، خاصة خلال هذه الفترة المهمة التي تمر بها الأمة العربية.
والإعلام من بين مئات الأسلحة التي يستعملها "الاستعمار الجديد" ويسخرها لتحقيق أهدافه ومقاصده لدى "الأعداء.الأصدقاء", وذلك راجع لكون دول العالم الثالث مجرد مستهلك لما ينتجه الغرب، وليس فاعلاً ومؤثراً، أمام هذا الكم الهائل من طرق انتقال المعلومة والخبر في سياق يبدو أكثر شفافية ووضوحاً يقف المواطن العربي موقف الحائر، فهو هارب من تسلط الدولة واحتكارها للثقافة والفن والإبداع برقابة تخل بأبسط مبادئ الحرية الفكرية، ليجد نفسه تحت رحمة " قوى خارجية " خلقت هذه المساحة الإعلامية الشاسعة -أو الحرة" كما يحلو لهم نعتها- لكي تمارس نوعاً جديداً من الحرب تم التخلي فيه عن أساليب الترويع والتخويف التقليدية لتحل محلها أساليب " الحنان الاستعماري ".
وفي هذا المجال لا يمكن فصل التبعية الإعلامية عن أنواع التبعية الأخرى التي تربط كما يقول ايمانويل والشتاين الأطراف إلى المركز، فالتبعية الإعلامية هي أحد أوجه التبعية الشاملة التي تشد الأطراف بقوة المركز وتجعلها معتمدة كلياً عليه، بالتالي يقع على وسائل الإعلام دور سياسي إلى جانب إعلام المواطنين بالقضايا المستجدة، حيث تقوم بتشكيل أجندة الاهتمامات العامة، حيث تعطي اهتماماتها لقضايا معينة، وتقترح الحلول لمشاكل المجتمع، وكذلك الرقابة لصالح الجماهير عن طريق انتقاد وفضح أخطاء القادة وقراراتهم.

مفهوم التبعية بشكل عام :
هو مصطلح من المصطلحات السياسية ذات الطبيعة المطاطية، لتميزها بتعدد تعريفها وباختلاف استعمالاتها، لكن من التوصيفات المهمة لمصطلح التبعية نجد مصطلح التبعية للغرب أي تبعية المجتمعات المتخلفة بقواعدها السياسية والاقتصادية والثقافية إلى المنظومة الرأسمالية العالمية المتمثلة في دول المركز.
فمفهوم التبعية عبارة عن علاقة تنطلق من التابع إلى المتبوع، عبر عملية إلحاق قصري بوسائل سياسية و اقتصادية وعسكرية، وغزو ثقافي وفكري لتعميم نظام الإنتاج الرأسمالي، وتسويغ للهيمنة التي تمارسها دولة عظمى أو مجموعة دول أحرزت تقدما في مجال الاقتصاد والتكنولوجيا والتعليم فتستخدمها لتحقيق أهداف مادية وإستراتيجية، بما تفرضه على أمم وشعوب أخرى أقل تقدما من إجراءات تلزمها بها وتجبرها على تنفيذها كي يمكنها البقاء والاستمرار.(1)
أما في مجال التبعية الإعلامية فقد ظهرت هذه النظرية في دول أمريكا اللاتينية في حقبة ما بعد الاستقلال كرد فعل لإخفاق نظريات التحديث الغربية في تفسير أسباب التخلف في الدول النامية وتتلخص في أن ما تقدمه الدول الصناعية من تكنولوجيا إعلامية وأنظمة وممارسات مهنية إعلامية ومواد وبرامج إعلامية للدول النامية لاستهلاكها يعمل على صنع وتعميق التبعية الإعلامية لهذه الدول وزيادة اعتمادها على الدول الصناعية المتقدمة(2)
ويقول أهم منظري هذه النظرية شيلر وماتللارات وبويد – باريت إن هذه التكنولوجيا والأنظمة والممارسات الإعلامية المنقولة من دول العالم المتقدم تعمل على تشويه البنيات الثقافية في دول العالم النامي وتسهم في إحداث سلبيات عديدة مثل خلق الثقافة المهجنة والتغريب الثقافي(3) والغزو الثقافي وفي هذا الإطار جاءت جهود اليونسكو التي أسهمت في تقديم منظور نقدي يتميز بالشمول والموضوعية في محاولة لتجاوز الرؤى الجزئية التي تسعى إلى تشييد الرؤية الغربية في الإعلام والاتصال مما ترتب عليه تجاهل وإغفال الحقوق الاتصالية لشعوب الجنوب ولقد حرصت لجنة ماكبرايد على طرح تصور شامل يتضمن رؤية ومطالب دول الجنوب في مجال الاتصال والإعلام حيث أبرز تقريرها ضرورة المبادرة إلى تطوير المفهوم التقليدي السائد عن سياسات الاتصال والعمل على تغيير الهياكل الاتصالية السائدة والأخذ بالنظام المفتوح في الاتصال الذي يتيح إشراك الجماهير في العملية الاتصالية(4) وتكشف لنا النظرة المتعمقة لتجارب العالم الثالث حقيقة الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في تشكيل اتجاهات الرأي العام بصورة خادعة ومضللة ومستهدفة في الأساس إضفاء الشرعية على السياسات الاستبدادية للسلطات السياسية الحاكمة واعتمادها على تكنولوجيا الاتصال والمعلومات التي تتحكم فيها الشركات متعددة الجنسيات إلى جانب القوى المحلية ذات النفوذ السياسي والاقتصادي .
بهذا يمكننا القول أن نظرية التبعية الإعلامية قد أعطت اهتماماً متزايداً للأبعاد الثقافية والتاريخية والدولية في تفسيرها للعلاقة بين وسائل الإعلام والسلطة السياسية ودورها في إطار التبعية الإعلامية والغزو الثقافي.
إلا أنه يؤخذ عليها مبالغتها في تقدير أهمية المتغيرات الخارجية وتأثيرها في الأنظمة والسياسات الاتصالية لدول العالم الثالث الأمر الذي يقلل كثيراً من أهمية المتغيرات الداخلية فبالرغم مما تمثله الضغوط الدولية من أهمية إلا أن صياغة السياسات الإعلامية مسؤولية وطنية في المقام الأول ويفترض فيها أن تعكس الإرادة الشعبية تصون الذاتية الثقافية .
وأياً كان الأمر فإن نظرية التبعية الإعلامية في حاجة إلى جهود جديدة لمراجعتها على ضوء المتغيرات الدولية التي برزت في أواخر الثمانينات ابتداءً بانهيار الشيوعية وسقوط القطبية الثنائية ومروراً بالنظام العالمي الجديد وما سمى بعولمة الاقتصاد والسياسة وانتهاء بالثورة التكنولوجيا في عالم الاتصال والحديث عن عولمة الثقافة وصراع الحضارات .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- عبد الواحد مشعل : "الجهاز المرئي والتنشئة الاجتماعية في الأسرة العربية المعاصرة" ، مجلة البحوث الإعلامية عدد مزدوج (27 ، 28 ) السنة العاشرة ، 2004 ق ص 38.
2- عثمان الأخضر العربي: ص 82 – 84، "النظريات الإعلامية المعيارية ماذا بعد نظريات الصحافة الأربع حوليات كلية الآداب الحولية 16" ، أو من رسالة 112 ( الكويت مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت 1996)، ص 38 – 39 .
3- نفس المرجع ص 83 .
4 - عواطف عبد الرحمن الحق: " الاتصال بين الجمهور والقائمين بالاتصال"، ص 34
وفي عالمنا العربي لدينا نوعان من الإعلام وهما الإعلام الرسمي والإعلام الخاص, فالإعلام الرسمي ممول من الحكومات وبالتالي يعتبر ناطقاً رسمياً باسمها, أما الإعلام الخاص فهو حكر على رجال أعمال ينتمون بغالبيتهم إلى بلاد النفط العربي وما هم إلا واجهات لحكام وأمراء وشيوخ تلك الدول أي أنهم إعلام رسمي ولو بشكل غير مباشر للدول التي ينتمون لها.
وهكذا فإن كلا النوعين فقد خاصية الحيادية والتزم مسبقاً بسياسات الدول الممولة وبالتالي هناك الكثير من المحظورات أمامه التي لا يستطيع الخوض فيها.
فإذا أردنا التحدث عن وسائل الإعلام السياسية من فضائيات وصحف لوجدناها تعبر بوضوح عن حالة الانقسام العربي وتبعيتها العمياء لأجندات دول عظمى تسيطر على مقدراتنا وقد تحولت الفضائيات العربية إلى منابر تهاجم فيها كل دولة شقيقتها وتأوي إليها معارضي تلك الدولة وتفتح ملفاتها وبالطبع سترد الشقيقة بالمثل وتحول الإعلاميون العرب وضيوفهم على الشاشات إلى جوقة شتامين يتفنن كل واحد منهم بكيل التهم والشتائم للآخر.
إن علاقة الإعلام بالسلطة في الوطن العربي من أهم العوامل التي أعاقت تطور الصناعة العربية للإعلام والاتصال، فالسلطات العربية حرصت على أن تفرض أسوأ أشكال العلاقة بين الإعلام والسلطة وأكثرها تخلفاً وهي علاقة التبعية، فاستخدمت كل الوسائل التي تجعل وسائل الإعلام تابعة لها، والتاريخ يعلمنا انه كلما زادت تبعية الصحافة ووسائل الإعلام للسلطات الحاكمة قلت ثقة الجماهير بها وتناقصت مصداقيتها. (1)
ويمكننا أن نحدد الأنظمة الإعلامية السائدة في العالم الثالث على النحو التالي :
1- نظام إعلامي يقع تحت سيطرة الدولة في إطار مفهومي التنمية والوحدة الوطنية والرقابة تكون صارمة على المضمون .
2- نظام إعلامي موجه من الدولة : تكون الوظيفة الأساسية للصحافة تعبئة الجماهير من أجل التنمية وتدعيم الوحدة الوطنية فتحل المسؤولية القومية محل المسؤولية الاجتماعية .
3 – نظام إعلامي مستقل تتمتع فيه الصحافة بقدر من الحرية بعيدأً عن التدخل المباشر للحكومة وتستطيع الصحافة في ظله أن تظهر استقلالية عنيفة في مواجهة الضغوط الحكومية .
ولعل هذا التصنيف أكثر مرونة في تصنيف الأنظمة الإعلامية في العالم الثالث فمن الصعب إخضاعها لتصنيفات جامدة نظراً لما تتضمنه من تناقضات وتعقيدات .
تنفرد الصحافة العربية بموروث سلطوي فريد بحكم نشأتها في أحضان السلطة وتطبيق ما أحدثه الاستعمار وخلفه من قيود وممارسات معادية لحرية الصحافة وقد انعكس هذا المورث السلطوي بشكل واضح على التشريعات والسياسات والممارسات لدرجة التطابق بين الأنظمة الصحفية والأنظمة السياسية والتعامل مع ما ينشر في معظم الصحف العربية على أنه يمثل وجهات النظر الرسمية للحكومات العربية.
وهذا ما يدعونا للحديث عن الإعلام العربي الذي هو انعكاس للواقع الراهن وما يسود هذا الواقع من أسباب تفرقة وضعف وتخلف اقتصادي واجتماعي وهذا وضع أمام الإعلام صعوبات كثيرة أهمها لا الحصر " القاعدة الاقتصادية الضعيفة، و تسييس الإعلام العربي وارتباطه بالسياسة، التأثير الحضاري والثقافي وحماية القيم الثقافية من النظام الإعلامي العالمي، الانقسامات الإعلامية، نقص العنصر البشري المؤهل، عدم المرونة وتقبل الجديد في مجتمع المعلومات وحالة الجمود والتثاقل وعدم الحراك" .
من هنا نلاحظ آن الإعلام العربي تابع للسلطات من ناحية الملكية وتابع بمضمون المادة الإعلامية وتابع تكنولوجيا للدول الغربية وتابع تبعية سوسيو ثقافية وتابع لوكالات الأنباء وتابع لمعاهد وكليات الإعلام الغربية وتابع في رسم السياسات وتعيين الموظفين وغير ذلك وكل ذلك أدى آلي وضع غير جيد انعكس سلبا على الأداء الإعلامي، استطاع الإعلام الالكتروني آن يفلت من هذه التبعية لذا حقق نجاحا جيدا وقد تجاوزت الصحافة الالكترونية الحدود والخطوط الحمراء التي يضعها الرقيب.
إن المتتبع لـواقع الإعلاميات العربية يجد أنها إعلاميات هشة وهلامية ولا تملك أدنى وسائل المناعة التطبيقية التي تمكنها من تفعيل وتطوير آليات دفاعها المهني ضد تحديات العولمة الإعلامية، ففي هذا الصدد وفي دراسة بحثية عن أهم القضايا التي تواجه الإعلام العربي في الوطن العربي خلال الفترة الزمنية الراهنة ترصد الدكتورة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- د. صلاح عودة الله: "قضايا عربية" مقال بعنوان "الإعلام العربي بين غياب الديمقراطية والتبعية الغربية"، مجلة الفوانيس، نقلاً عن شبكة الانترنت.
عواطف عبد الرحمن جانبا هاما من الواقع المزري لذلك الإعلام، حيث تلخص سلبيات المشهد الإعلامي العربي الراهن في عدة تحديات بنيوية إعلامية لعل أهمها :- (1) التحدي المهني فبسبب عدم نضج التجربة الديمقراطية في الوطن العربي وسيطرة نمط الدولة السلطوية على النظم السياسية التي تتبنى أيديولوجيات تقليدية مزيفة، ظهرت في المنظومة المهنية المبلورة للإعلام العربي إشكاليات عدة أبرزها :
1. سعي النظم السياسية العربية للسيطرة على مختلف أنشطة الاتصال والإعلام ( اقتصاديا - سياسياً - رقابياً ) .
2. عدم تمتع الإعلاميين العرب بحقوقهم المهنية رغم المبادئ الطنانة التي تنطوي عليها العديد من الدساتير الموجودة في الدول العربية .
3. تعرض الإعلاميين للسجن والاعتداءات الأمينة وللمطاردة والاحتجاز من قبل الأجهزة البوليسية القمعية .
4. تراجع دور مؤسسات المجتمع المدني وبالأخص الروابط والنقابات والجمعيات الإعلامية .
5. سذاجة تفكير متخذ وصانع القرار السياسي العربي انعكست على مضمون الخطاب الإعلامي العربي الذي تحول إلى بوق مزعج يترجم أهواء وغايات الطبقة الحاكمة معتمداً في ذلك على طابع دعائي وانفعالي للإثارة الثأطاء والمعالجة الجزئية الضيقة . 6. ضعف تأهيل وتدريس الكوادر الإعلامية العربية .
7. استفحال أمر ظاهرة العنف الثقافي بين الإعلاميين العرب وهي ظاهرة نختزل جانبا من تجلياتها في النقاط التالية(2) :أ- سيطرة التأويل الفكري المغرض. ب- الانقسام إلى مجموعات ثقافية ترفض أي تنوع أو تعدد يهدف إلى تفعيل الحوار الخلاق مع الآخر المختلف معه. ج- تسخير ما يسمى بصحافة ومجلات الفضائح الثقافية من أجل ممارسة التشهير والقمع اللغوي ضد الأطراف التي لا تتماشى رؤاها الثقافية مع رؤى الأطراف الممولة والمسيرة لتلك الصحف والمجلات .
كذلك بالإضافة إلى التحدي المهني تبرز تحديات أخرى لعل من أهمها :
* انعكاس تداعيات أزمة العقل السياسي العربي على مختلف المكونات المشكلة للأطر الإعلامية العربية وأزمة العقل السياسي العربي يوضح العلامة الفيلسوف محمد عابد الجابري بعض معضلاتها من خلال التركيز على متغيرات " القبيلة - الغنمية - العقيدة .
* التحدي التكنولوجي خصوصا وأننا بتنا في عصر يصعب فيه التمييز بين الإعلام وبين الثورة التقنية في مجال الاتصال والمعلومات .
* وجود أزمة ثقافية تتمثل في عجز " النخب الثقافية عن صياغة مشروع ثقافي حضاري مستقل في مواجهة المشروع الثقافي الاستعماري الوافد ، فبدلا من ذلك تمت المصالحة معه على نفس أرضية التبعية التي تكرست في المجالين السياسي والاقتصادي (3) .
هذا طبعا بالإضافة إلى حرص النخب الثقافية العربية على التقوقع في مركز ردّ الفعل بدلاً من السعي نحو إحداث الفعل العملي البناء والفاعل.
أمثلة على دور الإعلام في حياة الشعوب العربية :
فبعد نكسة حزيران عام 1967 وشعور المواطن بالهزيمة والنقمة على الساسة تم الإيعاز لبعض الكتاب والمخرجين والممثلين بالتركيز على الأعمال الفكاهية وإضحاك الناس من خلال الأفلام والمسلسلات حتى يتجاوزوا النكسة وينسوا وهذا ثابت في كتابات ومذكرات بعض الساسة المصريين ومنهم الأستاذ هيكل وهكذا نسي العرب النكسة ونسوا فلسطين وضحكوا حتى الثمالة وها هم اليوم يضحكون ويسكرون ويمجنون والفلسطينيون واللبنانيون والعراقيون يبكون ويقتلون ويشردون.(4)
وتكاد تغيب شعوب عربية وإسلامية بأكملها عن خارطة الإعلام، ولك أن تتساءل عن الشعب الليبي -مثلاً- الذي يختفي تماماً من الإعلام بكل مكوناته الاجتماعية والثقافية والفنية وما شابه، حتى صرنا لا نعلم عن ليبيا شيئاً إلا القذافي وابن القذافي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- د . عواطف عبد الرحمن: " قضايا إعلامية معاصرة في الوطن العربي" ( القاهرة دار الفكر العربي ) 1997ف ص 24 -27 .
2- عز الدين اللواج : " المبتسرون نظرة في ظاهرة العنف الثقافي" الملف الثقافي لجريدة العرب العالمية الصادرة بلندن العدد 3993 الخميس 26/8 /2004 ف ص 9 .
3- د . عواطف عبد الرحمن: ، مرجع سبق ذكره ص 34 .
4- د. صلاح عودة الله: "قضايا عربية" مقال بعنوان "الإعلام العربي بين غياب الديمقراطية والتبعية الغربية"، مجلة الفوانيس، نقلاً عن شبكة الانترنت.
إن بعض الأنظمة ترى من مصلحتها أن تعيش رعاياها في العتمة ولذا تتعمد إخفاءها وعدم إظهارها إلا في مسيرة مؤيدة لسيادة الرئيس أو أغنية ترقص وتطبل لحضرته أيضا، وهو مشهد لا يخرج عن تقليد سياسي واجتماعي وثقافي وفني لكل ما يفرزه الإعلام الغربي، بدون مراعاة للواقع المحلي وقيمه، وقد أخذت إحدى محطات التلفزة العربية قبل فترة ولمدة تزيد على الشهرين"، على عاتقها تقديم تقرير في كل ليلة يتابع المستجدات اليومية في قضية وفاة ممثلة أفلام إباحية أمريكية ثرية وعن مأساة ابنتها الرضيعة التي يتنازع في المحاكم أكثر من رجل -عاشر الأم- على أبوتها، وكل يدعي أنه الأب الحقيقي لها طمعاً في الشهرة والمال.
وإعلامنا العربي يساهم في تغييب التراجيدية العراقية، ويحاول أن يجعل من ضحايا العنف في العراق بلا مأساة، وإنما يركز على التنازع السياسي على السلطة في العراق، وعلى صنع الفتنة الطائفية من العدم وحصر الإسلام في ثقافة العنف والعصبية وبث الفرقة بين مختلف الأديان والمذاهب..(1)
علاقة التبعية
إذا كانت علاقة الخصومة بين الصحافة والسلطة خرافة تتناقض مع الواقع، فان علاقة التبعية هي علاقة خطيرة كان لها الكثير من النتائج السلبية على تطوير الصحافة العربية، ومن أهم تلك النتائج:
أولاً: تدهور مصداقية وسائل الإعلام العربية، حيث نظرت لها الجماهير العربية باعتبارها أداة السلطة في التبرير.
ثانياً: أدت تبعية الصحافة للسلطة إلى تناقض المساندة الشعبية لحرية الصحافة في مواجهة الحكومات، فازدادت قوة الحكومات في الوقت الذي تناقصت فيه قوة المجتمع المدني، كما أدى ذلك إلى ضعف المشاركة الجماهيرية في الانتخابات. ثالثاً: كان من اخطر نتائج تبعية الصحافة للسلطة أن قدرات الصحفيين العرب المهنية قد تناقصت، فتلك القدرات تتزايد كلما زاد مجال الحرية الذي يعملون فيه.
وبلا شك أن الإعلاميون والمثقفون استبشروا بعد أن انطلقت قناة (الجزيرة) على الأوربت بعد حرب الخليج الثانية، وما أفرزته من متغيرات، وذلك بحكم التأسيس القوي، والاختيار الجيد للكوادر الإذاعية، وكانت بالفعل نسخة تلفزيونية مصورة من ال BBC ، فالأصوات هي الأصوات، والأفكار البرامجية هي الأفكار البرامجية أيضاً مع بعض التحوير والتعديل بما يناسب الشاشة، والإضافة الجديدة أننا استطعنا معرفة وجوه أصواتٍ كثيرة سكنت الذاكرة قرابة ثلاثة عقود من الزمن.
تكفلت قطر بتأكيد هذا الاتجاه للقناة، وفي الوقت نفسه تحقيق أغراض سياسية ونفسية وفكرية قطرية كثيرة، تتصل ببعض دول الجوار، أو تتصل بالتيارات الفكرية التي بدأ صوتها يعلو في المنطقة، وبخاصة التيارات المتشددة، فدخلت في غمار هذا الصخب الفكري خاضعة مرة للرغبات الأمريكية فتدل على مكان (ابن الشيبة) ومرة أخرى للاتجاه الراديكالي ألإخواني فتقيم صلة مع الجماعات المتشددة في أفغانستان وغيرها، فتبث شرائط القاعدة ببث الخطب والترويج لأفكارها! وهي هنا - أي القناة - محيرة حقاً، فكيف تريد للسياسة الأمريكية التمكين والنصرة باعتبار أن دولة قطر هي الراعية للقناة، وأن قطر تنام على أكبر مخزون للسلاح في العالم لا يبعد عن مقر القناة سوى كيلووات معدودة! وفي الوقت نفسه ترسل مندوبيها إلى ابن لادن في جبال تورا بورا ويلتقيه عبدالباري عطوان، وتنتشي بأشرطة القاعدة، ويخوض تيسير علوني مراسلها في أفغانستان الحرب بكاميراته مصوراً صمود طالبان في مواجهة الطغيان الأمريكي؟!!
فكيف اجتمع الاتجاه الأمريكي مع الاتجاه ألإخواني مع الاتجاه القومي، إذ تبح حناجر مذيعيها في ذم وهجاء استسلام حكام العرب وبخاصة حكام دول الخليج ومقدار النفوذ الغربي على دولهم من الناحية السياسية، بينما لا يبعد مقر السفير الإسرائيلي عن مقر قناة الجزيرة سوى كيلو واحد؛ ولا تتوقف الدوحة عن استضافة مسئولين إسرائيليين، ولا ينقطع مسؤولون قطريون عن زيارة تل أبيب؟!(2)
وها نحن اليوم نجد أن قناة العربية في تغطيتها للأحداث تتماهى مع سياسات البيت الأبيض فتنشر غسيل سوريا على الملأ وعند حدوث أي مشكلة في لبنان لا تستضيف سوى أحد أفراد جوقة 14 آذار وغدت نافذة لهم ولا تجيد سوى تلقف أخبار قطر وأميرها ومهاجمتهم وهذا بالطبع سيرد عليهم عبر فضائيته ذائعة الصيت الجزيرة التي تتصيد سقطات النظام السعودي وتكشف لقاءاته السرية مع الإسرائيليين ولا تجرؤ من باب الرأي والرأي الآخر على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- ورقة عمل "مؤتمر الإعلاميات العربيات 2002" نقلاً عن شبكة الانترنت.
2- د. محمد بن عبدالله العوين: "قناة الجزيرة من المهنية العالية إلى الارتماء في أحضان التيارات السياسية والحزبية" مقال نقلاً عن شبكة الانترنت.
استضافة معارضين قطريين ولا تثير أي قضية قطرية داخلية ولا تتحدث عن القاعدة الأمريكية الأكبر الموجودة في الدوحة ولا عن دور تلك القاعدة ناهيك عن العلاقة مع إسرائيل.
وفي كل الأحوال، فإن إعلامنا ببغائي بطبعه، فإذا اهتم الإعلام الغربي بالضحايا الأبرياء في "فرجينيا"، اهتم الإعلام العربي بهم، وعندما اهتم الإعلام الغربي بقضية البحارة البريطانيين الذين اعتقلتهم إيران على مياهها الإقليمية في شهر مارس 2007م، اهتم إعلامنا بتلك القضية بينما الأسرى العرب في السجون الإسرائيلية في سلة المحذوفات الخاصة بالإعلام العربي.
إن الإعلام العربي يقوم بعملية تقليد سياسي واجتماعي وثقافي وفني لكل ما يفرزه الإعلام الغربي، بدون مراعاة للواقع المحلي وقيمه، وقد أخذت إحدى محطات التلفزة العربية قبل فترة ولمدة تزيد على الشهرين، على عاتقها تقديم تقرير في كل ليلة يتابع المستجدات اليومية في قضية وفاة ممثلة أفلام إباحية أمريكية ثرية وعن مأساة ابنتها الرضيعة التي يتنازع في المحاكم أكثر من رجل -عاشر الأم- على أبوتها، وكل يدعي أنه الأب الحقيقي لها طمعاً في الشهرة والمال.
لقد حملت بعض المخاطر الثقافية التي تهدد المنظومة العربية التراثية والمعاصرة من خلال البرامج التليفزيونية والمسلسلات الوافدة وبرامج الإنترنت والتي يزداد تأثيرها السلبي خصوصا في ظل عدم الالتزام بالمواثيق الدولية التي تنص على احترام الطابع المميز للثقافات مثل إعلان اليونسكو 1978 وقرار الجمعية العامة 1982 الذي ينظم قواعد استخدام الأقمار الصناعية في البث التليفزيوني المباشر، وتتمثل أهم إشكالية تثيرها قضية الأقمار الصناعية في كيفية التوفيق بين حقوق الاتصال للأفراد والجماعات والحفاظ على الهوية الثقافية خصوصا في ظل الانتهاك المتواصل من جانب الدول الكبرى للمواثيق الدولية في هذا الصدد.. (1)
عملية الاختراق الثقافي للوطن العربي قد اختلفت أشكالها باختلاف المراحل التاريخية وطبقا لحاجة المشروع الاستعماري فالأمة العربية كانت من أوائل الشعوب التي سقطت ومنذ وقت مبكر من التاريخ الحديث في دائرة استهلاك الثقافة التي تنتج في المركز الأوروبي، واستطاعت المركزية الأوروبية فرض ثقافتها والظهور بمظهر المتفوق على الثقافات الأخرى ومنها الثقافة العربية التي وجد عدد كبير من روادها ومفكريها أنه لا بديل أمامهم عن اقتباس الثقافة الأوروبية وتعلم لغاتها والانبهار بتراثها العقلاني الليبرالي والنقل الحرفي لمؤسساتها الإدارية والمالية والسياسية والتربوية.. وقد ترتب على ذلك ظهور انساق جديدة للثقافة العربية المرتبطة والتابعة لثقافة المستعمر الأوروبي ولغته وذلك على حساب اللغة العربية والتراث العربي الإسلامي.. وقد تبنت هذه الأنساق وروجت لها النخب العربية التي نهلت من الثقافة الأوروبية وتعلمت في جامعاتها؛ مما أسفر في النهاية عن فقدان المشروع الثقافي العربي لاستقلاليته وتحول مشروع النهضة العربية الشاملة إلى قاعدة لتبعية أوروبية شبه كاملة..
فقد عجزت النخب الثقافية في الوطن العربي عن صياغة مشروع ثقافي حضاري مستقل في مواجهة المشروع الثقافي الاستعماري الوافد وبدلا من ذلك تمت المصالحة معه على نفس أرضية التبعية التي تكرست في المجالين السياسي والاقتصادي.
لذلك أصبح يقيناً قائماً بأن على الشعوب العربية إيجاد أو خلق البدائل الإعلامية السليمة خارج إطار التبعية الرأسمالية والسياسية المقيدة للإرادة والفكر الحر، فمن لديه حيلة فليحتال للتخلص من آثار سياسات التعتيم والتجهيل التي يمارسها هذا الإعلام على الشعب العربي بعمومه.
وبقدر ما تبرز أمامنا الأهمية القصوى لرسم السياسات والخطط التي تترجم التصور الاستراتيجي العام للمواجهة الثقافية إلا أن هناك ضرورة مماثلة لتحديد أبعاد هذه السياسات وما تتطلبه من إجراءات عملية قابلة للتنفيذ ويمكن إيجازها على النحو التالي:1- صياغة سياسات قومية إعلامية وتعليمية وثقافية تراعى الجمع بين خصوصيات كل قطر عربي والالتزام بالثوابت العربية المستقاة من تاريخ حركة التحرر الوطني العربية والتراث الثقافي العربي الإسلامي والحرص على ترجمة هذه السياسات إلى برامج مشتركة تلتزم الدول العربية بتنفيذها تحت إشراف الجهاز الثقافي للجامعة العربية وأعنى به المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.2- إعداد دراسات وبحوث توضح خريطة الخدمات الثقافية التي تقدمها وسائل الإعلام العربية وعلى الأخص الإعلام المرئي والمسموع والاستعانة بنتائجها في إعداد الإستراتيجية الثقافية البديلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- د. صلاح عودة الله: "قضايا عربية" مرجع سابق.
3- إعداد كوادر إعلامية عربية مؤهلة ومدربة ومسلحة بالرؤية الثقافية العربية المشتركة مما يزودها بالقدرة على مواجهة التحديات الثقافية وفى مقدمتها الاختراق الثقافي العولمي والغزو الثقافي الصهيوني ولن يتحقق ذلك إلا من خلال سياسات عربية مشتركة في حقل التعليم الإعلامي وبرامج مشتركة للتدريب على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال بما يلبى الاحتياجات الاتصالية والثقافية للجماهير العربية فى الريف والحضر.
4- الاهتمام بإعداد برامج إعلامية مشتركة لمحو الأمية في الوطن العربي، وبرامج نسائية وشبابية وللأطفال العرب مع مراعاة أن تحوى هذه البرامج المضامين الثقافية القادرة على تحقيق أهداف المشاركة الجماهيرية كبديل للإعلام الرأسي الاتجاه السائد حاليا في الوطن العربي والقادم من أعلى إلى أسفل.. ومن النخب المثقفة إلى الجماهير ومن العواصم إلى الريف ومن الحكام إلى المحكومين.
5- تشجيع الاتحادات المهنية في مجالي الإعلام والثقافة على استئناف أدوارها في توثيق وتنشيط العلاقات الثقافية والإعلامية ذات الطابع الشعبي والجماهيري مثل اتحاد الصحفيين العرب واتحاد الكتاب العرب.
6- تبدو الأهمية الملحة للتنسيق والتكامل الإعلامي بين الدول العربية خصوصا في مجال تكنولوجيا الاتصال سواء كان الهدف نقل التكنولوجيا رغم مخاطرها في تكريس التبعية التي سبق الإشارة إليها أو توطينها، كذلك الحرص على السماح بتوزيع الصحف في مختلف أنحاء الوطن العربي دون التقيد بالتقلبات السياسية التي تتعرض لها العلاقات العربية في بعض الأحيان..
7- تشكيل لجان قومية من الخبراء الإعلاميين والمثقفين العرب للإشراف على اختيار البرامج والمسلسلات التليفزيونية العربية والأجنبية التي تتميز بمستوى إبداعي رفيع وتوجه حضاري إيجابي وثقافي كي تتاح لها فرصة البث والانتشار على المستوى العربي.
8- التعجيل بإخراج مشروع الوكالة العربية للأنباء إلى حيز النور مع مراعاة اختيار كوادر إعلامية متخصصة للإشراف على إدارتها وتشغيلها وذلك ضمانا لتحجيم الدور الذي تقوم به وكالات الأنباء العالمية في تكريس التبعية الإعلامية والثقافية في الوطن العربي. (1)
هناك أزمة حقيقية تواجه وسائل الإعلام الوطنية: من مشاكل الفقر و البطالة و تتصدى لقضايا السكان و ترشيد الاستهلاك والأمية و قضايا المرأة و التوعية الصحية و القانونية ... عليها مسؤولية مضاعفة فهي لم تحل مشاكل التنمية بعد و لديها أجندات و استراتيجيات و برامج معده تعتمد في الكثير من جوانبها على الإعلام، بدأت تفقد تأثيرها و تفقد متابعيها، و أصبحت تلك البرامج التي صرف عليها الكثير من المال و الدراسات في مهب الريح، و الجدير بالذكر أن هذه المؤسسات أصلا و قبل تحدي ثورة الاتصالات كانت تعاني من مشاكل من أهمها :
 محدودية الموارد المالية  محدودية الكفاءات الإعلامية .  عدم وضوح السياسات بسبب التغير المستمر للإدارات .  عدم الالتزام بمعايير واضحة في التقييم و دراسة الأثر .
مما أدى إلى تذبذب التأثير و النجاح للرسائل و البرامج المختلفة مع أن الاهتمام و الوعي بتأثير الإعلام وأهميته بدأ على المستوى العربي سنة 1946 عندما شكلت الجامعة العربية دائرة للإعلام و النشر تحت إشراف الأمانة العامة لوضع خطة الدعاية و نشرها على الصعيد الدولي نيابة عن الدول العربية.(2)
ومن الجدير بالذكر أن النظام الداخلي للأمانة العامة للجامعة العربية قد نص في مايو ( أيار) 1953 على أن المسؤولية الأولى لدائرة الإعلام و النشر حددت وفقا لتطوير الدعاية للبلدان العربية بتزويد الصحف بالبيانات و الوثائق الأخرى بالإضافة إلى تزويد الجامعة بكل ما يتعلق بالدعاية و النشر .
كما تم تشكيل مجلس وزراء الإعلام العرب الذي تقرر إنشاؤه في مؤتمر القمة الأول في يناير 1964 و يتكون من وزراء إعلام الدول العربية و يتولى الإشراف على وضع السياسات الإعلامية العربية اللجنة الدائمة للإعلام العربي و يتبعها جهازان معاونان هما :
 المكتب الدائم للإعلام العربي .
 صندوق الإعلام العربي المشترك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- قضايا عربية الأهالي: - الرأي - هل الإعلام العربي قادر على حماية الثقافة.
2- جمان مجلي: "كيف نحرر صناعة الإعلام العربية من التبعية للسلطة" مؤتمر الإعلاميات العربيات الثاني، الأردن ، 2002 /10/24 نقلاً عن موقع من الانترنت.

كما أنشئت المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم و قد اهتمت منذ إنشائها عام 1971 بوسائل الإعلام و الاتصال الجماهيري في الوطن العربي باعتبارها من الأدوات الرئيسية للتنمية الشاملة في المجتمع العربي المعاصر و التي يجب تنميتها و تطويرها لتقوم بدورها في التثقيف الاجتماعي و نشر الوعي العلمي و زيادة فعالية الجهود التربوية و التعليمية .
إن اتحاد إذاعات الدول العربية، اتحاد الصحفيين العرب ، اتحاد وكالات الأنباء العربية، المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية، الإتحاد البريدي العربي، الإتحاد العربي للمواصلات السلكية و اللاسلكية، المركز العربي للدراسات الإعلامية و السكان و التنمية، المركز العربي للتقنيات التربوية، جهاز تلفزيون الخليج .
كل هذه المؤسسات و الجهود التي كانت وراء إنشائها و بعد إنشائها لم تحقق الطموحات الكبيرة التي وضعت من أجلها و إنما تراوحت في نتائجها ارتفاعا و انخفاضا و تأثرت بالأحوال السياسية بين البلدان العربية ، مما أدى إلى وجود هوة بين النظرية و ما جاء على الورق من استراتيجيات و أفكار و أهداف و بين التطبيق.
و كان هذا المؤتمر و ما خرج به منطلقا لوضع لائحة متكاملة حول مفهوم النظام العالمي الجديد للإعلام و صادقت الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة على مختلف اللوائح الصادرة عن مؤتمر اليونسكو حول مواضيع الإعلام و الاتصال بدون استثناء سنة 1980 و التي ركزت على مواضيع التدفق الحر المتوازن للإعلام وعلاقة الإعلام بالنمو و الهوية الثقافية و الإعلام العلمي و التعليم و التدريب و التكوين ، و قد جاء فيها أن النظام العالمي الجديد للإعلام و الاتصال يمكن أن يستند على أسس من أهمها :
 تعدد مصادر المعلومات و قنوات الإعلام .
الرغبة الصادقة من جانب البلاد المتقدمة في مساعدتها على بلوغ هذه الأهداف .
 تمتع الصحافيين و جميع المهنيين العاملين في وسائل الاتصال بحرية لا تنفصل عن المسؤولية .
 حرية الصحافة و الإعلام .
 تدعيم قدرة البلدان النامية على التوصل إلى تحسين وضعها الخاص ولاسيما عن طريق التزويد بالمعدات و تحسين بناها الأساسية و جعل وسائل الإعلام و الاتصال الخاصة بها قادرة على الوفاء باحتياجاتها و تطلعاتها .  احترام الذاتية الثقافية لكل أمة و حقها في إعلام الرأي العام العالمي بمصالحها و أمانيها و قيمها الاجتماعية و الثقافية .
 احترام حق جميع الشعوب في الاشتراك في التبادل الدولي للمعلومات على أساس المساواة و العدالة و المصلحة المتبادلة .
و بعد جدل طويل حول مصطلح ( النظام العالمي الجديد للإعلام ) و مضمون هذا المصطلح و انسحاب الولايات المتحدة من منظمة اليونسكو تبنت لجنة الإعلام التابعة لهيئة الأمم المتحدة بتاريخ 2\مايو \ 1990 في نيويورك مشروع لائحة تحت عنوان ( الإعلام في خدمة الإنسانية ) و قد تقدمت به إلى الجمعية العمومية فصادقت عليه في الدورة الخامسة و الأربعين ( ديسمبر 1990).(1)
ويرى الإعلامي "فيلموهارلي" أن التهديد السياسي القومي والفلسطيني والاقتصادي تعزز بالتهديد الديني لإسلام أصولي ومناضل جديد، وبذا تجمعت ملامح العدو العربي في المسلم، الأصولي الإرهابي، جنِّي القمقم الجديد، وأن ما يقوم به الإعلام الغربي من تغطية لأحداث الشرق الأوسط ليس انعكاسًا متميزًا ضد كل ما هو عربي وإسلامي فحسب، وإنما هو صناعة متأنيَّة ومعقَّدة وتراكمية تدخل فيها عوامل لها امتدادات عميقة في جذور الثقافة الغربية، التي لا ترى الأمر إلا من منظور عرقي، قومي، استعماري، احتكاري، ولها إطلالات واسعة على السياسات الخارجية للدول الغربية عمومًا والولايات المتحدة الأمريكية خصوصًا.(2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- جمان مجلي: "كيف نحرر صناعة الإعلام العربية من التبعية للسلطة" مرجع سابق.
2- مجلة (وجهات نظر) العدد 53، يونيو 2003م، ص 30
تغير صورة المقاومة في الإعلام الغربي
بالرغم من غياب أي تعاطف إعلامي غربي للمقاومة الفلسطينية واللبنانية- فإن بعض وسائل الإعلام الغربي اعتبرت أن المقاومة هي رد فعل طبيعي على الاحتلال، وعبَّر الحضور المكثف للمقاومة وقتذاك عن النجاح في فرض القضايا العربية على الأجندات الدولية والإقليمية، خصوصًا قضية فلسطين التي كادت تتحول إلى قضية لاجئين، لكن هذه الصورة بدأت في التحول بفعل الدعاية الصهيونية بعد توقيع اتفاقات أوسلو، ثم بفعل الدعاية الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث تم الربط بين المقاومة والإرهاب واتضح بعد ذلك أن الهدف من الربط يتمثل في القضاء على المقاومة أو على الأقل وقفها بتوريط بعض الدول العربية في تنسيقات أمنية مع العدو الصهيوني وقيامه بالتفاوض في نفس الوقت مع حركات المقاومة من أجل تحويلها إلى معارضة سياسية (على الطريقة الغربية المشهورة). (1)

أهم سمات الخطاب الإعلامي العربي
وبالرغم من أن الإعلام العربي يمتلك إزاء القضية الفلسطينية مقومات عديدة مثل الخطاب الإعلامي الموضوعي والإمكانات التقنية والبشرية فإنه- وباستثناء تجارب إعلامية قليلة- فإنه ينشر المواد والبرامج التي تبرز النماذج الفاسدة وتهمل في نفس الوقت التحديات التي تواجه الأمة بما يعني أن الأنماط الإعلامية السائدة تعيد إنتاج الواقع المتخلف من خلال إشاعة الانحلال والتسيب والفساد في أركان المجتمع، وهدم قيمه، ويتواكب هذا مع عدم نضوج الرؤية الإسلامية الشاملة لمفهوم الإعلام بسبب قلة الخبرة العملية وغياب التأصيل العلمي، مما أدَّى إلى حصر هذا المفهوم في بعض التجارب الصحفية، وفقدان أرضية واسعة من العمل الإعلامي في الوسائل الإعلامية الأخرى ولعل هذا يفسر قلة الاستثمار الاقتصادي في الميدان الإعلامي الإسلامي بعامة والصحفي منه بخاصة.
وفي ظل هذا الواقع نجحت الانتفاضة الفلسطينية وأعمال المقاومة في إحداث تغيير ملحوظ في الخطاب الإعلامي العربي ولا سيما وسائل الإعلام الحكومية التي حاولت مجاراة فضائيات مثل (الجزيرة) و(المنار) و(أبو ظبي) من خلال بثِّ البرامج الحوارية والوثائقية عن المقاومة، واستضافة ممثلين عن التيارين القومي والإسلامي، وهو ما أعاد التوازن إلى هذا الخطاب الذي كاد ينزلق إلى اتهام المقاومة بالمسئولية عن تدهور الوضع الإقليمي.
ورغم هذا التناقض فهناك العديد من الإيجابيات التي اتسمت بها وسائل الإعلام العربية أثناء الانتفاضة ومنها:
1- التحرر من التبعية للإعلام الغربي، والوقوف في صف قضايا الأمة والدفاع عنها. (2)
2- عدم تغييب الحس الإعلامي عن الطرح في برامج الحوارات والمقابلات.
3- تغيير المصطلحات من الإرهاب والعمليات الانتحارية إلى الحديث عن المقاومة كحركة تحرر وطني وتحميل حكومة الكيان الصهيوني المسئولية عن اشتعال الوضع الإقليمي.
4- نقل التظاهرات المؤيدة للانتفاضة ...والأخ
بالتالي على القائم بالاتصال أن يتمتع بسمات خاصة أهمها أن يكون القائم بالاتصال في الإعلام العربي مدركًا لمضمون الرسالة الإعلامية وحججها، والدعايات المضادة وحججها، بالإضافة إلى الأحداث والظروف الفكرية المعاصرة الفكرية وأن يتسم الداعي بالصدق، وأن يدرك الصور النمطية، والمعروف عنها أنها شكل من أشكال الرموز الذي يرتبط بتبسيط القضايا بشكل قد يخل بها حتى يمكن له أن يواجهها بالشكل المناسب والأسلوب المناسب، فالصورة النمطية للإسلام لدى الغربي مشوهة وغير صحيحة وكذلك للعرب، وهو يخلط بين العروبة والإسلام، كما عليه أن يراعي اللغة المتعلقة بالمستقبلين، فلكل لغة خصائص معينة، وأن هناك علاقات مشتركة بين المجموعات اللغوية المشتركة، وبالتالي فهي عامل يؤثر بدرجة كبيرة على الرأي العام، لا سيما إذا أمكن استخدام اللغة بنجاح عند الاتصال بالجماهير.(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- حمدي عبدالعزيز: "التيارات السياسية والفكرية الأمريكية"، بحث غير منشور، ص 18.
2- محمد بن المختار الشنقيطي: "الحقوق المدنية في أمريكا بعد 11 سبتمبر" نقلاً عن :
aljazeera.net
3- علاء بيومي: "مسلمو الولايات المتحدة وآثار سبتمبر" نقلاً عن: http://www.aljazeera.net/
فإذا أخذنا مدخلات العملية الإعلامية وهي الكوادر الإعلامية والتكنولوجيا والخطاب الإعلامي، نجد أن الإعلام العربي جميعه في موقع التبعية بالنسبة للغرب المتطور، فجزء مهم من الكوادر الإعلامية العربية تتلقى تعليماً وخبرات غربية، أما الاعتماد على التكنولوجيا الغربية فيعتبر أوضح أشكال التبعية وأكثرها مباشرة، أما الخطاب الإعلامي العربي فلا يعدو في كثير من الأحيان ترجمة للمفاهيم الفكرية والثقافية والسياسية التي يبتكرها العرب ويسوقها على نطاق واسع. ويكفي للدلالة على ذلك تحليل بعض النصوص الإعلامية العربية حتى نجد أكثرها مترجم عن الإنكليزية (مثل الفوضى البناءة، عملية السلام، القانون الدولي......الخ)، أما إذا شئنا الحديث عن المصادر، فرغم انخفاض تبعية الإعلام العربي في هذا المجال بسبب ظهور الفضائيات العربية التي أخذت تعتمد أكثر على مراسليها في موقع الحدث، مع ذلك ظلت وكالات الأنباء العالمية الخمس الكبرى تسيطر على جزء مهم من حجم مصادر المعلومات، وليس بينها وكالة أنباء عربية واحدة، وإذا اعتبرنا التقليد احد مظاهر التبعية فيكفي أن نقوم بجولة على الفضائيات العربية لنعرف حجم ارتباط الإعلام العربي بنظيره الغربي، إذ لا يوجد برنامج على الفضائيات إلا وله أصل في الإعلام الغربي بدءاً بالبرامج الحوارية إلى نشرات الأخبار إلى برامج التسلية إلى غيرها من المواد الإعلامية،.... وبشكل عام يمكن تقسيم التبعية الإعلامية في العالم العربي إلى قسمين: التبعية للداخل (للسلطة السياسية) والتبعية للخارج.
التبعية للداخل:
يتعرض الإعلام العربي إلى الكثير من النقد في هذا المجال، أغلبه محق، مثل تجاهله قضايا ذات حساسية معينة، أو غلبة الخطابات على البرامج الحوارية التلفزيونية، وغلبة الخطابات الإنشائية على مقالات الصحف أو تجاهلها لنقل أخبار داخلية حساسة... الخ. وهناك نقد لأولويات هذا الإعلام، التي تُعطي المساحة الرئيسة والواسعة للقضايا الهامشية من بين القضايا الملحة، في الوقت الذي تُترك القضايا الجدية والجوهرية والحاسمة في الهامش أو تحجب في الظلام، وهذا في نهاية المطاف يشكل نوعاً من أنواع التبعية للسلطة السياسية.
لقد دفع واقع الإعلام الرسمي العربي المواطن العربي إلى أن يثق بكل وسائل الإعلام الأخرى، سوى وسائل إعلام بلده، التي يعتبرها أغلب المواطنين العرب وسائل إعلام مهمتها الترويج للسلطة السياسية وخدمة أغراضها.
التبعية للخارج:
فإن الانقلاب العاصف لتقنيات الاتصال وانفجار القنبلة التلفزيونية الدولية ومحاولة الدول الصناعية الكبرى، المالكة لتقنيات الاتصالات فائقة التطور، إيصال البث التلفزيوني من الأقمار الصناعية مباشرة إلى البيوت - في جميع أنحاء العالم - دون الحاجة إلى المحطات الأرضية في ثلاث قارات متباعدة منذ أواخر القرن الماضي، أدى إلى عولمة الفضاء الإعلامي... بعد أن استطاعت احتكارات النشر الإعلامي، عولمة الصحف والإذاعات حتى منتصف القرن الماضي، فقد أنشأت الدول الكبرى المالكة للأقمار الصناعية ثلاثة مشاريع عملاقة في ثلاث قارات متباعدة لعولمة البث التلفزيوني من خلال إنشاء اليابان للنظام الدولي الأول للاتصالات المرئية ذي البث التلفزيوني المبتكر ومتعدد الاتجاهات. والمشروع التجاري الأمريكي الذي تطمح الشركات التجارية العابرة للقارات إلى إيصال إعلاناتها التجارية إلى مناطق واسعة من العالم من أجل اقتناص المستهلكين ولتصريف بضائعها ومن ثم إمطار بلدان العالم الثالث بالبرامج التي تهدد خصوصيات الأفراد والاستقلال الثقافي للدول.
و هكذا فتحت ثورة الاتصالات صدرها الرحب ممهدة لقرن يسود فيه فراغ دولي برزت على أنقاضه هيمنة فكرية وسياسية واقتصادية, في توسع متزايد للفجوة التكنولوجية والمعرفية بين الشمال والجنوب. ولعل المتابع للفضاء السمعي-البصري الدولي سيستنتج أن الأفلام الهوليودية تغزو العالم - وخاصة العالم العربي لأنها تظهر العنف والجنس. ونجاحها في إخضاع المتفرج العربي يرجع بالأساس إلى ذاك الفراغ الإعلامي على المستوى الداخلي. فالمشاهد العربي الذي يفر من إعلام تقليدي على درجات عليا من الميوعة وتكرار المادة الإعلامية، يتلقفه النظام الإعلامي الجديد الذي يخفي تحت اسم الحرية والديمقراطية أهدافاً خبيثة تسعى إلى تغيير المفاهيم والقيم الاجتماعية للبلدان الأخرى، وعلى هذا الأساس أقيمت فضائية " الحرة " وقبلها إذاعة " سوا " حاملتين في جعبتهما خطاباً إمبريالياً حاولتا وتحاولان من خلاله حذف قاموسنا السياسي والإتيان بآخر، فراحتا تسميان الاحتلال الأمريكي في العراق بـ" التحرير ", والمقاومة بـ" الإرهاب ", وما إلى ذلك من اتهامات فارغة.(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- د. مروان قبلان "الإعلام بين المهنية والتبعية" نص مداخلة تم الحصول عليها من موقع الكتروني
نحن هنا لا ننكر أن الإعلام العربي لم يحقق أي قفزة لا بل حقق قفزة كبيرة جداً على جميع الصعد، سواء كانت التقنية أو حتى المهنية، فقد توفر عدد كبير من الإعلاميين المهنيين القادرين على المنافسة مع الإعلام الأجنبي، لكن يبقى أن الإعلام لا يستطيع لوحده فقط أن يقوم بالدور المطلوب منه، لأنه لا يزال محاطاً بتحديات كثيرة، وربما نلاحظ الآن ما يحصل للإعلاميين والمؤسسات الإعلامية من ضغوط، لكن نستطيع القول بأن الإعلام العربي يحقق إنجازات على مستوى كبير، لكن ينقصه في المقابل التنسيق بين المؤسسات الإعلامية ووجود مرجعية تقوم بتوحيد جهود هذه المؤسسات الإعلامية ليتم الاستفادة منها في دعم القضايا العربية المختلفة، كما أن الإعلام العربي ليس وحده في الساحة، بل هو محاط بإعلام أكبر منه تقنياً ومهنياً، ويخضع لمرجعيات وسياسات واستراتيجيات أكبر من حجم الإعلام العربي، وبالتالي يجب على الإعلام العربي أن يكون في مستوى التحدي، بحيث يستطيع أن يبحث عن الحقيقة ويظهرها للمواطن العربي في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى في الفنون والآداب، إذ يجب أن تظهر الأشياء الحقيقة في مجتمعاتنا وفي ثقافاتنا من وجهة نظرنا كعرب، وليس من وجهة نظر مؤسسات إعلامية قد لا تكون تتجه للحقيقة بقدر ما يكون لها من بعض السياسات والتوجهات التي تخضع لها.
الإعلام العربي الآن يمثل عدة اتجاهات وليس فقط اتجاهات دينية، ودعونا نكون الآن منطقيين أكثر، فنحن لدينا إعلام إخباري سياسي موجه للشأن السياسي، ولدينا إعلام ترفيهي يصل إلى آخر حدود الليبرالية، وبجواره إعلام آخر يتخذ الاتجاه المعاكس له حتى آخر اليمين، ولا يوجد إعلام يمثل تياراً وسطياً يراعي القيم والتقاليد والمبادئ، بغض النظر عن الاختلاف حولها، وللأسف الشديد أن الإعلام العربي متنوع الأطياف ويخضع فعلاً لسياسات، ولهذا نحن نحتاج إلى مرجعية عربية تشريعية، وهذه المرجعية لا نتحدث عنها من ناحية عقائدية أو فلسفية أو أيديولوجية، إنما هي مرجعية تشريعية توحد الرؤية العربية، أضف إلى ذلك أننا لو نظرنا للإعلاميين العرب نجد منهم من يخضعون للابتزاز والتعذيب، فهناك إعلاميون قد يتعرضون من قبل مؤسساتهم لضغوط، والإعلامي المحترم صاحب المبادئ والقيم والمعرفة يعاني على خلاف غيره ممن أمثلهم بالمرتزقة إن وضعوه في برنامج ترفيهي فهو كذلك وإن وضعوه في برنامج اقتصادي فهو كذلك.
فعملية التنميط الثقافية تتم عبر شتى وسائل السيطرة التقنية والمعلوماتية والاتصالات، ولاسيما استعمال الأقمار الصناعية، ولا شك أن أخطر مظاهر التنميط وسيلتا هو شيوع ثقافة الصورة بديلا عن ثقافة الكلمات، وانتشار الكتاب الإلكتروني (أقراصcd.rom) مما يضع جمهور الأطفال والناشئة أمام الاستبداد التقني الذي يقلل الخيال والإبداع جراء ذلك، ناهيك عن سرقة الوقت... والمشاعر والأفكار ووضع هذا الجمهور في حالة عطالة ذهنية وثقافية أمام منتجات التنميط الثقافي وقوتها الهائلة.(1)
وبهذا الشكل يسهل على الاحتلال الثقافي أن يرسي جذوره وأن يوسع مقامه داخل الثقافات المحتلة بعدما يكون قد تخلص من كل ما له صلة قريبة أو بعيدة من الثقافة المحتلة.
فبرؤية بسيطة لمجال الإعلام على سبيل المثال لا الحصر نجد الإحصاءات أيضا واضحة وفاضحة، بحيث تسيطر دول الشمال على 95 في المائة من وسائل الإعلام العالمي مقابل خمسة في المائة لدول الجنوب، فألا تدل هذه المعدلات على مدى السيطرة الغربية على مجال الاتصال بكافة أنواعه، من القنوات الفضائية ومن الأقمار الصناعية ومن الصحف والمجلات والإذاعات والكتب، بالإضافة إلى وكالات الأخبار التي تسيطر على جل مصادر الخبر، وبالتالي قدرتها على تسريب ما يحلو لها من الأفكار والبرمجيات والثقافات التي تخدم مصالحها وتذكي علوها وهيمنتها على حساب خصوصيات الآخر وثقافته وحضارته.
وبلا شك أن مختلف الوسائل الإعلامية هدفها الربح المادي بالدرجة الأولى.. كيف يمكن السيطرة على هذه المسألة من دون انزلاق مهني؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- د عبد الرحمن الرشدان: "دور التربية في مواجهة تحديات العولمة في الوطن العربي" مجلة شؤون عربية العدد 113 خريف 2003، ص 84 .
ولتفادي ذلك يجب أن يكون هناك مرجعية تشريعية، هذه المرجعية من شأنها أن تحدد العقوبات وتبحث عن حقوق الأفراد، كذلك المؤسسات بموضوعية، أما الاحتكار لنتيجة وجود الثروات والأموال والصلاحيات والسلطات فهذا سيؤثر على المدى البعيد، لأنه سوف يؤجج الصراعات والخلافات، وفي كل ذلك تبقى مسؤولية الإعلام ليست مسؤولية محطة أو صحيفة أو راديو، بل هي مسؤولية مجتمع كامل، وعندما يعطى تصريح لفتح قناة تلفزيونية مثلاً، فإنه يجب أن تخضع لمعايير وشروط، ومتى خالفت أو تجاوزت هذه المعايير والشروط يمكن أن تتعرض لعقوبات وللإقفال أيضاً، لا أن تكون الأمور متروكة كما نراها الآن بعشوائية كبيرة جداً، وكل من يمتلك مالا أصبح بإمكانه فتح قناة من دون وجود هدف ورؤية، وأكثر ما يهم المواطن العربي الآن في الوقت الحالي هو المحافظة على أمنه واستقراره وكرامته، إلا أنه مهدد في كل ذلك، فهو يشعر في الناحية النفسية بالإيلام وبالدونية والانهزام وهذا النوع الإعلامي الموجود بدون وعي يؤجج هذا الشعور.
إن ما نراه الآن هو بث لبرامج تلفزيونية تطعن في تقاليدنا العربية ومبادئنا وأمننا وأفكارنا، ونحن كأمة أصبحنا من خلالها لا نستطيع أن ننتج أو ندافع عن أوطاننا أو نبدع أو ننافس، وهذا غير صحيح، وبصراحة شديدة هناك تبعية في الإعلام العربي ولا توجد به استقلالية، إذ معظم الأفلام والبرامج التي نراها ونسمعها الآن هي مستوردة ومكررة عن الآخر، بل أن برنامجا تلفزيونيا قد تجدينه مكرراً في خمس أو ست محطات تلفزيونية، وقد استسهلوا الفيديو الكليب والمسابقات الغنائية وكأننا لا نملك سوى ذلك.(1)
وأصبحت هذه البرامج الترفيهية مثل الطبخات والأكلات السريعة، كل ذلك في ظل عدم وجود أي محاولة لكي نبدع ونطلق الأفكار الجديدة، فإعلامنا يأخذ فقط بما يلبي الشهوات والغرائز دون محاولة لتعزيز الفكر والانتماء العربي وحقوقه وكرامته.
الإعلام العالمي محور من محاور اللقاء الذي أعدته مؤسسة الفكر العربي خلال المؤتمر، ونحن نجد أن كثيرين يتحاملون على الإعلام العالمي أو الغربي ويصفون موقفه بأنه ضد الإسلام والعرب.. فهل أنصف في نظرته لمنطقة الشرق الأوسط من وجهة نظرك؟ ـ (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، أعتقد أن نظرتنا المتشائمة عن الإعلام غير العربي ينبغي أن تكون مبنية على حقائق، والحقيقة الأولى أن هذه الدول لها مصالح وسياسات وتوجهات، وبالتالي فإن الإعلام الصادر منها يخدم هذه المصالح، والسؤال الذي يجب أن يطرح هو: لماذا لا يكون الإعلام العربي بمستوى إبراز الحقيقة التي لا يبرزها الإعلام غير العربي وفقاً لمصالحه؟، هذا إذا كنا فعلاً حريصين. فأين الإعلام الذي يبرز مصالحنا ويتلمس واقع الإنسان العربي وحاجاته ويحرص على وحدته، فما نراه هو إعلام يؤجج الخلافات والصراعات في البحث عنها، لا إعلاماً يعالج قضايانا، كما أن كل الوسائل الإعلامية الآن لكي تكسب جمهورها تتجه إما لنداء الشهوات والغرائز أو تتجه للإثارة وللمغالطات، وبالتالي عندما ننظر للإعلام الغربي فإن الإعلام الغربي يقوم بواجبه تجاه مصالحه، على عكسنا. وأستغرب إلى متى سنظل نتّهم الغرب ونعلق أخطاءنا عليهم، من دون أن نرى ما نفعله في حق أنفسنا كعرب. اعتقد أن التهمة الكبيرة ليست تلك الموجهة للإعلام الغربي، إنما هي تلك الموجهة للإعلام العربي وللمؤسسات الإعلامية التي ينبغي أن تعمل على إبراز الحقيقة وحينها سيقف الإعلام الغربي موقف المحايد، لأنه لا يستطيع أن ينافس ابن الواقع. (2)
نخلص من ذلك إلى أن أزمة حرية الصحافة في الوطن العربي لا تنفصل عن أزمة الديمقراطية حيث تسود الأنظمة السلطوية التي تضع كل السلطات في يد رئيس الدولة سواء كان ملكاً أو رئيساً أو سلطاناً أو أميراً وفي غياب التنظيمات السياسية الشعبية والديمقراطية وفي إطار عدم التوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والديمقراطية وفي إطار عدم التوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تحولت معظم الصحف العربية إلى أجهزة حكومية مهمتها الدعاية لأنظمة الحكم وتعبئة الجماهير وحشدها لتأييد سياساتها وممارساتها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الأمين العام المساعد في مؤسسة الفكر العربي: "إعلامنا يستورد فقط ما يلبي الشهوات".
2- علي موسى لـ الشرق الأوسط: "الإعلام العربي بحاجة لمرجعية تشريعية"، الأحد 03 ذو القعـدة 1426 هـ 4 ديسمبر 2005 العدد 9868
ورغم ما شهدته بعض الدول العربية من تحول إلى نظام التعددية السياسية والصحفية إلا أن الأنظمة الصحفية في تلك الدول لم تتحرر حتى الآن من تراث النظرية السلطوية حيث تهيمن الحكومة على الصحف المركزية الرسمية وتمارس أشكالاً مختلفة من التنظيم والسيطرة مثل التحكم في تراخيص إصدار الصحف وتعيين رؤساء التحرير وتوجيه السياسات التحريرية والتحكم في تدفق المعلومات والإعلانات علاوة على القيود القانونية التي تجيز مراقبة الصحف ومصادرتها وتعطيلها وحبس الصحفيين إذا تجاوز حق النقد الحدود المرسومة له .
وإن كان من الطبيعي أن تسود أنظمة صحفية سلطوية في تلك الدول ذات أنظمة الحكم الوراثية والأوتوقراطية فإنه من غير المقبول أن تستمر المفاهيم الصحفية السلطوية في تلك الدول التي تأخذ بتعدد الحزبي وتتبنى المفاهيم الصحفية الليبرالية.(1)
فالغرب مارس من خلال مؤسساته الإعلامية الكبرى شتى مظاهر الظلم للاستحواذ على موارد وأراضي المسلمين حيث نهب الحديد و النحاس الموريتاني وامتص المستعمر النفط و الغاز الجزائري وسلب الأراضي الزراعية في المغرب وتونس و السودان وتاجر بالخشب الاندونيسي و القطن التركي و السجاد الإيراني واستحوذ على مزارع أفغانستان وأذربيجان واستعبد السنغاليين و الماليين و الغينيين و النيجريين و احتل المواقع الإستراتيجية في مصر وليبيا و الصومال و الخليج و استطاع إقناع بعض أبناء المسلمين بشراكة غير متكافئة يبرر بها بسط نفوذه على الحرث و النسل كالاتفاق الذي تم مع الملك نصر الدين، شاه ملك إيران في 25 يوليو 1872 و الذي تم بموجبه الاستحواذ على مصادر الثروة الإيرانية من قبل الإمبراطورية لبريطانية.

يريد الغرب عموما وأمريكا بشكل خاص أن يلعب الإعلام والاتصال دورا مزدوجا، عندما يصبح قادرا على أن يحل محل الجيوش المدججة بالسلاح، ويتغلغل في أعماق العالم الإسلامي، ويحاول إعادة صياغة الشخصية الإسلامية وفقا للشروط المرجعية الغربية أي يصبح الفرد المسلم " متبتلا في محراب البيت الأبيض" وليس" عابدا في كنف البيت الحرام ".هذا ما يراد من الإعلام الغربي أن يقوم به في المنطقة العربية و الإسلامية، أما الدور الثاني فهو أن يصبح مصدر دخل ثابت يدر المال الكثير على خزائن ومصارف أمريكا وهذا ما أصبح ممكنا وجائزا بعد توسع قطاع المعلومات على مستوى العالم الغربي حيث شكل رافدا من روافد الدخل القومي وزاد عدد المنشغلين جراء ذلك في ميدان المعلومات ووسائل الاتصال و الإعلام و الخدمات المتصلة به.
ربما يكون المدخل المنطقي لهذه المسألة محل التساؤل هو ضرورة فهم واقع المجتمعات المسلمة حتى يتمكن من ينشد الإصلاح من أبناء العالم الإسلامي من تغيير هذا الواقع، ويقدم الإعلام نفسه كمترشح موفور الحظ لمواجهة التحديات المنجرة عن مسلكيات تمثل الآخر في الشأن الثقافي والإعلامي، هذا التمثل الذي تكرس مع مرور الوقت و أصبح ممارسة اعتيادية بعد أن الفته النخب وتقبلته الجماهير على مضض وحافظ الغرب على تكريسه منذ الحملة الاستعمارية في القرن التاسع عشر التي واكبها إنشاء مؤسسات إعلامية مضللة مثل وكالة أنباء رويتر « البريطانية» ووكالة الأنباء الفرنسية، و الوكالتان الأمريكيتان( يونيتدبرس- اسوشيتدبرس)،
ولكي يكون الإعلام في البلاد الإسلامية قادرا على التأثير يلزم قيام شراكة إعلامية في البلاد الإسلامية قادرة على الـتأثير يلزم قيام شراكة إعلامية بين الأقطار الإسلامية من أجل استغلا أمثل للحرية الإعلامية في العالم، ومن أجل أن يصبح المواطن في البلدان الإسلامية على اطلاع جيد بكل خبايا ومعلومات العالم الإسلامي، و الحد من تدفق تفاصيل المعلومات عن الغرب لأنها لا تفيد المواطن المسلم في حياته اليومية. ليس من المستساغ أن يجهل بعضنا البعض الآخر، أو تتكون لديه صورة كاذبة عنه من خلال الإعلام الغربي الذي يشكل اليوم المصدر الرئيسي للمعلومات فا لأمة الإسلامية لاتعرف أخبار بعضها إلا عن طريق الإعلام المعادي، وتلعب تكنولوجيا الإعلام والاتصال دورا محوريا في التنمية الإعلامية، لذا ينبغي الأخذ بأسباب التكنولوجيا (الأقمار الصناعية، الإذاعات التلفزيون ، الأفلام السينمائية، و الصحف و المجلات ....)، فهذه الوسائل تلعب دورا أساسيا في زيادة السيادة الإعلامية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الدكتور محمد سعيد إبراهيم: "حرية الصحافة" ، ص 68
النموذج الإعلامي الإسرائيلي :
إسرائيل توظف وسائل الإعلام لتجهيل الشعوب الغربية وتضليلها!!
في إسرائيل، حيث يعيش المراسل الصحفي في سماء صحفية، فالحكومة الإسرائيلية تدير آلة دعاية ضخمة بكفاءة كبيرة، وهذه الآلة تغرق المراسلين الصحفيين بالمعلومات بشكل مستمر، وتقدم لهم الأخبار التي تتم صياغتها بكفاءة طبقا لاحتياجاتهم، أيضاً توفر إسرائيل للمراسلين الأجانب قائمة طويلة من المتحدثين الإسرائيليين في كل المجالات، والذين تتنوع اختصاصاتهم، وتشمل هذه القوائم الكثير من الأسماء من الأكاديميين حتى المواطنين العاديين، بحيث يستطيع المراسل أن يختار من يشاء من هؤلاء المتحدثين، وتقوم إسرائيل بتيسير عمل المراسلين للقاء المصادر والحديث معهم، كما توفر إسرائيل متحدثين يمكن أن يتحدثوا بلغاتهم، فيوجد متحدثون بأكثر من 40 لغة بحيث يجد المراسل دائما من يتحدث معه بلغته، ويمده بالمعلومات.
هؤلاء المتحدثون تم إعدادهم وزيادة قدراتهم للحديث بما يتناسب مع احتياجات المحطة التلفزيونية والصحف.
المراسل في إسرائيل يستطيع أن يجد دائما متحدثين مستعدين للحديث بلغة المراسل، وبما يتناسب مع احتياجاته، وبكفاءة شديدة، والحكومة توفر له كل الإمكانيات للوصول للمصادر والمتحدثين.
فإذا أراد المراسل من يتحدث باللغة الهولندية فإن إسرائيل توفر له هذا المتحدث الذي يكون مقيما في الضفة الغربية، وفقد زوجته في اعتداء إرهابي، وهو يتحدث كخبير.. لا توجد هنا مشكلة بالنسبة لأي مراسل.. إنه يستطيع أن يجد من يشاء من المتحدثين، وأرقام هواتفهم متاحة، وهم مستعدون دائما للحديث، ويتطوعون للتدخل في البرامج و التغطية الإخبارية.
اجلس في مقعدك!
يستطيع كل مراسل أجنبي في إسرائيل أن يجلس في مقعده المريح، وتأتي له الأخبار التي تمت صياغتها بكفاءة، ويمكن أن يحصل على ما يشاء من معلومات، ويأتي له من يريد من المتحدثين الذين يتحدثون بلغته بكفاءة، ويتحدث بشكل إنساني مشوق، ويعرض قصة إنسانية تتفق مع احتياجات الوسيلة الإعلامية والجمهور الغربي.
آلة العلاقات العامة الإسرائيلية تقوم بهذا العمل، وتحقق للمراسل الصحفي أكثر مما يحلم به، فبعد أي عملية استشهادية تأخذ العلاقات العامة المراسلين إلى بيوت اسر الضحايا، كما يمكن أن تأخذهم إلى بيت الاستشهادي، مع توجيه المراسلين للتأكيد على رغبة العرب الدائمة في قتل اليهود.
لذلك لا أحد يقدم الرؤية العربية، ولا يحاول أن يعرف مشاعر العرب الذين تحتل إسرائيل أرضهم، ولا يسمح لهم أحد بأن يرووا قصتهم.
التبعية الغربية لإسرائيل
يوضح لونديك كيف أن وسائل الإعلام الغربية أصبحت تابعة لآلة الدعاية الإسرائيلية التي تغذي هذه الوسائل بالمعلومات والقصص والمتحدثين، وهكذا أصبحت وسائل الإعلام الغربية وكالة تبرير لعملية قمع الشعب الفلسطيني التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي بشكل مستمر، حيث يتم تصوير العرب دائما بأنهم معتدون، وأن الجيش الإسرائيلي يقوم بعملية رد أو انتقام من المعتدين، وبذلك تحصل إسرائيل على تأييد عالمي واسع لجرائمها، وعدوانها على الشعب الفلسطيني.
إسرائيل توظف الإعلام لخدمة أجندتها:
فقد قتل جنديان إسرائيليان في رام الله في أكتوبر 2000، وقد استغل أيهود باراك هذا الحادث لتعبئة الشعب الإسرائيلي في الداخل، والحصول على الدعم العالمي لقيامه بقمع الانتفاضة، حيث تم تصوير الحادث على أن اثنين من الإسرائيليين الأبرياء قد تم قتلهما، وأن جثتيهما قد ألقيتا من نافذة في رام الله، وتم عرض الصور في كثير من محطات التلفزيون الغربية باعتبارها عملية اعتداء من الفلسطينيين على مواطنين إسرائيليين أبرياء.
لم يستمع أحد في الغرب للجانب الفلسطيني، ولم يحاول أحد من المراسلين أن يحصل على الرواية الفلسطينية للحادث، وهي أن الجنديين قد دخلا رام الله خلال جنازة طفل فلسطيني وجد مقتولا في مستوطنة إسرائيلية، كما أن الجنديين قد دخلا الجنازة بهدف قتل المزيد من الفلسطينيين. تلك قصة مختلفة تماما عما عرضته المحطات التلفزيونية والصحف الغربية التي اكتفت بعرض الرواية الإسرائيلية للحادث، وتصوير الفلسطينيين بأنهم معتدون، واستخدام الحادث لتبرير القمع الوحشي للانتفاضة الفلسطينية.
إن تصوير الحادث بأن الفلسطينيين يقتلون اليهود الأبرياء، وأن ذلك يشكل هولوكوست جديدة يوضح كيف أن وسائل الإعلام الغربية قد أصبحت تابعة لآلة الدعاية الإسرائيلية ووكالة تبرير لجريمة إبادة الشعب الفلسطيني التي تقوم بها إسرائيل بتأييد الدول الغربية.
لقد حاصرت إسرائيل المراسلين الأجانب في فندق الملك داود في القدس، واستخدمتهم لتشكيل معرفة الشعوب الغربية عن الأحداث طبقا لأهدافها وفرضت الجهل والسذاجة والسطحية على مستهلك الأخبار الغربي، واستخدمت وسائل الإعلام لتضليل الشعوب الغربية... ولكن يبقى السؤال الذي يثير الحزن: أين نحن العرب.. ولماذا نحن ضعفاء ومتخلفون إعلاميا؟!
وبهذه المثال البسيط علينا نزيد من جهودنا في سبيل الارتقاء بوسائلنا الإعلامية حتى نحقق الملامسة والمقاربة المطلوبة الكفيلة بصناعة إعلام هادف ناجح، وعندها فقط يحق لنا أن نفخر بإعلام ننسبه إلينا فيحسب لنا لا علينا. لقد كرس أولئك الجاثمون على أجهزة الاستقبال والإرسال في إعلامنا –وما يزالون- في أذهان شبابنا إننا شعب هامشي فإذا ما وردت كلمات مثل العالمية أو العالمي تنامت إلى عقولهم دول أوروبا أو أمريكا بالذات وتناسوا الرقعة الجغرافية التي تضمهم وسط أقدم قارات العالم وأعرقها تاريخا وحضارة في آسيا وإفريقيا.
بسهولة غير محتملة يقع الإعلام العربي فريسة أية دعاية إسرائيلية مهما كانت شفافة، وهنا يقول الدكتور عزمي بشارة" فبمجرد أن تنشر "يديعوت أحرونوت" أو "معاريف" أو "هآرتس" أو غيرها خبراً، فإن ذلك يعتبر سبباً كافياً كي ينتشر عربياً مثل النار في الهشيم.

جونستون يكفي للحكم على إعلامنا:
في المقابل لقد غدا جونستون على مدى الأشهر الماضية أشهر من نار على علم بعد أن تصدّر المؤتمرات الصحفية وعناوين الأخبار في الصحف والفضائيات العربية بمناسبة ومن دون مناسبة، مع العلم أنه ليس من صحفيي الصف الأول في الإعلام البريطاني . مع ذلك فقد جعل منه إعلامنا العربي "الإنساني" لناس وناس "سوبر ستار" يُمد له السجاد الأحمر، ويتسابق القادة الفلسطينيون على التقاط الصور مع "فخامته" وهم يبتسمون للكاميرات ابتسامات أعرض من أوتستراد لندن - مانشتسر، لا لشيء إلا لأنه صحفي "خواجه" تجري في عروقه دماء غير عربية.
لا أدري لماذا تصبح وسائل إعلامنا وقياداتنا السياسية "إنسانية وحضارية" للغاية عندما يتعلق الأمر بإنقاذ مُختـَطف غربي، فتعلن فضائياتنا ومجلاتنا وصحفنا وإذاعاتنا التعبئة الإعلامية العامة ليصبح خبر الاختطاف عنواناً رئيسياً في نشراتنا الإخبارية يتقدم على استشهاد أكثر من مائة عراقي وجرح عشرات الفلسطينيين وإبادة مئات الصوماليين، كما لو أنه "سوبرمان" ونحن مجرد حشرات جديرة فقط بالمبيدات والغوانتاناموات الأمريكية والإسرائيلية التي تحتجز ألوف من الأسرى الفلسطينيين في زنازينها الفاشية، ولا أحد ينادي بتحريرهم بنفس الحماسة التي رافقت تحرير جونستون
لقد بدا رئيس الوزراء الفلسطيني السابق إسماعيل هنية وكأنه أنجز أكبر مشروع في حياته وهو في حضرة الصحفي البريطاني على مائدة الفطور. لا أدري كيف أصبح الرأي العام العالمي أو الغربي يهم حركة حماس فجأة؟ ففي السابق كان قياديو الحركة يسخرون من الرأي العام العالمي، ولا يعيرونه أي اهتمام بدعوى أنه لا يقدم ولا يؤخر، فلماذا غدا مهماً لهم على حين غرة؟ آه كم بدا هنية وعباس صغيرين وهما يتملقان للصحفي البريطاني أمام الكاميرات..!(1)

حلول شمولية:
إن الحكومات مطالبة بدور جدي في مسألة التبعية الإعلامية لأنها طرف رئيس، وإن عدم مسارعتها للعب دور إيجابي سينعكس سلباً بالتأكيد على مصالحها فيما بعد، فنحن بحاجة ماسة إلى استثمار المال العربي في بناء منظومة إعلامية متكاملة تنطق باللسان العربي المبين خارج إطار اللهجات المحلية التي كان تأسيسها في الإعلام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- د. صلاح عودة الله: "قضايا عربية" مرجع سابق.
كما يعد أحد أهم وسائل إنهاء شخصية الأمة وإقصاء الهوية القومية العربية المجتمعة حول اللغة الجامعة بين أبنائها وتاريخها وحضاراتها، لذلك لابد من رفد الإعلام المقاوم بمنابر إعلامية من خلال صحف قومية ومحطات إذاعية وتلفزة الفضائيات.. ورفد هذا الإعلام بأقلام قومية مخلصة تنظف وتكتسح الأقلام المستوردة والمدربة في
الغرب على البث الدعائي ضد الأمة العربية وشخصيتها القومية.. وهنا يبرز دور أصحاب الأموال من تجارٍ وغيره، ويبرز دور الإعلاميين والمثقفين وعلماء الدين، ودور الأسرة والمدرسة والمجتمع المدني بكل فئاته ومؤسساته.
ونظرا لأهمية الإعلام ودوره في المرحلة الراهنة يجب تعاون العرب في هذا المجال وتحديد أولويات العمل الإعلامي وتحديد منظور عربي مشترك من جميع القضايا منها:
- يجب تفعيل التعاون الإعلامي العربي في مجال استغلال المعلومات العلمية والتكنولوجية المتاحة لوسائل الإعلام وتشجيع سياسة المشاركة في الموارد والمعلومات
- يجب تطوير اللغة الإعلامية المستخدمة بلغة جديدة سهلة سلسة مفهومة تمييز بين المشاهدين وأعمارهم
- يجب توسيع مجالات الإعلام ليخاطب العرب في بلدان الاغتراب برسالة مفهومة تشدهم آلي بلدانهم ويتبنوا قضاياها بدلا من ترك المغتربين لايد عابثة
- أعداد مسوح ميدانية ودراسات علمية وبحوث جادة قبل بناء البرامج والسياسات الإعلامية
- كسر احتكار وسائل الإعلام بكل إشكالها
- إخراج وجود الوكالة العربية للأنباء والهيئة التلفزيونية العربية التي اقترحناها في متن البحث
- إصدار صحف يومية عربية لاتقل عن ثلاث صحف الأولى بالانكليزية والثانية بالفرنسية والثالثة بالاسبانية وتوزيعها في العالم وبلاد الاغتراب
- إعداد دراسات عن صورة العرب في العالم والعمل لمحو الصور السوداء والسيئة(1)
أخيراً : إن دور الدولة الوطنية وتحكمها في الإعلام وكل تبعاته قد تلاشى تماماً في بيئة لا نملك فيها أبسط آليات الصد والدفاع عن قيمنا ومعتقداتنا في الوقت الذي يزدادا فيه "الآخر القوي" قوة أمام عدم تواجد تخطيط إعلامي جدي في وطننا العربي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- ورقة عمل "مؤتمر الإعلاميات العربيات 2002" مرجع سابق

خاتمة/
إننا نمر في مرحلة صعبة جداً فهناك عملية منهجية لتغيير قناعاتنا وأولوياتنا وثقافاتنا عبر عملية ضخ لا تتوقف فنحن العرب نمتلك من قنوات الأغاني والترفيه ما يفوق عدد مثيلاتها في أوربا مجتمعة وماذا تقدم هذه القنوات سوى السخافة وإلهاء الناس بأخبار ما يسمى نجوم الفن الهابط طبعاً، في وقت للأسف لا نملك إعلاماً بل نملك إعلاميين يعملون تحت إمرة جهات معينة سواء داخلية أو خارجية، وفي خضم هذه البهرجة الغربية التي تحدثنا بها سلفاً نجد معظم النخب المثقفة في بلدان العالم الثالث تتشبث بالإنجاد والأوتاد بالتجربة الغربية وبإستراتيجيتها الحداثية المبنية على منطق وحشية الرأس مال، بل تعمل على استلهامها وزرع كيانها داخل تراب أوطاننا وأراضينا وواقعنا، وبالتالي تكريس ثقافة التبعية للغرب وتسليمه مصيرنا وأوراق اعتمادنا له باعتباره الوكيل الذي يملك المفاتيح التي ستخرجنا من غيابات التخلف واللا استقرار، غافلين غير شاعرين بمسؤولية هذا الملاك الوهمي عن هذا التخلف وحالة البطالة والعطالة التي نتكبد خسائرها يوما بعد يوم، وما انغماسنا في نظمه الثقافية والاقتصادية إلا تعميق للأزمة المعاشة وتكريس لمنطق الهزيمة التي يريدها لنا الغرب.
فانصراف النخب للانبهار بالغرب والانشغال بالجدل اللفظي والحوار العقيم، بدل أداء دورها التحسيسي والتوعوي بالأخطار الحقيقية التي تصدر عنه، يجعلها نخبة عميلة ومستلبة تضر ثقافات وحضارات وقيم بلدانها أكثر مما تنفعها، وعلى هذا الأساس فإننا نستطيع استنتاج: أنه هناك سيل جارف باتجاهين من المعلومات يجري بين شمال القارة الأمريكية والقارة الأوربية دون عوائق، وهناك تدفق إعلامي باتجاه واحد، يتركز من شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها يستقبل من خلاله العالم أكثر من 90 % من المواد الإعلامية عبر لندن وباريس ونيويورك، ويظهر بوضوح عدم التوازن بإنتاج الصحف والمجلات والكتب والبرامج الإذاعية والتلفزيونية وغيرها من المواد الإعلامية، ونشرها وتوزيعها عبر الشبكات الدولية لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، ويعكس في الوقت نفسه الوضع الحقيقي للتبادل الإعلامي الدولي.
لذلك يجب الاعتراف بأننا نعيش حالة من غزو الثقافات والخصوصيات وهذا ما أكدته أطروحات غربية عديدة"كصراع الحضارات لهنغتنتون"، و"نهاية التاريخ لفوكويام" وغيرها من الأطروحات، لذلك يجب أن يكون هناك تعاون بين أبناء الأمة في أوطانها العديدة وتكاتفهم ضرورة واقعية- فضلاً عن كونها فريضة شرعية- وعصر اليوم عصر التكتلات في الميادين المختلفة وقَدَر هذه الأمة أن تعتمد- بعد الله- على وحدة مشاعرها واتحاد جهودها لبلورة صيغة عملية لتعاون إعلامي عربي وإسلامي حتى تستطيع أن تقف على قدميها وتدعم قضاياه المصيرية وفي مقدمتها المقاومة التي أدت فعالياتها إلى إحداث تغيير في الخطاب الإعلامي العربي، بحيث ساهمت في أن يكون له هوية وهدف.. فهل يرد الإعلام العربي هذا الدور الرسالي فيما يتعلق باستنهاض الأمة بتأكيد فريضة الجهاد التي يقوم بها المجاهدون العرب والمسلمين على اعتبار أنها من أهم الآليات للإقلاع من واقع الجمود والتخلف إلى واقع جديد تستأنف فيه أمتنا الرسالة الموكولة إليها لأننا بحاجة إلى إعلام حضاري ممنهج يرتكز على استراتيجيات واضحة وذات أهداف نبيلة ورسالة سامية.

مصادر ومراجع /
1- عواطف عبد الرحمن: " قضايا إعلامية معاصرة في الوطن العربي" ، القاهرة دار الفكر العربي 1997.
2- عبد الواحد مشعل: "الجهاز المرئي والتنشئة الاجتماعية في الأسرة العربية المعاصرة" مجلة البحوث الإعلامية عدد مزدوج (27 ، 28 ) السنة العاشرة ، 2004 .
3- عثمان الأخضر العربي ، ص 82 – 84 ، النظريات الإعلامية المعيارية ماذا بعد نظريات الصحافة الأربع حوليات كلية الآداب الحولية 16 ، الرسالة 112 ( الكويت مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت 1996) .
4 - عواطف عبد الرحمن: "الحق في الاتصال بين الجمهور والقائمين بالاتصال" .
5- عز الدين اللواج :" المبتسرون" نظرة في ظاهرة العنف الثقافي"، الملف الثقافي لجريدة العرب العالمية الصادرة بلندن العدد 3993 الخميس 26/8 /2004.
6- قضايا عربية الأهالي: - مجلة الرأي – "هل الإعلام العربي قادر على حماية الثقافة".
7- مجلة (وجهات نظر) العدد 53، يونيو 2003م
8- ورقة عمل حول "مؤتمر الإعلاميات العربيات 2002" نقلاً عن شبكة الانترنت.
9- حمدي عبدا لعزيز: التيارات السياسية والفكرية الأمريكية، بحث غير منشور.
10- عبد الرحمن الرشدان: "دور التربية في مواجهة تحديات العولمة في الوطن العربي" بمجلة شؤون عربية العدد 113 خريف 2003 .
11- محمد بن عبدالله العوين: مقالة بعنوان "قناة الجزيرة من المهنية العالية إلى الارتماء في أحضان التيارات السياسية والحزبية" نقلاً عن شبكة الانترنت.
12- علي موسى لـ الشرق الأوسط: الإعلام العربي بحاجة لمرجعية تشريعية الأحد 03 ذو القعـدة 1426 هـ 4 ديسمبر 2005 العدد 9868 .
13- محمد بن المختار الشنقيطي: "الحقوق المدنية في أمريكا بعد 11 سبتمبر في :
aljazeera.net"
14- علاء بيومي: "مسلمو الولايات المتحدة وآثار سبتمبر في:
http://www.aljazeera.net/"
15- مروان قبلان: "الإعلام بين المهنية والتبعية" نص مداخلة تم الحصول عليها من موقع الكتروني
16- صلاح عودة الله: "قضايا عربية" مقالة بعنوان "الإعلام العربي بين غياب الديمقراطية والتبعية الغربية"، مجلة الفوانيس، نقلاً عن شبكة الانترنت.
17- الأمين العام المساعد في مؤسسة الفكر العربي: "إعلامنا يستورد فقط ما يلبي الشهوات"
18- محمد سعيد إبراهيم: في "حرية الصحافة".
19- جمان مجلي: مقالة بعنوان "كيف نحرر صناعة الإعلام العربية من التبعية للسلطة" مؤتمر الإعلاميات العربيات الثاني، الأردن ، 2002 /10/24 نقلاً عن موقع من الانترنت.