الأحد، سبتمبر 30، 2007

عندما يصبح قتل اطفال فلسطين غاية



نيللي المصري

استهداف وقتل الطفولة الفلسطينية باتت لعبة يتقنها الإحتلال الإسرائيلي ويعزف على أوتارها موظفاَ كل طاقاته وامكانياته لكسب المعركة الوهمية التي يوهم بها نفسه بأنه نجح فيها...الاطفال الفلسطينيون أصبحو أمام اعدام حقيقي كل يوم على مرآى ومسمع العالم أجمع...طفولة برئية تقتل وتدمر وهم غارقون في شقاوتهم البرئية يمرحون مطلقون العنان لعبثهم الطفولي أن يكتشف العالم دون ان يعلموا انهم بتلك البسمة البرئية كانوا قد ازعجو هؤلاء المحتلين...فلم يكونوا على موعد مع الجحيم ولم يخطر ببالهم قط ان تقطع اجسامهم وتتناثر أشلاءا في الطرقات هنا وهناك ومن بقى منهم على قيد الحياة يعيش أبد الدهر بعاهات مستديمة دون اي ذنب يقترفه...
الطفلة "ماريا" تواجه حكما بالاعدم
"ماريا أمن" ابنة الأعوام الستة تواجه أبشع جريمة ترتكب بحق الإنسانية والطفولة،،فهي مصابة بشلل كامل في جسمها بعد تعرضها هي وعائلتها لقصف اسرائيلي في شهر أيار (مايو) 2006 استهدف تصفية أحد رجالات المقاومة الفلسطينية محمد دحدوح» فأصاب صاروخ أطلقه جيش الاحتلال الإسرائيلي السيارة التي تقلهم ، مما أدى إلى مقتل أمها، وأخيها، وجدتها وخالها، أما ماريا، فقد أصيبت بشظايا الانفجار مما حوّلها إلى طفلة مشلولة تماما عدا رأسها، ولا تزال غير قادرة على التنفس لوحدها، ومنذ ذلك الحين وماريا تقبع في كرسي متحرك في «مستشفى الين» في مدينة القدس المحتلة.
وكون الأراضي الفلسطينية تفتقر للإمكانات الطبية لعلاج الأطفال المصابين بعاهات مستديمة، ولأن كلفة هذا النوع من العلاج باهظة وتصل إلى 20 ألف دولار شهرياً، نقلت الطفلة للعلاج على حساب السلطة الفلسطينية في إسرائيل، ثم انتزع والد ماريا، حمدي، قراراً من المحكمة العليا الإسرائيلية بعد شهرين من الجريمة، يقضي بعلاج ماريا في مستشفى «الين».. على حساب إسرائيل ولم تكن حدود الجريمة البشعة تقف عند هذا الحد وانما يتواصل مسلسل الاجرام مجحفا بحقها ..فبعد سنة على تلقييها العلاج في مستشفى" الين" وتحديدا في تموز (يوليو) 2007 أصدرت وزارة "الحرب الاسرائيلية" قرارا بإبعادها إلى مؤسسة للعجزة المقعدين في رام الله، من دون توفير مكان لبقاء والدها بجانبها، مع أنّ المؤسسة غير مؤهلة للعناية بها وتفتقر إلى الأجهزة الضرورية لذلك، مما يجعل خطر وفاة الطفلة إلى مسألة وقت لا غير، طفلة برئية بعمر الزهور لازالت تحلم بأن تجاري فراشات الحديقة هائمة فرحة وان تركض هنا وهنا وتتسابق مع الزمن وتقطف الازهار وتشم عبيرها لكن الاحتلال حرمها من ابسط حقوقها كطفلة برئية حرمها من التنقل بحريتها وجعلها اسيرة العمر كله لهذا الكرسي اللعين...
الحقول الزراعية مقبرة للطفولة
ولم يتوقف مسلسل استهداف الاطفال عند "ماريا" فعائلة أبو غزالة التي تقطن شمال قطاع غزة فجعت هي أيضا بمقتل اطفالها يحيى (12 عاما) ومحمد (9 أعوام) وسارة (9 أعوام) حين مزقت قذيفة إسرائيلية أجسادهم إربا في 29 أغسطس/آب الماضي اثناء لهوهم ولعبهم في الارض الزراعية التي يملكها اباؤهم،، قذيفة دفنت أحلامهم البرئية وحولت طموحهم وحبهم للحياة الى ركام أحلام وطمست معالم البراءة،، وحيث أن المنطقة قريبة من الحدود مع الاراضي المحتلة أصبح الاطفال الهدف الأسهل للاحتلال، وكانت صحيفة نيويورك تايمز نقلت في تقريرها الصادر الاسبوع الماضي عن أحد اباء الاطفال الثلاثة قوله:" حلق منطاد إسرائيلي مزود بالكاميرات فوق سماء بيت حانون شمال غزة، وسُمع أزيز طائرة إسرائيلية في الأجواء، ثم لاحت في الأفق فرقة مراقبة إسرائلية قرب الحدود مع غزة، فربما كان المنطاد أو الطائرة الذي حدد الأطفال هدفا"، مشددا على ان المنطقة بالتحديد منطقة زراعية وكالعادة يصطحب اطفاله معه الى ارضه.
تقارير واحصائيات بقتل الاطفال
وأشار تقرير لمراكز حقوق الانسان في فلسطين إلى أن 18 طفلا فلسطينيا في قطاع غزة تحت سن 19 عاما قتلوا بهذه الطريقة منذ الأول من يناير/كانون الثاني، وسبعة أطفال تقل أعمارهم عن 15 عاما، و11 طفلا ما بين 15 و18 عاما، عدا عن الطفل ابن العام الذي قضى بعد انتظار طويل على إحدى نقاط التفتيش.
في السياق ذاته قالت دائرة العلاقات القومية والدولية في منظمة التحرير الفلسطينية :إن قوات الاحتلال "الإسرائيلي" قتلت خلال السنوات السبع الأخيرة نحو 900 طفل فلسطيني وجرحت 16 آلفا آخرين بينهم 750 معاقا. وأضافت الدائرة في بيان صحافي أصدرته أمس أن قوات الاحتلال اعتقلت خلال الفترة المذكورة 6 آلاف طفل تتراوح أعمارهم بين 13- 18 عاما ما زال 398 منهم في السجون، أصغرهم الطفل محمد نمر خواجا من قرية بعلين المحاذية لمدينة رام الله والذي يبلغ من العمر 13 عاما .
هذه هي السنياريوهات الأليمة التي وضعها الاحتلال لقتل الاطفال وتدمير احلامهم البرئية كونهم شباب المستقبل،، فمن يمسح دمعة هذا الطفل ومن يعوض الطفل الذي فقد اعضائه،، ومن يواسي ام او اب ذاك الطفل الشهيد....

لبنان الديمقراطي خط أحمر أيها القتلة!

سعيد علم الدين
بعد اغتيال النائب اللبناني الديمقراطي الحر عضو كتلة "اللقاء الديمقراطي" شهيد لبنان وحزب الكتائب و14 آذار المحامي الشهم أنطوان غانم طفح الكيل حقا!
فالقاتل مجرمٌ همجيٌّ شريرٌ، ووغدٌ غادرٌ حقيرٌ، منحطٌ فاقدٌ للأخلاقِ والأحاسيسِ والضمير لن ولم يرعو عن متابعة ما يرتكبهُ من قتل واغتيال وتدمير بحق لبنان الديمقراطي الحر فقط.
فكل ما حدث حتى الآن من أجرام يحدث في مناطق لبنان الديمقراطي الحر وليس المناطق التي يسيطر عليها الحزب اللاهي وتتكاثر فيها حلفاء القاتل من جماعة 8 آذار وتسيطر مربعاتهم الأمنية وميليشياتهم الفوضوية ودويلاتهم بالبلطجية.
القاتل هنا يظللهم بمظلته المخابراتية الإرهابية لينعموا تحتها بأمان ويتنقلوا دون خوف ورعب من مكان إلى مكان، بينما يقوم وبشكل مستمر بتدمير لبنان الحر الديمقراطي وتهجير شعبه وقتل أبريائه واصطياد أحراره واغتيال نوابه.
ولهذا، وبما أنه لم يعد ينفع الشعب الديمقراطي المسالم، المجروح، والمكسور الخاطر لا التعزيات الحارة ولا كثرة البرقيات التي أصبحت بالكميات من الكلمات المرددة الجوفاء، ولا المواسيات وتبادل القبلات التي فقدت معناها بعد هذا الكم الهائلِ من عشرات الجرائم البشعة النكراء المرافقة لفترة التمديد البشاري المشؤوم للحود ومنذ خريف 2004.
وبما أنه لم يعد ينفع لا الاستنكارات العديدة بعد كل جريمة اغتيال، ولا التنديد بها ومن أعلى المراجع بأقوى العبارات، ولا عقد الاجتماعات الفورية للمفجوعين من قوى 14 آذار بخسارة رمزٍ آخر في آخر النهار وإصدار أعنف البيانات، ولا حتى اتهام النظام السوري بالذات.
فالقاتل الحاقد على لبنان الديمقراطي، لم يرتو بعد من شرب الدماء وهو متربصٌ لاصطياد الأحرار، لتحقيق هدفه الأساسي وهو عدا التدميرِ والتخريب وضرب الاقتصاد، قلب النظام الديمقراطي من خلال الاغتيال السياسي بتحويل الأكثرية إلى أقلية وقتل أكبر عدد من النواب. هدفه الواضح أيضا كسر إرادة الشعب اللبناني الديمقراطي من خلال قتل ممثليه، تماما كما هدد البشار يوما بتكسير لبنان على رأس الشهيد الرئيس رفيق الحريري وتم له ما أراد على يد حليفه الحزب اللاهي في حرب تموز، ولكي يفرض أيضا رئيس دمية على شاكلة لحود للبنان.
القاتل هنا لا يلتفتُ البتة إلى قتل السكان الأبرياء من أطفال ونساء وتدمير الأحياء، بل ويتلذذ حتما بما ترتكب يداه من إجرامٍ تحت الأضواء. هو يريد بذلك إفهام الشعب بلغته السوقية الساقطة على أن الحكومة وقوى 14 آذار تتحملان المسؤولية لصمودهما الوطني الرائع في وجهه. وتماهيا مع القاتل يُحَمِّلُ ميشال عون الحكومة دائما المسؤولية وكأنه فاقد البصر والبصيرة. بالتأكيد بسبب الكرسي الذي أعماه عن رؤية الواقع قدس الله سرها.
خاصةً بعد أن أعلنها بشار بوقاحة سخيفة، ومن دون خجل وحياء أمام العالم أجمع أن هؤلاء اللبنانيين الأحرار وممثليهم النواب هم "منتج إسرائيلي" أي صهاينة وأعداء. أي أنه في جُبْنِهِ المعتاد عن محاربة أعدائه الحقيقيين وهم يحلقون فوق رأسه ويقصفونه دون تردد، يشن حربه الإرهابية المخابراتية الخسيسة على لبنان الديمقراطي محللا قتل الشرفاء. ويطبل له في هذا الإعلان الكاذب ويزمر توابعه المخابراتية وميليشياته الفوضوية من أمراء حرب 8 آذار وأذنابه من المنظمات والشبكات التي تركها تعيث في لبنان خرابا واغتيالا تحقيقا لرغباته الحمقاء.
وبما أنه لم يعد ينفع ما أشرنا إليه في وقف القاتل وحلفائه عن متابعة مشروعهم الإجرامي الدموي جاء الرد الحاسم، في مجلس النواب الأميركي ذي الغالبية الديموقراطية قبل أيام بالقرار 548 الذي تمت المصادقة عليه وبغالبية 415 صوتاً تقريبا بالإجماع، كرسالة مدوية للقاتل وبعنوان:
لبنان الديمقراطي وحكومته الشرعية خط أحمر أيها القتلة!
الخطير في الأمر بالنسبة للقتلة وأذنابهم وأذيالهم في لبنان أن هذا القرار:
- يركز فقط على حماية لبنان الديمقراطي السيد الحر المستقل، بغض النظر عما يحدث في المنطقة وعن التورط الأمريكي في العراق.
- يلزم الإدارة الأمريكية الحالية والمقبلة بعيدا عن اللون الحزبي بدعم لبنان الديمقراطي وحكومته المنتخبة وتقديم المساعدة الفورية لهما للصمود في وجه القتلة. ويذهب أبعد من ذلك حين يشدّد "على وجوب أن تتقدم الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بكاملها لمساعدة الحكومة اللبنانية". أي أنه يتماهى إلى أبعد الحدود مع قرارات مجلس الأمن العديدة بشأن لبنان وأهمها القرار 1559 وأيضا 1701 والتي اتخذت كلها بالإجماع.
- يقطع الطريق على أي صفقة يحلم بها نظام بشار الآفل والآيل إلى السقوط بالنسبة إلى المحكمة الدولية وإلى الأبد عندما يؤكد أن "على سوريا أن تدرك بيقين كلي أن الولايات المتحدة لن تضحي بالعدالة في لبنان والسماح لدمشق بالإفلات من المحاسبة على جرائمها".عدا عن ذلك فإن هذا القرار يتماهى ويتلاقي بغض النظر عن ما يحدث في العراق مع السياسة الأمريكية الحالية للرئيس بوش. أي أنه في حال خطر محدق بالحكومة اللبنانية ممكن في أي لحظة أن يعطي الأوامر لقواته المرابضة في المنطقة للتحرك.
لبنان ليس العراق ولا أفغانستان، وحزب اللاهي فقد الأرضية الشعبية التي كان يتبجح بها بعد مواقفه المشبوهة من قضية الاغتيالات ومعارضته للمحكمة ودعمه للتنظيمات الفلسطينية واللبنانية المخابراتية المتسورنة، وعرقلته لقيام الدولة ودعمه لفتح آصف شوكت، ووضعه للخطوط الحمر أمام الجيش، واعتصاماته الفاشلة، وحروبه المدمرة، ومشاريعه القاتلة، وموقفه المعادي والغير مقبول شعبيا من الحكومة الشريفة الصامدة وقوى الحرية في لبنان. لقد انكشفت اللعبة وسقطت الشعارات ومعها اصحابها بجببهم وعماماتهم والهالات. الوضع يختلف جدا عن عام 82!
والشعب اللبناني يرفض أن يكون ساحة لبشار ووقودا لإيران!
قرار مجلس النواب الأميركي مدعوم بالقرارات الدولية وتحت البند السابع وملزم لكل رئيس أمريكي جديد في حماية الديمقراطية والشرعية اللبنانية من القتلة الأشرار.
وهو يتماهى ويتلاقي مع تطلعات الأسرة العربية وبالأخص بعد ان انفضحت ألاعيب النظام السوري وانكشف دوره التخريبي في لبنان بشكل كامل.
وهو مدعوم من الاعتدال العربي لحل مشاكل المنطقة وليس لتفريخ مشكلة جديدة. كما قال الرئيس مبارك يكفي ما لدينا من مشاكل في العراق وفلسطين والصومال والسودان.
هذا القرار أيضا يتماهى ويتلاقي مع طموحات الشعب اللبناني في بناء دولة سيدة عادلة ديمقراطية عربية حرة مستقلة.
وهو مدعوم ايضا من الشعب اللبناني الذي يتوق لرؤية دولته تمتلك قرارها الحر وسلطتها وسيادتها على أراضيها وشاهدنا كيف خرجت الجماهير تعبر عن عميق فرحتها بانتصار الجيش اللبناني ودعمها له حيث تحولت جنائز الجنود الشهداء الى اعراس وطنية في التفاف شعبي حول الحكومة والجيش والدولة.
هذا القرار يعتبر إنذار للنظام السوري وحلفائه القتلة في لبنان ويذكر بالقرارات الأمريكية والدولية التي أدت إلى تحرير الكويت.
هو مدعوم أيضا بشكل رئيسي من فرنسا ساركوزي والمجموعة الأوروبيةكاملة.

لبنان والاستحقاق الرئاسي ؟؟!!



راسم عبيدات

... كثيرة هي التطورات على الساحة اللبنانية، وكثيرة هي بالمقابل التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن اللبناني، والكل يحاول أن يفرض أجندته وتصوراته وفق ما يخدم أهدافه ومصالحه في المنطقة ، وفي هذا الشأن تأتي مسألة الاستحقاق الرئاسي اللبناني، والتي تعتبر إحدى الملفات الساخنة والهامة والتي تثير جدلاً ونقاشاً واسعين في الساحة اللبنانية بين فريقي الموالاة والمعارضة اللبنانية ، وقاسم التوافق والخلاف بينها سيكون لها تأثير على باقي الملفات الخلافية الأخرى بين الموالاة والمعارضة، مثل تشكيلة الحكومة القادمة، والموقف من الانتخابات الديمقراطية، والموقف من المحكمة الدولية لقتلة رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، والموقف من سلاح المقاومة، وأيضاً الموقف من القرار الدولي 1701 ، والمساعدات الدولية لاعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي والخطة الاقتصادية للحكومة، والمعلومات والدلائل المتوفرة تشير إلي أن مسألة الاستحقاق الرئاسي دخلت عليها خطوط خارجية كثيرة، وأهم هذه الخطوط هي خطوط أمريكية وفرنسية وسعودية ومصرية وكذلك الفاتيكان من جهة وكذلك الخط الإسرائيلي الذي يتقاطع مع أغلبية هذه الخطوط، وبالمقابل خطوط إيرانية وسورية وروسية، حيث تجري دراسة المبادرة التي طرحها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في هذا الشأن ، والقائمة على أساس تنازل المعارضة عن تشكيل حكومة وحدة وطنية تسبق هذا الاستحقاق، وكذلك إلتزام الموالاة بالنص الدستوري لهذا الاستحقاق، أي انتخاب الرئيس بالثلثين وليس بالنصف + 1 .
ومن المعلومات التي ترشح حول هذا الموضوع ، يتضح أن رئيس مجلس النواب مصمم على السير قدماً في مبادرته رغم كل العراقيل والمعيقات من جانب بعض أطراف قوى الرابع عشر من آذار ، أو ما يسمى بالصقور جنبلاط وجعجع، وسعد الحريري الذي أبدى تجاوباً مع مبادرة نبيه بري، حاول أن يربط آفاق التسوية على الرئاسة، باخذ التزام مسبق من المعارضة بأن يكون رئيس الحكومة بعد انتخابات 2009 ، والحريري إذا أراد التوافق على الرئاسة ، أي أن يكون الرئيس من خارج تّياري الموالاة والمعارضة، فهذا يعني بالضرورة أن يكون رئيس الحكومة أيضا، من خارج تّياري الموالاة والمعارضة، أما العودة لطرح صيغ قديمة من طراز 19+10+1 رفضتها المعارضة، فهذا يعكس عدم جدية في الحوار، وضرب لأبسط مبادىء الديمقراطية، وموقف تيار المستقبل ( سعد الحريري ) مرشح للتطور نحو التقدم الإيجابي، حيث أن السعودية وأمريكيا أبديتا ليونة في هذا الجانب، في حين أن المواقف الأخرى لبعض قوى 14 آذار والتي توصف بالمتطرفة، مثل قائد القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس ما يسمى باللقاء اللبناني وليد جنبلاط فهما يرفضان التسوية من حيث المبدأ، فعدا أن التسوية تحمل تغيرات في الأحجام والأدوار لصالح قوى المعارضة، فإنهما يرهنان موقفيهما للمواقف الدولية وتحديداً المواقف الأمريكية والفرنسية من هذا التوافق، وجعجع لا يمكن له مع تشكيل أية حكومة جديدة ، أن لا يرى التأثير المعنوي والسياسي لحقيقة حجم العماد عون السياسي والنيابي ، والذي سيترجم حتماً حجماً وزارياً للتيار الوطني الحر، أما جنبلاط فإنه يرى أن هناك خطراً جدياً من كون قانون الانتخابات الجديد أولى النتائج المتوقعة لأي تسوية في لبنان ، وهذا بلغة الأرقام أنه سيصبح غير قادر على الاحتفاظ بحجمه النيابي والسياسي الحالي، الذي أتاحه له تقسيم الدوائر الانتخابية منذ عام 1992 برعاية عبد الحليم خدام وغازي كنعان .
في حين ترى المعارضة أن العودة لمناقشة حكومة الوحدة الوطنية ، هو بمثابة اعتراف بصحة موقفها، وهي تقول أن موافقتها على مبادرة الرئيس بري ، تأتي من أجل قطع الطريق على كل المشاريع المشبوهة، والتي تستهدف دفع لبنان إلى متاهات الفتن والحروب الداخلية والأهلية ، وهي ترى أن التوافق على الرئاسة وفق الدستور ، لا يعني بأي شكل من الأشكال ان توافق على اشتراطات، تيار المستقبل وقوى 14 آذار، بان يكون رئيس الحكومة من هذا التيار، أو القبول بصيغة القديمة التي رفضتها قوى المعارضة( 19 + 10 +1 ، فإذا ما جرى التوافق على الرئاسة ، بأن يكون الرئيس من خارج الفريقين، فإن رئيس الحكومة القادمة ، يجب أن يكون كذلك ، أما إذا كان يريد تيار المستقبل وقوى الرابع عشر من آذار ،أن يكون سعد الحريري رئيساً للوزراء ، فهذا يعني أن على هذه القوى ، أن توافق على مرشح المعارضة للرئاسة العماد ميشيل عون ، وبدون ذلك فإن الأمور مرشحة بأن تتصاعد وتزداد الأزمة عمقاً وإتساعاً ، وتصاعد حدة الأزمة، يعني أن تصر قوى الرابع عشر من آذار، مدعومة من قوى إقليمية ودولية في مقدمتها السعودية وامريكيا على أن يتم انتخاب رئيس الجمهورية ، وفق صيغة النصف + 1 ، وهذا يعني أن الوضع في لبنان قد ينفجر على نطاق واسع، وتعم الفوضى الساحة اللبنانية وما يستتبع ذلك من تداعيات إقليمية ودولية، وأنا شخصياً أرى أنه رغم أن أمريكيا لديها هذا السيناريو جاهز، أي سيناريو تفجير الأوضاع في لبنان خدمة لمصالحها ومشاريعها في المنطقة ، إلا أنها قد لا تلجأ إليه في المرحلة الحالية، وعدم لجؤها له في هذه المرحلة ، يأتي في إطار وسياق انه إذا ما تم نشر الفوضى في لبنان ،فإنه من المحتمل أن تتمكن قوى المعارضة من السيطرة على الأوضاع في لبنان، وبالتالي خسارة أمريكيا لمصالحها في المنطقة، وإضعاف حلفاءها على الساحة اللبنانية، لصالح قوى أكثر تطرفاً، وهذه المخاطر تطال تيار المستقبل بالأساس ، حيث أن معارك أن نهر البارد ، قد كشفت وجود صلات وعلاقات بين عصابات فتح الإسلام وجماعة تيار المستقبل .
من هذه اللحظة وحتى موعد الاستحقاق الرئاسي في 23/ تشرين أول القادم ، ستستمر المفاوضات واللقاءات اللبنانية – اللبنانية ، وكذلك اللقاءات اللبنانية – الإقليمية والدولية، وسيستكشف كل طرف موقف الطرف الآخر بشكل نهائي من موضوعة الاستحقاق الرئاسي ، ومن المرجح أن تكون هناك لقاءات مكثفة لقوى الرابع عشر والحكومة السعودية ، وتحديداُ مع تيار المستقبل ، وما يسمى برئيس اللقاء اللبناني وليد جنبلاط، مدعو إلى لقاءات في واشنطن مع القادة الأمريكان وعلى رأسهم " تشيني " و"رايس" وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع، سيواصل لقاءاته واتصالاته مع المبعوثين الفرنسيين والمطران صفير،وعلى حصيلة هذه اللقاءات والمشاورات ، نستطيع أن نقدر ونستنتج ما ستؤول إليه الأوضاع في الساحة اللبنانية، فإما التوافق الشامل في موضوعي الرئاسة ورئاسة الحكومة وباقي الملفات الأخرى، وإما أن تندفع الأمور نحو التأزم ومن ثم الانفجار الداخلي وما يرافقه ويصاحبه من تداعيات إقليمية ودولية قد تطال المنطقة بأكملها .
القدس – فلسطين

السبت، سبتمبر 29، 2007

عندما هزم أحمد فتفت إسرائيل


أسعد أبو خليل

عن شبكة الفهد العراقيّة
**
يجب الإقرار بأنّ انتقاد بعض الساسة اللبنانيّين لم يعد سهلاً (قانونياً أو حتى بمقياس القانون الدولي) في عهد «حرص» ما يسمى في لبنان «المجتمع الدولي»، وفي عهد الإصرار الغربي على استمرار حكومة السنيورة إلى ما لا نهاية. فسرمدية حكومة السنيورة الفذة باتت واحدة مما بقي من عقيدة بوش. لعل السنيورة يغطي ـــــ وهو يفعل ما بوسعه ـــــ تعثّرات وكوارث المشروع الاميركي في العراق.
وحق النقد مكفول في الدستور الفرنسي المعدّل في لبنان (لا يزال جهابذة القانون في لبنان يهرعون الى خبراء فرنسا للوقوف على آرائهم السديدة في تفسير الدستور. وكم أثقل ريمون إده على دالوز في هذا الصدد حتى إن الاخير كفر بلبنان والتبولة على الارجح عندما كان نواب لبنان يصرون على إيقاظه من النوم في كل طلوع)، وإن شابته تطورات لبنانية سياسية.

فإنشاء المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة رفيق الحريري (مع إصرار على العفو عن قتلة اللبنانيين واللبنانيات من قبل جيش إسرائيل ـــــ ماذا حدث للشكوى اللبنانية ضد إسرائيل في مجلس الأمن؟ نسينا أن وزير العدل مشغول بحملته الرئاسية وبعقود شركاته «المعلوماتية») زاد من التشوّش الذي يسود أذهان اللبنانيين بالنسبة لعلاقة لبنان بالعالم («هل كم أرزة العاجقين الكون» كما أصر الرحابنة في شعر يونس الابن).

فبعض الساسة في لبنان يتعامل مع المحكمة كما لو أنها مخفر البسطة (هل لا يزال التفريق بين البسطة الفوقا والتحتا معمولاً به، نتساءل؟). فعندما أدلت سوسن درويش بدلوها عفواً على الهواء، هدّدها أحمد فتفت بالمحكمة الدولية، واتصل بالمحكمة شاكياً (باكياً؟).

وبالأمس، عندما اعترض مروان حمادة على مقابلة سليمان فرنجية التلفزيونية، هدّده أيضاً بالمحكمة الدولية. هم يظنون أنّ المحكمة تُنشأ لتصفية الحسابات بين الساسة في لبنان، بينما الهدف الحقيقي لإنشائها هو لتصفية حسابات واشنطن، لا حساباتهم هم، في المنطقة.

نتصوّر ردّ فعل المحقّق سيرج براميرتس عندما يتلقى اتصالاً من فتفت أو من غيره معترضاً فيه على تصريح معيّن من سياسي خصم. فالنقد لأيٍّ من أقطاب 14 آذار، أو حتى لسياسيّي الصف الثالث، يتحوّل فوراً إلى تحريض وإلى دليل على تورّط الناقد في مؤامرة اغتيال الحريري.

من هنا، على المواطن في لبنان أن يتيقّن أنّ أيّ نقد موجّه لوزير الشباب والأحداث في لبنان سيُجابه بتقديم شكوى الى مجلس الأمن. وهناك في 14 آذار من هدّد بتقديم كلّ من يتخلّف عن حفل انتخاب رئيس جديد لما بقي من الجمهورية، الى المحكمة الدولية.

لا ندري إذا كان اللبنانيّ (أو اللبنانيّة) يستطيع أن يتقدّم بشكوى الى المحكمة الدولية إذا تناول صحن فول فاسد. لمَ لا؟ماذا تقول عن أحمد فتفت؟ هو ظاهرة سمحت لنا باقتراح تسمية «الفتفتيّة» للتدليل على نمط سياسي انتهازي ـــــ عريق في تاريخ السياسة في لبنان ـــــ (والعراقة في السياسة تذكّر بترحّم بيان المطارنة الأخير على أيّام الكتلتيْن، عندما كان إميل إده يُنصب من قبل المستعمِر وعندما كان يرسل مبعوثين الى الحركة الصهيونية كما يذكر اتامار رابينوفتش في كتابه عن تاريخ لبنان).

فالوزير فتفت بارع في نقل البندقية من كتف الى كتف الى كتف وهلمّ جرّا، وفي تزوير السيرة الشخصية.«الفتفتية» هي أن تناقض نفسك في جملة واحدة، أو أن تورد أكثر من كذبة في الجملة الواحدة. «الفتفتية» هي أن تتكيّف مع القوى الخارجية التي تتحكّم بالبلاد، وأن تدّعي البطولة ضدّ من لم يعد مسيطراً على البلد. «الفتفتية» هي التفريط بالتراب الوطني لترويج صناعة الشاي المستورد.

«الفتفتية» هي أن تتقن التحريض الطائفي في الوقت نفسه الذي تصيح فيه بشعارات الدولة المدنية. «الفتفتية» هي ألا يصدّق المرء أقوالك حتى لو نطقتَ بالحقّ لكثرة ما نطقتَ بالباطل. «الفتفتية» هي مدرسة عريقة في السياسة اللبنانية: هي في أساس صنع السياسة في لبنان عبر نبذ المبدئية والصدق في الخطاب وفي الفعل.

«الفتفتية» هي مضادة للمروءة عند العرب (التي تعني في تعريف منقول عن الأصمعي ألّا تفعل في السرّ ما قد تستحي من فعله في العلن). وينطبق على «الفتفتيّة» ما قاله السناتور بوب كاري عن بيل كلينتون من أن عليك أن تعترف بمهارته في الكذب.

وأخيراً، «الفتفتية» هي في إيلاء الظهور الإعلامي أهمية تفوق كل ما عداها. لهذا، فإنك تجد الوزير المثقل بهموم الكرة الطائرة وهموم الشباب والأطفال متفرّغاً لمقابلات على الأقنية العربية.ماذا تزيد على اسم أحمد فتفت. فمجرد الاسم صار مثارة للسخرية أو الدعابة أو حتى الشتيمة (ذكرت النيويورك تايمز بعض الهتافات الذي أطلقها ضده بعض المتظاهرين يوم مجزرة قانا الثانية، وإن تسترت عليها الصحف اللبنانية آنذاك).

تستطيع أن تقول إن مجرّد الاسم يذكر المرء بالشاي، مثلاً، أو بأصول واجب الضيافة للمحتل المعتدي. وهو يذكّر بنمط من السياسيين الذين تعاملوا وتساهلوا مع الاحتلال النازي لفرنسا.لكنّ أحمد فتفت هو أكثر من شخص: إنّه ظاهرة غير غريبة البتّة عن الحياة السياسية في لبنان. ولا يمكن فصل الحياة السياسية لفتفت عن مساوئ النظام السياسي في لبنان. وقد ظهر فتفت أخيراً في مقابلة مطوّلة على تلفزيون «الجديد» تعرّفنا فيها عليه أكثر.

فقد تحدّث عن ماضيه السياسيّ بما يعتقد أنه صراحة، كما أنه صارحنا للمرة الاولى عن منذر فتفت، مستشار بول بريمر لشؤون الكرة الطائرة. لم نكن ندري أن عبقريّاً لبنانيّاً آخر يُضاف الى قائمة العباقرة اللبنانيين الذين يملأون صفحات «النهار» وشاشة الـ«ال.بي.سي»، التي جعلت من المخرج الأميركي (من أصل يوناني)، إيليا كازان، لبنانياً. (ظنته من آل قازان، جيراننا في الطفولة في حي المزرعة.

طبعاً، لا تكترث الـ«ال.بي.سي» بكون كازان من الذين «أدلوا بدلوهم» في حملة المكارثية التي أودت بشيوعيّين وغير شيوعيّين إلى غياهب السجون).والماضي السياسي بات أمراً مهماً في الحياة السياسية اللبنانية. فالماضي اليساري أو القومي العربي ضروري لتسويغ أكثر السياسات يمينية وأكثرها محاباة للسياسة الأميركية في المنطقة. لهذا، فإنّ السنيورة يذكّرنا بالأسابيع أو الأشهر التي قضاها في حركة القوميين العرب وكأنها كافية للتغاضي عن سياساته الحالية، وإن تناقضت مع كلّ ما مثّلته تلك الحركة.

وكان رفيق الحريري يفعل الشيء نفسه، خصوصاً في المفاصل التي يكون فيها متّهماً بتحالفات وزيارات مشبوهة. (كم كان مؤلماً مشاهدة ليلى خالد تزعم أن رفيق الحريري هو الذي قادها بالسيارة في المهمة المعروفة، مع أنها تعرف أنه كان في السعودية آنذاك، ومع أنها تعرف أن الذي قاد السيارة موجود اليوم في صيدا، وهو الذي أخبر رفيق الحريري في زيارة الى السعودية عن «سندويش اللبنة».

لم نكن ننتظر من ليلى خالد تزويراً للتاريخ لاختراع تاريخ نضالي لرفيق الحريري، كما فعل غسان شربل عندما ادّعى في مقابلته مع السنيورة في «الحياة» أن رفيق الحريري ساعد في إطفاء سيارة وديع حداد عندما فُجّرت بينما كان الحريري في السعودية آنذاك).أما بالنسبة إلى فتفت، فالأمر أكثر تعقيداً.

مثلاً، ما هو الماضي السياسي للسيّد فتفت؟ لقد نفى أخيراً ورسمياً أنّه انضوى في يوم ما في الحزب الشيوعي اللبناني، مع أن هناك من يذكره رفيقاً نشطاً. قال إنه كان «صديقاً» للحزب ـــــ والصديق وقت الضيق. وقال مرّة أخرى إنّه كان في فتح، ثم عاد في مقابلة أخيرة للقول إنه تدرب في صفوف جبهة التحرير العربية، وهي كانت معروفة بأمور كثيرة في لبنان أثناء الحرب، لكن لم يكن النضال من أجل فلسطين واحداً منها. وعلى موقعه على الانترنت، وهو مَزُور «كلّ سنة مرّة»، يقول إنه كان ممثل «الحركة اللبنانية» في بلجيكا أثناء الحرب.

طبعاً، هو يعني الحركة الوطنية اللبنانية لكن متطلبات الوطنية الكتائبية المُستحدثة، وهي في صلب عقيدة 14 آذار، تقتضي بعض التصويب لملاءمة الأوضاع.ولكن ادعاءات فتفت عن ماضيه الحزبي لا تختلف عن ادعاءاته لبطولات لم تحصل ضد النظام السوري في أوج مجده. على العكس من ذلك. لم يأت أيّ من النواب الى المجلس النيابي في التسعينيات من دون رضى الراعي السوري، وكان فتفت كما يذكر أهل الشمال على وئام مع الراعي السوري قبل أن تدور الدوائر.

ومن الملاحظ أن السيد فتفت يأخذ راحته في الحديث الطائفي عندما يتحدث إلى الصحافة الاجنبية، ثم يلجأ الى النفي وإلى ادعاء سوء الفهم (كما كان الملك حسين ينفي بشدة أخبار لقاءاته مع الاسرائيليين في الستينيات والسبعينيات). وفي مقابلة شهيرة مع الـ«لوس أنجلس تايمز» تحدّث فتفت، عندما كان وزير داخلية بالوكالة ـــــ وأيّ وزير داخلية ـــــ بإسهاب عن الخطة الطائفية لقوى الأمن الداخلي، لكنه عاد ونفى الكلام برمّته، مع أن المقابلة جرت بحضور صحافي كندي من «الغلوب أند مايل» ومع أن مراسلة الـ«لوس أنجلس تايمز» لاحظت أن فتفت لم يرسل لا تصحيحاً ولا تكذيباً، أي إنّ نفيه كان من باب الاستهلاك المجاني الواضح في ـــــ لنقل ـــــ عدم صدقيته.

ثم كانت ثكنة مرجعيون، وهي ستشين التاريخ اللبناني لأجيال لاحقة. القصة من أولها لآخرها تنضح بالتقصير وبالتخاذل وبتعامل مع العدو يعاقب عليه القانون اللبناني ـــــ إذ إن فريق الحريري يعمل بجهد جهيد من مونت كارلو لإرساء دولة القانون والمؤسسات.

وأسوأ ما في الأمر أن الكل في لبنان، بما فيها كتلة حزب الله النيابية، تسترت على الموضوع ـــــ الفضيحة. فقرر صاحبكم فتفت أن يلقي بالملف في حضن نبيه بري، مستعيناً بذلك برصيد الطائفية والمذهبية في الثقافة السياسية اللبنانية التي سرعان ما تجمّد الملفّات وتمنع التحقيقات. وماذا يمكن أن يقال في تلك الصور التي بثها الإعلام الاسرائيلي عن ثكنة مرجعيون؟ وأي بلد في العالم يسمح لمن كان مسؤولاً عن تلك الفضيحة الوطنية بأن يستمر في الإدلاء بدلوه في مواضيع الوطنية المتنوعة، هكذا من دون محاكمة أو مساءلة قانونية أو حتى دستورية؟ على العكس من ذلك. فقد تحدث فتفت في المقابلة المذكورة مع تلفزيون «الجديد» عن موضوع هزيمة إسرائيل، فأفتى بأن حكومة السنيورة نفسها هي التي هزمت إسرائيل (لا ندري كيف).

وهذا الزعم شبيه بزعم سعد الحريري في واحدة من ليالي الحكواتي الرمضانية في قريطم عندما قال إنه هو الذي أوقف العدوان على لبنان. لم يسأله أحد عن سبب انتظاره ثلاثة وثلاثين يوماً بالتمام والكمال قبل وقف العدوان؟ هل كان مشغولاً بجولاته التي شملت قبرص؟ أم لم يجد الوقت مؤاتياً لوقف العدوان قبل انقضاء الثلاثين يوماً؟أحمد فتفت ظاهرة غير غريبة عن لبنان. وهناك ضرورة لكتابة دراسة عن ظاهرة «اليساري السابق» في لبنان. لا ندري لماذا فرخت منظمة العمل الشيوعي عدداً هائلاً من هؤلاء الذين يشكلون عدداً كبيراً من كتاب التعليقات في صحف لبنان، والذين يتملقون لعائلة الحريري ويظنّون أنّ استشهاداً بكارل ماركس مرّة في السنة (أو قلبه على رأسه كما فعل هو بهيغل) كافٍ للتستّر على تقلّباتهم أو أنّه يسبغ عليهم مصداقيّة «يسارية».

هؤلاء ينسون أن روربت مردوخ، صاحب مؤسسة نيوز كور التي تملك شبكة فوكس نيوز اليمينية، كان يضع تمثالاً للينين في غرفته في الجامعة. أحمد فتفت ظاهرة ذات دلالات كثيرة، منها أن مناصرة عدد من اللبنانيين واللبنانيات للثورة الفلسطينية كان لأسباب إما طائفية أو شخصية تتعلّق بالطموح الذاتي، ويستطيع المحامي محمد مطر أن يزيدنا معرفة في هذا الصدد.

* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا(موقعه على الإنترنت:


حتى البائعات في بلاد العرب.. صناعة صينية


علي عبدالعال
Aly_abdelal@yahoo.com


"اشتري اشتري.. وفي فصال في فصال" بطريقة جميلة قالتها ابنة شقيقتي، وهي تروي لي ما شد انتباهها من أمر هؤلاء البائعات الصينيات اللاتي يطرقن الأبواب في مصر يعرضن ملابس العرائس وسلع أخرى، رخيصة، وجيدة، وجميلة.

وهي قصة تحكي مظهر جديد من مظاهر الغزو التجاري ــ وربما الثقافي ــ الصيني لبلادنا، وهو مظهر ما إن تتعرض له حتى يترك في نفسك أحاسيس عديدة متناقضة. فأنت ربما تحبه وتشجعه لأنك تتعاطف مع هذا الزائر الذي قطع البحار والجبال والفيافي والقفار، وأتى إليك من مشارق الأرض يعرض عليك ما أنتجته (ماكينات) بلاده خاصة وأن هذه المنتجات رخيصة، وجيدة، وجميلة.

وأنت أيضاً تحسده، وربما تحقد عليه، وأكيد سوف تنتابك المخاوف من هذا الطارق الذي يعرف حاجتك إليه ويغزوك بها في عقر دارك.. ومن فرط تأثيره وسحره على نفسك سترحب به وستكرمه وحتماً ستبتاع من بضاعته.

ولأنهم يعرفون أن الشيء الواحد في مصر له أسعار عديدة، تبعاً لتغير الزمان والمكان و(الذمة) أيضاً، يخاطبونك بهذه اللغة: "اشتري اشتري.. وفي فصال" مع أن المجتمعات التي أتوا منها ــ تماماً ــ لا علم لها بما نسميه نحن الفصال (أي التفاوض على الثمن) لأن السلعة قد لا يكون لها أكثر من ثمن واحد في كل أنحاء الصين.

ومن فرط ذكاء الدولة الشيوعية أنها ترسل إلى الدول العربية والإسلامية باعتها من المسلمين، في حين تستبق عباد "بوذا" لدول أخرى في الشرق أو في الغرب. وقد أعجبني جلباب اشتريته من "سعيد" ــ البائع الصيني المسلم ــ أثناء زيارتي للعائلة في الإسكندرية، وكان الجلباب حقاً رخيص، وجيد، وجميل، وربما لهذه الأسباب مجتمعة لم (أفاصله).

إلا أنني لما رأيت كيف عبثت (الماكينات) الصينية بـ"فانوس رمضان" هذا العام، اشتد حنقي على الصينيين الذين خلعت ماكيناتهم "الفانوس" من فوق عرشه ووضعت مكانه الوثن الصيني "بوذا"، ونقلوه إلى القاهرة ينادي فيها "حلو يا حلو" بلغة المصريين، التي لم يعرفها بوذا يوما ما.

وحسدت الصينيين على هذه الماكينات الشيطانية، التي تدور بلا توقف، في حين لا ماكينات لنا دائرة أو حتى متوقفة وربما لن نملكها حتى قيام الساعة.. وحقيقة لست أدري لما صار لكل أمم الأرض وشعوبها قاطبة ماكيناتهم، في حين عدمنا نحن (العرب) فقط من بين البشر هذه الماكينات.

وكان مما لفت ابنة شقيقتي أيضاً من أمر البائعات الصينيات أنهن يجلسن على المقاهي، التي لا يجلس عليها سوى الرجال في الأحياء الشعبية، وذلك خلال ساعات التجوال، يأكلن عليها ويسترحن وربما يحتسين الشاي والقهوة، ولست أدري إن كن يدخن الشيشة أم لا لأن الصغيرة لم تذكر لي هذا الأمر في روايتها.

لم يقتصر نشاط الصينيات على مصر وحدها، فمؤخراً تحدثت الصحف السعودية عما أسمته "طوفان البضائع الصينية الرخيصة" الذي يحيط بالحرم النبوي من جهاته الأربع، ويعرضها بائعات صينيات محجبات، لدرجة أن زوار الحرم يحومون حوله بحثاً عن هدية يعودون بها إلى ديارهم، فلا يجدون سوى هذه السلع، فيما لا يقف أمام هذا المد الصيني سوى باعة "التمور" و"النعناع" المديني.

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" في عددها 18ــ 9ــ 2007 الموافق 6 رمضان، عن مواطن مصري يزور المسجد النبوي، بعد أن واجه حيرة كبيرة في نوعية الهدايا التي ينتظرها أقاربه، قوله :"رائحة البضائع الصينية أزكمت أنوفنا في كل مكان"، فيما عبّر عن دهشته من غياب "المنتجات اليدوية التي تعكس ثقافة المكان والناس".

وفي البحرين تسببت البائعات الصينيات فيما يشبه رفع حالة التأهب الأمنية، بعد أن تكرر اعتداء الصينيات على المواطنات البحرينيات جراء الخلاف حول "الفصال" في السلع والبضائع اللاتي يعرضنها. وتقول تفاصيل إحدى هذه الحوادث، أن : "بائعة صينية تعرضت بالضرب على سيدة بحرينية وسببت لها كدمات في أنحاء من جسمها" وقعت الحادثة عندما كانت البحرينية تشتري بعض حاجاتها، ودخلت في مساومة مع الصينية حول الأسعار فلم تتحمل البائعة ذلك وقامت بالاعتداء على البحرينية التي توجهت إلى المركز الصحي لتلقي العلاج. وفي واقعة أخرى، حدث سوء تفاهم مع بحرينية كانت تشتري بعض أشجار الزينة، فأخذت تتفحص الشجيرات فما كان من البائعة الصينية إلا أن ألقت بالمزروعات إلى خارج المحل بعد أن استشاطت غضباً.

أما في الجزائر، فقد ركزت وسائل الإعلام على التواجد الذي بات كثيفاً للصينيين والصينيات في البلاد، لدرجة الصراع والتنافس مع السكان المحليين لاسيما في ولاية قسنطينة، التي يملكون فيها العديد من المحلات التجارية والزوايا بالأحياء والأسواق. وما زاد من تفاقم الأزمة هو سيطرة الرجل الصيني على المواطن الجزائري بتعلم لغته العربية، وقد أهلهم تواجدهم وخبراتهم من تشغيل الجزائريين لحسابهم، وتوظيف الفتيات كبائعات أو مراقبات داخل محالهم. وقد حدثت العديد من المناوشات وتطورت إلى درجة اعتداء صينيين جسدياً على جزائريات، وهو ما جعل مواطني الولاية ينددون بهذه الاعتداءات ويطالبون الجهات الحكومية بأن يضعوا حدا لهذه الظاهرة المتفاقمة في بلادهم.

ولم ينته الحال، حتى باتت كل مدينة عربية وكل قرية، بل وكل حارة وعزبة تعج بالأطنان من البضائع الصينية والمروجين لها.. تدخل هذه البضائع بتقنين أو بغير تقنين فتطرد البضائع والسلع الأصلية من مكانها لتحل محلها، ما أدى إلى فناء مئات الحرف الأصيلة في البلاد العربية، والتي عمرت لآلاف السنين.

رسالة إلى دنيا الوطن وصحيفة الاستقلال..

محمد داود
إن ظاهرة الفلتان ألأمني الواسعة التي اجتاحت ألأراضي الفلسطينية في ألآونة الأخيرة والتي لم يعتاد عليها شعبنا باعتبارها ظاهرة مستجدة واختبارً صعبً وبالغ الخطورة عصف بالهوية الفلسطينية بما تملك رغم أن الشعب الفلسطيني لم يعتاد على هذه المهاترات عبر تاريخه النضالي الطويل، فما يجري على الساحة الفلسطينية الغزية هو تحدي سافر لكل المواثيق الدولية التي ضمنت حرية لصحافة والكلمة وديمقراطية الرأي والأداء بدءً من الأطقم الصحفية وانتهاءً بحرمة المؤسسات الإعلامية، ..
وما كان اقتحام بعض العناصر المسلحة وهي تلبس الأقنعة لمؤسسات إن هي إلا بمثابة طعنة من الخلف لحرية الكلمة ويمثل تكريس لمسلسل القرصنة التي أتبعت في الآونة لأخيرة في أراضي السلطة الوطنية سيما في قطاع غزة التي تشهد انقلابات مختلفة، وهو يعتبر احتكارً لوسائل الإعلام دون منافس أو منازع .
والغريب في الأمر أن كلا الصحيفتين " صحيفة الاستقلال ودنيا الوطن التين تعرضتا لسطو مسلح أمس ألأول " يقطنان في أماكن حيوية و جغرافية إستراتيجية ومكشوفة على الملء وعليهما حراسات مشددة من قبل القوة التنفيذية، والسؤال!!!
لماذا هذا التوقيت؟ولماذا تلك الصحف على وجه التحديد؟وهل لها علاقة سياسية أم مجرد سطو عابر؟ كلمة رثاء لصحيفة الاستقلال ودنيا الوطنانطلاقاً من أهمية الوسيلة الإعلامية وما تلعبه من دور بالغ في تحديد سلوك المجتمعات، أردنا أن ندلوا بشهادة صدق لمنبر دنيا الوطن وكذلك لصحيفة الاستقلال كونهما صحفيتين تؤمنان بحرية الرأي والتعبير فجسدتا معالم الوحدة الوطنية، في نقلهما الصادق والواسع لمجريات الأحداث وما ترتكبه القوات الصهيونية من جرائم حرب وإبادة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل دون تحزب أ و مسايسة لأهداف حزبية ضيقة.
إن تغطيتهما المميزة لتلك الأحداث الموثقة بالصور سواء على صعيدنا المحلي أو الإقليمي وحتى الدولي يضعنا أما رسالة شكر لهاتين الصحيفتين الموقرتين، ولأنهما تميزتا في نشرهما الصادق والمحايد والموضوعي بأمانة وفي نقلها لتلك المجريات استناداً بالتحري وراء واقعية الحدث وسرعة نقله بعد خضوعه لحارس البوابة لإحاطته من كل جوانبه وردوده المتوقعة، والتي أخذت طابع التجرد من أشكال الضيق والمصلحة الشخصية سعياً وراء الخدمة الحقيقية والصدق كهدف أسمى الأمر الذي زاد من شعبيتهما المحلية والعالمية.
فتمتعهما بالخصائص العامة بما فيهما الإعلامية جعلتهما واسعتين الأبعاد لا يمكن التفرد بهما عرضاً بل بدراسة عميقة وذلك لتفاعلهما بواقعية مع الأحداث والوقائع التي تدور على الساحتين الفلسطينية والدولية.وتميز صحيفتي دنيا الوطن الإلكترونية وصحيفة الاستقلال في مراحلهما الأولى انطلاقاً من تخصصاتهما وزواياهما المتعددة التي تلم بمتطلبات الإنسان في إشباع رغباته، بأنهما ذاتَ أساليب بديلة وصحيحة في طريقة أدائهما المطلق بميثاق شرف صحفي وأخلاقي وديني ووطني وحتى قومي .
لذلك كان اختيارهما وانتقائهما للمضامين وللمواد الإعلامية والإخبارية هو تأكيداً على هذا الصدق والنضال السياسي الإعلامي خدمة للمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وللأمة العربية والإسلامية.
وهذا الصرح الإعلامي المتميز أستهدف تحرير الإنسان وبناء شخصيته المتحررة والمتوازنة في اعتماده على نفسه وإتاحة الفرصة له لإبداء أفكاره وإبداعاته وفق مبادئ سامية أرتقت بها لنفسيهما والتي لا تخرج عن نطاق الأدب والأخلاق العامة لا سيما الإعلامية منها كقالب فني يتفق مع شروط العمل الصحفي من ذوق ولغة وأداة...الخ.لقد لعبت صحيفتي الاستقلال و دنيا الوطن دوراً بارز في تأصيل الأفكار في نفوس الكتاب وأوجدتا مفهوم الألفة والمودة والتعارف والانسجام بين "" سائر الكتاب ومشرفي الصحيفتين وحتى بين قرائهما"" وعلى كل المستويات، فأوجدتا رأي عام مؤثر، استناداً لأهمية المواد المختارة والتعليقات التي توجد نوع من التفاعل كرجع صدى لدى الكتاب، والتي تسمى " بفن النقد الذاتي" لأنها تخدم في إمكانية تعديل الرسالة وفق رد الجماهير الذي يتفق مع مضمون الرسالة من أجل مصداقية الحدث والتعبير والالتزام بالموعظة الحسنة.
إن صحيفتا الاستقلال و دنيا الوطن أرتقتا إلى مستوى الشمولية، لأنهما أتاحتا في زواياهما المختلفة "السياسة أو الأدبية أو الثقافية أو الاجتماعية ...الخ "، مجالاً واسعاً من أجل إنارة الرأي العام محلياً ودولياً بالطريقة التي يريدها من أجل إيصال الرسالة والهدف حتى يكون عيناً على الأحداث سيما الأحداث التي تدور على ساحتنا الفلسطينية وما يرتكبه الاحتلال من جرائم حرب وإبادة بحق شعبنا في فلسطين.ويكمن نجاح صحيفتي الاستقلال ودنيا الوطن وتوافقهما الأوسع انتشاراً أنهما جعلتا من نفسيهما غذاءً روحيً للمتلقي في نشرهما للأحداث والقضايا ذات الاهتمام ومحور جدل ونقاش، خدمة للظواهر السياسية والاجتماعية و.... الأمر الذي يجعلنا أن نتحدث عن أهميتهما كوسيلة ترغيبية بعيدة عن عناصر الرتابة والملل والجمود في محاكاتهما للرأي العام عبر زواياهما المتعددة متبعة الأسلوبين العلمي والتجريبي المهني لبث القيم ونقل الأحداث بكامل حذافيرها دون غموض ولبس في لغتهما أو الكيل لطرف على حساب الأخر مخاطبة العقول والأذهان، فهي ذهبت إلى أبعد من خدماتية ومجانية. وأختتم كلمتي ونيابة عن أخي الإعلامي الأستاذ سري القدوة رئيس تحرير صحيفة الصباح الفلسطينية، حيث ندين هذا العمل الإجرامي ...
ونتوجيه بالتحية إلى زملائنا في كلا الصحيفتين ونشد على أياديهم وأيادي كتابهما في محنتهم التي هي محنتنا ومحنة كل الشعب الفلسطيني، وإلى ألأمام نحو كشف الحقيقة التي هي أسمى أمانينا.
كاتب وباحث

الصحافة الفلسطينية وسياسة العصا بدون الجزرة



عطا مناع

لفت نظري خبر نشرة احد المواقع الالكترونية يفيد أن الشبيبة الفتحاوية في قطاع غزة قاطعت مأدبة إفطار للصحافيين نظمه المكتب الحكومي في غزة بحضور السيد إسماعيل هنية رئيس الوزراء المقال، وجاءت المقاطعة احتجاجا على العنف التي استخدمته غزة ضد الصحافيين الفلسطينيين بهدف(تأديبهم) ليعرفوا أن هناك(حدود) لا يمكن تجاوزها، على اعتبار أن نشر الغسيل الوسخ أو بشكل أدق الممارسات الوسخة(حرام) ويعاقب عليها(القانون) بالضرب بالعصا لان العصا وحسب القول المأثور لمن عصا، والصحفيون أو بعضهم عصاه (يستحقون) الضرب والرجم والجلد وإذا( لم يستقيموا) فهناك القنينة)، اوليس القنينة مصدر رئيس لثقافة القمع السائدة لدى أولي الأمر الذين اقلقوا راحتنا في الحديث عن الديمقراطية والحريات التي هي الطريق الوحيد للوطن المنشود.
كان للعصا مفعول سحري، وخاصة أن عمليات الضرب والشتم قد(توقفت)، ليخضع الصحفي نفسه لرقابة ذاتية تضاف للرقابة الأمنية وموضة التهديدات عبر الهاتف النقال ومنع الصحف من التوزيع وملاحقة كل من تسول نفسه أن ينطق بحقيقة ما يجري في الشارع( ألغزي والضفاوي) لان هذا السلوك يعقب علية القانون ميدانيا، وإذا لم تصدقوا اسألوا المصور الصحفي يسري الجمل وعماد برناط اللذان تعرضا للضرب الشديد في غزة والخليل، وإطلاق الرصاص على الكاتب والمحلل السياسي عصام شاور ومنع برنامج خطا احمر ألذي يقدمه المفكر الفلسطيني حسن الكاشف عبر تلفزيون فلسطين، ناهيك عن اعتبار بعض الصحف محظور مثل صحيفة فلسطين ومنع البعض الآخر من التوزيع ، والسطو على مكاتب صحيفة دنيا الوطن وصحيفة الاستقلال(وسرقة) أجهزة الحاسوب، مما يوكد أن الجهات المناهضة لحرية الإعلام تستخدم طرق ملتوية في ملاحقة المنابر الحرة التي تفضح ممارسات المليشيات وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني الذي يهيش أسوء ايامة.
وفي ظل هذا القمع الغير مسبوق للصحافيين الفلسطينيين، يعيش الجسم الصحفي الذي يتضامن معه العالم في يومه انقساما حادا في المواقف وترجمتها على الأرض، والانخراط في الظواهر الانقسامية لندخل دوامة التفريق بين الصحافي الحمساوي والفتحاوي ، لتصبح هذه المهنة أسيرة للتوجهات السياسية والمصالح الفئوية المقيدة بالشعارات الانقسامية التي طالت المؤسسات والأجسام النقابية بدون استثناء،مما يتطلب ممارسة ديمقراطية تحمي نقابة الصحافيين من الانقسام التي بدأت تظهر معالمه على شكل المطالبة بالانتخابات والتخلص من احتكار مجموعة للقرارات والمواقف والبيانات الانتقائية التي لا تعبر عن المجموع الصحفي.
إن حالة الترهل والانقسام في الجسم الصحفي الفلسطيني الذي يسير على طريق الخصخصة والتبعية ستقود لمزيد من الانفلات في أوساط المليشيات والأجهزة الامنينة على اختلافها ، بسبب إدراكها للتناقضات التي يعيشها البيت الداخلي للصحفيين الذي يتعاملون بانتقائية في فعالياتهم الاحتجاجية التي تفتقر إلى التنظيم والجماعية والتواصل والحسابات المهنية والسياسية، التي تحول دون الدفاع عن حقوق الصحفيين ومواجهة الأطراف التي تكمم حرية الصحافة والإعلام في فلسطين، ليصار إلى تعرض الصحفيين الفلسطينيين إلى القمع المركب وليطحنوا بين مطرقة الاحتلال وسنديان عصا المليشيات والأجهزة التي اتضح أن لديها أرضية ناضجة لممارسة أبشع أنواع العنف.
وفي اليوم العالمي للتضامن مع الصحفي الفلسطيني، وفي ظل عمليات الملاحقة والضرب والاهانة للصحافيين في شطري الوطن، ليصار إلى الاكتفاء بإصدار البيانات الاستنكارية من رام اللة وغزة والمنظمات الحقوقية العالمية التي طالبت باحترام حرية العمل الصحفي في أكثر من مناسبة، إلا إن الأوضاع بقيت كما هي رغم حالة الهدوء الخطير الذي تشهده فلسطين المحتلة تجاه حريةالتعبير عن الرأي، مما يفرض على القوى التي تتشدق بالحرية والديمقراطية اعادة حساباتها ورص صفوفها في مواجهة النهج الدكتاتوري الذي لا يهدد الصحفيين فقط، بل كافة شرائح المجتمع الفلسطيني .
وقد يكون يوم التضامن مع الصحفي الفلسطيني مناسبة للتفكير مليا بالوضع الذي آلت إلية الصحافة الفلسطينية بشكل خاص وحقوق الإنسان بشكل عام، لنعترف أن الممارسة الديمقراطية تحتاج إلى تضحيات ومواجهة للقوى المتنفذة التي تمتلك وسائل وأدوات القمع، وبدون المواجهة وفضح الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفي والمواطن على حد سواء سننحدر إلى القاع، لان كل المقدمات تشير إلى تردي الحريات في فلسطين التي تحولت إلى مجرد حزمة من العصي في أيدي المقنعين الذين يجوبون الشوارع تحت شعار الحفاظ على امن البلد المنتهك ممن يعتقدون أنهم أسيادة
عطا مناع- صحفي فلسطيني يقيم في مخيم الدهيشة

الجمعة، سبتمبر 28، 2007

الرئاسة الفلسطينية والدبلوماسية السرية


نقولا ناصر

يبدو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس حصل عبر الدبلوماسية السرية على ما يسوغ التفاؤل الذي يبديه في دبلوماسيته العلنية من عقد الاجتماع الدولي الذي اقترحه الرئيس جورج دبليو. بوش هذا الخريف في واشنطن ، هذا الاجتماع الذي لم يترك عباس فرصة تمر دون أن يطلب جلاء "الغموض الذي يحيط بعقده حد تلميح بعض مساعديه إلى احتمال مقاطعته له إن لم ينجل غموضه . إن الدعوة التي وجهها عباس للرئيس البرازيلي لولا داسيلفا في 25 الجاري بعد لقائهما في نيويورك لحضور مؤتمر الخريف كانت مؤشرا إلى أن الرئيس الفلسطيني لديه ما يدعوه للتفاؤل حد أن يوجه الدعوة وهو لا يملك حق توجيهها بينما لم توضح واشنطن راعية المؤتمر الأطراف الأصيلة التي ستشارك فيه ولم توجه أي دعوات له حتى الآن .

علنا ، يبدو الرئيس عباس كمن ينحت في صخر أميركي وإسرائيلي صلد وهو يسعى مثابرا دون كلل ، عبر قنوات علنية وسرية ، جاهدا إلى إبقاء شعبه حاضرا على مائدة لئام يسعون إلى إعادة ترتيب خريطة المنطقة بالاحتلال والعدوان المسلح والعقوبات السياسية والاقتصادية ليجد نفسه يحاول مكابرا أن ينتزع أملا وطنيا من ضغوط خارجية متصاعدة مصرة على سوقه إلى "اجتماع خريفي" دولي لم يرشح حتى الآن ما يثبت أنه يلبى الحد الأدنى من شروطه المعلنة وهو في ذلك يسبح ضد تيار شعبي تتصاعد معارضته للحراك السياسي العلني الراهن الذي تكاد أضواؤه تعشي الأبصار والبصائر بينما جعجعته تصم الأسماع دون أن تطلق في الأجواء ذرة طحن واحدة .

لقد صمت إلى الأبد ليل يوم الاثنين ، الرابع والعشرين من شهر أيلول / سبتمبر الجاري ، صوت داعية السلام الفلسطيني العريق والمخضرم والقيادي الوطني حيدر عبد الشافي في تزامن مع لقاء عباس مع الرئيس الأميركي جورج دبليو. بوش على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ، وهو الاجتماع الذي ذهب إليه الرئيس الفلسطيني بالرغم من شكوكه المعلنة حول جدوى لقاء الخريف الذي اقترحه بوش وبالضد من تحذيرات وطنية وعربية ودولية تنصح عباس بعدم الذهاب إلى ذاك اللقاء الخريفي .

إن إصرار عباس على الذهاب إلى لقاء الخريف بالرغم من كل ما قيل ويقال عن عدم جدواه لا ينبغي المرور عليه مرور الكرام بل يجب التوقف عنده لأنه إصرار لا يمكن تفسيره بأي سذاجة لا يمكن بأي حال اتهام الرئيس الفلسطيني بها كزعيم تبلغ به السذاجة حدٌ التعلق بالأوهام ، فالتفسير المنطقي الوحيد الآخر لإصراره هو وجود معطيات سرية تسوغ له المراهنة على مستقبله السياسي وربما أيضا على مصير سلطة الحكم الذاتي التي يقودها . إن الدعوة التي وجهها عباس للرئيس البرازيلي لولا داسيلفا في 25 الجاري بعد لقائهما في نيويورك لحضور مؤتمر الخريف كانت مؤشرا إلى أن الرئيس الفلسطيني لديه ما يدعوه للتفاؤل حد أن يوجه الدعوة وهو لا يملك حق توجيه الدعوات وبينما لم توضح واشنطن راعية المؤتمر الأطراف الأصيلة التي ستشارك فيه ولم توجه أي دعوات له حتى الآن دون أن ينسى الرأي العام أن عباس نفسه كان يشكو من "غموض" المؤتمر حد أن يلمح مساعدوه إلى إمكانية مقاطعته له .

ومما يزيد في حيرة المراقبين أن تفاؤل عباس يتناقض مع شكوكه المعلنة في لقاء الخريف المرتقب ويتناقض كذلك مع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أمام لجنة الأمن والخارجية في الكنيست يوم الأحد الماضي التي استبعد فيها أي تسوية فلسطينية إسرائيلية شاملة قبل 20 إلى 30 سنة مقبلة ونفى فيها أن يكون اجتماع الخريف "مؤتمرا للسلام" بينما يكرر وزير دفاعه إيهود باراك نفيه لإمكانية حدوث أي انسحاب لقوات الاحتلال من الضفة الغربية قبل أن يستكمل بناء درع مضاد للصواريخ خلال فترة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات في الأقل .

ومن المعروف أن عباس كان تاريخيا يؤيد "الدبلوماسية السرية" وقد نقل عنه أكثر من مرة منذ تولى مقاليد قيادة منظمة التحرير والسلطة تأييده ل"القنوات السرية أو الخلفية" للتفاوض مع الإسرائيليين ، وكان اختياره لأحمد قريع -- المفاوض الرئيس في محادثات أوسلو السرية التي جرت بموازاة المفاوضات التي كان يقودها المرحوم عبد الشافي في واشنطن ليقود عملية التفاوض الجديدة مع إسرائيل بديلا لصائب عريقات الذي كان عضوا في وفد عبد الشافي المفاوض ، وكذلك ليرأس عملية إصلاح حركة فتح بعد سيطرة حماس على قطاع غزة -- هو أحدث مؤشر إلى أن عباس ما زال يثق في الدبلوماسية السرية .

ويلفت النظر هنا "الصمت" المدوي لقريع واستنكافه عن أي تصريحات هامة عما يفعله في مهمته الجديدة وهو حاليا المرجع الموثوق حول ما يجري بينما تتدفق التصريحات من كل المسئولين الآخرين ! وربما يكون لصمت عبد الشافي الإجباري المتزامن مع صمت قريع الاختياري دلالة رمزية على غلبة سياسيي الدبلوماسية السرية في القيادة الفلسطينية في ضوء رحيل عبد الشافي وهو الذي كان قد استقال احتجاجا على فتح قنوات تفاوضية سرية موازية لمفاوضاته ليستقيل لاحقا من عضويته في المجلس التشريعي لسلطة الحكم الذاتي احتجاجا على تفشي الفساد في مؤسساتها .

في مقابلة له مع فضائية الجزيرة القطرية مؤخرا قال مهدي عبد الهادي رئيس الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية "باسيا" إن هناك أربع قنوات تفاوضية مفتوحة بين الفلسطينيين وبين الإسرائيليين ويمكن التخمين بأن منها القناة العلنية وأخرى يديرها قريع وثالثة تجري عبر القيادي الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي حسب تقارير إعلامية إسرائيلية . وحتى في القناة العلنية عبر اللقاءات الثنائية الدورية بين عباس وأولمرت فإن اليسير الذي يتسرب منها يتحدث عن عقمها حتى الآن ولا يسوغ استمرارها إلا تفسيرين أولهما الضغط الأميركي وثانيهما احتمال وجود تفاهمات "سرية" تبرر مواصلتها .

ويجدر التوقف هنا عند "وثيقتين" تسربتا إلى وسائل الإعلام . فقد نشرت صحيفة الصنداي تايمز البريطانية مؤخرا تقريرا كتبه عوزي مانهايمي تحدث فيه عن تحركات سرية لتنظيم "كامب ديفيد ثانية" فلسطينية – إسرائيلية أميركية في واشنطن قبل نهاية العام الحالي تضغط فيه الإدارة الأميركية من أجل التوصل إلى اتفاق "تاريخي" تدعمه دول الخليج العربية الست مع مصر والأردن "ينهي النزاع" الفلسطيني الإسرائيلي مقابل دولة فلسطينية على 95 في المائة من أراضي الضفة الغربية المحتلة عام 1967 بينما تحتفظ إسرائيل بالخمسة في المائة الباقية في القدس وتتم مبادلتها بأراض "إسرائيلية" ليست واضحة حتى الآن ، وذلك في عرض يقدمه أولمرت لعباس في كامب ديفيد الثانية . وكان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قد رفض عرضا حسب الخطوط العامة نفسها تقريبا في قمة كامب ديفيد الأولى عام 2000 مما قاد إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية فحصاره ثم تصفيته بالسم واستشهاده . وما يزال هذا التقرير بحاجة إلى نفي أو تأكيد .

أما الوثيقة الثانية فقد نشرتها وكالة "معا" الفلسطينية مترجمة عن العبرية ونقلتها عنها وسائل إعلام على نطاق واسع ، ونفاها عباس وأولمرت كلاهما ، لمسودة "إعلان مبادئ" دون توقيع من ثماني نقاط قيل إن الرجلين توصلا إليها خلال لقاءاتهما الثنائية لإعلانها في اجتماع الخريف المرتقب وقال المحللون إنها مماثلة لخطة (آمي) أيلون – (سري) نسيبة لعام 2002 ولاتفاق محمود عباس – يوسي بيلين لعام 1995 وكلا هاتين المبادرتين غير الرسميتين لقي استنكارا فلسطينيا واسعا لكنهما مع مثيلتهما "مبادرة جنيف" بين بيلين وياسر عبد ربه ما تزالان بصفة عامة أسسا للمحادثات الفلسطينية الإسرائيلية تحظى بدعم أميركي وأوروبي .

إن اختيار قريع لمهمة التفاوض الجديدة تثير مخاوف لدى الرأي العام الفلسطيني تتناقض مع الثقة التي يوليها الرئيس له بسبب المعارضة الواسعة لاتفاقيات أوسلو التي توصل إليها مع الجانب الإسرائيلي ، هذه المعارضة التي تعززت واتسعت حتى شملت كثيرا من النخب التي كانت تدافع عنها وأنطقت ضدها شرائح نخبوية كانت صامتة حيالها ، بسبب الفشل الذريع الذي آلت إليه عملية أوسلو التي أعلن "موتها" مسئولون إسرائيليون مثل رئيس الوزراء السابق أرييل شارون ومسئولون عرب مثل أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى ، وبسبب الحقائق التي خلقها الاحتلال على الأرض فضاعفت عدد المستعمرات الاستيطانية والمستوطنين فيها وحولت الأراضي المحتلة عام 1967 إلى سجون صغيرة في الهواء الطلق داخل كانتونات معزولة عن بعضها بينما جميعها معزولة عن القدس حاضرتها الروحية والتاريخية والثقافية والاقتصادية والسياسية .

توصيف صحيح ومواقف مناقضة

كتب الوزير السابق في السلطة الفلسطينية لشؤون القدس ومحرر مجلة "فلسطين – إسرائيل" الفصلية التي تصدر في القدس المحتلة زياد أبو زياد في مقال له مؤخرا بعنوان "لقاء واشنطن بين الوهم والحقيقة" يقول إن الربط بين "قلق" عباس المعلن والمتكرر من فشل اللقاء وبين قراره بتعيين رئيس الوزراء السابق قريع مسؤولا عن ملف مفاوضات الوضع النهائي مع إسرائيل يشير إلى أن الرئيس الفلسطيني "يسعى لبذل كل قدر ممكن من الجهد لإعطاء المضمون لمؤتمر واشنطن القادم" مع أن " أقصى ما تطمح إليه إدارة الرئيس بوش هو انجاز سياسي إعلامي لا يغير شيئا على أرض الواقع" بينما "أقصى ما يطمح إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي (إيهود أولمرت) فهو بيان مقتضب مبهم يتحدث عن السلام والحل والدولتين" ، في محاولة أميركية إسرائيلية مشتركة لاستخدام حالة الانقسام الفلسطيني الراهنة "رافعة لتحقيق مكسب سياسي يخدم كلا من بوش وأولمرت في أوضاعهما الداخلية دون أي ثمن من جانبهما" .

وما كتبه أبو زياد يمثل نموذجا لنهج سياسي – إعلامي درج عليه قادة اتفاقيات أوسلو التي وقعوها باسم منظمة التحرير الفلسطينية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي يتقنون فيه التوصيف الموضوعي للأوضاع لكنهم يبنون على المقدمات الصحيحة مواقف سياسية تتناقض في نتائجها تناقضا صارخا مع هذه المقدمات ، كما هو الحال الآن مع موقفهم الذاهب إلى لقاء واشنطن الخريفي بالرغم من توصيفهم الصحيح له ، هذا التوصيف الذي لم يضعفه لا لقاء عباس مع بوش يوم الثلاثاء الماضي ولا اجتماع اللجنة الرباعية الدولية في نيويورك في اليوم السابق ولا الزيارة الأخيرة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الأسبوع قبل الماضي لإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة .

لا بل إن القمة الأميركية الفلسطينية واجتماع الرباعية وزيارة رايس قد أوضحت جميعها أن واشنطن وتل أبيب قد صعدتا ضغوطهما في تنسيق كامل لابتزاز القيادة الفلسطينية كي تسهل انعقاد الاجتماع الدولي الذي اقترحه بوش في واشنطن هذا الخريف ، بشروطهما ، لتحقيق هدفين رئيسيين لا علاقة لهما لا بالسلام الفلسطيني الإسرائيلي ولا بالسلام العربي الإسرائيلي: أولهما استدراج دول الخليج العربية إلى تطبيع مجاني مع دولة الاحتلال بغطاء فلسطيني وثانيهما استخدام الاجتماع المقترح كغطاء دولي بمشاركة عربية وفلسطينية لإنهاء الحالة الناجمة عن الازدواجية الفلسطينية في قطاع غزة .

إن التناقض في التصريحات الفلسطينية الرسمية إنما يكشف فقط حجم الضغوط التي يمارسها الحليفان الاستراتيجيان على القيادة الفلسطينية . فعلى سبيل المثال ، كان نمر حماد المستشار المقرب للرئيس محمود عباس قد صرح بأن الرئيس لن يحضر اجتماع الخريف إذا لم تلتزم إسرائيل بتسوية للوضع النهائي للأراضي المحتلة عام 1967 لكن مستشاره الآخر الناطق الرسمي أيضا باسم حركة فتح أحمد عبد الرحمن صرح لإذاعة صوت فلسطين تصريحا نشره لاحقا في بيان رسمي في العشرين من الشهر الجاري يؤكد فيه باسم القيادة: "نصر على عقد المؤتمر الدولي سواء نجحت أو فشلت اللقاءات الفلسطينية – الإسرائيلية" وأنه "لا يجب الربط" بين هذه اللقاءات وبين عقد المؤتمر ، بالرغم من أن لقاءات عباس الدورية كل أسبوعين منذ أيار / مايو الماضي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت تجري بهدف معلن واحد هو التمهيد لإنجاح اجتماع الخريف ولم تخف الإدارة الأميركية التي نسقت هذه اللقاءات الارتباط الوثيق بين الحدثين .

وإذا كان صائب عريقات كبير المفاوضين السابق (قبل أن يحل محله أحمد قريع ، كما أكد عبد الرحمن في التصريح السابق نفسه) وغيره من المسئولين الفلسطينيين قد اتفقوا مع المسئولين الإسرائيليين على تفسير فشل أو عدم إعلان اتفاق نتيجة لقاءات عباس – أولمرت بأنه رغبة مشتركة في "عدم رفع سقف التوقعات" سواء من هذه اللقاءات أم من مؤتمر الخريف فإن مثل هذا التفسير لم يعد مقنعا لأحد في ضوء المواقف الأميركية – الإسرائيلية المعلنة .

فقمة عباس – بوش التي استغرقت 90 دقيقة منها نصف ساعة محادثات ثنائية اقتصرت على الرجلين فأنها لم تتمخض إلا عن تجديد بوش التزام واشنطن بحل الدولتين الذي فشلت إدارته خلال ولايتين له في تحقيقه دون أي التزام مماثل ، معلن في الأقل ، بأي آليات أو جدول زمني أو ضمانات للتنفيذ ، كما يطالب عباس ، تاركا الرئيس الفلسطيني فريسة لاختلال موازين القوى بتحويله إلى الاتفاق على مطالبه مع أولمرت عبر المحادثات الثنائية . وكان صائب عريقات قد صرح بأن عباس كان سيطالب بوش بوضع جدول أعمال قاطع للقاء الخريف . كما كان لافتا تأكيد بوش أن اجتماع الخريف لن يكون لقاء للتفاوض كما لفت الأنظار قوله لعباس أنه "يثمن حقيقة أنك تحارب المتطرفين الذين لا يشاركونك وجهة النظر نفسها" ، في تحريض سافر على تسعير الانقسام الفلسطيني بين عباس وحماس .

وهذه النتائج الهزيلة للقمة الأميركية الفلسطينية الجديدة دفعت بمصدر مسؤول في الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين ، وهي مخضرمة وطليعية في التنظير للتسوية السلمية مع إسرائيل ، إلى التصريح بأن رايس قد أعلنت "حشر الاجتماع الدولي منتصف أكتوبر/ تشرين أول تحت سقف "بيان مشترك" بقولها إنه: "ليس من الحكمة أن يكون هناك جدول زمني في هذه المرحلة" ... " نزولاً عند موقف حكومة الاحتلال الإسرائيلي التي ترفض مفاوضات شاملة لكل عناصر الصراع الفلسطيني والعربي ـ الإسرائيلي" ودعت الجبهة "السلطة الفلسطينية إلى الامتناع عن "بيان مشترك" يترك المصير الوطني في نفق المجهول" .

ولم يخرج اجتماع ممثلي اللجنة الرباعية الدولية يوم الأحد الماضي في نيويورك عن إستراتيجية واشنطن وتل أبيب الهادفة إلى ترك عباس تحت رحمة مفاوضاته الثنائية مع إسرائيل ، فقد أيد "بقوة" أمين عام الأمم المتحدة بان كي-مون ورايس ونظيرها الروسي سيرجي لافروف ومسؤول السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي خافير سولانا في بيان مشترك استمرار اللقاءات الدورية الثنائية بين عباس وبين أولمرت كما أيدوا عقد اجتماع الخريف الذي ما زال الغموض يلف جدول أعماله والمشاركين فيه والهدف النهائي له .

رايس تغلق باب المناورة أمام عباس

أما الجولة الأخيرة من الجولات المكوكية لوزيرة الخارجية الأميركية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة فإنها لم تتمخض عن أي التزام أميركي أو إسرائيلي بالحد الأدنى الذي كان الرئيس محمود عباس يكرر إعلانه كشرط مسبق لإنجاح الاجتماع الدولي المقترح وأنهت رايس زيارتها دون أن يتضح جدول أعمال هذا الاجتماع أو من سيشاركون فيه أو الهدف النهائي من عقده أو أي "غموض" كرر عباس علنا رغبته في إزالته ، لا بل إن رئيس الوزراء الإسرائيلي أعلن أن كل ما يسعى إليه من المؤتمر هو "بيان نوايا" لا يرقى إلى "إعلان المبادئ" الذي رفضته القيادة الفلسطينية في رام الله إذا لم يقترن بآليات وجدول زمني وضمانات للتنفيذ .

وقد استبقت حكومة أولمرت زيارة رايس بإعلانها قطاع غزة "كيانا معاديا" وهو الإعلان الذي سارعت الوزيرة الأميركية إلى الانضمام إليه ، في تصريحات تفتقد الحد الأدنى من اللباقة الدبلوماسية لأنها أطلقتها قبل سويعات من لقائها عباس ، في "علانية" تكشف دون ريب نية مبيتة للضغط على الرئيس الفلسطيني كي يتساوق مع الإعلان ، ولابتزازه لتليين شروطه لحضور مؤتمر الخريف الذي اقترحه رئيسها في واشنطن . وقد تأكد موقفها في قمة عباس – بوش كما تأكد في اجتماع نيويورك للرباعية الدولية التي لم يشر بيانها إلى الإعلان الإسرائيلي الأميركي المشترك .

لقد وصف بيبي إيسكوبار ، مؤلف كتاب "عولمستان: كيف ينحل العالم المعولم إلى حرب سائلة" ، الإعلان الإسرائيلي بأنه "واحد من أكثر الأمثلة المخزية للعقوبة الجماعية في أي مكان في العالم في العصور الحديثة . وما هو رد "المجتمع الدولي" رفيع التفكير ؟ إنه مثال "القردة الثلاثة" التي باختيارها لا تسمع ولا تنطق ولا ترى" ! (آشيا تايمز في 22 الجاري)

ولم يترك هذا "الإعلان" المشترك أي هامش للمناورة السياسية أمام القيادة الفلسطينية في رام الله يُسوٌغ لها الاستمرار في إحباط محاولات التوسط الوطنية والعربية لاستعادة الوحدة الوطنية -- بغض النظر عن "شرعية" أو عدم شرعية مسوغاتها لذلك -- ويُسوٌغ لها الاستمرار في المراهنة على المساعي الأميركية ، لأن هذا الإعلان كشف بما لا يدع أي مجال للشك أن كل عرب فلسطين مستهدفون إسرائيليا وأميركيا وأن إضفاء إسرائيل صفة رسمية وقانونية على حصار غزة إنما يستهدف هذه القيادة قبل أن يستهدف حماس بوضعها أمام خيار وحيد لا يمكن إلا أن تكون فيه إمٌا إلى جانب الحصار أو في الخندق الآخر المقاوم له .

لقد أغلق "الإعلان" هامش المناورة الضيق جدا أمام القيادة في رام الله لتجد نفسها محاصرة سياسيا حصارا يُخيٌرها بين صمت العاجز عن الفعل ، أو الاكتفاء بالاحتجاج اللفظي عليه ، أو مجاراته طوعا أو كرها ، وجميع هذه خيارات تحاصر القيادة داخل حلقة مغلقة تضعها أمام شعبها في خانة الشبهة الوطنية . فهل هذه هي الطريقة الإسرائيلية والأميركية المثلى لما يدعونه من دعم للرئيس عباس ومعسكر "معتدليه" من القابضين على الجمر بتمسكهم بوهم السلام باعتباره "أملا" ما زالوا يعتقدون بأنه "ممكنا" ، وباستمرار مراهنتهم على أن الطرف الأميركي الذي يثبت منذ عام 1948 أنه خصم يمكن أن يتحول فجأة إلى حكم يتوسط بنزاهة في الصراع على الوجود الذي يخوضه عرب فلسطين ، بالرغم من كل الأدلة الواقعية السياسية والميدانية على أن ما تطلبه تل أبيب وواشنطن هو استسلام لا سلام ؟

فهذا الإعلان لم يترك أمام هذه القيادة سوى خيارا واحدا هو الرضوخ للشروط الإسرائيلية – الأميركية المسبقة للذهاب إلى اجتماع الخريف لمواصلة عملية سلام لم تثبت جدواها منذ عام 1991 ، وفي مقدمة هذه الشروط طبعا استمرارها في القطيعة الوطنية مع الجناح الآخر للشرعية الفلسطينية المحاصر في قطاع غزة الذي كان يجري التعامل معه إسرائيليا ، قبل وبعد انفجار أزمة الازدواجية ، باعتباره بكل المقاييس "كيانا معاديا" ، لكن دون إعلان حتى الأربعاء الماضي ، وكانت القيادة في رام الله تجد في امتناع الاحتلال عن إعلان رسمي بذلك هامشا للمناورة يسمح لها لفظيا بإدانة الحصار والمطالبة برفعه أو في الأقل بإجراءات شكلية توحي ظاهريا بتخفيفه أسوة بالمسرحية الهزلية الجارية في الضفة الغربية ، حيث ممارسات الاحتلال جميعها على الأرض تدحض الادعاءات الإسرائيلية بأنها تتعامل معها باعتبارها "شريكا" في السلام وليست "كيانا معاديا" .

ويمثل "الإعلان" دعوة إسرائيلية غير مقصودة لوقفة وطنية تعيد الصف الفلسطيني إلى حصن الوحدة الوطنية ، وهي الرصيد الأهم والوحيد المتبقي للاجتهادات الوطنية كافة الراغبة في البقاء في ميدان النضال الوطني وقيادته ، فها هو الاحتلال نفسه يغلق أي ثغرات للمناورة في الاصطراع على سلطة ما زالت "وطنيتها" و"سيادتها" هدفا نضاليا قد يسقط دونه آلاف الشهداء قبل أن يتحقق ليكون "اسما على مسمى" ، فلم يعد مُتاحا بعد هذا "الإعلان" أمام عرب فلسطين إلا أن يكونوا في خندق واحد ، ولم يعد ممكنا الاستمرار في الوضع السابق حيث بعضهم كان مستهدفا للاغتيال ، وبعضهم للاعتقال ، وبعضهم للمطاردة الساخنة ، وآخرون للتجويع ، وبعض للتوظيف ، وبعض للتوزير ، وبعض لبطاقة الشخصيات الهامة "في آي بي" ، وبعض محاصر منذ عام 2000 مثل نايلس وبعض له حرية الحركة مثل رام الله لا يعنيه ما يحدث في نابلس وكأنها تقع في سوازيلاند ، ولا عاد ممكنا مثلا أن يكون مخيم بيت الما خاضعا لمنع التجول كمنطقة صيد مغلقة لجنود الاحتلال لتصفية الناشطين ضده بينما آخرون يتمتعون بأموال المانحين لعقد "ورشات عمل" و"معسكرات سلام" مع المتقاعدين من الجيش المحتل .

لقد كان أيضا لافتا للنظر أن تنضم أصوات إسرائيلية إلى روسيا والنرويج والهند واللجنة البرلمانية البريطانية ودول عدم الانحياز والدول العربية والإسلامية ، ناهيك عن المطالبات الوطنية الفلسطينية ، في الدعوة إلى الحوار مع حماس بينما قيادة منظمة التحرير ما تزال مصرة على رفض أي حوار كهذا ،خصوصا إذا جاءت هذه الأصوات من حزب ميريتس وشركاء إسرائيليين في "مبادرة جنيف" . فقد علق عضو الكنيست عن ميريتس ران كوهين على "الإعلان" بقوله إن "حكومة أولمرت – باراك ... تبدو في الواقع متخصصة في إعلانات الحرب" . أما عضو الكنيست عن الحزب نفسه يوسي بيلين فقد أدان الإعلان بأنه "قرار غبي وخطير" بينما دعت رفيقته في الحزب وفي الكنيست زاهافا جال-أون إلى إجراء محادثات مع حماس .

وفي 23 الجاري ذكرت يديعوت أحرونوت في موقعها على الإنترنت أن مثقفين إسرائيليين ، منهم أموس أوز وديفيد غروسمان ومئير شاليف ويهوديت كاتزير وإيلي أمير وأليس شالفي وسافيون ليبريخت ودوريت رابينيان ويشوا سوبول وإيستي خاييم وإيه.بي. يهوشوا ، وقعوا عريضة موجهة إلى أولمرت كتبت بالتعاون مع "مبادرة جنيف" الإسرائيلية عنوانها "تعامل مع أبو مازن (عباس) ، تفاوض على وقف إطلاق نار مع حماس" ، بينما يتصدر شركاؤهم الفلسطينيون في مبادرة جنيف حملة رفض الحوار مع الحركة الإسلامية !

يسبح ضد تيار شعبي

وكان المنطقي إلغاء لقاء عباس – رايس أو في الأقل تأجيله ، إن لم تجد القيادة في رام الله الجرأة لإصدار بيان يهدد في الأقل بوقف الاتصالات الثنائية إذا نفذت دولة الاحتلال إعلانها ويدين الانحياز الأميركي ويهدد بمقاطعة اجتماع الخريف أو في الأقل يحذر من النتائج السلبية لهذا الانحياز على الوضع الإنساني المتفاقم في القطاع . وكان مستهجنا أن يصرح وزير الإعلام رياض المالكي بأن حكومته سوف تطلب "من الأميركيين الضغط على لإسرائيل للامتناع عن اتخاذ إجراء كهذا" (رويترز) !

لقد وضع "الإعلان المشترك" الرئيس عباس في وضع حرج حال دون أي فعل سوى إدانته الإعلان بأنه "عقوبة جماعية" بينما وصفه صائب عريقات بأنه "غير قانوني" و"باطل ولاغ" ، لكن هذه التصريحات وكثير غيرها ومثلها لم تنجح حتى في امتصاص ولو جزء من الغضب الشعبي على عدم دعمها بالأفعال ، لاستباق ما أدانته حماس باعتباره "إعلان حرب" على القطاع . وحتى في سياق القول لم تقل القيادة الفلسطينية أكثر مما قاله أمين عام الأمم المتحدة بان كي-مون عندما حث إسرائيل على إعادة النظر في قرارها وحذر بأنه يتعارض "مع التزامات إسرائيل تجاه السكان المدنيين" طبقا لقوانين حقوق الإنسان الدولية ، فيما حثت مفوضة المنظمة الدولية لحقوق الإنسان الكندية لويز أربور إسرائيل على ممارسة ضبط النفس وكذلك فعلت وزارة الخارجية الروسية بينما أدانت سبع منظمات إنسانية إسرائيلية الإعلان .

وقد استهجن مراسل صحيفة هآرتس العبرية في 23 الجاري لقاء عباس مع أولمرت بعد "الإعلان" الإسرائيلي في الوقت الذي يهدد فيه الأخير "الرئيس عباس بوضع مليون ونصف من أبناء شعبه تحت الحصار والتجويع والظلام" مضيفا أن لقاءاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي "مسألة مهينة ومذلة لشعبه ولن تتمخض عن أي شيء جيد" وناصحا عباس بأنه كان "عليه أن يصرح: لا مؤتمر ولا لقاءات إلى أن يُرفع الحصار عن غزة" . غير أن لقيادة منظمة التحرير رأي مغاير يرى بأن حكومة الاحتلال تتمنى لو يلجأ عباس إلى موقف الرفض "العدمي" هذا ليريحها من "الضغوط الأميركية" التي تدفعها باتجاه مؤتمر دولي لا بد وأن يرتب عليها التزامات بهذا القدر أو ذاك إزاء أحياء عملية السلام .

إن الرئيس عباس الذي يسعى جاهدا إلى إبقاء شعبه حاضرا على مائدة لئام يسعون إلى إعادة ترتيب خريطة المنطقة بالاحتلال والعدوان المسلح والعقوبات والضغوط السياسية يجد نفسه أيضا يسبح ضد تيار شعبي تتصاعد معارضته للحراك السياسي الراهن . فمثلا صدرت صحيفة "القدس" عشية زيارة رايس بافتتاحية عنوانها: "فليوقف عباس هذه المهزلة" ، في إشارة إلى لقاءاته مع أولمرت التي بدأت "بضغط" من رايس في أوائل العام الحالي كما قالت الصحيفة ، وتوقعت بأنه إذا فعل ذلك "فإنه سيجد دعما عربيا وعالميا غير محدود" ، خصوصا من "المملكة العربية السعودية راعية اتفاق مكة، والحليف الأوثق للإدارة الأمريكية في المنطقة، (التي) قالت على لسان وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل إنها لن تشارك في مؤتمر سلام لا يبحث القضايا الأساسية، مثل اللاجئين والمستوطنات والقدس المحتلة والحدود، ولا يضع آلية واضحة لتنفيذ ما يمكن التوصل إليه من اتفاقات في هذا الصدد، أما الرئيس المصري حسني مبارك الحليف الثاني لواشنطن فقد عكس موقفاً مماثلاً وشكك في إمكانية نجاح أي مؤتمر سلام لا تشارك فيه سورية، ولا يبحث قضايا الحل النهائي" .

ويتوقع كثير من الفلسطينيين من الدول العربية دعم عباس ومطالبه الواقعية لإنجاح اجتماع الخريف المقترح ، بعدم المشاركة فيه ما لم تتوفر الشروط التي أعلنها عباس كحد أدنى لنجاحه ، وعدم ترك الرئيس الفلسطيني منفردا يتحمل مسؤولية لا يستطيعها إلا بدعمهم لمقاطعة اجتماع لن يكون دون ذلك إلا فخا لاستدراجهم إلى تطبيع مجاني مع إسرائيل لن يستفيد منه لا الفلسطينيون ولا السلام شيئا ، وسيكون في غياب الحد الفلسطيني الأدنى لنجاحه مجرد غطاء دولي لإطلاق يد إسرائيل حرة لتصفية الحالة الناجمة عن الازدواجية الفلسطينية في قطاع غزة عسكريا أو بالقتل الاقتصادي البطيء .

ومن الإنصاف القول إن دعوة حماس لوقف اللقاءات الفلسطينية الإسرائيلية ومقاطعة اجتماع الخريف تلقى آذانا فلسطينية صاغية لا يمكن تجاهلها ، مما يزيد وضع الرئيس عباس حرجا ، وهو الوضع الذي يريده الإسرائيليون له حتى يتخذون منه ذريعة للتنصل من أي التزامات لإحياء عملية سلام يطالبهم المجتمع الدولي بإحيائها ، بحجة أن عباس حتى لو أراد توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل فإنه "لا يملك القدرة على تنفيذه" كما قال وزير "الدفاع" إيهود باراك (هآرتس في 21 الجاري) مكررا تصريحات رسمية إسرائيلية مماثلة لا تتوقف .

فعلى سبيل المثال قال مصطفى البرغوثي عضو المجلس التشريعي ورئيس "المبادرة الفلسطينية" التي كان المرحوم عبد الشافي من مؤسسيها إن الرئيس عباس يذهب إلى لقاء الخريف "فقط لكي يظل في السلطة . لكنها مضيعة للوقت . فهو لن يحصل على شيء من الإسرائيليين أو الأميركيين" . وقال القيادي في فتح والعضو السابق في التشريعي قدورة فارس إن "على الرئيس عباس أن يفهم أن هذا (لقاء الخريف) سيكون مجرد اجتماع آخر بشعارات لا أكثر وكانت هناك اجتماعات كثيرة مثله" .

غير أن عباس يوم الثلاثاء الماضي أعرب لبوش عن "الأمل" في أن يحرز اللقاء تقدما: "إننا نؤمن حقا إيمانا قويا جدا في عملية السلام ونحن نؤمن إيمانا قويا جدا في رؤيتكم لإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل" كما قال للرئيس الأميركي ، مستمرا في مراهنته على واشنطن التي لم تثبت أي مراهنة عربية عليها إلا خسرانا وخيبة أمل منذ اعتمدت الإدارات الأميركية المتعاقبة ضمان أمن إسرائيل ثابتا من ثوابت سياستها الخارجية قبل ستين عقدا من الزمن انهار خلالها الأمن القومي العربي وأصبح الوجود الوطني لعرب فلسطين في مهب الريح .

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*

كلام على الماشي للزعامة الفلسطينية

محمد داود
لا يزال الحال الفلسطيني المنحدر باقي على أسفل حاله وجاثم على صدر القضية والشعب الفلسطيني الذي ينظر إلى زعامته في شطري الوطن الممزق على أمل في هذا الشهر الكريم أن يتقارب ويلم شمله، وبعين ثانية ينظر إلى العدو الذي يرتكب المجازر تلو المجازر في ظل هذا التخاذل والصمت المقيت الذي أصاب عالمنا العربي والإسلامي لتستمر الانتفاضة الفلسطينية وتدخل عامها السابع بعد سقوط أكثر من 4900شهيدا و70 ألف جريح، وأكثر من 11 ألف أسير، بالإضافة إلى الخسائر التي ألحقت في جميع القطاعات، فيما الواقع ينزلق نحو مزيد من التجزئة والخلافات الداخلية.
كما أن الحال العربي والإسلامي ليس بوضع يشكر عليه بعد أن كانت الأمة جسداً واحداً لا حدود ولا احتلال ولا هيمنة على ثرواتها، فهي خير الأمم لأنها كانت أمة متآخية ومتعاونة على البر والتقوى متحدة في أهدافها وغاياتها ومعتصمة بحبل الله وقلوبها متآلفة وصدروها متصافية، لكن الموازين انقلبت فأصبحت تحيى ظروفاً في غاية الانهزامية لا حول لها ولا قوة، بعد أن أرهقتها حروبها الداخلية ونزاعاتها القبلية العصبية والحزبية وأخرها ما حدث في فلسطين من انقلاب على الشرعية، ليعيش بعد ذلك الشعب الفلسطيني في ظلام دامس وتيهه وغموض منذ أن أثخن بالجراح والتناحر والاقتتال والغلظة على بعضه، بعد أن نخرت عظامه الفتن والتحاسد وسياسة التكفير والتخوين للأخر، ضمن إطار المصالح الحزبية والشخصية الضيقة، والتي نهى عنها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وكأنه حاضر فينا ويتابع من وراء ستار، ليطلع على حالنا المسيء في قوله "والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم وتجتلدوا بأسيافكم ويرث دينكم شركم".
إن الوحدة مطلوبة للغاية، لأن عملية قضم اليهود للجسم العربي والإسلامي مستمرة وعلى قدم وثاق، بعد أن سعت جاهدة لتزوير التاريخ وطمس المعالم الحضارية والتراث الإسلامي وتدمير الهوية الفلسطينية وما تبقى لها من كينونة، وإنشاء عوضاً عنها ما يسمى بالتاريخ اليهودي، وتثقيف وتربية أبنائهم ومستوطنيهم ،على أن هذه الأرض مناطق محررة من أرض إسرائيل الكبرى وهذا ما أعلن عنه قادة إسرائيل على مر ألأزمنة بأن أطماع الإسرائيليين لا حدود لها، معمقين مواقفهم بالرؤية التوراتية الخبيثة، ولعلها تكون عامل إسعاف وتنبيه لشعوبنا العربية والإسلامية وحتى الفلسطينية المنشغلة في هذه الأثناء في أتون الحرب الأهلية والمجاريات الحزبية وراء السلطة الواهية، وذلك من أجل مواجهة هذا الخطر المحدق بنا جميعاً، بعد أن نفذت قرارات ألأمم المتحدة ومجلسه الأمني وقرارات حقوق الإنسان شرعيتها والتي تهيمن عليهم أمريكا واللوبي الصهيوني بالدرجة ألأولى.
وأختتم حديثي بالوقوف عند خطاب مؤسس دولة الكيان الصهيوني "ديفيد بن غوريون" والذي قال " لا تجهدوا أنفسكم في البحث عن حل ، ليس هناك حل، فالأرض واحدة، وطالب الأرض اثنان ولا بد أن تكون لواحد منهما فقط، لابد أن يكون الشعب الإسرائيلي هو ذلك الواحد الذي يحصل على ألأرض ويملكها والحل الوحيد بالنسبة لنا أن نسعى بكل الوسائل بما فيها القوة السياسية والخديعة لكي نجعل الطرف الأخر يرضى بالتنازل عنها " ، فهذه الرؤية دفعتهم للهجرة رغم اختلاف جنسياتهم وانتماءاتهم إلى أرضنا فلسطين الإسلامية، وإدعائهم المستمر في إقامة هيكلهم المزعوم وتثبيت مواقفهم ورؤيتهم من إنشاء إسرائيل الكبرى.
فمتى نفوق ونكف عن المناكفات الحزبية والشخصية الضيقة بعد أن أخذ القتل والجرم مناحي ؟
إن الجميع مدعو للارتقاء إلى تحمل المسئولية بضبط حركة المجتمع وإفشاء روح القانون والالتزام لنخرج من فوضى فرضت علينا حيناً وفرضناها نحن أحياناً .
كاتب وباحث

سعدات ... البرغوثي ....عناوين ورموز نضالية


راسم عبيدات

لا أحد من الشعب الفلسطيني يختلف على ان الرفيق المناضل القائد أحمد سعدات أمين عام الجبهة الشعبية، والأخ المناضل مروان البرغوثي ، أمين سر حركة فتح وعضو مجلسها الثوري، هما من أبرز القيادات والرموز الوطنية لشعبنا الفلسطيني، وبالتالي فأن رأيهما ووجهة نظرهما، فيما يجري على الساحة الفلسطينية هام جدااً وله وزن كبير، ولذلك فإنه لا يعقل ان يقبل أو يوافق طرف فللسطيني،على إجراء مفاوضات مع الإحتلال الإسرائيلي، تمس جوهر القضية الفلسطينية ومرتكزات برنامجها الوطني، بمعزل عن هذين القائدين، كونهما ينتميان ويقودان تنظيمان أساسيان في منظمة التحرير الفلسطينية، وهما يجب أن يكونا خارج المعتقل، وبالضرورة ان يكون هناك إصرار فلسطيني على ذلك، فعدا عن مكانتهما الإعتبارية والرمزية والقيادية، فهما نائبان منتخبان من الشعب الفلسطيني، الأول جرى إختطافه من سجن أريحا بتواطؤ أمريكي – بريطاني في 14/3/2006، تحت حجج وذريعة مسؤوليته عن قتل الوزير الإسرائيلي المتطرف " رحبئام زئيفي " ، ورغم ان المستشار القضائي الإسرائيلي للحكومة الإسرائيلية "مزوز" ، قال انه لا يوجد ما يثبت ذلك ، إلا ان عملية القتل تلك أتت في إطار الرد على جرائم الإحتلال بحق شعبنا الفلسطيني، وإغتيال القائد الوطني الكبير أبو علي مصطفى أمين عام الجبهة الشعبية، ومروان جرت مطاردته وإعتقاله من رام الله، بحجة المسؤولية عن كتائب شهداء الأقصى وعملياتها العسكرية ضد الإحتلال، ولعله من الهام والضروري جداً القول، انه من المخجل والمهين، أن يشارك أي طرف أو وفد فلسطيني في ما يسمى بالمؤتمر الدولي في الخريف القادم، وهذان القائدان وغيرهما من وزراء ونواب الشعب الفلسطيني المختطفين، وغيرهما من أسرى شعبنا الفلسطيني في المعتقلات الإسرائيلية ، وتحت رحمة ما يسمى حسن النوايا الإسرائيلية، والتي ما عادت تقنع طفل رضيع، فحسن النوايا الإسرائيلية تلك، والتي تغلف وتبرر دائماً بمساعدة القوى المعتدلة الفلسطينية، رفعت عدد الحواجز العسكرية من 356 حاجزاًعام 2005 إلى أكثر من 500 حاجزاً عام 2007،وكذلك أعداد الأسرى في تزايد مستمر حتى تجاوزت اكثر من أحد عشر ألف أسير في السجون والمعتقلات الإسرائيلية ، رغم لقاءات " طق الحكي " المتكررة والمتواصلة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، والتي لم تثمر حتى عن السماح للجانب الفلسطيني من المشاركة في لجنة مشتركة ، من أجل الإتفاق على المعايير المتعلقة بالأسرى الفلسطينيين المنوي الإفراج عنهم، ومن يريد أن يستمتع ويتلذذ بحسن النوايا الإسرائيلية، فما عليه إلا أن يتوجه إلى مدينة القدس يوم الجمعة، وإذا ما نجح بالوصول إليها جواً، حيث أنه من الإستحالة عليه، الوصول إليها بالطرق البرية لكثافة الإنتشار العسكري الإسرائيلي فيها، والذي ليس فقط يمنع سكان الضفة والقطاع من أداء شعائرهم الدينية في شهر رمضان الفضيل ،بل يضع قيوداً على سكان القدس ومناطق عام 1948 ، وأصبح يجري لهم تقسيمات، على غرار تقسيمات وتصنيفات أوسلو ، مناطق ا ومناطق ب ومناطق س، رجال فوق 45 دخول بتصاريح ورجال فوق الخمسين بدون تصاريح ، ونساء فوق الثلاثين بتصاريح ، ونساء فوق الخامسة وأربعين بتصاريح..الخ ،
وبالعودة للقائدين سعدات ومروان تحديداً، وكذلك الوزراء والنواب المعتقلين، فهل من المعقول أن تصل الأمور، أن نستمر في إجراء اللقاءات والمفاوضات المارثونية مع الإسرائيلين، وهما في الأسر؟ وننتظر أن يمّن الإسرائيليين علينا بحسن نواياهم لإطلاق سراحهم ، أو ننتظر ضغطاً من أمريكيا وأوروبا الغربية، والذين لعبواً دوراً غاية في القذارة والخرق للقانون الدولي، بالتواطؤ مع إسرائيل في إختطاف سعدات من سجن أريحا، والصمت على إعتقال مروان وغيره من النواب المنتخبين، والذين جرى إنتخابهم من خلال إنتخابات ديمقراطية ونزيهة، هم كانوا جزءاً في الأشراف عليها ، وكل من يعتقد أن إسرائيل يمكن أن تطلق سراح سعدات تحديداً أو مروان البرغوثي، وفق ما يسمى ببوادر حسن النية، ليس واهماً فقط، بل تعشعش الأوهام في تلافيف دماغه، وإسرائيل لن تطلق سراحهما بدون ثمن سياسي، وسأسوق لكم مثالاً على مدى الحقد والعنجهية والغطرسة الإسرائيلية ، فالأسير المقدسي محمد حسن أبو هدوان، بعد ان قضى ما يقارب العشرين عاماً في المعتقلات الإسرائيلية، أصيب بمرض السرطان، وإدارة مصلحة السجون الإسرائيلية ، ليس فقط رفضت إطلاق سراحه وتقديم العلاج اللازم له ، بل وهو في الرمق الأخير، رفضت فك القيود من يديه ورجليه وأبقته مقيداُ على السرير حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وهل تتصور أو تتخيل في الأحلام ،أنه ضمن العقلية والذهنية الإسرائيليتين القائمتان على الغطرسة والنظر بدونية إلى الآخرين،سيتم إطلاق سراح سعدات، والذي هللت وطبلت الحكومة الإسرائيلية واجهزتها الأمنية يوم إعتقاله، واصفة ذلك بالإنجاز الكبير، وأيضاً الذي يصنف وفق الرؤيا والتصورات الإسرائيلية ،بأنه أحد القيادات الصلبة والرافضة للتصورات والرؤيتين الأمريكية والإسرائيلية ، لما يسمى بالتسوية ، ضمن ما يسمى ببوادر حسن النية الإسرائيلية ؟، هذه البوادر التي لم تخرج العشرات من الأسرى الفلسطينين، والذين قضوا عشرين عاماً وما فوق في السجون الإسرائيلية، وأيضاً الأخ القائد مروان البرغوثي، والذي تعتبره إسرائيل قائد الإنتفاضة الثانية، والذي يعتبر الملهم والقائد للقاعدة والكوادر الفتحاوية المناضلة، والمتشبث بالحقوق والثوابت الفلسطينية ،فإنه من المستبعد أن تطلق إسرائيل سراحه ، ضمن ما يسمى بحسن النوايا الإسرائيلية.
ومن هنا وضمن هذا السياق والإطار ،فإن قضية الأسرى الفلسطينيين ، وليس سعدات والبرغوثي، واللذان هم رموز وعناوين نضالية وجماهيرية، يجب أن تكون أحد العناوين الهامة جداً ، والمتفق على حلها تنفيذاً ووفق جداول زمنية ، وليس شعاراً ولغواً فارغاً، قبل أن يقدم أي طرف فلسطيني ،على عقد لقاءات ومفاوضات مع الإسرائيليين، حول القضايا الجوهرية والتي تمس مرتكزات البرنامج الوطني ، دون حل جذري لهذا الملف، وعدم تركه لحسن النوايا الإسرائيلية، وإشتراطات حكوماتها ووزرائها ونوابها وأجهزتها الأمنية، والتي ترى في هذا الملف ورقة إبتزاز، يتم الضغط بها على الطرف الفلسطيني، من أجل تقديم تنازلات في قضايا جوهرية، وتجربة أوسلو وما جلبته من دمار ومآسي على شعبنا الفلسطيني، يجب عدم السماح بتكرارها، وها نحن ندفع ثمنها فصائل وأحزاب وجماهير وشعب، وقبل أية مفاوضات وحضور مؤتمرات وغيرها، يجب أن يكون هناك إصرار على إطلاق سراح رموزنا وقادتنا وفي مقدمتهم سعدات والبرغوثي والوزراء والنواب المخطوفين، وكوكبة المناضلين الذي قضوا خمسة عشر عاماً فما فوق في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وبدون ذلك فإننا سندفع ثمناً باهظاً مجانياً ، من شأنه أن يزيد من حالة الإحباط واليأس بين جماهير شعبنا، ويدفعه للبحث عن حلول وخيارات أخرى، ومع مراعاة أن شعبنا له الحق في إستخدام كل الطرق والوسائل من أجل تحرير أسراه .

الخميس، سبتمبر 27، 2007

مصادر لبنانية تؤكد: النائب المغدور عاد لإتمام مصالحة وتحالف بين العونيين والكتائب ...ضد جعجع


خضر عواركة

عن شبكة الفهد

أكدت مصادر لبنانية مقربة من النائب المغدور أنطوان غانم بأن الأخير عمل بعد إنتخابات المتن الشمالي على صياغة ورقة تفاهم ومصالحة وتحالف بين والكتائب العونيين .تلك الإنتخابات التي
إنتهت بخسارة الرئيس السايق أمين الجميل وسقوطه المدوي بما يمثله من زعامة مسيحية تقليدية في المنطقة أمام مرشح التيار العوني الذي لم يدخل عالم السياسة والشهرة إلا في وقت الإنتخابات ، وإعتبر سقوط الجميل تطور نتج عنه أمر بالغ الوضوح وهو سقوط فرصه في الرئاسة والزعامة المسيحية التابعة لقوى الرابع عشر من شباط والرابح الوحيد كان سمير جعجع الذي أزاح الجميل من طريقه بعد أن أزاحت عملية الإغتيال إبنه بيار من قبل .

المصادر اللبنانية أكدت بأن مواقف الجميل بخصوص الصراع الداخلي تغيرت في العمق بعد إنكشاف تورط فتح الحريري الشهيرة بفتح الإسلام في مقتل إبنه وثبوت تمويل سعد الحريري لتلك المنظمة الإرهابية وعملها منذ نشأتها بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية التي يسيطر عليها سعد نفسه عبر أزلامه .
ولكن القشة التي قصمت ظهر البعير تمثلت في إستغلال سمير جعجع للفراغ الذي أحدثه موت بيار كتائبيا ومسارعته للإتصال بالموالين لآل الجميل لإكتسابهم إلى صفه تمهيدا للإنتخابات المقبلة على زعامة حزب الكتائب التي كان قد خسرها جعجع نفسه في العام 1992 لصالح جورج سعادة وكريم يقرادوني .

وزاد الطين بلة مسارعة المستزعم جعجع في الشهر الماضي لعقد إجتماع في مقره العسكري في معراب شمال شرق بيروت دعى إليه مسيحيي الرابع عشر من شباط متخذا لنفسه صفة المسيحي الأول في هذه القوى المتحالفة مع آل الحريري وجنبلاط .

وقد أصر الرئيس السابق أمين الجميل على رد إعتباره مقابل جعجع بعقد إجتماع مسيحي ثاني برئاسته في دارته في بكفيا ولكن جعجع افشل ذاك الإجتماع بمعاونة الحريري وجنبلاط فكان أن سارع الجميل إلى زيارة الرئيس نبيه بري والإعلان من على بابه بأنه مع إنتخاب رئيس وفاقي بالثلثين وليس بالنصف زائد واحد كما يخطط جعجع وسعد الحريري ووليد جنبلاط . شقة الخلاف بين الحلفاء إتسعت فدخل النائب أنطوان غانم على خط الوساطة بين الجميل وميشال عون وتوصل إلى صيغة تعاون بين الطرفين تبدأ بترطيب الأجواء وربما تنتهي بوثيقة تفاهم كتلك التي وقعها عون مع حزب الله والهدف من ذلك هو قطع الطريق من قبل الطرفين على تمدد جعجع في وسط شعبية الكتائب المتهاوية والمبعثرة أصلا.

هذه المعطيات لفتت نظر المصادر اللبنانية السابقة الذكر التي أكدت ايضا بأن رئيس حزب الكتائب كريم بقرادوني أصر بعد جريمة إغتيال أنطوان غانم على القول بأنه واثق من عدم علاقة سوريا بقتله لأنه كان الأكثر إستعدادا للحفاظ على شعرة معاوية مع حلفائها وكان ممن قصدهم وليد جنبلاط بتهديده لحلفائه إن قبلوا بالتسوية .

إنطوان غانم كتائبي نعم ولكنه إنتخب في العام الفين نائبا في زمن التواجد السوري ممثلا لحزب الكتائب تحت زعامة بقرادوني الحليف القريب من رئيس الجمهورية إميل لحود وبالتالي لم يكن شخصا صداميا ولا متطرفا بل هو معروف بقربه رغم كل الأزمات من نواب وزعماء المعارضة وكان على تواصل مع الجميع وما يلفت أن الرجل عاد من الخارج متبعا تعليمات أمنية وضعها جهاز المعلومات وتتضمن إستعمال هاتف لا يمكن إلتقاطه وهو الهاتف الذي إستعمله بعد عودته إلى لبنان من ابو ظبي بأسم مستعار ولم يكن على موعد مسبق مع المحامي الذي قتل وهو يهم بالخروج من مكتبه في سن الفيل ، بل هو تواصل معه فجأة.

وقضى في زيارته ساعة فقط، كانت كافية ليعرف من يراقب هاتفه الخاص المحصن ضد المتابعة، أين يتواجد غانم في تلك اللحظات. فإستقدمت السيارة التي تحمل المتفجرات ووضعت في موقف مقابل لموقف المحامي سمير شبلي وتم تفجيرها لحظة صعود غانم في سيارة مستأجرة في نفس اليوم، وبإسم وهمي أيضا فهل هناك من شك أن هناك علاقة ما بين مقتل النائب المغدور وبين تحديد مكانه عبر الهاتف الخاص ؟ والسؤال، هل هناك من سيستجوب جهاز المعلومات الذي يملك وحده قدرات تقنية تستطيع إختراق شبكة الهواتف الخاصة تلك ؟ ومن المعروف أن جهاز المعلومات وحده بإعتراف الجميع من يملك في لبنان أجهزة تنصت ومتابعة متطورة لا مثيل لها في كل الشرق الأوسط إلا في عدة بلدان عربية غنية (وفي إسرائيل) حصل عليها من الأف بي أي بتمويل إماراتي العام الماضي ؟ وهل هناك من سأل جهاز المعلومات لماذا لم يستطع حماية ثمانية من الشخصيات التي لم تكن تركن لغيره لحمايتها؟؟ وهل هناك من يحاسبه على فشله أو يسأل عن الأسباب ؟ وهل هناك من علاقة بين تقوية نفوذ جعجع بنصف مليار دولار قبضها من سعد الحريري لصرفها على دحر شعبية الجنرال ميشال عون داخل الطوائف المسيحية وبين قتل منافسي جعجع ؟
قديما إرتكب بشير الجميل المجازر ضد حزب الأحرار المسيحي تحت شعار توحيد البندقية المسيحية ، فهل يقوم جهاز عالمي أو محلي ما بتوحيد بندقية مسيحيي الرابع عشر من شباط تحت قيادة سمير جعجع بالتفجيرات ؟؟

أمثال عربية


أسامه طلفاح
تتعدد الأمثال و الأقوال العربية و تتجدد و تتطور مع ما يعيشه العالم من ثورات ، هذه الأمثال لا تأتي عبثاً أو بمحض صدفة ، بل هي ذاتُ مدلولٍ خاص و معين ، وتحكي قصة معينة أو تظهر ماهية حكاية شرقية عربية .
" حط راسك بين الروس و قول يا قطّاع الروس" ، "الفليلة ثلثين المراجل" ، إمش ِ الحيط الحيطْ و قول يا رب الستر" ، " أنا و أخوي على ابن عمي ، و انا و ابن عمي عالغريب" و هذا المثل أبعد ما يكون عن العرب و العروبة ، لأن الصحيح " أنا و أمريكا على أخوي ، و أخوي و أمريكا عليّ" .
و الكثير من الأمثال و الروايات الشعبية المتداولة يومياً في كل بقعة عربية و التي لكل منها مدلولها الخاص.
بلا شك أن الأخبار المتداولة عالمياً كلّ يوم ملازمة تماماً للأمثال العربية ، فهذا مجلس الشيوخ الأمريكي يستعد للتصويت على قرار تقسيم العراق إلى كيانات كردية و شيعية و سنية ، و بهذا يصبح تعداد الدول العربية 24 دولة بدلاً من 22 دولة.
و ننتظر تقسيم السودان أيضاً ، و غيرها من الدويلات صاحبة خطوط الطول و العرض و الارتفاع و العمق لتتجاوز الثلاثين ، و بهذا تدخل الأمة العربية " جينتس" للأرقام القياسية و تدخل الشعوب العربية نفس الكتاب أيضاً ؛ بعدد ألقاب السعادة و المعالي و الدولة و الفخامة و..
جميع دول العالم الفضائي ! يترقب قرار مجلس الشيوخ الأمريكي حول العراق الذي كان يوماً من الأيام عربياً حرا أصيلاً ـ و سيبقى رغماً عنّا نحن ، و يترقب العالم أيضاً كل القرارات التي تصدر بشأن باقي بقاع هذه الأمة .
و الأمة العربية صاحبة الشأن الأول في مثل هذه القرارات ، تشاهد تمثيلية السهرة الرمضانية و مسرحية الزعيم!!
و أقولها علّ و عسى أن يتداول هذه الكلمات الناس من بعدي ..
بطلت تفرق !!

otelfah@hotmail.com

الأربعاء، سبتمبر 26، 2007

الغارة الاسرائيلية الأخيرة بعيون الشباب السوري

خالد الاختيار
godo.checkpoint@gmail.com

استقالة موصوفة, ومتابعة بالريموت

أربع مقاتلات اسرائيلية على الأقل فيما تناقلت الأنباء يسمع شهود عيان دويها في السادس من أيار الجاري, خارقة جدار الصوت فوق المجال الجوي السوري في هدوء ليل الأربعاء ـ الخميس لمنطقة تل أبيض, على بعد 160 كيلومترا شمال الرقة, قريبا من الحدود التركية.
الطائرات التي قدمت من المتوسط -وربما عن طريق تركيا نفسها- استهدفت وفق التقارير إياها شحنة أسلحة إيرانية كانت موجهة إلى حزب الله على ما يؤكد مسؤولون أمريكيون, ليخالفهم في التو واللحظة مسؤولون آخرون -أمريكيون أيضا- ارتأوا أن الهدف إنما كان موقعا ذا طبيعة (نووية), مع التشديد على وجود زوار من كوريا الشمالية (الديموقراطية) أشرفوا على العناية بعتاد ذري وصل عن طريق ميناء طرطوس أوائل هذا الشهر على متن باخرة من بيونغ يانغ, التقط صورها قمر التجسس الاسرائيلي (أفق 7) الذي أطلق في حزيران الفائت بحسب رئيس جهاز الموساد مائير دغان, قبل أن (تصادر) هذه الشحنة (المهربة) فرقة الكوماندوس الاسرائيلي المرافقة والتي أنزلت في المنطقة, بحسب أنباء متفاوتة الـ(فبركة) في الاعتبار الرسمي السوري.

ومع أنّ رواية الغارة الاسرائيلية الأخيرة هذه والتي من غير المنتظر أن تصدر طبعتها الأخيرة قريبا؛ نالت نصيبها الوافر من التغطية الاعلامية عربيا ودوليا؛ إلا أنها لم تحظ لسبب ما بالقدر ذاته من الاهتمام والمتابعة الشبابية سوريا.
على الرغم من كونها قضية لم يبخل المحللون السياسيون والأمنيون بمختلف مشاربهم على مدى أسبوعين ونصف هما عمر الانتهاك حتى اللحظة في أن يسبغوا عليها صفات ونعوتا من قبيل (بالغة الأهميـّة), و(مؤشر خطير), و(شديدة الحساسية)...
ومن طهران (شبه النووية) وحساباتها, إلى بيروت (شبه الأكثرية) وتحسباتها, امتد طيف العواصم والمواقف واسعا إقليميا ودوليا, والغائب الأكبر عنه ليس سوى أحد أصحاب الشأن الأساسيين من شبيبة البلد نفسها.


للبيت رب يحميه ...

سامر البالغ من العمر السادسة و العشرين يعمل منذ بعض الوقت وبشكل متقطع مترجما بين الانكليزية والعربية, ويقف اليوم بالحاح على أبواب إحدى السفارات الغربية سيئة الصيت محاولا نيل كرت هجرة يعشـّمه بعض الأصدقاء خيرا في تحصيله, يقول سامر:(كنت أعمل كالعادة على ترجمة بعض المواد في المنزل عندما دخل أخي الغرفة وأطلعني على نبأ الغارة الاسرائيلية, والذي ربما كان قد سمعه أو قرأه كخبر عاجل فيما أذكر على إحدى القنوات الفضائية), ويتابع:(أنا عادة ما أشاهد الأخبار بشكل يومي تقريبا, لكن في ذلك النهار بالذات لم أتمكن من ذلك لتراكم بعض المهام علي في العمل, لذلك فقد سارعت الى محاولة استقصاء مزيد من التفاصيل على الانترنت, لكن الأنباء كانت متضاربة بشكل مزعج, الأمر الذي أصابني بالملل فعدت إلى عملي).

وعما إذا كان شعر بالخوف أو بالتهديد في تلك اللحظة يجيب سامر بالنفي قائلا:( لا أبدا, لم أحس بأي خوف أو ماشابه, لاعتقادي أن اسرائيل لا يمكن أن تضرب \عن جد\ حاليا).
أما مصدر يقينه في أن الاسرائيليين لن يعمدوا إلى مهاجمة سوريا؛ فيؤكد سامر أنّ هناك (حالة من عدم الاستقرار كانت سائدة منذ زمن طويل بين سوريا واسرائيل ولازالت), وأنّ الأمور سارت (على ما يرام) بين الطرفين طوال الفترة الماضية, وأن( شيئا جديدا) لم يطرأ ليغير المعادلة القائمة.

وحول الطريقة التي أمضى فيها بقية يومه ذاك يقول سامر(ذهبت ذلك المساء مع رفيقة لي ملببيا دعوة أحد الأصدقاء الى حفلة كنا رتبنا لموعدها مسبقا في منزله, وقد قضينا وقتا ممتعا).
ومادام أن الاسرائيليين غير جادين في مهاجمة سوريا كما يقول, ينظر سامر إلى الغارة الاسرائيلية باعتبار أنـّها(رسالة أكثر منها عملا عسكريا فعليا, بمعنى أنهم في اسرائيل يقولون لنا افهموا أننا نستطيع الوصول الى أي مكان نريده, ومتى شئنا ذلك).
وعما إذا كان قد توقع ردا سوريا من نوع ما على الخرق الاسرائيلي؛ يجيب سامر (لم أتوقع ردا سوريا سريعا في حينه, وشخصيا لا أتوقع ردا سوريا بطيئا كذلك), ويضيف( في الحقيقة لا أنا ولا معظم من أعرفهم ننتظر أي رد سوري على الإطلاق, اللهم فيما عدا التصريحات التي صدرت حتى الآن, وربما المزيد منها, إنما ليس أكثر).

ويضرب سامر مثلا بالانتهاك الاسرائيلي المماثل الذي وقع السنة الماضية في اللاذقية, ومن قبله الاعتداء الذي تم فيه قصف بناء في "عين الصاحب", قبل أن يضيف (لو كان هناك مزيد من الحرية في البلد لحصل تحرك من قبل الناس من نوع ما للتنديد بهذه الغارة, كي يعرف الآخرون في الخارج أن الناس قد يقومون بشيء اذا سنحت لهم الفرصة), ليستدرك لاحقا (مع أنني لا أفضل أي رد عسكري على أمثال هذه العمليات, بل أرى أنّ التعامل السياسي و الديبلوماسي هو الأجدى).

ويبدو أن هادي. أ يتفق من جانبه مع كثير مما سبق. ونظرا لأنّه يعمل محررا في إحدى وسائل الاعلام السورية الخاصة؛ فقد عرف بخبر خرق الطائرات الاسرائيلية للأجواء السورية أبكر نسبيا من غيره,وذلك عن طريق (الموظف المكلف )AFPمراقبة وكالة فرانس برس
إنما من دون أن يشكل الخبر أية مفاجئة له. ويبررهادي الـ(العاديـّة) التي استقبل بها النبأ بالقول (في المرحلة الحالية يمكن للمرء توقع كل شيء على هذا المستوى). ويستطرد شارحا وجهة نظره(لقد مررنا منذ وقت قريب بفترة من التصعيد \السلمي\ إن صح التعبير, حيث انهمرت رسائل السلام من هنا وهناك, تلاها مباشرة تهديدات متبادلة وأخبارعن تحركات للقوات على الأرض من الجانبين, ومن ثم تراجع هذه القوات, وتسويق للحديث عن جهود لـ\إاراحة\ الجبهة السورية, وتخفيض الاحتقانات, الأمر الذي يجعل أي أحد -وقد مرّ عبر هذه السلسلة- يتوقع خطوة ما تصعيدية من أحد الطرفين, وأنا شخصيا كنت أتوقع للتصعيد أن يأتي من الجانب السوري لا الإسرائيلي).

هادي سيتم الرابعة والعشرين في غضون أسبوع, وهو لا يتوقع أن تقوم بلاده برد عسكري من نوع ما قبل عيد ميلاده, عدا عن(الرد الروتيني بالاحتفاظ بحق الرد), معللا ذلك بأنه لايمكن للسوريين أن يردوا (كلاسيكيا), مع أنه يعود بعد قليل ليتحدث عن أنّه لا يريد أن يقطع (الأمل) نهائيا من هذا الأمر, مرجحا للرد الميداني -فيما لو تم- أن يأتي في (غزة أو الجنوب اللبناني), و(ربما... ربما الجولان), إنما مع مزيد من انتظار (اللحظة الأنسب لسوريا) فيما يخص الخيار الأخير بالذات.

ويسرد هادي مفارقة أنه كان من بين المحررات في مكتب العمل من اطلعن قبل غيرهن على الخبر, إنما من دون أن يحركن ساكنا, إلى اللحظة التي انتبه إليه فيها المحرر السياسي, ويتابع واصفا ما جرى بعد ذلك (تحلقنا جميعا حول التلفزيون بانتظار ما ستبثه الجزيرة في النشرة التالية), معربا عن خيبة أمله في الطريقة التي أتى فيها الرد الرسمي الأولي على الحدث, ووصفا أداء وزير الاعلام بأنّ (أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه كان سيئا للغاية, وليس على مستوى المستجد من تطورات بأي شكل من الأشكال), مفضلا عدم إعطاء تفاصيل محددة لانتقاداته, مؤكدا أن الحياة استمرت بشكل(طبيعي) بعد (بيان) الوزير, وعاد كل (إلى عمله المعتاد).

وعن الرد الذي كان يراه الأنسب على الانتهاك الاسرائيلي, لايخفي هادي حماسته الشخصية لرد عسكري مباشر, من قبيل( قصف ثكنات ومواقع عسكرية اسرائيلية في الجولان), معتبرا أنّ(لا أهمية لمن يبدأ التصعيد في هذا الوقت, بل ربما يكون ذلك في صالح من يبادر به), باعتبار أنّ الحرب (قادمة قادمة)!

(الله أعلم) يقول مصطفى عن نبوءة (قادمة قادمة) تلك, وقبل أن يطلب مني بتوجس إطفاء جهاز التسجيل بين يدي؛ يذكرني للمرة الثانية أنّه لايملك سيارة الأجرة التي يعمل عليها, وأنها تعود لابن عم محسن له, وهو لايريد (وجع راس), ونصحني أن ابتعد عن هذه المواضيع التي لها (أهلها) ومكانها في (مجلس الشعب) و(قصر المؤتمرات)!!

يقول مصطفى (أبو الخير) بعد تردد ومداورة وهو يقطع بنا أتستراد المزة, مشعلا سيجارة (الحمرا), ماسحا عرقه بفوطة متدلية على كتفه (عندما سمعت عن \القصة\ أول مرة, كنت \أتسبب\ على السيارة عالقا عند زحمة المرور في شارع بغداد, وكان أحد الشوفيرية على محطة الوقود \يتسمّع\ على غارة \ما غارة\, فحاولت البحث في الراديو عن الخبرية, ولكني لم أجد شيئا, ولم يكن هناك شيء على إذاعتنا كذلك, ثم غاب الموضوع عن ذهني \شي ساعت زمن\ بعد أن اتصلوا بي من البيت مشان دوا للوالدة, وعدت فتذكرت الموضوع عند \السمّان\ وأنا اشتري \مونة\ للبيت, لأن المذيع في الدش كان يتحدث عن ذات الموضوع).
ويشرح (أبو الخير) ببعض الضيق كيف اضطر لـ( الأخد والعطا) مع البائع حول المسألة, بعد أن راح العجوز يشتم ويلعن لأنه ليس في موقع يؤهله كي (يحرق نفس أعداء \لا إله إلا الله\ المستكبرين).

ويعترف مصطفى خيرو أنه لايتذكر الكثيرمن تفاصيل ما وقع, ولم يسمع الكثير من التحليلات على (لندن) لأنها مليئة بـ(الكلام الكبير), بل حتى أنّ متابعته للخبر عند ذلك البائع لم تتعد الدقائق الخمس لاضطراره مغادرة السوبرماركت بسرعة كون السيارة (مصفوفة رتل تاني).

وعن رأيه في السبب الذي شنت إسرائيل هذه الغارة من أجله, يجيب (أبو الخير) فجأة (فركت إدن), ويصمت قليلا منتبها لتغير لهجته في الحديث, ليعود ويؤكد بأن أمورا كهذه (تحصل دائما), لأننا (وحدنا), ولايوجد أحد لـ(يدعمنا), أما (هدول العرب), فلا يمكن أن نستفيد منهم بشيء سوى (الكلام) و(الارهاب)!!
وعن طبيعة الرد الذي يرى أنه الأنسب ليكون من طرفنا, يجيب مصطفى بأنه كان علينا أن (نسقط على الأقل إحدى الطائرات التي هاجمتنا), أمّا مستقبلا فـ(سيقوم حزب الله والشيخ حسن \ربي ينصرو\ باللازم عاجلا ام آجلا), وعما إذا كان قد تحدث مع أحد حول موضوع الخرق الاسرئيلي للأجواء السورية بعد عودته إلى البيت, قال (أبو الخير) أنّه قد تحدث عن ذلك بالفعل مساء مع بعض الأصدقاء الـ(المسقفين), وهم يدخنون النرجيلة في بيت (نزار) -أحد أولئك الصحبة- والذي كان من رأيه أن هذه السنة (لن تمر على ستر وسلامة أبدا), خاصة إذا لم (تنتخي إيران إلى جانبنا).

من جهتها لم تكن يمنى \23\ عاما أقلّ ترددا من مصطفى, إنما لأسبابها المختلفة.
فالطالبة الجامعية, والسكرتيرة في إحدى شركات القطاع الخاص حديثة العهد, تشعر ببعض الحرج كونها كانت (في إجازة على البحر) مع بعض الأصدقاء والصديقات, الأمر الذي حال دونها وأن تعرف عن الموضوع في حينه.
(سمعت الخبر بعد يومين وأنا اقلب محطات التلفزيون) تقول يمنى, وتضيف بأنها لم تشعر بخوف حقيقي إلا عندما علمت أن الطيران الحربي الاسرائيلي الذي دخل الأجواء السورية ربما قد يكون (مرّ فوق المنطقة التي كنت أسبح فيها مع صديقاتي على البحر).

على أن مخاوفها تلك سرعان ما تبددت عندما طمأنها ابن عمها الذي يملك مقهى انترنت, ولديه اطلاع على أخبار (المواقع المحجوبة)؛ أنه (لا وجود لأي خطر), لأنه لو كان مقدرا لأي شيء أن يحدث لـ(حدث يومها مباشرة), أما الآن وقد مرت عدة أيام على الحادثة فكل شيئ مستقر وطبيعي حسب تعبيرهما.

ليس لدى يمنى أي معلومات دقيقة عمـّا كان عليه رد الفعل الرسمي للمسؤولين السوريين, ولم تسمع أيا من محسن بلال أو فيصل المقداد أو وليد المعلم أو عماد مصطفى وهم يدلون بتصريحاتهم تباعا إثر الحادث, ذلك أنها (لاتفتح على القناة الأولى أو الفضائية), كما أنّها لاتملك تصورا يعتد به عن الطريقة التي تريد للرد العسكري أن يكون عليها فيما لو كان, باعتبار (الجيش أدرى بعمله منا جميعا), وهم لن يقصروا في (ساعة الحقيقة).
أما عن إذا ما كانت تشعر بأنه يمكن لهذه الحادثة أن تتكرر قريبا, أجابت يمنى أنها (لاتدري), بيد أننا (تعودنا على هذه الأمور), وأن الوضع عندنا (مهما حصل) يظل (أرحم) من الجاري في (العراق ولبنان وفلسطين), إنما بكل الأحوال (ربنا يحمينا).

أمّا (أم ناريمان) فليس عندها ما تقوله ابدا, و(لاتحاول)!
فهي (لا تفهم بالسياسة), ومع طفلتها التي تبلغ السنة إلا شهرين بالكاد تجد وقتا لأي شيء على الاطلاق. لكن طالبة البكالوريا المتخلفة عن دراستها, وزوجة المهندس الميسور, سرعان ما تبدي استعدادها للتطوع بالحديث عن موضوع آخر هو (الدراما السورية) ومساسلات رمضان, والتي حسب كلامها (تشد المشاهد), وهي شخصيا (لا تفوت منها شيئا) على ضيق وقتها الذي تذمرت منه آنفا!!

حول الـ(لماذا) ...

لايحتاج المراقب كثير جهد ليدرك أنّ أغلب الشبان السوريين ليسوا على ذلك القدر من الاستثارة والاستنفار حتى يعاجلهم بمهدئ موضعي من نمط أن البلاد ليست مستهدفة لذاتها, وأن الغارة قد لا تعدو كونها (بروفه) قريبة لهجوم مستقبلي أبعد في طهران.
F16-Eأو ليضع ذلك الملاحظ ضمن توقعاته أنّ تلك الشبيبة لن تميز بسهولة الـ
أو تتعرف على (بانتسير), نظام الدفاع الجوي الذي تزودت به دمشق مؤخرا من موسكو, والذي يحلو للبعض الاعتقاد أنّ المقاتلات الاسرائيلية إنما شنت تلك الغارة للوقوف على مدى نجاعته في أيدي السوريين.
إذ أنّ هذه المقاربات والتحاليل تظلّ -كغيرها مما سال الحبر فيه مؤخرا- قاصرة عن انتزاع استجابة من شبابنا تداني في حرارتها سخونة الحدث الداهم.

الدكتور مروان قبلان عضو مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة دمشق, والأستاذ فيها, لم تشكل له ردة الفعل المرتخية هذه لدى الشباب السوري أية مفاجئة -شخصيا على الأقل-, حتى وهو يشهد كيف أن هذا المسلسل الرمضاني الطارئ على ما فيه من عناصر التشويق والاثارة السياسية, والأحداث التي تكتسي مع مرور الوقت والتسريبات بوليسية فضفاضة؛ فشل في الاستئثار بانتباه شريحة هي الأوسع ضمن المجتمع السوري اليوم, وكيف أنّ الاستبصاري المتخيل لتمثيليات رمضان ودراماه الأصلية؛ استحوذت على البصري المثخن بواقعية صلدة دونها مثل هذه المستجدات.

ويعزو الدكتور قبلان هذا الأمر إلى مجموعة من العوامل والترسبات القديمة, يأتي على رأسها ضعف المشاركة في الحياة السياسية لدى المجتمع السوري في العموم, ولدى هذه الشريحة الواسعة على وجه الخصوص, والتي تتعدى نسبتها إلى العدد الإجمالي للسكان الـ\43%\.
معللا بأنّ (الحياة المجتمعيّة في سوريا قد مرت بمراحل كان التعاطي خلالها في الشأن السياسي يعد نوعا من أنواع التابو), مذكرا بموروث قديم حديث, يتداول فيه الناس بين بعضهم التحذيرات من الحديث حول التمظهرات السياسية لـ(الأوضاع العامة للبلد), وهي الحالة التي ورثتها الأجيال الجديدة لاحقا, ووجدت نفسها عالقة فيها, الأمر الذي كان من نتيجته أن (ابتعد الشباب عن السياسة, والنشاط السياسي), ووصلوا في ارتدادهم عن التواصل مع مفردات المُعاش السياسي حدا دفع أكثر من\76%\ منهم -وفق دراسة رسمية لافتة- إلى الاعتقاد أن بلدهم لاتتهدده أيّة أخطار عسكرية من أي طرف!
وذلك في وقت يعافر فيه دون جدوى ما يربو على \200,000\ جندي أميريكي ومرتزق لضبط الأوضاع الأمنية المتفلتة في بلد جار لهم, وتجتاح موجة الاغتيالات الجوالة عاصمة لاتبعد عن عاصمتهم أكثر من ساعتين بالسيارة, ويحجر فيه على مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة, باحتهم الخلفية إقليميا وسيكولوجيا, دون أن يحرك أحد -دولي- ساكنا. ناهيك عن أنّ بلادهم لازالت عمليا منذ العام 1967في حالة حرب مع اسرائيل, ولديها أراض محتلة تتجاوز مساحتها الـ\1200\ كم‘.

سبب آخر -فيما يرى الدكتور قبلان- يعزز فصام جيل اليوم عن واقعه السياسي, ألا وهو (ضعف أداء الاعلام السوري في مجمله), ضعف حرم هذا الاعلام من أن يكون حاملا موثوقا للمعلومة والخبر أولا, و(منبرا) ومتنفسا لهواجس هذه الفئة في المقام الثاني, وسهل اتجاه هذه الشريحة نحو الـ(استقالة) من الحياة العامة محليا.
يضاف إلى ذلك كله (سلسلة الاحباطات) التي غرق -أو أغرق- فيها الشباب السوري جراء (المواقف العربية من القضايا الأساسية والمصيرية), والنكسات المتتالية التي لازالت شعوب المنطقة ككل تعاني نتائجها وعواقبها المدمرة على مستوى قومي.

وبنسب تعليم متواضعة /85.4% منهم تعليم ثانوي فما دون/, وبطالة مرتفعة؛ يعتبر ارتهان شباب هذا الجيل للهم المعاشي اليومي, وانخراطهم في اللهاث وراء أوليـّات اقتصاديـّة عصيـّة, وآمال الحد الأدنى من مستقبل بلا خضات (داخل او خارج حدود بلادهم), عاملا إضافيا ينأى بهم عن الاشتغال بالهم العام كما يوافق الدكتور قبلان, والذي لا يرى في المدى المنظور أي علاج (فوري) للخلاص من هذه الظاهرة الخطيرة, بيد أنه يعتقد أنّ أيّ محاولة في هذا الصدد لا بد لها إن كانت جادة في سعيها أن تبدأ من نقطة (الاعتراف) بوجود هذه المشكلة بين ظهرانينا, منطلقين نحو (طمأنة) هذه الشريحة الفتية من المجتمع بأنّ (الانخراط إيجابيا في النشاط السياسي؛ أمر لا يترتب عليه أية محاذير, أو متاعب), بل على العكس, يجب أن يكون واضحا في أذهان هؤلاء (المواطنين) أنّ ذلك (مسألة مطلوبة, وواجب وطني).

وكغيره من الباحثين, والسياسيين, وأصحاب الرأي في هذا المجال, لا يألو الدكتور قبلان جهدا, في الحث على ضرورة البدء بتهيئة الأرضية الملائمة لاستقبال وتفعيل المشاركة الشبابية في الشأن العام, من قبيل (إصدار قانون عصري وملائم للأحزاب والجمعيات) و(السماح بقدر أكبر من الحريات الإعلامية).
وهما مطلبان ملحان, من شأنهما اليوم أن يفسحا المجال أمام فئات المجتمع المختلفة -وعلى رأسها الشباب- لـ(التداول في الشأن السياسي, وبالتالي تحمل هذه الفئات لمسؤولياتها تجاه وطنها وما يحيط به من تحديات وأخطار).

........

وبين تطنيش أولمرت, وتبصيرات بولتون, وهزة أكتاف كوشنير؛ لا يبدو على الشباب السوري أنّه تسلم حقا, عبر ذلك البريد الجوي الحربي المضمون؛ ما اصطلح عليه أخيرا ليكون الـ(رسالة) الاسرائيلية.
وجدار الصوت الذي تتفنن مقاتلات الـ(عدو) في خرقه كل مرة, هش على ما يظهرمقارنة بجدار الصمت الذي يعلو ويرتفع مع غيره من الجدران في المنطقة, ليلف مواقف وردات فعل سوريين شباب.
لتبدو في النهاية تلك الأسماء المستعارة التي أصرّ الشباب على تنقبها والتـلطي خلفها قبل أي حديث, مقدمة منطقية للحقائق المستعارة التي تمنح الواشنطن بوست نفسها –على سبيل المثال- ترف تخليقها بلا رادع.
ومن اتهم سوريا بالأمس باستخراج اليورانيوم من (الفوسفات) الذي قد يتراجع مخزونه مع الوقت, قد يعنّ على باله اتهامها غدا باستخراجه من (المتـّة), والتي قد لا تنضب أبدا, شراب الاسترخاء الشبابي المفضل كل يوم.